شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ومَا زال بِها..
وسألته: كيف أنت بها الآن؟
فوجدته بين حالين.. صحوة استيقظ بها، وغشية كادت تذهب بصحوته، فحين أطرق جاءت الإجابة دمعة من عينيه، وارتحت أن أبكيته، حتى إذا أفاق قال:
ـ أنت حين يأخذك الألم وتركب الحزن وتصوغ العبارة البيانية مجنحة لا تنحصر في المعنى الواحد، وإنما هي تتسع وتتسع لكثير من المعاني، كيف خطر لك أن تسألني فلا تقول: كيف أنت معها؟ أو كيف أنت فيها؟ بل أسقطت ذلك تحصرني لتعرف حالي حين قلت: كيف أنت بها؟!
قلت:
ـ قد أردت ذلك، فأنت لم تكن معها، فهي أقصت المعية، ولم تعد فيها، فهي قد رفضت ذلك، وبقي أن تكون بها لتكون لها، أو لا تكون كذلك.
قال:
ـ حين ينتهي التعلق معها أو العلاقة فيها، فذلك مظهر قد يكون فيه المخبر المعبر عنها، ولكنه المظهر الذي لن يكون تعبيراً عني، فأنا لا زلت بها وإن رفضت أن أكون لها.
قلت:
ـ ذلك كسب كبير تعيش في نعمائه، ويعني ذلك أنك لا زلت العطاء دون أخذ تصون حبك حين تعطي ولا تأخذ، أما هي فقد أعطت وأخذت، حتى إذا بخلت بالعطاء لم تبخل على نفسها بالأخذ.
ذلك فرق كبير، ما كنت أحسبه يكون إلا منك، لا منها، فإذا بي أصاب بخيبة حسن الظن، واليقين بسوء الظن.
لقد أسأت الظن بك حين طرحت عليك هذا السؤال، لأحسن الظن بها، ولكنك قلبت موازيني، فإذا أنت العاشق تذوق الألم وبه قد هذبت أخلاقك، فطالما أنا وأنت تعجب بقول جبران خليل جيران:
(ابتغوا التهذيب بالألم، وابتغوا الألم بالحب).
وكنا نرتاح. كأنما أنا وأنت وجبران قد رجعنا إلى الوراء، فاللذة بالألم فلسفة (القورانتينيين) يتزعمها (أرسطبس)، ولقد كانت امتداداً لفكرة اللذة بالتعذيب.. فلسفة (الهنادك)، فإذا فرغنا من ذلك أرسلت تنشد هذا البيت:
منى إن تكن حقاً تكن أحسن المنى
وإلا فقد عشنا بها زمناً رغدا
وتركته يضحك حين تنفس، وودعني وأنا أبتسم إذ لم أتنفس بعد، فوجود الحبيبة في الحياة مجال للتنفس، أما غيبتها حين احترقت فلا مجال للتنفس.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :701  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 782 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.