شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
واستقام التاريخ
واستقام التاريخ فلا ثغرات ولا فجوات.. فحين أعلن وزير التعليم العالي الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ أمر الملك خالد يعيد إلى جامعة الرياض اسمها الأول الذي أطلق عليها يوم أن أنشئت (جامعة الملك سعود) فلم يكد يسمع المحتفلون وهم كثر من كل الكيان الكبير هذا الخبر حتى ضجت القاعة بالتصفيق ولم يكن ذلك تكلفاً ولا انقياداً غوغائياً وإنما كان كل واحد من هذا الجمع الغفير قد امتلأ وجدانه ليس بالوفاء فحسب ولا باللفتة الحانية فقط. وإنما كان ذلك قراراً يضع الأمر في نصابه يعلن أن الدولة تريد أن يستقيم التاريخ وأن يتوحد الجمع في الأسرة الواحدة الكريمة وفي كل أسرة لا ينبغي أن تتفرغ أهواؤها كأنما القرار صدر به هذا الأمر دعوة لأن تكون الوحدة في هذا الكيان الكبير مطلباً قومياً ودعامة دينية وترسيخاً تاريخياً. فالملك سعود يرحمه الله ابن هذه الأسرة المالكة. كان هو الرياض وكانت الرياض هو. كما هي نوازع هذه الأسرة الملكية فالكيان الكبير كله هي وما هي إلا الحفيظة على قيم هذا الكيان الكبير.
إن الملك سعود كان حريصاً على أن تكبر الرياض بالعمران فإن هو يجد من كل من حوله ومن كل من معه العون على ذلك والرغبة في أن يتوج عمران الرياض بأول جامعة تنشأ في الرياض وكان لزاماً أن يطلق اسم جلالته عليها. صرخة الحق في أن يكون للجامعة اسم تعرف به كما أن تأسيس جامعة الإمام محمد بن سعود صاحب السيف في نصر الدعوة. صرخة حق تعطي لجد هذه الأسرة حقه في أن يذكر اسمه على مدى التاريخ.. وضجت القاعة بالتصفيق كأنما نسمة من الدرعية عانقتها نفحات من (حراء) من دار الأرقم بن أبي الأرقم أيوب الأنصاري من المسجد الذي أسس على التقوى من أول محراب في هجر فنادت تعانق اليمامة التي اشمخرت في شعر ابن كلثوم. فكأنما اشمخرت حاضنة الدعوة السلفية. حاضنة أول جامعة. أو كأنما ضجت القاعة بالتصفيق تُسمع النداء من حجر ثمود يناغي حجر اليمامة من أرم ذات العماد يسأل هل عادت إلى اليمامة طسم وجديس. إن زرقاء اليمامة دعت فرعون ذا الأوتاد تقول له (أعطني ابناً من أبنائك أرتفق به ليؤسس في يمامتي جامعة جديدة) فإذا مصر ينبعث منها ابنها عبد الوهاب عزام أو كأنما الملكان في بابل قالا لكلية العلوم في الجامعة أنتم أبناء الذين لا زالوا وهم في بيوت الشعر وحول الوديان يعرفون علمي عن البروج والإفلاج.
لقد ذاب هذا العلم في أكثر من وطن عربي ولكن نجداً كلها تعرف هذا العلم تزرع النخلة والحنطة في مواسمها التي خلقها الله.
كأنما كلية العلوم تريد لها ألا يذوب العلم القديم التراث في هذه العلوم الجديدة فلم يكن هذا الجديد إلا من علومنا القديمة.
لقد كان الملك سعود شديد الرغبة في أن يتم عمران الرياض فكانت الحلية على هذا البناء - الجامعة - ولقد غضب مرة فأبرق إلى وزير المالية حينذاك محمد سرور الصبان يشتد عليه بأمره ألا يتأخر عن أي مدد يطلب لتعمير أي بناء في الرياض.
وجاء الدور العظيم للملك فيصل فإذا الجامعات تترى واحدة بعد أخرى يدعم الجامعة الإسلامية في المدينة يؤسس جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يؤسس جامعة البترول والجامعة التي باسمه في هجر (البحرين) أو الإحساء.
