شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ازدواج السلوك..
لم تعد القوة في دولة عظمى حفيظة على الأخلاق مع أن قوة الرجال تحميهم من ازدواج السلوك فالضعفاء والمارقون والانتهازيون.. يحتم عليهم ما هو عليهم ما هو فيه أن يكونوا على سلوك مزدوج. غير أن القوة التي تمسك بها دولة عظمى لم تعد حامية الأخلاق، كأنما العجز عن استعمال القوة هو الضعف.
هذه المقدمة.. فتح آفاقها أمامي ما قاله الأمين العام للجامعة العربية (الشاذلي القليبي) فقد وصف سياسة الولايات المتحدة أنها ذات وجهين، فأسلوب الولايات المتحدة في فرض العقوبات على الاتحاد السوفيتي وبولندا مغاير لما تتخذه من أسلوب في مجلس الأمن.. ترفض أن توقع عقوبات على إسرائيل.
لكن ينبغي لي أن أطيل الشرح. ففرض العقوبات على بولندا والاتحاد السوفيتي محاولة لإخفاء الضعف من عدم القدرة على استعمال القوة. ذلك أن منع القمح عن الاتحاد السوفيتي مرهون بحركة يقوم بها الزراع الأمريكان، ليأتي بعد التصريح من الحكام العسكريين في بولندا بأنهم سيلغون الأحكام العرفية، فيأتي الفرج أو الانفراج للقوة العاجزة عن الاستعمال أن تلغي الحظر وكل العقوبات، لأن الوعد - ولو كان كاذباً - سيكون المبرر لهذا الإلغاء. أما فرض العقوبات على إسرائيل فمطلب عسير على الولايات المتحدة.
ولم نعد في موضع الغفلة الآن.. نحسب أن إسرائيل دولة بينها وبين الولايات المتحدة متناقضات. إن إسرائيل العصابة، ما هي إلا جزء من الولايات المتحدة، هي عصا الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وعلى العرب، فكيف نطالب الولايات المتحدة أن تفرض العقوبات على نفسها؟
لقد قلت من قبل: لا تقولوا إسرائيل، وإنما قولوا الولايات المتحدة.. فازدواج السلوك مظهر (كوموفلاج).. أما الصحيح. فإن هذا التصرف ضد بولندا أو مع إسرائيل ما هو إلا وحدة السلوك. والظاهرة التي يجب أن نتكلم عنها تلزمني أن أطرح هذا السؤال، فالحكومات الممثلة في مجلس الأمن.. لماذا يتأرجح موقفها إلى الأمن. هل هو الخضوع للولايات المتحدة. أم هو الرغبة في أن لا يفرضوا عقوبات على إسرائيل؟.. لأنهم لم يزالوا على صورة من (جي موليه).. و (إيدن) و (اديناور) وإن تعددت الأساليب.. يريدون دائماً أن يكون العرب في حاجة إليهم.. عطاءً سخياً من حقول البترول، وعطاءً أكثر سخاء لشراء السلاح..
إن إضعاف إسرائيل في نظر الغرب يحرمهم من القوة التي يفرضونها على العرب، وإعلان الصداقة من بعضهم قد كشفته فرنسا ببيع السلاح لإسرائيل. وفرض العقوبات يعري موقفها أمام العرب، والمراوغة بعدم بيع السلام من ورثة (اديناور) عطاء لإسرائيل أكثر من عطاء الماركات التي دفعها اديناور.
إن الولايات المتحدة لا أتهمها بالغفلة ولا بالعجز، فاليقظة علمتنا أن نعرف كل تصرفات الولايات المتحدة.. مخطط تنفيذها، كل تصرف أو موقف له وقت معين.. لقد جمدت الولايات المتحدة التعاون الاستراتيجي مع إسرائيل وألغته إسرائيل، مع أن إسرائيل ليست في حاجة إلى هذا التعاون والولايات المتحدة هي كذلك، فلا زالت الولايات المتحدة تصرح كل يوم بأنها ملزمة بالحفاظ على أمن إسرائيل.. فلماذا لم تعلن - وهي الإمبراطورية التي تنادي بحقوق الإنسان وأنها المحافظة على السلام - أن تصرح بأنها مسؤولة عن أمن الشعوب العربية من عدوان
إنها لم تفعل ذلك، لأن هذا يعني: الانفصام.. يعرف منه أن إسرائيل ليست الولايات المتحدة..
التعاون الاستراتيجي:
نسبوا إلى الحكومة السورية تهديدها بأنها إذا لم تصوت الولايات المتحدة إيجابياً على فرض العقوبات ضد إسرائيل، فإنها ستلجأ إلى تعاون استراتيجي مع الاتحاد السوفيتي.
ويقيني.. أن الاتحاد السوفيتي لا يريد أن يتعجل ذلكن فإنها ستلجأ إلى تعاون استراتيجي مع الاتحاد السوفيتي.
ويقيني.. أن الاتحاد السوفيتي لا يريد أن يتعجل ذلك، من طبيعة الاسترخاء، فلم تنضج التفاحة بعد.
ويقيني - مرة أخرى - إن الولايات المتحدة تتظاهر بأنه تهديد لها، بينما هو الرغبة الأكيدة منها ومن إسرائيل أن تسير سوريا في هذا الطريق. لتجد الولايات المتحدة أن عداوة سوريا قد بلغت الذروة، فتعطي نفسها حق التصرف بأسلوب عدواني.
