| يا زارعَ الهمِّ في واحاتِ وُجداني |
| ويا مُحركَ دَمْعي صوبَ أَجْفَاني |
| ويا مُوطأَ أكْنافِ الفُؤاد بما |
| منحته من جَنا إِغْرائِك الدَانِي |
| ويا محيلَ رياضِ الحُب مجدبةً |
| هلاَّ غرست بها باقات رَيْحَانِ؟ |
| أراك تنكرني من حيثُ تعرفُني |
| أراكَ تَهْجرني من حيث تَغْشَانِي |
| أراك تَخْفُضني من حيث تَرفَعُني |
| أراكَ تبْغُضني من حيث تَهْواني |
| قُلْ لي بِربِّـك كيـف اسْطعـتَ يـا أملي |
| تُطيعُ ما قال حُسَّادِي وتَنْسَانِي؟ |
| وكيف أَغْضَيتَ عني مُقلةً نَظَرتْ |
| إليَّ بالأَمْسِ في شَوقٍ وتَحْنَان؟ |
| وكيف أغلقت عني مسمعاً شربت |
| رِياضُهُ من تَرانيمي وأَلْحاني؟ |
| وكيف سافرتَ في دَرب التنكر لا |
| رَعيتَ عَهْدِي ولا راعَيْت وجْداني؟ |
| قل لي بِرَبِّـك كيـفَ اسْطعـت يـا أملي |
| تُطِيعُ ما قال حُسَّادِي وتَنْسَانِي؟ |
| يا من تُحقِقُ أحلامَ الربيع إذا |
| غَدَا يُفَتِّشُ في شَوْقٍ عن البَانِ |
| ومن تُنِيلُ فؤادَ البدر رَغْبتَه |
| حتى يَرَى البدر في هِندَامِ إنسان |
| ومـن يـرى الظَبيُ فيهـا حُسْـنَ مقلتـه |
| فَيَسْتَعِيذُ لها من كل شَيطانِ |
| يا روعةَ اللغة الفُصحى أقلبها |
| على لِساني بإفصاحٍ وتِبيَانِ |
| أما تَذُوقِين طَعْم الحَرْفِ أسكُبُه |
| في كأسِ شِعري على تَوقيع أَوزَانِ |
| جردتِ سيفين من هَجر ومن أرقٍ |
| فكيف يَسْلَمُ من يَعْلُوهُ سَيْفَان؟ |
| قِفي معي فَوقَ أرض لا يدنسها |
| بَغْيٌ وما وطئتها رِجْلُ خَوَّان |
| خُذِي يـَدِي واصْعَـدِي بـي كـل مُرَتفَعٍ |
| وكل رابِيةٍ في سفح ظَبْيانِ |
| ولا تَهزِّي غُصون اللوز قاسية |
| فعندها كنتُ أُلقي كل أَشْجَاني |
| يا نَبْتةِ الحب في قلبٍ سَرِيرتُه |
| أصْفَى من الصَفْو لم تُمْزَجْ بأَضغَانِ |
| أَسْهرتني وجَعَلْتِ الليلَ يَسْرقُني |
| من راحتي ومَنَحْتِ السُهدَ عنواني |
| أَثَرتِ بَغْضَاءَ لَيْلِي فامْتَطَى فرساً |
| مـن طُولــه وبِسَيْفِ السُهْـد أَدْمـاني |
| كأنني ما شدوتُ الليلَ أُغنيةً |
| سَكَبْتُ فيها أَحَاسيسي وأَحْزَاني |
| ولا ركبتُ جوادَ الشِعْر منطلقاً |
| وجاعلاً من سَوادِ اللَّيل مَيْداني |
| خذي يَدي وارحلـي بـي فالدروبُ بهـا |
| شوقٌ إلى قادمٍ بالصبر مُزْدَانِ |
| هنـا أضَاءتْ سِـرَاجَ الحُـبِّ وابتَهَجـتْ |
| وأَصْبَحَتْ بعد طُولِ الهَجْر تَلْقَاني |
| وأَسْرَجَتْ لي جَوَاداً فَجْرُ غُرَّتِه |
| يُضيءُ لي دَرْبَ أَحْلامي ويَغْشَاني |
| وسَافَرتْ بي إلى الماضي فيا فَرَحِي |
| بما رأيناه من رَوْحٍ ورَيحانِ |
| حتى إذا وَقَفَتْ بي فَوق رَابِيَةٍ |
| رجلي وغَرَّدَ عصفورٌ وحياني |
| رأيتُ سيفاً يهز السَيف مُقْلتُهُ |
| تَرْنُو إلى أُفُقيْ خَيْر وإحسانِ |
| نَادَيْتُه ورياضُ الحُب ضَاحِكةٌ |
| وبيننا جِسْرُ أَشْواقٍ وأَشْجَانِ |
| أبا سُليمانْ ما أَلْغَيْتُ ذَاكِرَتي |
| ولا أَضَعْتُ أمامَ الخَطْب ميزاني |
| أَتيتُ أَبْحَثُ عن ظلٍ وَساقيةٍ |
| وعن حبيبٍ يُواسيني ويَرْعَانِي |
| أتيتُ أَبْحَثُ عن ذِكرى فَمَعْذِرةً |
| إذا بثثتك ما يُخْفِيه وُجْدَاني |
| عَلَى جَوَادِك مَدَّ المجدُ قَامته |
| وحد سيفك أدمى كل خوان |
| بين العِراقْ وبين الشام خارطةٌ |
| رَسمتها بحُسَامِ القَائدِ البَاني |
| وكُنتَ رَمْزَ الولاءِ الحر ما لعبتْ |
| كَفَّاكَ حين قَضَى القَاضي بنيرانِ |
| أبا سُليمان فِينا من يُخدرنا |
| بألف دَعْوى ويَرْمِينا بِبُهْتَانِ |
| يَـرى الجهـادَ اعتـداء والضلالَ هـدىً |
| ويَحْسب المجد مرهوناً بِطُغْيَانِ |
| فينــا الذيـنَ ارْتَمـوا في حُضْنِ مغتصب |
| فما جَنَوا غيرَ تبكيتٍ وخُسْرانِ |
| نعزو فضاءَ الهوى والليلُ متكئ |
| على أَرِيكتِه والجُرح جُرْحَانِ |
| ونجلب الماءَ من بئرٍ مُعطلةٍ |
| ونَطْلبُ الخبزَ من تنورِ جَوْعانِ |
| يفنى رنين القَوافي في حَناجِرنَا |
| كأنما قَوْمُنَا من غير آذانِ |
| إن كَانَ في سَيفك البَتَّار من رهق |
| فاضربْ به رأس فرعونٍ وهَامَانِ |
| وابعـثْ إلينـا بـه فالقـومُ قـد عَجَزُوا |
| عن رَدِ باغٍ وعَنْ إِحْبَاطِ عُدْوانِ |
| هنـا سَمِعْـتُ صَـدَى صـَوْتٍ وحَمْحَمةً |
| وفارساً من وَراءِ الأُفْقِ نَادَانِي |
| يا داعياً وغُبَارُ الحُزنِ يَحْجبه |
| عني نِدَاؤُكَ أَرْضَانِي وأَشْجانِي |
| سَيْفِي به رهقٌ لكنه رهقٌ |
| في نُصرة الحق لا في نَصْرِ طُغْيَانِ |
| والله لو صَنعوا لي من مَبادئِهم |
| تاجاً يَزيدُ به في الأَرْضِ سُلطاني |
| لَمَا رضيتُ بدين الله من بَدَلٍ |
| ولا مَنحتُ لغير الله إذْعَاني |
| فلتسـألْ البِيـد عـن مَعنى الخُضـُوعِ إذا |
| جَعلْتُها في سَبيل اللهِ مَيداني |
| يَشدُو جَوادِي بألحانِ الصُمود لها |
| فيصبح الرمل فيها حَبَّ رُمانِ |
| ولتسألْ السيفَ عـن طعـمِ الرقـابِ إذا |
| أفرغتُ في حَدِه عَزْمي وإيماني |
| يطيعني في سبيل الله أجْعلُه |
| حداً ويعلن خَوْفَ الظُلْم عِصياني |
| يستنكر الغِمدُ سَيفي حين تَصْبغه |
| عِنْد النِزَالِ دِماءُ المُعْتَدي الجاني |
| أبا سُليمان كَفُّ الشَوق تَعْزفُني |
| عَزْفاً تُرددُهُ أَفْواهُ أَلْحَاني |
| أَسْعَى إلى الخـير سَعْيَ الُمصْلحــين فمـا |
| أَلْقَى من النَاسِ إلاَّ كلَّ نُكْرانِ |
