الفرص والوقت مع إسرائيل |
ما أكثر عطاء العرب لإسرائيل، فكل الفرص، وكل الوقت تكسب منهما إسرائيل مكاسبها: احتلال الأرض، وإذلال الإنسان العربي حين أعطاها أن تستذله.. فإسرائيل العصابة - ولا أقول الدولة - تتربص ساكنة، فلا تحركها إلا الفرص التي يمنحها العرب لإسرائيل. فهل أستطيع أن أعدد هذه الفرص؟ |
قد أعدد بعض ما أستطيع، لا كل ما أعرف.. فهل أجدولها مرقمة كالآتي؟ نعم: |
ـ أولاً: حين أعطت بريطانيا وعد بلفور لم تكن في فلسطين إلا أقلية يهودية فإذا هي - أعني بريطانيا - تعين مندوباً سامياً يهودياً وبريطانيا في الوقت نفسه، اسمه (هيربرت صموئيل) فكان هو القوة التي بدأت تزرع اليهود في فلسطين.. أمسك بالفرصة الواحدة وهي أنه شطر فلسطين شطرين تحت زعامتين: زعامة أمين الحسيني، وزعامة راغب النشاشيبي، فإذا هما في الخصومة والعداوة قد أعطيا (صموئيل) كل القوة لأن تكون إسرائيل. |
ـ ثانياً: وانتصر أمين الحسيني، فإذا هو خصيم لكل الزعامات العربية.. سرمدي الزعامة، كأن فلسطين وأنسابها ما كانا ولن يكونا إلا أمين الحسيني. ومن بين هذا العطاء أن حرم الإنسان الفلسطيني أن يكون ثائراً.. حتى (عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني) لم يكونا إلا بطلين في الشهداء بتضحية الواحد منهما وبلا قوة مستمدة من الإنسان الفلسطيني. |
ـ ثالثاً: وطلعت زعامة جديدة يتخطى الحدود إليها أو بها (أحمد الشقيري) خطيب مفوه، أرسل الكلمة التي ألّبت دول الدنيا على فلسطين (سنلقي بإسرائيل في البحر) لقد نسي (أحمد الشقيري) أن أباه (أسعد الشقيري) كان أحد الذين قادوا إلى مشنقة (عالية) شهداء العرب على مشانق (جمال السفاح) القائد التركي.. |
ـ رابعاً: وجاءت الفرصة الذهبية: تخلي بريطانيا عن الانتداب، فأعطت إسرائيل فرصة أن تكون دولة، كما أعطاها العرب في تلك اللحظة يوم أن جيشوا جيوشهم في حرب مع اليهود عام 48م، جيش عربي يريد أن تكون (غزة) له وجيش عربي يريد أن تكون فلسطين كلها له وجيش عربي يقول قائده: (ماكو أوامر) وجيش عربي ينتظر أن تتم الوحدة في (سوريا الكبرى) في تلك اللحظة، وضابط العلاقات في الجيش السعودي وقد جلس إلى اللواء محمد نجيب والضابط طبال يقول لهما: إننا نستطيع أن نحتل تل أبيب، فالهزائم تلاحق اليهود، فقال محمد نجيب: افرض أننا احتلينا تل أبيب فسيأتي، وبأسرع ما يمكن، جيش عربي يخرجنا منها (..). |
ـ خامساً: ورفضوا التقسيم، فكانت فرصة إسرائيل أن تحتل النقب، وأن تسفك الدماء في (دير ياسين) وأن تشرد الألوف من الفلسطينيين. |
ـ سادساً: وتعلمت إسرائيل شيئاً جديداً. كسبته من الفرص التي خاضت تجاربها مع مصر، فلقد حاربت مصر فاحتلت سيناء في العدوان الثلاثي، ثم جاءت عزمة (إيزنهاور) وسقوط إيدن - أسقطته امرأة مصرية اسمها جنان الشواربي، فانجلت إسرائيل عن سيناء، لأن.. الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي قد أعطيا إسرائيل أنه ليس في إمكانهما أن تخنق مصر وأنه ليس في صالح الولايات المتحدة أن يعود السلطان لبريطانيا وفرنسا في الشرق الأوسط. |
وفي المرة الثانية - عام 67م - وبالفرصة التي أتاحتها المؤامرة الدنيئة من الإمبراطوريتين احتلت إسرائيل سيناء، وأحكمت الخناق على مصر: قفل قناة السويس تقيم (خط بارليف) تستغل آبار البترول تزرع سيناء بعملية علمية غطاء يحجب الماء عن الرمال بغطاء من الرمال ينبت عليه الزرع، فاستمرأت إسرائيل احتلال سيناء بمؤامرة دنيئة أخرى بين الإمبراطوريتين، هي: أن يبقى الوضع في سيناء، وفي الشرق الأدنى كله في حالة استرخاء لا حرب ولا سلم. |
ولكن إسرائيل قد أرغمت على الجلاء عن سيناء بالعبور، مع أنها بقيت تحتل الضفة الغربية وغزة والجولان. |
ـ سابعاً: وجاء العبور نصراً للعرب يحمل في طياته النكسة للعرب، فقد اكتفى (أنور السادات) يرحمه الله بهذا النصر ليذهب إلى القدس وليكون إطار (كامب ديفيد) ومعاهدة السلام، فإذا هي الفرصة الكبرى لإسرائيل أن تلاعب العالم العربي كله حين تلاعب العرب بأنفسهم.. رفض وصمود هو الجمود، فأصبحت إسرائيل لا تسأل عن أي جريمة ترتكبها لأنها ترفض أن تسمع أي سؤال. |
ـ ثامناً: وانعقد مؤتمر بغداد ليبتعد العرب كلهم عن مصر، لأن مصر بقيادة (أنور السادات) قد أبعدت نفسها بمعاهدة السلام، إجماع عربي أعطى الفرصة لإسرائيل ألا وهي أن تكون مصر وحدها، وأن يكون العرب أشتاتاً، فبعد لحظات من مؤتمر بغداد، كان العراق وحده، وكانت سوريا وحدها، وكان العرب الآخرون يصرخون.. يدعون إلى التضامن، إلى الوحدة في الصراع لحماية المصير وما كنت أجرؤ أن أقول: أن يطرح المشروع العربي السعودي في مؤتمر بغداد بديلاً عن إطار (كامب ديفيد) لولا أني سمعت حديث الأمير (عبد الله بن عبد العزيز) أن مؤتمر بغداد قد أعلن أنه ضد الاستسلام وهذا أحسن ولكنه لم يعط البديل. |
ـ تاسعاً: وقد جاء البديل في هذا المشروع العربي السعودي، فإذا الذين قبلوا القرار 242 وهو أحد الدعائم لهذا المشروع، قد رفضو بصورة أو أخرى المشروع السعودي فانفرط عقد مؤتمر القمة في (فاس) وحين أعلن الرئيس (حافظ الأسد) المبرر لتأجيل مؤتمر القمة والتحرك نحو المشروع السعودي فاجأتنا إسرائيل بتنظيم القانون.. تحتل به الجولان، فلو أن مؤتمر القمة قد نجح وتبنى كل العرب هذا المشروع العربي السعودي لحرمت إسرائيل فرصة أن تصنع ما صنعت اليوم بالجولان. |
ـ عاشراً: لكني ألمح فرصة جديدة، قد تكون في يد العرب الآن، وهي أن الرئيس حسني مبارك قد أصبح في موقف حرج إلى ما لا نهاية.. يعرب به أن السلام مع إسرائيل كذب، وأن الجلاء عن سيناء من صالح إسرائيل، فهي حين احتلتها في المرتين تريد أن تخنق مصر.. تتجنب أن تكون في حرب معها، وما دام أن مصر الآن وبمعاهدة السلام قد أعطت إسرائيل الأمن، فلا معنى لبقائها في سيناء. |
ـ حادي عشر: فهل بعد ذلك تبقى المفاوضات بشأن الحكم الذاتي، أم أن كل ما يقال عن الحكم الذاتي ما هو إلا فرصة لإسرائيل وغصة تغتص بها كل فلسطين، فأي حكم ذاتي يمكن أن يطمئن إليها بعد أن احتلت الجولان، وبعد أن احتلت الجولان، وبعد استحواذها على القدس كلها؟ |
إن إسرائيل العصابة لا تؤتمن على عهد، ولا تحترم ميثاقاً، فكل دم الإنسان وأرض الإنسان ينبغي أن يهدر في عقلية اليهود وبجرائم اليهود. |
أما الرأي العام العالمي، فقد ضجت منابر (هايد بارك) تعلن مخالفة إسرائيل للقانون، ولا شيء يفيد من هذا أو يردع إسرائيل، ما دام (ألكسندر هيج) كل ما صنعه أنَ (تَهَيَّج) كأنه خطيب أخذه الحماس عن منبر (هايد بارك) أنه يعاقب ليبيا لأنها تخالف القانون الدولي، أما إسرائيل، وهي في كل يوم تخالف القانون الدولي، فلا تصنع الولايات المتحدة شيئاً حتى إسقاط الهيبة لها حين لم تستأذنها إسرائيل، كما قال هيج - فيما صنعت في الجولان ولو بحكم ما تمليه المعاهدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. |
لكنهم اليهود.. قد أصبح الشعب الأمريكي في قبضة أيديهم. فإن ألكسندر هيج وإن تهيج لازال يحسب الحساب لليهود.. يحرمونه من أن يكون رئيساً للولايات المتحدة بعد ريجان كما هو طموحه وكما هي أطماعه. |
كل الفرص مع إسرائيل، وكل الغصص يتجرعها العرب.. أكثرها من صنع أيديهم.. |
ـ صور: |
(هربرت صموئيل) المندوب السامي الأول في فلسطين.. قد أصبح بعد أن عاد إلى بريطانيا رئيساً لحزب (الأحرار) خليفة لـ (غلاديستون) ولـ (لويد جورج). |
|