قسمَة ونصيب |
وكان أبوه من العلية، وكان أبوها من العلية تجاورا، فهما كتعبير أهل المدينة يسمون العلية (الأهالي) فنشأ طفلاً ونشأت طفلة معه، ودخل المدرسة وأدخلوها (المعلمة) تتعلم شغل الإبرة على المنسج، تصنع بيديها (اللف) و (التلي9 فتأخذ أمه كل ما تصنع حلية لابنها، وتصنع أمها لها زينة (الحجل). |
وتآلف الطفل والطفلة وكان الخطأ الذي وقع فيه قول الأم له (نادي عروستك) وقولها لابنتها (هيا نادي عريسك خليه يتغدى معانا). |
فشب الحب بينهما، وكانت الأخت الكبرى للبنت تعرف قوة الحب في وجدان أختها ووجدان من أصلوا الحب فيه حين كانت الأسرتان تدللهما (أهلاً يا عروسة).. (أهلاً يا عريس). |
وكان هذا الدلال تعبيراً عن سعادة الأم وسعادة الفتى والفتاة. وما كان يحسبها إلا أن تكون الزوجة له. وحين بلغا أشدهما ما تسترت منه ولا احتجبت عنه، فالثقة فيهما من الأسرتين أوقعتهما في أسر الحب لا ينفك إساره إلا حينما تزف العروس للعريس، وحينذاك يصبح أسراً جديداً هو الانطلاق من رقابة العيون وعطف العيون. |
وكان هناك بعد وفاة والد الطفل زوج لأخته هو أقرب قرابة للفتاة فأصبح هذا الزوج للأخت الوصي عليه، والرقيب عليهما، يحاذر أن يكون زوجاً لقريبته لئلا يكون أبوها وهو خاله منتزعاً للوصاية منه حين يثبت رشد الفتى فحاول ألا يتم القران بينهما. وقد انتصر حين أغرى ابن عمها أن يكون هو الزوج لها. وما كان ابن العم هذا شديد الرغبة في الزواج، ولكن الإلحاح وحدب عمه عليه ورغبة أبيه وكيد الوصي وبحكم العرف الذي كان.. ابن العلم أولى بابنة عمه فهو يجبرها على كل خاطب لا يباح زواجها من أجنبي ما دام ابن عمها قد أجارها يريد الزواج منها. |
وبكت.. وبكى.. وكانت ليلة الزفاف فجاء دور أختها الكبرى تقسم أن أول من يكشف (الطرحة) عن وجه العروس قبل عريسها هو هذا الفتى الذي كان يدعى عريسها من قبل. فاحتالت الأخت تحجز العروس بعد أن تمت (الشرعة) وكمل التزين، فأبعدت كل من حولها وحجزتها في غرفة بحجة أن تستريح بعدما تعبت من التزين وما إلى ذلك. وأبعدت كل عين تنظر، رقيبة أو حبيبة. |
ونادت الفتى الرجل (!!) يدخل لا يراه أحد يكشف الطرحة فسالت دموع العروس وسالت دموع الفتى، وما مستها يده وما طبع قبلة على جبينها بل تجسد أمامها كأنه عابد في صومعة وكأنها المتبتلة في محراب. |
رآها.. وباركها.. وقالت الأخت (هيا.. أخرج.. الزواج قسمة ونصيب). |
ومضت سنون، فأحب أن يراها.. قد أصبحت أماً، والأمومة تحتم الطهر والعفاف، فحرمت على نفسها أن تراه، أو أن يراها. فقالت له من وراء (الشيش): |
ـ لا تنكأ الجراح.. ولا تجرح العفاف.. فتظرتك إليّ أو نظرتي إليك تخدش الأمومة. أنا لا أقول لك انسني بل سعادتي أن تذكرني، ولن أنساك. لكن كلنا إلى قدره قد مضى. |
فتنفس يحكي لي حكايتها، فقلت له: |
ـ هكذا الأمومة قداسة ولا أدري ما أقول للأبوة. فكن طاهراً كما كنت يوم لا رقيب عليكم. إنك تعيش سعادة الزاهدين عن العبث، فعمق الحب لها فيك قد رسخته حين امتنعت أن تراك. |
ومات بعد أن شاخ، فإذا هي تلبس السواد تحتال على ذلك بمصادفة غريبة.. وفاة قريب لها في اليوم الذي مات فيه حبيبها. |
|