فالتخطيط للعدوان هو رغبة إسرائيل ومن إليها، وليت إسرائيل تمضي في عدوانها، ليتم لسوريا والاتحاد السوفيتي أن يواجهوا العدوان، فلم يعد الاتحاد السوفيتي يصبر أكثر مما صبر على هذه الانفعالات.. تمارس ضده في بولندا.
إن العالم الآن في حاجة إلى أن تقوم الحرب سافرة بين الإمبراطوريتين، فأي محاولة من دول أوروبا الغربية لتهدئة الوضع بين الإمبراطوريتين لن تنجح، فاليهودية تسيطر على الإدارة الأميركية لها الرغبة - كل الرغبة - أن يدمر الوفاق وأن يشتعل الشقاق بين الإمبراطوريتين لدمار الإنسان..
إن أوروبا فازعة من هذا الموقف، لأن أي حرب حول لشرق الأوسط ستكون هي الحرب نفسها في أوروبا.. يتناولها الاتحاد السوفيتي عن قرب ولا تستطيع الولايات المتحدة النجدة في حرب تقليدية، وبعيد أن تكون حرباً نووية.. ويعني ذلك: إن غرب آسيا وشرق إفريقيا وأوربا كلها الميدان للحرب القادمة، والسبب - كل السبب - رغبة أمريكا في أن تحافظ على أمن إسرائيل، وأن لا تحافظ على أمن العرب.
بولندا:
مفارقة عجيبة: لقد ثارت الحرب العالمية الثانية من أجل بولندا، فهتلر غزا (دانزج) فأعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب، ووقفت الولايات المتحدة لا تغيث من هم أصدقاؤها. أريد من ذلك أن تتحطم الإمبراطوريات لتكون الولايات المتحدة هي الإمبراطورية الوحيدة، ولكن اليابان أسرعت بدخول الولايات المتحدة الحرب.. حين ضربت الأسطول في (هاواي).
أما اليوم، فإن الولايات المتحدة هي التي تفرض العقوبات على بولندا والاتحاد السوفيتي، وتزرع الخوف في أفئدة حلفائها.. حتى أنهم لم يطيعوها في أن يحذو حذوها في فرض العقوبات ولقد فات الولايات المتحدة أن تكون الإمبراطورية الوحيدة، لأن (ترومان) و (اتلي) قد صنعا للاتحاد السوفيتي أن تكون الإمبراطورية الثانية.
أليست مفارقة.. أن تكون بولندا القاسم المشترك في الحرب العالمية الثانية وفي الموقف المتأزم الآن.
إن بولندا بكل ما صنع الاتحاد السوفيتي فيها لا يؤثر على مصالح الولايات المتحدة، بل إن تعرضها لهذا الموقف قد أسقط من هيبتها، ولكن إسرائيل هي التي نالت وتنال من مصالح الولايات المتحدة.
والمفارقة الأخرى: حينما جزع ألكسندر هيج من موقف حلفائه - لا يستجيبون لرغبته قال: إن من يحملون السلاح ولديهم القوة يتعمدون إثارة القلاقل ويلغون المعاهدات والاتفاقات ولا يخضعون لأي قانون، فينبغي لنا أن نردع تلك التصرفات.
إن هذا التصريح يتمتع بازدواج السلوك، فأي حكومة في الدنيا كلها قد مارست انتهاك حقوق الإنسان ورفض قرارات هيئة الأمم المتحدة والسخرية بأي قانون أكثر من إسرائيل؟
أليس ذلك ازدواج السلوك كما قلنا؟ وإنما هو فعل الولايات المتحدة يشفع له كمبرر أن لا تكون رادعة لما أرادت. مفارقة غير مفهومة لأي ناظر غافل ومفهومة للذين يعرفون أن الولايات المتحدة توافق سلفاً على كل ما صنعت إسرائيل.
ـ صورة:
قرأت فيما قرأت أن كلمة وردت قالها (مناحيم بيغن) بكل الغضب، يبرر ما صنع ويصنع مع أنور السادات من إحراج وشغب في مفاوضات (كامب ديفيد) قال يوجه كلامه لأنور:
ـ (لقد خدعتنا)..
فماذا يعني ذلك؟
هل هناك اتفاق كان بين أنور السادات وإسرائيل قبل العبور، فلم يستطع أنور السادات أن يفي به، لأن الجيش وقادته عندما وجدوا الفرصة مواتية للانتصار لم يتقيدوا بما يأمر به أنور السادات أولاً؟ من هنا تأزم الموقف ضد أنور السادات وضد إسرائيل ليكون الجسر الجوي المبرر لينقذ أنور السادات ما اتفق عليه.
فلم يكن أنور السادات قد خدع إسرائيل، وإنما النصر المواتي هو الذي خدع الاثنين، فكانت أزمة القادة، وصبر من صبر، ونفر من نفر. فهل أجد لذلك عند الصابرين؟ لتصدق الأقاويل التي كتبت، وليظهر كذب الأقلام التي صفقت وطبلت.
السؤال مطروح والتاريخ أمانة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :584  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 840 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج