شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قلعة صفد
تعجزنا الظروف الحاضرة، والوقائع غير المنتظرة، وما إلى ذلك مما يحرم الكاتب نفسه أن يقول للأعور أمامه: أنت أعور.. فيلجأ الكاتب إلى الاجترار من التاريخ القديم يجتر أمثلة فاضحة، يتضح به أن الليلة أشبه بالبارحة، أو أن التاريخ يعيد نفسه، ورجعت إلى أمثلة التاريخ، فوجدتها في (قلعة صفد) ففيها عقوق السلطان وجهاد الإمام واستبساله.
إن مدينة (صفد) لها حظ غريب، فهي من مدن (الجولان) ويمكن القول إنها من فلسطين، وقد قال ياقوت الحموي: إنها في جبل عامل من جبال لبنان، ويعنى بجبل عامل: جبل الشيخ.
فهي إن كانت سورية كواقعها الآن، أو فلسطينية، أو لبنانية، فإنها بهذا التنويع لموقعها تعبير صريح عن وحدة الشام.. تقسمت بين زعامات الطوائف، كما هو الحال في العالم العربي كله، فالتاريخ أعاد نفسه حين أصبح العرب طوائف كما مضى في القديم.
إن (قلعة صفد) سلمها السلطان الصالح إسماعيل بن العادل للعدو الذي احتل ما حولها، فإذا الشيخ الإمام - سلطان العلماء: عبد العزيز بن عبد السلام، الفقير من دنياه، الغني بالاتجاه إلى الله، الغني بشجاعة المجاهد.. فقد جهز بالثورة على.. السلطان إسماعيل، يهز كرسيه هزاً، فلم يعبأ الشيخ بغضب السلطان.
وقد حاول السلطان استرضاءه.. يذهب ليزوره وقد كان الشيخ مريضاً، وكانت رجل الشيخ مريضة ممدودة، وحين دخل السلطان لم يكفها ولم ينهض، فزاد غضب السلطان، وأرسل له كيساً من المال.. ذهباً يسلب النفوس الضعيفة التي تبيع أوطانها بالمال، أو التي تبيع نفسها، كأنما هم السماسرة يحتالون في جمع المال.. يسلمونه إلى عدو يزعمون أنه الصديق.
فالمال أصبح هو اللعبة.. كان لعبة المستعمر، واليوم هو لعبة المستقطب.. جاءوا للشيخ بالمال فرفضه، وألحوا عليه، فقال الكلمة المؤمنة المجنحة:
(لو مددت يدي.. لكففت رجلي)..
وأبى الشيخ إلا أن يستخلص الأرض من عدوه، فإذا هو ببصيرة المؤمن يأخذ العبد مرتين.. الملك مرتين.. القتيل مرتين.. العاشق مرة واحدة، وإذا هذا العبد الملك (المظفر قطز) يوم كان رقيقاً في الشام يلبس لباس حلاق.. يدخل السجن ويطلق سراح الإمام..
وما زالت بصيرة الشيخ مع قطز.. حتى كان يوم (واسلاماه) يوم عين جالوت.. يقود (قطز) النصر وعين الشيخ إلى السماء، فإذا التتار ذهبوا كأنهم هباء، فخلص الشيخ الأرض من عدوه، ولكن.. بقي في الأرض فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً.
أفلسنا نعيش (الغي) اليوم.. من هذه الغواية التي أعادت العرب إلى دويلات الطوائف. إن السلطان إسماعيل مثل للعقوق وضعف النفوس وجبن القادة.. أما (العز بن عبد السلام) فشجاعة الإيمان، وإيمان الشجاعة.. أكسبته مواقف كان فيها بطلاً مسلماً فالإسلام كان قوميته.. لم يقل: أنا شامي لا شأن لي بمصر، وحين تمصر لم يقل: أنا مصري لا شأن لي بالشام.. فالعقيدة واحدة، واللغة واحدة.. والأرض واحدة، والأمة واحدة، ولن يبقى التاريخ جامداً تصنعه الطوائف، فسينتصر التاريخ بعد زوال هذا التيه بجيل من الشعوب العربية يقول: لا هوان.. يكفينا فرقة واختلافاً وتظاهراً بشجاعة الرفض ورفض الشجاعة..
ـ قلعة صفد: مثل في التاريخ القديم، فما أكثر الأمثلة في هذا التاريخ الحديث..
ـ صور:
الرئيس بريجنيف ذهب إلى بون، كأنما هو يعلن للدنيا كلها أن إمبراطورية الكرملين هي التي تملك صنع السلام، فلقد اغتنم الفعل المسترخي من الاتحاد السوفيتي في أكثر من موقع كفرصة يعلن فيها مسعاه إلى السلام.
فإذا عاصمة ألمانيا الغربية تحفل به.. تعلن اتجاهه لتحقيق السلام بين أوروبا والاتحاد السوفيتي، فالفرصة التي سنحت له هي من صنع ردود الفعل تخرج بها على الدنيا إمبراطورية البيت الأبيض، والفرصة السانحة - مرة أخرى - هي في استثمار هذا التخلخل في حلف الأطلسي يقر نشر الصواريخ متوسطة المدى تحت ضغط الخوف الملوّح من الاتحاد السوفيتي والتخويف الذي تهدد به الولايات المتحدة حكومات الأطلسي تقول: نعم ازرعوا الصواريخ وشعوب أوروبا الغربية تقول: لا، فكانت هي الفرصة لبريجنيف.
ولكنني ألمح ظاهرة استربت منها، فحين زيارة بريجنيف لبون، صرحت فرنسا بأنها ترحب بوجود الصواريخ في أوروبا.. مع أن فرنسا موقفها مع حلف الأطلسي يبعد بها عن هذا التصريح العاجل، ولكن الاسترابة أتتني من أنه ربما فرنسا قد رأت في زيارة بريجنيف لبون قوة معنوية للشعب الألماني قد يؤثر على الوفاق بين فرنسا وألمانيا، أو أنه يبعث الحياة في العداوة التاريخية بين هذين الشعبين، فأرادت فرنسا أن تقف هذا الموقف، تحتضن الرغبة الأمريكية.
إن بريجنيف قد أعطى استراحة في (تشاد) كما هي في القرن الإفريقي، كأنه أمهل أصدقاءه أن يتريثوا، فإما أن يتحقق السلام.. ينسب إلى مساعي الاتحاد السوفيتي، وإلا فالزمن طويل.. يمكن إعطاء الإشارة للأصدقاء أن يستأنفوا ما استرخوا به الآن.
كأنما التلويح بالقوة سريعة الانتشار التي زعم الرئيس معمر القذافي أنه سيشكلها.. علامة بأن تكون البداية بها نهاية الاسترخاء، فالاتحاد السوفيتي إن لم يَدِّعِهَا، فلا ينبغي أن ندفن رؤوسنا في الرمال كالنعامة، فلا بد أن يكون الاتحاد السوفيتي وراءها.
ـ من باب رد العجز على الصدر ذكرت الملك المظفر (قطز) فقلت إنه العبد مرتين، والملك مرتين، والقتيل مرتين، والعاشق مرة واحدة. كأن خاله الملك جلال الدين، فهو من بيت ملك، ثم أصبح ملكاً - أحد سلاطين المماليك في مصر، فهما مرتان، وسرقوه هو وابنة خاله (جلنار) وفي سوق النخاسين باعوه، فكان عبداً رقيقاً.. استرق في دمشق.. فلم يجد وسيلة للوصول إليها إلا أن يبيع نفسه.. يعود إلى الرق مرة ثانية.. وأسعدته الأيام فأصبح ملكاً ومعه حبيبته.. ذهبت قسوة الأيام وجاءت قسوة الصديق فاغتاله الظاهر بيبرس بعد انتصاره في (عين جالوت) ولم يكتف (بيبرس) بقتله اغتيالاً، فقتل تاريخه حتى أصبح (بيبرس) أكثر شهرة من (قطز) فهو بهذا القتيل مرتين.. قتيل الحياة وقتيل التاريخ..
أما العشق، فقد كان لـ (جلنار) ولعلّي لا أجازف إذا ما قلت إن قيمة الملك المظفر (قطز) في التاريخ لا تقل عن قيمة (صلاح الدين) فصلاح الدين شوان انتصر في (حطين) وفتح بيت المقدس فإنه لم يجهز على كل الصليبيين.. أعني الصليبي المحتل والصليبي المسخر.. أما (قطز) فقد أجهز على التتار.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :8051  التعليقات :1
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 828 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج