شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الواو في اللغة الشاعِرة
وتوالت الأسئلة من كثيرين ذواقين لجرس البيان، مؤيدين، يذوقون طعم البيان حين يكون الجرس رنيناً منغماً، وبعضهم لا ينكر ذلك إنما يتهمني بأني أتظرف حينما أبدأ في كثير مما أكتب بالواو.
فهؤلاء كانوا لي ولم يكونوا عليّ، لأنهم أبعدوني عن التطرف. لقد استسغت هذه الواو، سبقني إليها الدكتور طه حسين فلعلّي أستعيرها منه، فنحن كتّاب الإملاء لأحرفنا جرس، كأن ما نمليه ليس حرفاً على قرطاس وإنما هو كلم على المنبر.
إن هذه الواو ما أكثر معانيها، واو العطف، والقسم، والاستئناف والمعية والحال والجماعة، فإذا بدأت بها أدير سمع القارئ إلى أن يقرأ بالأذن، كأني ألتفت به إلى أن ما يقرؤه الآن ما هو إلا عطف على كلام سبق.
ولأضرب أمثلة تقييماً لهذه الواو فرضت قيمتها بياناً من البيان فإذا ما قلت: جاء زيد وعمرو، أثبت المجيء لهما سوياً. وإذا قلت: جاء زيد وعمرو لم يأت، فإنك تفهم من هذه الواو ومن أتى معنى لم يكمل إلا بـ (أتى) فإنه يدعوك بأن تفهم أن عمراً مطلوب إتيانه.
من هنا يأتي أن المترادفات ليست ذات معنى واحد، وتعالوا معي إلى هذه الواو في قوله تعالى عن استقبال جهنم للكافرين والجنة للمتقين: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا..(الزمر: 71).
فإنك تجد لذة البيان وعظمة الإبانة بهذا الجرس من هذه الواو في كل الآيات التي قبل هاتين الآيتين في سورة (الزمر) حتى جاءت واو (وسيق) تتسق مع النسق قبلها، أما هذه الواو في آية استقبال الجنة للمتقين (وفتحت أبوابها) لم تأت في الآية التي جاء الخبر واضحاً مشرقاً عن استقبال جهنم للكافرين، ففي استقبال جهنم (فتحت أبوابها) لهم إعلان عن المفاجأة وعن تلقف النار للكافرين، لأنها أعدت تنتظر هؤلاء تلقفهم، ذلك بيان عن المفاجأة والتلقف في بيان الغضب على الكافرين.
أما الواو في قوله تعالى عند استقبال الجنة للمتقين فقد جاءت الواو تشعر بالرأفة والجزاء الحسن كأنما رضوان قد أعلن الرضوان يستقبل المتقين، تفتح أبواب الجنة لهم كأنما هي قد كانت مغلقة أعدت للفتح احتفالاً بهذا الرضوان، فهل أجد من يلومني حين أحب هذه الواو كجرس بياني، وإن أحبها شاعر من شعراء اللغة، الشاعر يتغزل في السالف على خدود الملاح حين يتثنى السالف فيسمى ذلك السالف الذي التوى كأنه الواو، فيقول: (واوات الأصداغ)!
أما فرحتي فقد جاءت على لسان الشاعر المبين الأخ غازي القصيبي فهو يسميها (الواو الزيدانية).
إن كلمتي عن واو (وفتحت) أشرق لي فهمها فإذا أنا أسأل شيخنا أبا تراب عن بعض المفسرين هل تطرق إلى ذلك؟ فقال لي: ولم أكن قد عرفت ذلك من قبل - إن الزمخشري محمود جار الله قد تطرق إلى ذلك على نحو ما جئت به، ففرحت فرحتي الثانية أن أنعم عليّ الله بهذه اللمحة ذقت بها طعم الواو.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :760  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 768 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.