شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مؤتمر القمة.. والإمبراطوريتان
أيما كاتب أحترف التعليق على الأحداث لا يلتفت إلى الايجابيات - ثناء وقريظاً - كأنما الثناء على مؤتمر القمة الإسلامي ليس من عطاء الذين أنصفوا أنفسهم فأشادوا بالمؤتمر فحسب.. وإنما هو - وأعني الإعجاب - عطاء من الكاتب نفسه، فلا يحتاج إلى أن يمارس التعليق الايجابي، وإنما هو يجعل همه أن يدير حواراً مع السلبيات.. لا ليقرر الحقائق، وإنما لينكر التعسف المفروض.
مؤتمر القمة الثالث المنعقد في مكة، أول القرار الصائب الصادر عنه هو أن انعقاده بالكثرة الكاثرة من القادة المسلمين، لم يتأخر عنه إلا الذين أخروا أنفسهم، ثم إن القرارات التي أشاعوا أنها مائعة أو أن المؤتمر فاشل قبل أن ينعقد لم تكن صادرة عن فهم للأوضاع العالمية وإنما حصروا أنفسهم في أوضاعهم هم. فهل كانوا يطلبون من المؤتمر أن تصدر قرارات عنه بشيء من صرامة الإعلان للحرب المقدسة، أم كانوا يصورون أن قرارات غير التي صدرت تصاغ بصيغ تشتمُّ منها رائحة الانحياز إلى دولة عظمى، يفرح الذين استقطبوا لها بينما الآخرون يريدون منه الانحياز إلى الدولة العظمى الأخرى التي استقطبتهم.. كأنما هم أرادوا من المؤتمر أن يكون صورة من مؤتمرات عدم الانحياز.
ومن الواضح الجلي أن قرارات المؤتمر صورت الواقع، وحذرت من الوقوع في أن يكون مستقطباً لإحدى الإمبراطوريتين.
ولئن كان موضوع المؤتمر هو وحدة التضامن في الدفاع عن فلسطين - وقد سمي المؤتمر باسم فلسطين - والدفاع عن الأفغان، والدعوة إلى إنهاء الحرب بين العراق وإيران التي أصبحت غير حرب محلية لأن من عقابيلها إن كانت حرباً عطلت الجهد الإسلامي عن مناصرة الأفغان بالإجماع، وعطلت الجهد العربي عن التحرك عن قضية فلسطين، فما أصدق قول الوسيط الدولي رئيس وزراء السويد السابق بألم: إن هذه الحرب بين العراق وإيران قد تركت قضية الشرق الأوسط توضع على الرف.. وإنما لانشغال الدنيا كلها عنها، فهي ليست من المباسطة بأن تترك دون أن يتعرض لها مؤتمر القمة الإسلامي، فلئن كانت الحرب مواجهة بالسلاح، فأي ضير لو كانت المواجهة في قاعة المؤتمر؟
فالقرارات - إذن - أكثر دقة وأشد صواباً من قرارات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ودول عدم الانحياز وما إلى ذلك ثم إن انعقاد مؤتمر بهذا الجمع الكبير شكل قوة عالمية.. ما أحرى أن تكون هي القوة الثالثة ليكون ما يسمى: العالم الثالث - الجامع للدول النامية - عالماً رابعاً، أو قوة رابعة، فالقمة الإسلامية إبراز القوة جديدة تستهدف التحدي، وتتصدى للتعدي، وليس في مخططاتها أي تحرك للتعدي إنها قوة عطاء لا قوة استجداء، فوجود هذه القوة قرار لن يكون مائعاً، ولن يكون فاشلاً، وعجيب أن تعلق الصحف الأجنبية تشيد بخطورته العالمية، وأن تعلق وسائل الإعلام بلغة عربية للتقليل من خطورة هذه القمة في مواجهة الأوضاع الحاضرة في هذه الدنيا، لئن كان الموضوع إبراز القوة الإسلامية لمواجهة التحدي، فإن الموضوع المستهدف هو موقف هذه القمة تجاه الإمبراطوريتين: إمبراطورية البيت الأبيض وإمبراطورية الكرملين، فلم يعد خافياً أن هاتين الإمبراطوريتين هما اللتان تشكلان جبهة المواجهة أمام هذه القمة.
فإسرائيل ليست هي الولايات المتحدة، والولايات المتحدة ليست هي إسرائيل.. تواجه العالم الإسلامي والشعوب العربية بالعدوان والطغيان، ولم يدع المؤتمر إدانة الولايات المتحدة في عدوانها المستمر تمارسه إسرائيل، كما أنها تمارس الموقف المتأرجح والمتخاذل أمام طغيان الاتحاد السوفيتي.. كأنما الوفاق مؤامرة يبيح للاتفاق أن يكون مقامرة.
ولم يقف أصدقاء الولايات المتحدة في المؤتمر إلا مع هذه الإدانة للولايات المتحدة.. لأن صداقتهم لحقوقهم هي الأولى لأن يكونوا معها ولها، وإن صابروا وصبروا على تصرفات الولايات المتحدة، فقد أشبعت الكلمات نفسها حملة على الولايات المتحدة ما توفيناها ولا خفناها.
وبقي الموقف تجاه الاتحاد السوفياتي، فإذا الوضع بدل أن يكون وضع الاتحاد السوفيتي في موضع الإنكار عليه والحملة ضده - حذوك النعل بالنعل - مع الولايات المتحدة.. أباح كثير من المتكلمين أن يقرظوا الاتحاد السوفيتي، كأنما هم صكوا آذانهم عن سماع الصرخات صرخات الدماء التي تنزف في الأفغان، كأنهم تناسوا تلك اللطمات على وجوه الفواطم والزينبات والعائشات من أمهاتنا وبناتنا.
كل ذلك كان باسم الصداقة للاتحاد السوفيتي، ولن أجازف بأي كلمة حين لا أتنكر لهذا الأسلوب، بل كانت الحرية التي أعطيت لهؤلاء مظهراً صحياً أبرزت قوة المؤتمر لتتضح الأمور ولتعلن الموقف.
ولست أجازف - مرة أخرى حين أعتذر عن صداقة هؤلاء للاتحاد السوفيتي فقد سبقهم تشرشل حين قال: (في سبيل بريطانيا أحارب بالشيطان) فهؤلاء العرب حينما صادقوا الاتحاد السوفيتي يعذرون حينما يحالفون الشيطان.
ولكن كانت محالفة تشرشل مع الشيطان محالفة صادقة لم يتشيطن الشيطان فيها على تشرشل فقد حقق هذا الحلف هزيمة هتلر، أما الصداقة مع الاتحاد السوفيتي الآن، فهي صداقة من طرف واحد هم العرب الذين صادقوه، ولم تكن صادقة من الاتحاد السوفيتي.
لماذا أقول ذلك..؟
إن صداقة الاتحاد السوفيتي لم يكن ظهرها، ومخبرها إلا بيع السلاح لإعطاء السلاح بالقيمة المدفوعة فوراً.. وحسن أن يمتلك العربي السلاح، ولكن الأسوأ من هذه الصداقة أن يمنع الصديق البائع للسلاح صديقه من استعمال السلاح.
فإسرائيل تكيل الضربات للبنان. ولعلّها تتربص بنا أن تضرب مكاناً آخر، والسلاح مكدس لا تستطيع يد أن تتحرك به.
فأية صداقة هذه؟
إن طغيان الولايات المتحدة طغيان سافِرٌ ويمكن مقابلة هذا السفور بتصرف سافر لم يستنكف المؤتمر عن إعلانه، أو عن التحرك به في الطرف المواتي. أما صداقة الاتحاد السوفيتي، فطغيان مبرقع ولافترض أن منظمة التحرير قد أعلنت قيام دولة فلسطين فمن هم الذين سوف لا يعترفون بها سترتفع اصوات بالإجابة تقول: إن الولايات المتحدة لن تعترف بهذه الدولة وإن دول الجماعة الأوروبية كلها لن تعترف بهذه الدولة وهذا صحيح ولكن. هل تضمن هذه الدولة الفلسطينية حين تقوم أن يعترف بها الاتحاد السوفيتي كما اعترف في اللحظة الأولى بقيام دولة إسرائيل.
إني أتحدى من يزعم أنه يتوقع اعتراف الاتحاد السوفيتي، فأي صداقة هذه..؟
وليس هذا دفاعاً عن الولايات المتحدة، وإنما هو الوضع الصحيح لأن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي شرطيان في الصدق والصداقة مع إسرائيل كأنهما في موقف واحد.
