شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحقد.. لا الغضب
في مسيرة الأمة العربية وتاريخها.. ابتداء من نبوغ القومية الطورانية، سخر الاتحاديون حين خلعوا السلطان عبد الحميد، الدولة العثمانية إلى هذه القومية الطورانية، فكانت الضربة الأولى التي تلاحقت بعدها ضربات أجهزت على الرجل المريض: الدولة العثمانية.
وغضب العرب - لا لأن دولة الخلافة في طريق الزوال - وإنما لأنهم يرفضون التتريك: والمسيرة في إطار داخل الطورانية - فنبغت القومية العربية في القطرين الوحيدين الشام والعراق فإذا اليمن كلها بعيدة عن ذلك، ونجد وما إليها بعيدة كذلك.. أما الحجاز فلم تكن القومية العربية هي التي استمالت (الحسين بن علي) إلى الثورة ضد الدولة العثمانية، وإنما هو وازع التخلص من سلطان الدولة.. سوء كانت العثمانية أو الطورانية. كل هذا أصبح العامل الذي أعطى بريطانيا وفرنسا أن يعلن كل منهما العطف على القومية العربية.
ففي فرنسا انعقد مؤتمر باريس.. تألف من القوميين الشاميين على الأكثر، فإذا فرنسا تكاد أن تعلن عملها بأن سوريا ولبنان في عاطفة فرنسا وحمايتها.
وبريطانيا: سال لعابها أن تستحوذ على القومية العربية..
تحالف ثورة العرب، ليكون في هذا الاستحواذ ترسيخ وجودها في مصر.
وتوج الاستعمار البريطاني والفرنسي مخططه بالمعاهدة الغادرة (سايكس بيكو) فوقع أكثر من إقليم عربي في قبضة الاستعمار.. إضافة إلى الأقاليم التي كانت راضخة له في الشمال الإفريقي. كل هذا أثار الغضب من الشعوب العربية. ولكنه لم يرسخ الحقد، فالغضب ثورة عابرة.. أما الحقد فالثروة السرمدية للثورة الدائمة.
لو عرف العرب قوة الحقد - يمارسون ما يمليه - لانصرفوا عن الغضب.. فالغضب قد خسروا به الكثير.
إن جمال عبد الناصر كان حقداً.. وعبد الكريم الريفي كان حقداً.. ولكن حقدهما لم يدم، فإذا الغضب هو المسيطر.. يذهب في وقته فلا يستمر زمان به.
من هنا.. فالذهاب إلى مجلس الأمن، أو إلى هيئة الأمم، أو الركون إلى الرأي العام العالمي ما هو إلا فعل الغضب. ليس من فعل الحقد.. فالحقد يملي على العرب أن لا يمارسوا الشكوى وأن لا يمارس بعض من يدعي الصداقة لهم تهدئة الغضب بالعون الرخيص.. إنه الرخيص في نتيجة ما يفعلون في مناصرة العرب، والثمين الغالي بما يدفعه العرب.. يستجدون به هذا العون الرخيص..
فالحقد الذي أدعو إليه، ينبغي أن يكون أممياً، من الذين يرزحون تحت ظل الاحتلال أو من الذين يستصرخون أنفسهم حين يمارسون الترضية لهؤلاء الأصدقاء، يمنحونهم العون الثمين والغالي من ثرواتهم ومن صبرهم.
حين يكون الحقد أممياً تسقط الإقليمية، وحين تسقط الإقليمية يؤدي الحقد عمله: أمة عربية واحدة.
الحقد يخضع الزعامة المقام.. تعمل حريصة على الشعوب القيم، والأرض القيمة، والمبادئ القيمة. إن الزعامة الإقليمية حين تربعت على المقام تنتهي إذا لم تكن حريصة على القيم، وأول القيم أن يكون العرب أمة واحدة.
بالأمس غضب العرب من أجل الجولان فصرخوا بالشكوى، ثم هم الآن في حالة غضب من أجل ما هو واقع بين سوريا والأردن.
فالغضب أعطى لبعض العرب أن يصفوا العراق بالخطأ ضد حربها مع إيران.. بينما الأممية بالمعابة على تاريخ أي زعامة تقف مع إيران ضد العراق.. فالخطأ لا يعالج بالجريمة! والحلف مع (منغستو) عمل غاضب من صانعيه.. أحدث رد فعل غاضباً من منكريه.
وهكذا.. يكسب أعداؤنا من هذا الغضب، وما زلنا في خسران لأن خسارة الحقد هي التي تعطي إسرائيل ومن إليها، وكل الغرب والشرق إليها، مكاسبها ومكاسبهم.. هي.. تكسب الأرض وتحجف بحقوق الإنسان، وهم يكسبون ما ينفقه العرب قيمة السلاح وواردات وما إلى ذلك.
إن الزعامة المقام تحاسب على إجحافها بالقيم.. تسقط قيمة الأمة العربية، ليخضع تقييم هذه الأمة إلى كلمات في (هايد بارك) العالمي الذي نسميه: الرأي العام العالمي.
ـ حوار:
قرأت من (الشرق الأوسط) قبل أيام في بريد القراء: نقداً حلواً لكاتب اسمه (هاشم الطيب) حلاوته في مرارته التي شعر بها وأشعرني كذلك.. يسألني: لماذا أجحف بالجزائر حين كتبت مقالاً بعنوان: هل عاد جي موليه، فوصفت ابتعاد فرنسا عن شرق السويس بأنه لربما كان ذلك بسبب أن الرئيس (ميتران) قد اتفق مع الشاذلي بن جديد على صفاء.. العلاقات وتزويد فرنسا بملايين الأطنان من البترول الجزائري.
يحسبني أضع الجزائر - التي مازال دم المليون شهيد يضحك في أعماقي - في موضع الاتهام. لم يكن ذلك إلا الجريمة إن كنتها، فالجزائر الثورة والزمن والعروبة والإسلام هي فوق سوء الظن فلقد عشت يمتلئ وجداني بفقر الجزائر يوم أن بذلت الدم، وأعيش الدم، لا يفرغ وجداني إذا ما اغتنت الجزائر تبني عمرانها، وتصحح وجودها العربي بالعودة إلى تفصيح لسانها العربي..
الجزائر فوق الاتهام، أما فرنسا.. فأحسبني أساير التاريخ حين أضع الجمهورية الاشتراكية الآن أنها قد بدأت ترسيخ وجودها وعلاقاتها مع الشمال الإفريقي ومع مصر.
حتى أنها تترضع ليبيا بكل الوسائل، فهي الآن تعود إلى عهد الوفاق الودي، كأنما وزير خارجيتها (كلودشيسون) يبدو وكأنه الصورة الجديدة لوزير خارجيتها صانع الوفاق الودي بين فرنسا وبريطانيا، وهو (المسيو دي لاكاسيه) فلقد تعبت فرنسا قبل عهده من حرب التناحر والتنافس بينها وبين بريطانيا.. حرب الأسطول الفرنسي في (أبي قير) هزيمة الأسطول الفرنسي في الطرف الأغر (طرف الغار) فاقتنعت بالسلامة.. تترك لبريطانيا مصر وترسيخ أقدامها في تونس والجزائر والمغرب.
فلا شك عندي أن فرنسا قد عادت إلى الصورة السابقة من الاتفاق الودي.. فلا سوريا ولا لبنان أصبحت تهمها، بل كل همها شرق السويس.. أن تكون صديقة لإسرائيل.
وبعث إليَّ الأستاذ ((جمال البطل)) الصحفي المخضرم يعاتبني: كيف أجور على العبور وهو النصر الكبير، فأضعه في نطاق الخداع؟!
لقد غاب عنه أني ما طرحت هذه الأسئلة إلا لأثير التاريخ الذي يتكتمونه! وإلا.. فإن الرئيس الراحل أنور السادات حينما يصح أن مناحيم بيغن قد أراد بكلمة ((خدعتنا)) يعني العبور، فذلك فخار أنور السادات ومجده.. قد استطاع بالخدعة أن يحرز هذا النصر! ولا زلت أتساءل.. ليضع العالمون النقاط على الحروف، فاليهودي يحرف الكلم عن مواضعه.. فالخدعة له كانت براعة، وإرسال الكلمة منه كانت تفريغاً للانتصار وإثارة للحوار!!
ـ صورة:
ـ إن الإشارات المتلاحقة عن عودة العلاقات بين القاهرة وموسكو أمر له دلالات كثيرة: تشبث مصر في موقفها كدولة من دول عدم الانحياز. إعطاء دول أوروبا الغربية تنفساً مريحاً حينما يطمئن الشرق الأوسط إلى نوع من الخروج عن الاستقطاب.
وأكثر من ذلك وأعمق: أن لا تجد بعض الأقاليم العربية مطاوعة التحرك بأسلوب أو بآخر ضد مصر.
قد يكون ذلك من الاتحاد السوفياتي أسلوباً من الاسترخاء، ولكنه من مصر الأسلوب الصحيح الذي يعطيها فرصة انتصاب القامة في أي تحرك منها، مع أي دولة غربية، والولايات المتحدة بالذات!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :633  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 837 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج