شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأرض
وتلفنت أسال عن الابن (بدر كريّم) أجده في مكتبه في ((عكاظ))، فاستجاب وكأنه لا يجيب، فإذا بي أضيف إلى ما شعرت به حين شافهته إذ أملي عليه أنه يتحرك بـ ((القرف)) كأنما الدنيا أطبقت بكل رزاياها تحرمه مزاياها.
شعرت بهذا القرف قد انغمس فيه ((بدر كريّم)) كأنه وظيفة جديدة يعمل بها بينما هي تعمل فيه. قلت له: ما لك قد التحفت بالقرف، فأغثيت نفسك بشعور أسود، بينما أنت قد أسقطت كل المعوقات فأصبحت في مكان فيه الجزاء لمن سعى يطلب المعرفة بكد الجائعين ليشبعوا؟ دع عنك هذا القرف وأبصقه على الأرض. وما كدت أسمع كلمة ((الأرض)) فإذا جرسها يقول لي: أما تستحي من أمك الأرض؟! واستحيت وخفت وشعرت بالعقوق. لماذا نبصق على الأرض؟!
الأرض الأم ((منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى))، ((جعلت لي الأرض مسجداً وتربتها طهورا)).
الأرض حياة الإنسان ومعيشته، فيها كل الجمال، فلو نظر إليها الإنسان نظرة الحب لوجد نفسه عاشقها أكثر من أن يعشق القمر!
أكثر من أن ينظر إلى الزهرة، وأكثر من أن يكون فلكياً يحسب البروج ويحدد المطالع. فالأرض هي الجبل والنهر والبحر والشجر والعشب والنخل والإنسان والحيوان، أفأكون فيها وبها فلا أكون الوفي لها؟ أسأت الأدب حين قلت له ابصق على الأرض. كل شيء في حياتنا ومن هذه الغوالي بالذات يستخرج من الأرض.. الذهب والفضة والحديد والنفط والنار والكهرباء، وكل مصنع وكل صناعة هي من الأرض، عطاء الله للإنسان، خلقه منها وخلق له كل شيء يتمتع به في باطنها أو ظاهرها.
ولقد عرف المعري قيمة الأرض حينما قال:
سر إن أسطعت في الهواء رويدا
لا اختيالا على رفات العباد
صاح هذي قبورنا تملأ الرحب
من قديم الزمان والآباد
خفف الوطأ ما أظن أديم
الأرض إلا من هذه الأجساد
وجزعت من نفسي ولكن الأرض التي أعطت من نعم الله هي التي تأخذ.
فقد حملت الإنسان على ظهرها، وتحملت منه ما أوقر له ظهرها، فهي ليست عابسة وإن كانت يابسة، ستظل باسمة تفتر عن الخير. ومن عجيب أمرها أن الخير عطاؤها والشر عطاء الإنسان لها، ولكنها لا تجزع من ذلك فإن عمارها ما كان ولن يكون إلا بهذه المتناقضات.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :882  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 785 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.