الإسلام والحضارة |
تحرص جامعة الملك فيصل بالمنطقة الشرقية على إقامة أسبوع ثقافي بحرم الجامعة كل عام. ويجيء هذا الأسبوع ضمن نشاطها في مجال نشر العلم والمعرفة في مختلف النواحي. |
وقد تلقيت دعوة سعادة الدكتور محمد سعيد القحطاني وكيل الجامعة لأشارك بـ موسم هذا العام 1397هـ. |
وقد لبيت الدعوة حيث ألقيت محاضرة بعنوان ((الإسلام والحضارة)) بمقر الجامعة بالدمام. |
وفيما يلي نص المحاضرة.. |
أساتذتي.. إخواني، |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأما بعد.. |
فما كنت معداً نفسي لهذه المحاضرة عن الإسلام والحضارة.. ذلك لأني لم أفتقد في نفسي أثر الإسلام وتأثيره وإيثاره في تقدم الإنسان وهدايته. |
فالكلمة القانون في نفسي لقيمة الإنسان في الإسلام ولتقييم الإنسان في الحياة هي في قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ الأنبياء107 (الأنبياء: 107). |
ولا أتصور أن يكون الإسلام رحمة على الإنسان كل الإنسان إلا برحمة الأرض، يرحمها بالعمل لترحمه بالإنتاج.. فالعمل والإنتاج حضارة. |
ولا أتصور رحمة بالإنسان دون تربية، دون تعلم.. والتربية والتعلم حضارة. |
ولا أتصور رحمة بالإنسان دون بناء للحياة بكل ألوان البناء.. بكل وسائل البناء حتى السلم والحرب.. فالسلم بيئة الحضارة.. والحرب العادلة حماية الحضارة.. كما أن الحرب المدمرة تقتل حضارة وأجدني مرغماً لا أقول تصنع حضارة جديدة. |
لو أن الإنسان عاش دون صراع لما وجد في نفسه مصارعة تتحرك به نحو مطالبه.. فالفرق بين البدائي والحضري هو الفرق بين السكون والحركة.. وما دام الإسلام حركة بالقلب والجوارح والعمل.. فهو أيضاً تحريك.. ولا يمكن أن نتصور أي حركة وأي تحريك دون صراع.. دون انتصار.. دون هزائم. |
بقي أن نسأل (هل الحضارة ملكة أم امتلاك؟). |
ـ هل الحضارة بيئة؟ |
ـ هل الحضارة هبة أم اكتساب؟ |
ـ هل طبيعة أم تطبع؟ |
أسئلة تكررت في العدد بينما المراد واحد.. إنها ملكة في الإنسان كل الإنسان.. طبيعة الإنسان كل الإنسان.. وإنها امتلاك وتطبع واكتساب في بيئات أخضعت جوانب الحياة لمطالب الحياة.. فهي ليست ملكة في جيل معين من الناس.. ولكنها امتلاك في جيل تحرك بعوامل من الهداية ينير الله بها القلوب كالوحي للأنبياء أو هي بالتهدي ألهمه الله للإنسان. كامنة في الذات من وحي المطالب.. فالذين يملكون تحقيق المطالب.. هم الذين تملكهم النوازع والوازع.. يتحركون بالاندفاع لتتحقق مطالبهم بعوامل قوة البيئة، رخائها، سلطانها.. وقوة البيئة أيضاً في طرد الشظف وقتل العزلة.. فالحضارة ليست عزلة.. أما البداوة فعزلة وأما الاستكانة في بيئات متحضرة وهي لا تصنع جديداً فإنه الاعتزال والانفراد. |
العزلة تكتب على البداوة بعوامل قسرية.. والاعتزال يكتب على المدينة بعوامل قسرية أيضاً.. ولكن القسر على البداوة من عامل الزمن.. من عوامل الجدب.. من عوامل أوجدها الله في الطبيعة.. تطغى على بيئات فتحكمها بالعزلة.. أما الاعتزال فقد يكون من صناعة الإنسان لنفسه.. أو من صناعة إنسان آخر فرض الاعتزال عليه. |
فالعزلة في البداوة والاعتزال في الحضر لم يكونا من هذا الإسلام ولن يكونا له.. إنه متصل وهذب ثقافة البداوة وأثرى ثقافة المدينة.. فهو غير معزول ولا معتزل، وإنما هو يدق كل الأبواب.. ينادي كل الإنسان.. ليس فيه عزلة اليهودية وليس فيه قسوة الإلحاد.. وليس فيه استرخاء المذاهب الأخرى.. إنه الصلب في ذاته.. السهل في تناوله.. المرن في تعامله.. الحي في كل حي.. القاتل لكل مميت.. الرافع لمن يستأهل الرفعة.. الطارد لكل خسيس.. إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.. إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره دنيئها وسفسافها.. واليد العليا خير من اليد السفلى.. المغزل بيد المرأة خير من الرمح بيد المجاهد.. اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة؟؟ |
الإسلام عربي الكيان.. إنساني الكينونة.. لسانه عربي.. ثقافة الداخلين فيه عربية.. صبغها الإسلام بصبغة الأممية.. صبغة الأممية ثقافة العقل الجديد في هذا الإنسان المسلم من كل لون وجنس.. إن جعلته إنساناً ذا مروءة.. ذا كبرياء بلا طغيان.. لا يتعنصر. |
فالشعوبية ليست منه. ليست من تعاليمه.. والعنصرية تندحر بها فضائله.. علم العربي أن يكون إنساناً للناس.. وعلم الإنسان أن لا يكون غريباً عن الناس. |
الإسلام جعل مفهوماً جديداً للحضارة.. لا أريد أن آتي بشيء من عندي وإنما سأنقل لكل هذا التقنين من كتاب ((أسس الحضارة الإسلامية ووسائلها للأستاذ عبد الرحمن حبنكة)). |
|