إن الجامعة الإسلامية قد أمرت أن أقترح إنشاءها بأمر الملك سعود كأنما ذلك لتوعية الذين كثيراً ما يقولون (لا) حتى إذا تم الإنشاء كانوا خير من قال (نعم). إن الملك فيصل قد وضع الأسس لأن ينشر العلم وكيف صابر فأنشأ مدرسة الثغر والمدرسة الأولى للبنات لقد كان شغوفاً أن نكون جامعة حريصاً على أن تصبح جامعات.. فله كلمة سجلها في دفتر الزيارات يوم زار لندن أول مرة فسجل هذه الكلمة في سجل الجامعة ولا أدري هل هي اكسفورد أو كامبردج أم غيرها، كتب (إني لأرجو أن تكون جامعة في بلدي على غرار هذه الجامعة) كأنما هي دعوة استجاب لها الله.
أما الأمير فهد بن عبد العزيز ولي العهد فقد كان كثير الاحتفال شديد العناية والرغبة في أن ينشر العلم في كل بقعة من الكيان الكبير، فمن حظ هذا البلد أن كان هو الوزير الأول للمعارف فلئن أسس الملك سعود والملك فيصل ما أسسوا من الجامعات والمدارس، فإن الأمير فهد قد أعطى كل جهده لأن يرتفع البناء، ولأن تكبر الجامعات، ولأن تنتشر المستشفيات، فلا تجد بقعة في هذا الكيان الكبير إلا وفيها المدرسة من الألف إلى الياء كأنما هو قد شعر بالجوع الذي كنا فيه، فمثلاً وفي أواخر الخمسينات يوم كانت موازنة الدولة لا تبلغ الخمسين مليون ريال طلبت المدينة المنورة أن يكون فيها فصل ثانوي بينما هي تشهد اليوم مدارس ومدارس وجامعات وكليات وأذكر إن لم أكن قد نسيت أن أول موازنة لعام 373هـ لوزارة المعارف كانت 174 مليون ريال فابتدأ التوسع حتى أن.. واجب الوفاء لمآثر الرجال ينبغي أن أذكره. إن وزير المالية حينذاك محمد سرور الصبان قد دعا الممثل المالي في وزارة المعارف يقول له: إن سمو الأمير فهد طموح حريص على التوسع في نشر المدارس، فلا تقل إن البند لا يفي قل (نعم) واطلب مني الدعم أُوَافِكَ به حالاً.
ومن استقامة التاريخ أن أستعرض كيف تمت جامعة الملك عبد العزيز في جدة. كان الأسلوب أن يتم الأمر بالهوينا حتى يحين الوقت لمن يقول لا. لمن كان مثلي من خائري العزيمة أن يقول بعد - نعم - كانت الدعوة لأن تؤسس بالتبرعات فلم يتقدم الكثير من الذين أعطاهم إلا من أن يكونوا أثرياء الجيوب، فقراء القلوب وإنما تقدم للتبرع بالمبلغ الكبير حينذاك محمد أبو بكر باخشب، فلئن امتلأ جيبه فلم يكن حين جاء البلد فارغ الجيب. أما الرجل الثاني فعبد الله السليمان وزير المالية السابق أحد البنائين فقد تبرع بالأرض اعترافاً بالخير الذي رُزِقَ.. وبذلا من الخير الذي أُعطيَ.
وجاء الملك خالد صادق النية حسن الطوية لم يقل لأي خير (لا) فوضع حجر الأساس.. للجامعة تعانق الرياض الدرعية ودعم الجامعات فإذا هو يبرز كريماً بخلقه وحبه لمكة ويؤسس فيها جامعة أم القرى. كل هؤلاء لم ينسوا أن أباهم الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن يرحمه الله قد أقام لهم الوحدة الأنموذج فإذا هم كلهم يضعون النماذج من الوحدة كأنما هي لبنات يتوطد بها الكيان الكبير وبناء الأسرة الكريمة أسرة الملك والأسرة كلها من الشعب، فهم للشعب ومن الشعب. ذكر أن بدوياً مسه ضيق فقال يتحدى من أضامه (لا تحدني على قصاي أنا أقول لابن سعود يا ولد عمي وأنت في حماه يردعك أن تجور).
حديث الأمير فهد
وتحدث الأمير فهد ولي العهد إلى طلاب جامعة البترول والأساتذة حديثاً هاماً أحاط بكل شيء لكن فقرة واحدة أخذتني أريد التعليق عليها.
فقد قال سموه ما نصه كما نشر في صحيفة البلاد:
(إن من حسن حظ المملكة في هذه الفترة أن تدفق البترول من أرضها في هذه الظروف الصعبة التي كانت تعيشها، ولو تدفق في وقت غير هذا الوقت لربما دخلت المملكة في عداد الدول المحتلة طمعاً في ثروتها).
إن هذه الكلمة صادقة كل الصدق، فعبر عن الاستعمار المتكالب على ثروة الأرض تعبيراً رقيقاً، غير أن الحجب والخفاء لهذه الثروة دفينة الأرض فلم تظهر إلا بعد أن أطاح هتلر بالاستعمار القديم وأنقذت الشعوب نفسها من الاستعمار الحريص على النزح من ثروات الشعوب.
فهل كان هذا الإخفاء إلا من نعمة الله أولاً لتفيض نعمته بعد فأعطى الملك عبد العزيز الخطوة ألا يظهر البترول إلا في وقته أم أن الملك عبد العزيز كما سمعت قد اغتنم المقالة التي وردت في تقرير لخبراء بريطانيين بأنه لا بترول لديكم فأرخى حباله. ثم حانت الفرصة لأن تمنح الامتياز لشركة أمريكية. فلما عاتب الإنجليز قال لهم: إن تقاريركم هي حرمتكم ذلك..
والفرصة الأخرى لإقصاء الإنجليز أنه كان لديهم بترول العراق وبترول إيران حتى إذا خافوا عليهما قال تشرشل (إن بريطانيا لا تستطيع أن تحمي مصالحها في الشرق الأوسط فجذبنا الولايات المتحدة إلى حوض البحر المتوسط تكون لها مصالح ونحمي مصالحنا) كل هذا من حظوة العبقرية عند عبد العزيز رحمه الله. فقد كان سمو الأمير فهد حصيفاً في هذه الكلمة لا يعتذر عما مضى فبذلك تسير الظروف ونحمد الله على ما نحن فيه. كما أن عند جيل التجربة نكثر من الحمد والشكر.
محمد صقر وإبراهيم شاكر
وتعودت أن أذكر محاسن موتانا فقد مات الصديق قبل أيام واسمه محمد أحمد صقر أبوه أستاذنا وأستاذ جيل. كان هذا الطفل محمد صقر مع أبيه في مدرسة واحدة وأبوه في الفصول العليا وهو في الفصول الأولى، مفارقة قل أن تحدث، المدرسة اسمها دار المعلمين أسست في المدينة المنورة في بيت في الساحة (دار جونه) يملكها بيت مظلوم باشا في القاهرة. الوكيل عليها السيد أحمد صقر التلميذ في هذه المدرسة والمفارقة الأخرى أن السيد محمد أحمد صقر كان تلميذاً في فصل واحد ومن زملائه طفل في سنه اسمه عبد الحميد بدوي. أعني عبد الحميد باشا أستاذ الفقه القانوني وأحد مفاخر مصر. ذكر ذلك طه حسين يوم استقبله مجمع اللغة.
كان السيد محمد أحمد صقر أكبر مني سناً من لدات عبد الحق النقشبندي وعلي حافظ. كان ذكياً رضياً لا أذكر أنه أساء إلى أحد، أترحم عليه كتبت عنه أسجل اسمه في ثبت الوفيات، إبراهيم شاكر لم أعرفه في شبابه ولكني سمعت أنه كان ملء البصر كأنما الحظوة قد لازمته شاباً وكهلاً وشيخاً لم ينتقص من قدره أحد ولا نغص على أحد في شبابه. كان نظيف الثياب نظيف العرض كأنما جمال الخلق قد زاده جمالاً. لم أكن في حل أن أكتب الكثير عنه ففي ذلك يتشابك تاريخ ولكن ومن تمام الحظوة له أن كان قران الصداقة بينه وبين حسين العويني يقترن بكلائه من الملك عبد العزيز البطل يرحمه الله ثقة بهما لأنهما قد استأهلا ذلك فإذا كلاءة تعطيهم عون عبد الله السليمان يرحمهم الله جميعاً فإذا هو وإن أثرى لم تثر به سائله البخالة فما أشد أركامه لأصدقائه القدامى لم يكن غريب الأطوار وإنما كان غريب الأسفار عمر طويلاً فلعلّه لم يمت وقد نيّف على التسعين لا أريد أن أزيد فالذين كانوا له احترموا أنفسهم عن الاستجداء كما السيد مصطفى عطار والذين كانوا به كان يكرمهم عن هذا الاستجداء يرحمه الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :679  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 842 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

البهاء زهير

[شاعر حجازي: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج