شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الجوانب العسكريةلحيَاة الملك عبد العزيز آل سعود
يجدر بنا ونحن نتحدث عن الاستراتيجية العسكرية للمغفور له الملك عبد العزيز يرحمه الله، أن نتفهم معنى ومفهوم كلمة الاستراتيجية فهي تعبير مشتق من الكلمة اليونانية ((استراتيجوس)) وتعني فن قيادة القوات، هذا التعريف قديم أعقبته عدة تعاريف لمفهوم الاستراتيجية بمعناها العصري الذي فرضه علينا واقع اليوم. ووراء كل تعريف صاحب مدرسة أذكر على سبيل المثال لا الحصر:
كلاوزفيتز: حيث يعرفها بأنها نظرية استخدام الاشتباك كوسيلة للوصول إلى هدف الحرب.
فردريك موريس: يفسرها بأنها قيادة الجنود حتى تصل لمرحلة الاشتباك.
ريمون آرون: يؤكد أن الاستراتيجية قيادة مجمل العمليات العسكرية - أما الدبلوماسية فهي توجيه العلائق مع الدول الأخرى وهو بذلك يفصل الاستراتيجية عن السياسة ويجعلها عسكرية فقط وهذا ما تفاداه أندريه بوفر حين فسرها بأنها فن استخدام القوة للوصول إِلى هدف السياسة.
والحقيقة أن مفهوم الاستراتيجية قد تعدد بتعدد المدارس والأكاديميات في عالم اليوم.
طالما تحدثنا عن مفهوم الاستراتيجية كما تناوله بعض المتخصصين فيها.. فلنا أن نعلم أن هناك خمسة مجالات هامة وضرورية لرسم الاستراتيجية وهي على سبيل الإيجاز:
1 - أهمية عسكرية تعتمد على القوى البشرية والمستوى الفني لها، واستقرار الجبهة الداخلية (مادياً ومعنوياً) وكذلك القدرة على الإنتاج الحربي ومستوى كفاءة القيام بالخدمات المختلفة التي تتطلبها العمليات الحربية.. يدخلها في ذلك أيضاً قرب أو بعد القواعد العسكرية.
2 - أهمية سياسية تعتمد على مدى الاستقرار السياسي للدولة.
3 - أهمية سياسية تعتمد على مدى توافر الموارد والخامات والأيدي العاملة من حيث الكم والكيف.
4 - أهمية المواقع: من حيث القرب أو البعد من البحر والمواصلات.
5 - أهمية معنوية: تعتمد أساساً على جهود الدولة في مجالات التوعية والدعاية على أسس سليمة وهادفة.
هذه المجالات هي التي تحدد لنا خصائص الاستراتيجية العسكرية.
استراتيجيتنا السعودية:
في المملكة العربية السعودية ترتبط استراتيجيتنا دائماً بأهمية وضعنا الديني للعالم الإسلامي كله.
فلقد كان المنطلق الحقيقي بفكرنا الاستراتيجي المعاصر. هو ذلك اللقاء المبارك الذي ضم الإمام محمد بن سعود والشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب عام 1157هـ.. لقاءً للدعوة والدولة.. فكان ذلك بدءاً جديداً لفكر استراتيجي جديد.. تميز هذا الفكر بجوانب هامة كثيرة من حيث القوى البشرية وزيادة معدل الكفاءة للمقاتل السعودي نتيجة لارتباطه وتأثره بمبادئ الدعوة، وتفانيه في نشر مبادئ الدين الإسلامي والجهاد في سبيل الله وأيضاً الجانب الاقتصادي حيث توافدت على البلاد وفود من اليمن وعمان، والعراق والشام وحتى الحجاز نفسها وارتبط بذلك نشاط تجاري من وإلى الدرعية، والأهم من ذلك كله تألق آل سعود على الساحة العربية وفي الجزيرة بخاصة مما أكسبهم نفوذاً وقوة عسكرية بالنسبة إلى ما حولهم وتجلى ذلك على مدى تاريخ الدولة السعودية الأولى ثم الثانية.
استراتيجية الملك عبد العزيز:
مع السنوات الأولى للقرن الرابع عشر الهجري تبدأ في بلادنا مرحلة جديدة ومجيدة لفكرنا الاستراتيجي الذي أعده ونفذه المغفور له الملك عبد العزيز رحمه الله.
فتى العشرين كما قال عنه المؤرخون، يتحرك بفكر جديد ورأي جديد نتج منه توحيد الجزيرة وتنظيم لوائها تحت راية التوحيد، هذا الفكر الجديد من أجل استرجاع الرياض بلده وليس لغزو الغير أو إثارة الذعر بين الذين يجب لهم الأمان والأمن من قومه أو البحث عن احترام كاذب ترويه الدماء.