| كـم صَاحِـبٍ صـَارَ فـي أحْضَانِ رَغْبَتِهِ |
| مِثْلَ السَجين يُنَاجِي عطف سَجَّانِ |
| أَسْكَنْتُه من فُؤَادي مَنزلاً وسطاً |
| وكُنْتُ أَحْسَبُه من خَيْر أَعْواني |
| حتى إذا دَارَتْ الأيامُ دَوْرَتها |
| أَحْسَسْتُ أَنِّـي مَنَحـْتُ الصَخـْر إِحْسَاني |
| أبا سُلَيْمان قلبي لا يُطَاوعُنِي |
| على تَجَاهل أَحْبابِي وإخْواني |
| إذا اشْتكَى مُسْلِمٌ في الهند أَرَّقني |
| وإن بكى مُسْلمٌ في الصِين أَبْكَانِي |
| ومِصْرُ رَيْحَانَتي والشَامُ نَرْجسَتِي |
| وفي الجزيرةِ تاريخي وعُنْواني |
| وفي العِراقْ أكُفُّ الَمجْدِ تَرْفعُني |
| عن كل باغٍ ومَأْفُونٍ وخَوَّان |
| ويسمع اليمن المحبوب أغنيتي |
| فيستريحُ إلى شَدْوي وأَلْحاني |
| ويَسْكُنُ المسجدُ الأقصى وقُبتُه |
| في حبةِ القَلْب أرعاهُ ويرعاني |
| أَرى بُخَارى بِلادي وهي نَائِيَةٌ |
| وأَسْتريحُ إلى ذِكرى خُرَاسَانِ |
| شَرِيعةُ الله لَمَّت شَمْلَنا وبنت |
| لنا مَعَالِم إِحْسَانٍ وإيمان |
| أبا سُليمان خوفُ الناس أَرْخَصني |
| عِند العِباد وخَوْفُ الله أغْلاني |
| تأمَّل الجُرحَ في قَلبِيْ فَسوْف تَرى |
| خَريطةَ القدسِ في جرحي ولُبنان |
| وسَوْفَ تقرأُ ما لا كنت تَقرؤُه |
| عن العِراقِ وعن آياتِ إيران |
| وسوف تَعجبُ من إغْضَاءِ أُمتنا |
| على تَسلُطِ كوُهينٍ وكَاهَان |
| سَمِعْتُها ونداءٌ تاه في فَمِهَا |
| ما بين صَمْتٍ له مَعْنَىً وإعلانِ |
| تَقُولُ والخَوفُ يَسْرِي في أَنَامِلها |
| برداً وفي فَمها صَكَّاتِ أَسْنَان |
| مَتَى أَرَى هَرِماً يَلْوي عمامَته |
| وينصفُ السِلْمَ من عَبْسٍ وذُيبان؟ |
| مَتَى تُزيحُون عني جَوْرَ مُغْتَصِبٌ |
| أَبَاحَنِي وبِنَارِ البَغْي أَصْلاَنِي؟ |
| إذا اغْتَنَيْتُمْ ففي قَارونَ قُدوتكم |
| وإنْ زَهِدْتُمْ ففي حَيِّ بن يَقْظَانِ |
| أَمَالَكُمْ مَنْهَجٌ في دينكُم وَسطٌ |
| به يعيشون في أَمْنٍ وإيمانِ |
| ما لي أرى القـَومَ حـادُوا عَــنْ مبادئهم |
| وصدَّعُوا بيد الأحقادِ بُنياني؟ |
| يا لَيْتهم خَرجُوا من ألف مُؤْتَمرٍ |
| ببعضِ ما كانَ في دارِ ابن جَدْعَانِ |
| أبا سليمان هَبْ أَني بكيتُ، فمَنْ |
| يَلُومني إن بكيتُ اليوم أَوْطَاني |
| أجابني خالدٌ.. هَوِّن عليك أَلَمْ |
| تَعْلَم بأن عِبَاد الله صِنْفَانِ؟ |
| صِنـْفٌ يَعِـي كـُل مـا يَجْـرِي ويُلْجُمُهُ |
| خوفٌ وصِنْفٌ يُدارِي وَجْهَ حَيرانِ |
| إذا تَخَلَّى الفَتَى عن صِدقِ مَبْدَئِهِ |
| فلنْ تَرى مِنه إلاَّ كل خُذْلاَنِ |
| لنَ ْتكتبُوا في سِجْل المجدِ أُمتكم |
| إلاَّ عَلى قَبَسٍ من نُور قُرآن |