هل العرب أمة |
لقد عشت متفائلاً.. أرقب الفجر الجديد لأمة واحدة - أمتي العربية - وكنت أستمد هذا التفاؤل من الماضي القريب يوم كان العرب قبائل في الصحراء، يحيط بهم الاستعمار الروماني في دمشق.. يتستر في ظلال ملوك من العرب.. أعني الغساسنة أبناء جفنة، ويوم كانوا يحاطون بالاستعمار الفارسي - يتستر في خلفيات الملوك المناذرة في الحيرة - يوم أستغول الاستعمار الفارسي في اليمن، وقبله الحبشي، فلقد كانت جزيرة العرب محاطة بسلطان الإمبراطوريتين، لكن لقبلي من وادي القرى، وفي سفوح رضوى إلى حدود الحيرة، وإلى حدود اليمن، كان يتعلم صناعة الحرب إرهاصاً للوحدة بكلمة التوحيد كانت القبائل لها أيام ما أطولها، وما أثقلها. |
اشتعلت فيها الحروب القبلية، لكنهم - والقبلي في الحرب مع أخيه - ما كان مسخراً لاستعمار الفرس عن طريق الحيرة، ولا لاستعمار الروم عن طريق دمشق.. ففي النجود والتهائم والسروات، كل القبائل كانت في فرقة الوحدة إن تحاربوا، وفي وحدة الفرقة إن حاربهم أجنبي. |
لقد هتف كل العرب يوم انتصر (هاني بن مسعود) في ذي قار على الفرس، وكان خير من رحب بهذا النصر العربي القرشي الهاشمي رسول الله (اليوم انتصف العرب من العجم وبي نصروا). |
كانت صرخة قومية، وحين كانت إرهاصاً للإسلام الذي وحد العرب بعد، لم يجف عربي قوميته، ولم يتجاف عن إسلامه، فقد هذب الإسلام القومية لأنها سلاحه.. فقد أعز العرب وبهم اعتز، فهل أجور على قومي اليوم فأقول: لماذا تصبحون آلة للابتزاز ووراءكم تاريخ طويل صنعه الوجدان الموحد، والسيف المتحد، والشطف الحافز، والعقيدة قبل كل ذلك، وهي بكل ذلك. |
إن هذا التفاؤل بالماضي لا أسجله فخاراً أو استنكاراً، وإنما أتمسك به استدراراً من وجدان أي عربي يغضب لحقه.. لا يحارب إسرائيل بالاتحاد السوفيتي، ولا يحارب الاتحاد السوفيتي بالولايات المتحدة وإنما الحرب هي أن لا يفكر العربي في الموت، فإن في الموت حياة. أما ما نحن فيه الآن، فالموت يأخذنا إليه جرعاً بالمذلة في أعقاب الخامس من يونيو 67، يوم الهزيمة التي أردنا أن نخفف من وقعها فسميناها نكسة.. في أعقاب ذلك اليوم ألقيت محاضرة في جدة، فطرح على شاب هذا السؤال: |
ـ كيف انتصر العدو، ولا يبلغ عدده المليونين على مائة مليون عربي؟ |
ـ وفي غمرة الحماسة قلت: لم تنتصر إسرائيل على مائة مليون عربي، وإنما انتصرت على ثلاثة عشر زعيماً عربياً. |
فهل لا زالت إسرائيل تملك هذه الوسيلة في النصر.. أم مساعي الائتلاف بعد الخلاف.. ستنجح، ليمكن للعرب أن يحاربوا إسرائيل بوحدة الكلمة وتوحيد القرار وصناعة الموت؟ ليكون عرب اليوم في مستوى عرب الأمس، فإن لم يكونوا فالذهاب إلى الأمس؟. لست متفائلاً، والعرب يخوضون حروباً أهلية: حرب ساخنة بين الجزائر والمغرب وموريتانيا وحرب تطحن الأعصاب وتسيل منها الدموع بين دمشق وبغداد، كأنما دمشق التي جل مصابها في بغداد.. وتحوم في سماء العراق ما هي إلا حرب غير معلنة من إسرائيل على العراق.. تعطل قوة العراق للذب عن حدودها وسمائها من غارات إسرائيل، كأنما هو عطاء إسرائيل لإيران.. فقد أصبحت العراق تحارب في جبهتين. |
والحرب الكلامية. تارة تشتعل نارها ولا يترمد أوراها، إن سكتت يوماً فالأحداث المفتعلة تثير النار الكامنة وراء التستر بدعوى الألفة. |
إن فلسطين لم تعد هي القضية وحدها.. فالعرب كل العرب حول إسرائيل هم القضية فإهدار وغطرسة أن تبقى الكلمة في أي محاولة يتخذ بها القرار ضد إسرائيل في يد زعيم واحد ينبغي للعرب - كأكثرية - أن لا يتركوا قضيتهم في يد زعيم واحد. |
* * * |
ـ صور: |
قبل أكثر من أسبوع سمعت من إذاعة القاهرة أن القافز على الثغرة.. اليهودي وزير الحرب في إسرائيل (اريل شارون) قد عاد من جولة بين دول إفريقيا، وقدم تقريراً إلى الكنيست ثم لم يشرحوا لنا من هي الدول الإفريقية، ومن الذي رفض أو استجاب لعودة العلاقات، ليتخذ العرب موقفاً مع المنظمة الإفريقية. ولقد دعاني أن أطرح هذا التساؤل تصريح جاء من السينغال، يقول: إن السينغال لن تعيد علاقاتها مع إسرائيل، ويعني ذلك أنه قد طلب من السينغال أن تعيد العلاقات مع إسرائيل. |
ولكن من الذي طلب من الدول الإفريقية ذلك..؟ |
أكاد أتهم، وأنا على صواب، أن الذي طلب ذلك الولايات المتحدة وفرنسا. |
صناعة الموت كثيراً ما أرددها، وهي ليست كلمتي.. إنها كلمة (ياسين باشا الهاشمي) القائد العربي، كأنما تأخر عن زمانه فجفاه أبناء زمان شغلوا بالحاضر، فألهاهم عن أن.. يعرفوا للزعيم الصادق حقه. عاش للعرب وللعراق بالذات، فمات غريباً في بيروت. إذا عد نجباء العرب فإن (ياسين باشا) أحدهم. |
رب ثأر، رب عار، رب نار |
حركت قلب الجبان |
كل ذي فينا، ولكن |
لم تحرك ساكناً إلا اللسان |
كفنوه وأدفنوه وأسكنوه |
هوة اللحد العميق |
فهو شعب ميت |
ليس يفيق |
|
وآخر قال: |
ماذا تخافين في البيداء يا بقر |
إن كنت تخشين من سكين سفاك |
فالموت غير الذل طوباك |
|
أتراهما نظرا إلى لبنان، إلى فلسطين، إلى الجولان؟ |
|