ويسجل المؤرخون والمحللون العسكريون حقيقة نذكرها بالفخر والاعتزاز وهي أن مجرد نجاح الملك عبد العزيز في تحقيق الوحدة والاستقرار لبلده نبذ أسلوب الحرب نهائياً واتجه لتطبيق الشريعة الإسلامية وإرساء دعائم العدل والأمن والطمأنينة في كل ربوع الجزيرة العربية وكان الملك عبد العزيز يستطيع أن يوسع ملكه ويسيطر على الكثير من الإمارات المجاورة. ولكنه كان صاحب فكر استراتيجي ملهم لا ينخدع بظواهر الأمور. فأوقف الحرب واتجه للبناء والتعمير وتنمية قوى البلاد البشرية والإصلاح الاجتماعي والديني.
وهذا ما ساقه المؤرخون والمحللون كحقيقة تميز بها الفكر الاستراتيجي للملك عبد العزيز رحمه الله.
وأحمد الله أنني لست محللاً عسكرياً.. وإلا لكنت قضيت الساعات الطوال لأتحدث تفصيلاً عن تلك الجوانب العسكرية الهامة في حياة موحد الجزيرة وصانع هذا الكيان الكبير.. ولكنني أتناولها من زاوية التاريخ فقط.
فتح الرياض:
ما من شك في أن فتح الرياض أول تجربة عملية عاشها الملك عبد العزيز.. وهي بحق أكبر عملية استطلاع مسلح سجلها الملك عبد العزيز وطبقها بوعي وبصيرة وإيمان.. سجل بوعيه وإدراكه سلوك خصمه وعاداته واستقلاله في توزيع رجاله القلائل عدة وعدداً. والكثيرين كفاءة وإيماناً.. ثم خفة الحركة واستخدام الحرب الخاطفة ثم حرب الإزعاج مع القبائل الموالية لعدوه.. ثم توحيد قواته ورفع معنوياتهم وتوعيتهم بأهدافه وأسلوبه، واقترابه المتخفي لمركز قيادة عدوه.. ((قصر عجلان)) ثم القضاء عليه بعد دراسة دقيقة لسلوكه وطباعه وما تعود أن يفعله يومياً.
والملك عبد العزيز ليس خريج كلية عسكرية، وهذا هو سر المعجزة التي أذهلت المؤرخين والباحثين العسكريين. فكثير منهم تناول جانب اهتمام الملك عبد العزيز بالنواحي المعنوية والاقتصادية لجنوده كما تناول آخرون اختياره للوقت واستغلاله الدعائي والإعلامي لما شهدته معركة ((روضة مهنا)) من تعدٍّ على الشيوخ وكبار السن حتى إِن كثيراً من الخبراء الألمان كانوا يقارنون أسلوبه بما حققه مصطفى كامل في مصر حين استغل حادث دنشواي لوصف بشاعة الاستعمار الإنجليزي.
وخلاصة قولي إن الملك عبد العزيز كان يدرس بأسلوبه المتواضع وطبيعته الواضحة والصريحة أربعة عوامل هامة هي اليوم في نظر المحللين والمؤرخين قمة في العبقرية.
هذه العوامل هي:
أ - عامل الوقت المتيسر حتى بدء المعركة.
ب - المسافة بين الخصمين.
ج - المقارنة بين قوات الطرفين.
د - قرار بدء المعركة.
هذه العوامل الأربعة تمثل قمة التكامل للاستراتيجية العسكرية المعاصرة.
إِن الملك عبد العزيز لم يدرس فناً عسكرياً أو استراتيجية معاصرة في أكاديميات متخصصة… ولكنه درس في أرض الواقع واستوعب تاريخ بلده فانطلق بإلهام عسكري فطري وراثي يهبه الله عباده الصالحين ليحقق ما حققه من خير واستقرار وأمان وغيره لبلده وشعبه.
ولقد كان ضرورياً أن أشير مفصلاً لمعارك الملك عبد العزيز لنقف على إيجابية كل معركة وسلبياتها.. ولنعرف كيف كان يقيم كل عمل أقدم عليه ليتجنب السلبيات ويضاعف من الإيجابيات.. وكان ضرورياً كذلك أن نقارن لنعرف حقيقة هامة وهي أن حجم النجاح والتوفيق الذي لاقاه الملك عبد العزيز كان يتضاعف مع كثرة الأحداث والمعارك فكان لذلك أثر صادق وحبيب في ازدياد عامل الثقة في النفس والتطلع الجاد لاستكمال الهدف وتوحيد البلاد ثم الاتجاه بكل الإخلاص والاعتماد على الله في توفير المتطلبات الضرورية وبناء الدولة السعودية على أساس من الإيمان بالله وتمديد أهداف استراتيجية جديدة يحقق من خلالها التوازن لتدعيم الكيان الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية وإجراء مسح شامل لقدراتنا العسكرية والاقتصادية كأساس لبناء الدولة العصرية العربية.
ولعلّي قد جئت بالقليل من مواهب العبقري هذا وقد أنعم الله عليه بالحظ. أول الحظ والصبر والأناة والعفو. فقد كسب من العفو صداقة الأعداء وصدق الأوفياء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1107  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 801 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج