منحة التوقيت.. نعمة التوفيق |
أيها الملك خالد بن عبد العزيز.. |
كيف تمت زيارتك لبريطانيا وفرنسا وإسبانيا في وقت واحد.. |
وفي توقيت محدد.. صاحبه التوفيق..؟ |
ولماذا لم تتقدم بها من قبل.. أو لم تؤخرها إياها.. أو لماذا لا تكون كل زيارة من هذه الزيارات.. غير منتظمة في سلك واحد؟ |
كل هذه الأسئلة.. يمكن الإجابة عليها.. بأنه التوفيق والتفاؤل بالتوفيق، وإن كان فيه راحة النفس فإنه لا يعطي الأسباب التي دعت لأن تكون هذه الزيارات كما هي وأن تأتي النتائج منها كما عزمت أن تكون على صورتين: |
فأولاً: أن تضع أمام لندن وباريس ومدريد كل الحقائق سواء استجابوا لها كلها - أو سوَّفوا الاستجابة لبعضها. |
فأنت أيها الملك.. رائد شعب.. لا تكذبه، فما عهد منك إلا الصدق.. وأنت تعرف هذا الحريق في فلسطين من أمد بعيد، فلم تعد فلسطين هي التي يلتهمها الحريق وحدها وإنما قد اتسع ليأكل من حولها وما حولها.. وكيانك الكبير.. جزيرتك العربية.. قريبة قريبة من هذا الحريق.. |
ثانياً: ولعلّك سمعت منهم جميعاً على تفاوت المواقف بينهم بعض ما ترفض.. فإن لم تكن في مائدة مفاوضات.. فإنك قد كوّنت لديهم بطرح الحقائق، ورفض المواقف، ما تريد أن يكون أسلوب التعامل معهم ومنهم.. والتي إن لم تزهق بها الحقيقة.. فإنها قد عطلتها أن تكون في نطاق التحديد لموقف العرب ضد موقف إسرائيل. |
إن طرح الحقيقة أمانة.. والمبدأ الأول للحفاظ على الأمانة هو رفض الأباطيل.. وهذا ما قد فعلت. |
أيها الملك.. |
بكل التواضع وبكل الصراحة.. وبكل الثقة بألا يفسر ما كتب الآن إلا أنه الحقيقة التي أطرحها في هذه النقاط.. ولكن ما هي..؟ |
فأولاً: إن الحريق في فلسطين.. أرضنا المباركة الطهر لم يعد قضية الفلسطيني وحده سواء كان داخل فلسطين تحت الاحتلال أو خارجها. باسم النضال أو المقاومة.. أو تحت الضغط بأسلوب التهجير وتفريغ الأرض. |
لم تعد قضية فلسطين قضية الفلسطيني وحده، ولم تكن قضية فلسطين إلا قضية العالم العربي كله، فقد انحصرت القضية الآن في هذه الظروف كمسؤولية وكحريق في الإنسان الفلسطيني أولاً.. وفي الإنسان العربي حول فلسطين في الشرق الأدنى أولاً.. لأن الحريق واستعمار اليهود أول ما يحرق سوريا.. لبنان والأردن والعراق والمملكة العربية السعودية.. إمارات الخليج واليمن.. |
فالمسؤولية لإطفاء هذا الحريق.. هي مسؤولية الفعل لا التظاهر بردود الفعل.. فلا ينبغي لنا نحن الذين يمسهم هذا الحريق.. أن نضع القضية في غير أيدي هؤلاء الذين بدأ الحريق يشتعل حولهم.. |
إن الذين من قومنا العرب غرب السويس قد ابتعدوا عن الحريق.. فصلتهم حواجز ليس أولها إطار كامب ديفيد وإنما هذه الحواجز هي: |
ـ السلام مع إسرائيل. |
ـ وجود قوة من العسكر في سيناء من عدة دول لن يكون منها إلا أن تحجز مصر عن إسرائيل ولن تكون حاجزاً لليهود عن مصر.. فالتجربة في قوة الطوارئ في لبنان قد قالت لنا ذلك. |
أما بقاء السكون في الجولان.. فليس من عمل قوة الطوارئ وإنما هو من طوارئ الظروف وما بعد مصر غربها محجوز كيف نتناول منه العون لإطفاء الحريق؟ |
وليست مسؤولية شرق السويس.. جزيرة العرب وما إليها. مسؤولية افتئات على الزعامة الفلسطينية وإنما هي مسؤولية الدفاع عن الذات عن الأرض وإنسانها. |
فالغارة على العراق أليست هي من فعل هذا الحريق..؟ |
إنه لا رادع لهؤلاء اليهود.. إلا أن يضع المحترقون الأمر في أيديهم.. فكل ما فعله الكلام ذهب مع الريح.. |
أيها الملك: |
لست أنا من هواة الطوالع.. ولا من قراء الفنجان وإنما هو الاستقراء من خلال الأحداث ومن تجربة العربي طوال هذه السنين. |
لقد زرت هذه العواصم في وقت لم يقتصر الحرج على العالم العربي وإنما الحرج كل الحرج تعيشه دول السوق الأوروبية المشتركة تخاف أن تفرض أعمال إسرائيل عليهم حرباً في الشرق الأدنى يخسرون بها مصالحهم إن لم تنلهم ذراع طويلة ذراع حلف وارسو. |
إنك بهذه الزيارات قد أعطيتهم الفرصة أن يقولوا للولايات المتحدة.. كما قلتها أنت مراراً لها كفى من عطاء اليهود.. هذه المناصرة لها تنصرونها في كل عربدة تمارسها فيما حولها ولعلّهم في هذه العواصم يسألون: هل مهمة المندوب الأمريكي (فيليب حبيب) وهو شامي الأعراق قد تأمرك - أن يدعو سوريا لرفع الصواريخ..؟ |
لماذا لا يكون البحث شاملاً.. يقول لإسرائيل لكي لا تكون صواريخ في سوريا يجب أن يتم الجلاء عن الجولان؟! أن يتم الاعتراف بمنظمة التحرير، أن يتم الكف عن العربدة في لبنان، أما أن يقتصر.. الأمر على رفع الصواريخ سام فذلك من أخطاء العم سام. |
أيها الملك: |
بعد ضربة إسرائيل لبغداد كان للعرب موقف هو المطالبة بفرض العقوبات على إسرائيل، ذلك طلب عادل لكنه غير واقعي.. ولن يردع إسرائيل ومستحيل أن توافق عليه الولايات المتحدة.. فلماذا نطلب المستحيل؟ |
وكل الجهد الذي بذلته بريطانيا وفرنسا. المطالبة بإدانة إسرائيل وتعويض العراق، فما أشد ما تُرتَخَص به كرامة الشعوب. لماذا لا يكون المطلب العربي هو: إصدار قرار من مجلس الأمن يفرض على إسرائيل تنفيذ قرارات مجلس الأمن إلا من تلك القرارات التي حظيت بتوقيع الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي حينما يطلب العرب ذلك.. تجد مبادرة البندقية مجالاً لها.. تضع إطار كامب ديفيد في موضعه تعطي منظمة التحرير فرصة التفكير في بعض الإيجابيات.. ترغم إسرائيل على احترام القرارات.. لم يعد التنديد ينفع.. فقد أصبح التنديد هو سبيل التبديد. |
ـ صورة: |
قال لي أحدهم: لماذا تأمن إسرائيل من أي تصرف يحرجها من الإدارة الأمريكية خصوصاً وقد أغارت على بغداد فلم يكن في ذلك إحراج للولايات المتحدة؟ |
قلت: إن إسرائيل ليست دولة.. حتى الزعامة في داخلها ليست هي الزعامة التي تخطط لعربدة إسرائيل وتأمر بتنفيذها. إن الزعامة في نيويورك هي التي تخطط لإسرائيل وتأمرها بأن تنفذ.. ثم إن هؤلاء اليهود داخل الولايات المتحدة يملكون الوسائل الثلاث التي تحسب الإدارة الأمريكية حساباتها: |
أولاً: الأكثرية الصهيونية في الكونجرس سواء كانت عقائدية أم مأجورة. فهي تفرض على الولايات المتحدة الأمريكية التأييد وغفران تلك التصرفات التي تحرج الولايات المتحدة، فمن ذلك ما تحدثوا به حين كان المفاوض الإسرائيلي في البنتاجون يطلب عتاداً وسلاحاً، فحين عرف بعض الاعتراض من رجال البنتاجون قال المفاوض اليهودي ولعلّه كان (رابين) قال: وافقتم أو لم توافقوا على طلباتنا فإننا سنأخذها بقرار من الكونجرس. |
ثانياً: إن اليهود الصهيونيين وأنصارهم يملكون أن يحدثوا ووترجيت أخرى. |
ثالثاً: إنهم يملكون أن يسخروا زوالد آخر. كل ذلك اليهود قادرون عليه.. أما العاجز فشعب الولايات المتحدة. |
ـ صورة أخرى: |
وإن قامت لندن تستقبل الملك.. قالوا بخ.. بخ.. وإن قالت باريس.. مرحى مرحى فإن مدريد لن تقول.. إلا أهلاً وسهلاً.. ابتسامة للتراث.. عرفان بحضارة العرب.. حنين للتاريخ.. أنين مما مضى من التاريخ.. |
أهلاً وسهلاً تقولها مدريد.. باسم الأندلس ولن تقولها لليهود.. بل إن مدريد.. رفضت ضغوط السوق المشتركة صاحبة مبادرة البندقية التي تطلب منها الاعتراف بإسرائيل. إن الصداقة لإسبانيا صداقة عراقة.. يمتد بها الوقت ولا يتنفس بها التوقيت. |
|