إن إسرائيل تتمتع بتأييد الاتحاد السوفيتي أكثر من تمتعها بتأييد الولايات المتحدة بالقوة البشرية التي تهجر إليها، وبالصمت المطبق يمارسه الاتحاد السوفيتي فلا يقول لإسرائيل في إنذار يوجه إليها: (حذار من هذه الحرب كل يوم تشنّينها على لبنان) بل إن القصف المتقطع من المقاومة على إسرائيل فيه مظهر من إباحة الاتحاد السوفيتي استعمال السلاح المشترى منه ليعطي إسرائيل الفرصة لأن تكيل الضربات إلى المقاومة.
ـ كمال حسن علي:
والتعليق يلاحق التعليق.. فبعد أن سمعنا إذاعتي القاهرة وصوت العرب تشغبان على مؤتمر القمة.. تصفانه بالفشل.. قلنا قولة الضب للأرنب حين خطف الثمرة منها الثعلب: ظالم انتقم لنفسه.
فحين لم تُدْعَ مصر إلى المؤتمر لم يقف نظامها الحاكم يرحب بالخير لأنه لم يكن شريكاً في صنعه وبعد ذلك وإن عذرنا الإذاعة أو الصحافة، فإنه لا يمكن أن نعطي وزيراً في حكومة مصر هو الجنرال كمال حسن على وزير الخارجية أي عذر في أن يضع حكومته المسلمة وشعبه المسلم في الموقف المناوئ لقرارات الإجماع المسلمة. فقد صرح بأن مؤتمر القمة الثالث فاشل.. لم يقرر إعطاء السلاح للأفغان، لم يحذو حذو مصر في مناصرة الأفغان، كما أنه لم يعجبه أي قرار من هذه القرارات، وقد ازدحمت نفسه بمواقف القذافي، فأراد من المؤتمر المجمع أن يكون المفرق.
ولماذا لا يكتفي بما أذيع ونشره..؟
لعلّني اتهمه، وأنا على يقين من ذلك، إنه الترضي لإسرائيل، وإعطاؤها الطمأنينة لموقف مصر كأنه يقول لزميله شامير: نحن لسنا مع المؤتمر القمة الإسلامي. فلا تخشوا من جانبنا شيئاً. ولم يكن هذا الاتهام جزافاً، فإن الجنرال ومن إليه يسعون جهدهم لترضية إسرائيل حتى في بعض ما يذاع من الأغاني.
شيء ما عرفناه عن مصر أيام الاستعمار.. حتى الزعامة التي اتهمت بمجاملة الإنجليز من عهد عباس إلى عهد فاروق، ومن عهد سعد إلى عهد توفيق نسيم وزيور.. كانوا غير حريصين على ترضية الإنجليز ويظهر أن الجنرال يقول لإسرائيل: لن نؤخذ بعيداً عنكم حتى بخطاب ريجان إلى الملك خالد.
ومن غرائب المصادفات أن يكون وزير خارجية إسرائيل من الطغمة العسكرية وأن يكون وزير خارجية مصر جنرالاً سابقاً كما وزير خارجية أمريكا هو أيضاً جنرال سابق.
ـ ألكسندر هيغ:
لقد صرح وزير خارجية الولايات المتحدة ألكسندر هيغ بقوله: ((إن الاتحاد السوفيتي يمارس الإرهاب الدولي)).
كلام نصدقه، وحتى نصفق له.. غير أننا نسأل قائد حلف الأطلسي السابق الذي كان حريصاً على سلامة الجناح الأيمن لحلف الأطلسي.. نسأله: هل هو الاتحاد السوفيتي الذي يمارس الإرهاب الدولي وحده، أم أن الولايات المتحدة قد مارسته قبله ولا زالت تمارسه بالعصا الغليظة حسب حسب تعبيره - بإسرائيل - أفليست إسرائيل في احتلالها الأرض العربية، وبناء المستعمرات والسخرية بإطار كامب ديفيد إلا إرهاباً دولياً مؤيداً من الولايات المتحدة.
فلئن كانت كوبا يد الاتحاد السوفيتي في هذا الإرهاب، فإن إسرائيل هي يد الولايات المتحدة في هذا الإرهاب.
لعلّي أعتذر إلى ألكسندر هيغ أنه لم يقل ذلك، وإنما قولوه، فما أكثر ما يتقول اليهود على هؤلاء الزعماء، وليس في هذا العذر لألكسندر هيج، أو الاعتذار عنه، وإنما هو التهكم برجال يسخرون لليهودية بهذا الأسلوب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :721  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 844 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الأول - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج