شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بَاطن الكف
وهلّ يوم الخميس، الخامس من شهر رمضان، وذهب معلم الصبيان مبكراً إلى المدرسة، وبعد الظهر، نام على فراشه، وإذا به ينتفض، كأنما هي حمى الغب (الملاريا).. هكذا ظن، فأحيانا كانت تعتريه.
وعلى مائدة الإفطار، سأل أبوه عنه: أين محمد؟ قالوا: هو فوق (عليه حمى نفاضة)، فأخذ الأب الدرج طياً، يسرع ليرى ابنه.. فقال له: افتح فمك، ونظر إلى تحت اللسان، فإذا هو يرى خيطاً أسود، فضرب الأب كفاً على كف، وقال: هي الملعونة.. قال الابن: من هي؟ وكان ساعتها يتذكر حبيبته، فظن أن أباه يعنيها، يكلفه الحرمان منها، لأنها السبب في مرضه.
فقال الأب: الملعونة هي (الجمبة) يعني ذات الجنب، أو التهاب الرئة.
وذهب الأب يفطر على تمرتين، ويشرب ما يروي غلته، ولم يغب ساعة، حتى جاء ومعه الطبيب البدوي (سلامة الريفي) الجهني، فقد كان خلفاً في طب البادية، حين كان أبرع من (جزي الظاهري) فقد كان (جزي الظاهري) الطبيب الأول لمعلم الصبيان، حين أصيب بذات الجنب وهو طفل، فكواه ست (كويات).. سألوه: بس؟ قال: (كوية) في مظانها، وخرج الطفل معافى.
أما (سلامة الريفي) فقد كواه في المظان، ولكن لم يكن التهاب الرئة الواحدة بل كان التهاب الرئتين، وأعطانا روشتة غير مكتوبة، فالطبيب البدوي، لا يعرف الأوراق، فكل ما أعطانا: لا يأكل الدسم، ولا اللحم، يأكل فطيرة جمر، وعسلاً، ولا غير ذلك، أما الماء فـ (اغلوه) ثم بردوه وضعوا فيه مسحوقاً من (الشبة السودة).
وذهب الطبيب، وثبت معلم الصبيان على الحمية، ولكن قبل أن يذهب سلامة سألته لماذا الشبة السودة؟ فقال: (تقشع البلغم والدم) لتصفية الرئة.. ولا يدري كيف شرب مرقة دسمة، سقتها أخته له.
وقبل العشاء - بكسر العين - اشتد عليه المرض، فأغمي عليه، وإذا به يصحو على صوتها، من لمسة يدها على جبهته، ومن دمعة سالت من عينيها على خده، فإذا اللمسة والدمعة تصحوان به، ينظر إليها، يقول: فلانة؟ ويشتد ولا يسمعه أحد إلا هي، فقد أغلقوا الغرفة عليهما، كان الأب وامرأة الأب، والأخت، يعرفون كل شيء، فتركوا الشيء للشيء، تركوا الحب يفعل فعله، فأنشد يقول:
اذكرونا مثل ذكرانا لكم
رب ذكرى قربت من نزحا
واذكروا صبًّا إذا غنى لكم
شرب الدمع وعاف القدحا
ولم يشعر إلا والدموع ترسل حبها، والفرحة في وجدانه، تعلن حبها، كأنما هي غسلت الرئة، فإذا هو شديد، ووضعت كفها على فمه، فقال لها: أتريدين أن أسكت؟ قالت: لا، أريدك أن تقبل باطن الكف، لا ظاهرها، فالقبلة على ظاهر اليد احترام، أما قبلة باطن اليد، فإعلان الحب، كأنك حين تقبّل كفي، تقبلني كلي، أما ظاهر اليد، فقبلة بعض، المعنى جديد، جدد فيه النشاط، فإذا به يصحو، وقد كان في الثامن والعشرين، أما الآن فقد نيّف على السبعين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :13058  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 784 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج