شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لمسات ورفعنا لك ذكراً
وسلطت الخيال. أغوص في أعماق التاريخ، فوجدتني أجمع بين يديَّ رجالاً أربعة. كل منهم دعا إلى الإيمان بطريق أو بآخر.. فإذا بي أسمع لما يقول ذو القرنين. المصعب بن الحارث اليماني، كما أسمع لحامورابي، وأخناتون، وسقراط.
وتخيلت أن كلهم قد اجتمعوا في صعيد واحد..
قال مصعب بن الحارث ذو القرنين: لقد وصلت بجيشي وبعقيدتي إلى مطلع الشمس كأنما الدنيا كلها قد انطوت بين يدي. فلم يبق لي تأثير ولا متأثر بما زرعته فيهم ولهم. حتى السد الذي بنيت كثرت عنه الأقاويل.. فلئن اعتقد بعضهم أنه وجد فقد كابر الآخرون بأن لا يوجد.. بينما - وبعد زمن سحيق - ولد بين جبال فاران خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله.. سيد ولد آدم ولا فخر.. فنزل عليه الوحي فكأنما النور الذي سطع بكلمة الله (اقرأ) والذي أنار الكون بكلمة الله يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ.. قُمْ فَأَنذِرْ قد أضاء الدنيا كلها.. فكان بها التأثر والتأثير.. فاستمد إنسان الأرض الهداية بكلمة التوحيد..
(لا إله إلا الله محمد رسول الله) وانتشر دينه، وسمت بالقرآن لغته، وتحضرت شعوب بتعليمه، كل ذلك قد رفع به ذكر محمد.. بينما ما صنعته أنا لم يبق منه شيء.. ولولا فضل الله عليّ.. ذكرت في قرآنه.. لنسينا التاريخ.. بل إن الذين تعسفوا على التاريخ سلبوا اسمي ذا القرنين، ومنحوه للإسكندر المقدوني - وما دروا أن القرآن الكريم قد أعطى للأرض العربية وأنسابها أن يذكر تاريخها عبرة وعظة لمن يعتبر ومن يتعظ.. وثناء على الخيرين الذين سبقوا ليكونوا قدوة وأسوة..
وقال حامورابي: أنا صنعت شريعة لا تنكرها مكارم الأخلاق، أردت أن أنظم البابليين على طريق واحد. فحين سطع نور محمد كان حظي من ذلك مثل حظك. لم يبق من شريعتي إلا أن تذكر في التاريخ، لأن شريعة محمد هي الأكمل. وهي النعمة. ولو أن أحداً في زماني تعرض لشريعتي بخلاف لأعملت فيه السيف. ولكن الإسلام حين ألغاها حمدت الله أن منَّ على قومي بالشريعة الأكمل والنعمة العظمى.
وبدأ أخناتون يتكلم فقال: لقد دعوت إلى فكرة التوحيد، حسبت أن قومي سيتخذونها عقيدة لهم، فلي فضل الدعوة. ولكن قومي ظلوا وثنيين.. فجاء الإسلام في فتحه العظيم يوطد دعائم التوحيد، والشريعة الأكمل، فإذا أنا لا أتكدر من الإلغاء، وإنما أنا سعيد بأن ما دعوت إليه قد تأكد.. ليس في قومي فقط وإنما على كل الأقوام..
وقال سقراط: أنا مثلك دعوت للتوحيد فلسفة أريد للإنسان أن يرتفع بها إلى فوق. فإذا الإغريق ما زالوا غارقين في الوثنية. لكن البشرى قد جاد بها الله بهذا الدين المحمدي لكني أكثر حظاً منك فقد بقيت أستاذ فلسفة.. والأنكى أني مدين لعلماء الإسلام أنهم كانوا الوسيط في أن يبقى لفلسفتي شأن في الفكر الإنساني.
وصحوت من غفوة الخيال والتخيل فإذا بي أقول: أنت أيها اليمني يا ذا القرنين.. قد استغولت في الأرض بقوة الجيش.. فلم يبق لك ذكر هناك.. بينما الإسلام قد تحرك على صورتين: صورة الفتح بالجيش في الأرض التي تعرفه دنياه من قبل. في الأرض التي تفهم لغته من الخليج إلى المحيط. فكل تلك الأرض أرض عربية. وتلك الشعوب شعوب عربية.. عادية.. كنعانية، فينيقية، فرعونية، وحتى بربرية.. لها عراقة العلم بدين أبي الأنبياء إبراهيم ومن بعده من الرسل.. والصورة الثانية وفي الأرض التي وصلت إليها بجيوشك لم يكن الفتح العظيم فتح سيف إلا فيما قل.. في أطراف الجزيرة، وأطراف المغرب. فكان القبول للدعوة بالدعوة. فاستقر الإسلام في تلك الشعوب من شرق الكوفة إلى كشغر، ومن شمال فاس والقيروان إلى قرطبة (الأندلس) وكذلك حامورابي لم تكن شريعته إلا قبساً لم يستطع أن يغمر دنياه بالنور.. وكذلك أخناتون وسقراط انحصرا في الفكرة الواحدة فانحسرت شعوبهما عنها.
وهنا سمعت صوت النداء (الله أكبر.. أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) وإذا بصوت آخر يقول: لقد حاولت أن تفسر قوله تعالى وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (الشرح: 4) قلت: لعلّي قد أرضيتك وأنه ليتم الرضا أن تعرف أن وعد الله حق. إن الرسول النبي موسى عليه السلام كانت دعوته يوم سار في الوادي المقدس طوى حتى وصل إلى الطور وكلم الله تكليماً رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي.. وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي.. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي.. يَفْقَهُوا قَوْلِي كان ذلك طلب الرسول النبي موسى عليه السلام، فاستجاب الله له. أما الرسول النبي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فقد منَّ الله عليه بذلك أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.. وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ.. الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ.. وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ.. (الشرح: 1 - 4) شرح صدره لقبول التكليف فكان من أولي العزم، وشرح صدره ينتزع الملكان خط الشيطان، ورفع ذكره حتى اليسر فقد منّ الله بعد كل عسر.. أما عقدة اللسان فقد براه الله منها. فالقرآن هو البيان، والرسول محمد لسان مبين صاحب جوامع الكلم. وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (الشرح: 4) ففي الأذان يذكر اسمه خمس مرات، وفي الإقامة مثل ذلك. وفي الصلوات الخمس تسع مرات في كل تشهد.. فأي تكريم من الله رفع به ذكر عبده ورسوله خاتم الأنبياء المبعوث رحمة للعالمين. ثم ما أكثر الآيات في الثناء عليه صلَّى الله عليه وسلم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :612  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 832 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.