شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الدوامة
لم يخطر على بالي، وقد تعايشت مع التشاؤم حيناً والتفاؤل حيناً آخر والخوف من المأساة بل وحتى الرعب من الكارثة.. أن أضع العرب تحت عنوان الدوامة.
ما كنت أتصور ذلك، لولا أن عربياً من شرق السويس قد لفحته نار الحريق، فأخذ يسألني إلى متى نعيش في هذه الدوامة..؟ إقليم حرب على إقليم، الوحدة افتعال.. تبدأ بالخطأ وتنتهي بالجريمة، والتضامن صرخة في واد؟
ـ قلت له: لقد أحسنت أن وضعتنا في الدوامة، لأن الدوامة زوبعة في البحر، لا تصعد بنا إلى فوق، وإنما تنحدر بنا إلى القاع.. ليكون القاع مقبرة قضايانا، ولكي نخرج من الدوامة يجب أن نصنع كل ما يمكن لتستحيل الدوامة إلى زوبعة، فالزوبعة فيها الارتفاع إلى فوق كأنما هي ملت القاع، فضاقت به، فاتسع لها مدى الارتفاع.
والزوبعة التي أعني ليست هي في إغراء الشعوب أن تقول: لا.. تخاطب الزعامات، وليس منها أن تتراشق الشعوب السباب والهجاء للذين أدخلوها في هذه الدوامة، وإنما هي في انتظار الجيل الجديد، فهو الذي سيكون الزوبعة.
ولا أضرب مثلاً من التاريخ: حين كان العرب قبائل ينظمون الخرزات لزعامات تتوالى ملك آكل المرار - والد امرىء القيس - أو ليكون (زهير بن جذيمة) سلطاناً تتحدى به العدنانية سلطان القحطانية في الحيرة أو دمشق. إلى آخر ما هنالك من هذه النزعات.. تتضح بها رغبة القبائل، كما هي رغبة الشعوب.
حين كان الأمر كذلك بقيت زعامات تصدت للإسلام الذي وحد العرب وفتح بهم الفتح العظيم، والحضارة الوسط.. هذه الزعامات هي جيل (أبي جهل) جيل (أبي بن سلول) و (الأسود العنسي) و (مسيلمة الكذاب) وقفت تحارب مجد العرب في الوحدة التي أظلها الإسلام، فلما اشتعل الهلاك في رقاب (أبي جهل) ومن إليه - قتلا في الحرب المنتصرة ضد الجمود، ضد نزعات الخلاف والفرقة - نبغ جيل أبي بكر، وعمر، وعلي، وخالد فقادوا الزوبعة ضد الفرقة والضلال ونهضوا بالفتح العظيم والوحدة الأعظم.. فإذا القبلية تزول وإذا الإقليمية تتهذب، وإذا القومية تتراوح مع العقيدة، فليست العقيدة نفوراً من القومية لأنها أحاطتها بسياج من الاعتدال، فإذا القومية قد أحالت العقيدة إلى انتصار.
فمشكلة الدوامة الآن أن جيل (أبي جهل) قد أصبح صاحب السلطان - زعيماً وشعباً) فانتظر يا صاحبي أن يبزغ الجيل الجديد.. ينصهر في الدوامة.. يخرج سبيكة ذهبية صافية تضيء بها أعمال الزوبعة، فإذا لم تكن الزوبعة قاتلة الجيل الغارق في الدوامة فإن الدوامة حين ذاك لا تزال تبتلعنا إلى القاع.
أما إن جاء الجيل الجديد، فإنه هو صانع الخروج من الدوامة.
ومن المحزن أن هذه الدوامة ليست في أعماق البحر، وإنما هي على سطح البر، لا زالت تثير كأنها الأعصار.. تحثو الرمال والتراب في وجه من أبصر وتبصر ليعيش فيها من لا زال مبصراً بلا بصيرة. وسكت صاحبي، ثم قال:
ـ إنك قد فضحتنا حين أوضحتنا.
ـ قلت: آخر الدواء الكي.
* * *
صور:
أصدقاء الولايات المتحدة أصبحوا من المشفقين عليها حتى أنهم - لعمق هذا الإشفاق ما أعلنوا الغضب على تلك النقاط التي نشرتها جريدة (الواشنطن بوست) كتعليمات محددة عن خط السياسة الأمريكية.. يتزعمها من اتهم بهذه التعليمات: الجنرال (الإسكندر هيج). فالخلفاء جبناء مارسوا الشجاعة فلم يغضبوا من هذه التصريحات.. حتى وزير خارجية بريطانيا الذي أشبعه من السباب، هز كتفيه ساخراً كالأسلوب الإنجليزي.
والآخرون من الأصدقاء.. لم يغضبوا أيضاً، ذلك أنهم لا يعبأون بالشتائم بل إن في هذه الشتائم ثناء.. كأنه البرهان على ثباتهم، فلو مالأوا لما نالهم سبابه.. فالكريم صادق الموقف يرى في سباب الخصم هزيمة لهذا الخصم، وفيه انتصارهم المعنوي.
وهناك نظرة أخرى على صورتين:
ـ الصورة الأولى: أعطت إمبراطورية الكرملين باباً تدخل منه حين تقول لأصدقائها: هذا وجه أمريكا، فماذا تنتظرون بعد..؟
ـ الصورة الأخرى: هي أن حرية الفوضى أو فوضى الحرية جعلت الذين يريدون إسقاط هيبة الولايات المتحدة وإحداث الفجوة بينها وبين الحلفاء والأصدقاء ينشرون هذه الأقوال: لا ينالون بها من (الإسكندر هيج) وإنما قد نالوا من سمعة الولايات المتحدة ما يريده كل خصيم لها.. فهل هذه الأقاويل قد تعلمها من أستاذه (كيسنجر).
أغلب الظن أن (هيج) كان مخلب القط في يد الهر الصهيوني: دكتور كيسنجر.
ـ أصبح التنافس الآن بين الولايات المتحدة وفرنسا كأنه الصورة المثلثة، فهناك تنافس بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة على غرب آسيا وشمال إفريقيا وشرقها. وجاءت فرنسا الاشتراكية ثالوثا غير مقدس.. تبتعد عن التنافس مع الاتحاد السوفيتي وتقترب خطوة خطوة للتنافس مع الولايات المتحدة. تتقرب من الشمال الإفريقي كله، فإذا الولايات المتحدة تسرع لتحول دون هذا التقرب.
زيارات على مستوى عالٍ للمغرب. مدد لتونس من السلاح.. فإذا فرنسا التي كادت تجفو الشرق الأوسط - إلاّ إسرائيل - بدأت تتراجع نحو الشرق الأوسط. وهنا يتخذ التناقض بينها وبين الولايات المتحدة صورة ترضى عنها أمريكا، لأن صداقة فرنسا مع الشرق الأوسط تجد فيها العون ضد تنافسها مع الاتحاد السوفيتي.
أما بقية الدول الغربية فستكون وراء فرنسا إن كسبت ووراء الولايات المتحدة إن كسبت، ولعلّها تكسب من الموقف المضاد للاتحاد السوفيتي. ويعني ذلك أن التنافس على المصالح في الشرق الأوسط هو إبقاؤه داخل الدوامة أيضاً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :724  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 836 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.