مرور |
في كل يوم نمسح دموع أم على شاب.. كل يتجرع الأحزان على فقيده!. |
ما هذا هل السيارة والطريق هم السبب؟ أم أن الطيش والسرعة والعياقة والتسابق. ((والهرج)) مع الركاب والإهمال من السائق نفسه بسبب هذه الإصابات. موت. كسر. عجز حزن. |
كم من أسرة تعيش الأحزان على فتى ترقب منه الخير؟ كم من أب فقد ابنه!. |
ارحمونا أيها السواقون الهواة. الهواة هم الأكثر هلاكاً وأسباباً... ولا أنسى سائق التاكسي فما هي ((الدبرة))؟. |
هل نمنع الهواة... هل نمنع التاكسيات؟ لن يحدث الحل!. |
الحل من التعقل واليقظة! ما كنت أخاف ركوب السيارة، ايه رأيكم إني أخاف السيارة اليوم أكثر من الطيارة. في العالم حوادث الطيران كثيرة. ولكن حوادث السيارات عندنا أكثر من حوادث الطيارة. |
أنا من أنصار الطريق الصعب، والطريق الضيق، والخط الواحد. فالصعوبة والضيق والخط الواحد توطن عصب السائق قبل الحركة بالانتباه وعلى اليقظة. |
طريق الطائف القديم. شرائع، زيما، سيل، لم تكد تذكر الحوادث فيه لأنه صعب أما الطرق الأخرى فالسعة والسهولة أغرت السائق بالسرحان والسرعة والإهمال. |
وحل آخر تعدل نظام الجزاء، بحيث يكون فيه الجلد، الفرش، لا ينفع السجن لئلا يقع الحادث... ولا يغضب على السائق فخير له أن يجلد من أن يقود. |
قال لي: ليتك لم تنصح ركاب الموتسيكلات فقد أصبحوا يعاندون... فبدلاً من أن يركب اثنان على موتيسكل رأيت ثلاثة... يعني إسراف منهم في العناد، وسرف منهم في إهدار الحياة. |
قلت له: ليست النصيحة لصاحب الموتيسكل، وإنما النصيحة للذين يملكون منع هؤلاء من الركوب على الموتيسكل ثلاثة أو اثنين. |
قال: لا يستطيع المانعون أن يتحكموا في كل شبر من الطريق. |
قلت: هذا صحيح.. إذا ما حسبت أن التكليف هو على جندي المرور فقط... إن التكليف ينبغي على كل أحد.... فكل واحد منا لو رأى مخالفة من هذه، وجند نفسه للتبليغ عنها برقم الموتيسكل لأمكن لقلم المرور أن يحول دون ما يهلك الناس، إذا رأى واحد منا طفلاً يبكي في الشارع يذهب إليه يُعينه.. حناناً ورحمة، وراكب الموتيسكل، ومعه اثنان قد تصرف بأخطاء طفل... فيأخذنا الحنان عليه لنضع الرادع له!. |
أعتقد أن هذا أسلوب ناجح في إنقاذ كثير من هؤلاء الذين يتصرفون تصرف الأطفال! |
يظهر أننا نتخذ طريقاً غير مستقيم حينما نحمل على سائق السيارة لأن الأصوات قد بحت في النصح، والتأنيب والتوجيه، والحال كما هو.. وفي نظري أن الاستقامة تأتي إذا ما عدلنا ((الدركسون)).. طريق الحملة على الركاب... |
لماذا الراكب... أو الركاب - ملاكي أو زبائن تاكسي يسمحون للسائق أن يمشي على هواه؟. |
ألا يخافون؟ |
من المؤسف أن كثيراً من الركاب هم الذين يحرضون السائق على السرعة، ويغرونه بالمخالفة، ((برافوا عليك والله كبست له... اسبقوا لا يتعداك)) وإذا ما قام عاقل ينهي، قال أحدهم: |
ـ سيبك.. خلي يسرع لا تعطلنا! |
مع أنه هذا المحرض على الجري لم يقم من القهوة إلا ((بالدز واللز)) حتى يكمل البراد وما إليه... هو يهدر الزمن في القهوة، ويحرص عليه في السيارة!. |
أنصح أن يوضع جزاء على راكبي السيارة... أو ركابها لأنهم شركاء مع السائق في كل ما ارتكبه من خطأ!. |
* * * |
* هل هناك متسع من الوقت لكي نفهم كل هذا الداخل إلى الأذن، أو المنقول إلى العين أو المندفع إلى الفكر فالوجدان؟. |
كثير وفير متخم ذلك.. سماعاً رؤية، وانشغال بال، جالب بلبال! المؤشر بين عينيك والمسطرة المرقمة أمامك والمفتاح بين أصبعيك... تفتح تديره على محطة بعد أخرى... والجريدة والكتاب والقصة. تقرأ كذلك ذلك فتصبح في زحمة من الأخبار والتعليقات المنسقة والمتناقصة فالبرامج الهادفة والمغرضة. ترفض بعضها وتقبل بعضها.. تستريح بالرفض، وتستروح بالقبول! |
زحمة مربكة لا تدع للفهم والهضم والتمثيل والإفادة طريقاً، ولو كان ما تسمعه مقبولاً لما أراح، ولو كان مرفوضاً لما أرحت!. |
من هذا التناقض يأتي القلق والإرهاق والبعثرة. فالراحة من ذلك أن تغلق الراديو، وألا تقرأ الجريدة، وأن تشد أذنيك عن السماع، وعينيك من المطالعة والنظرة وفؤادك عن الأوجاع. |
تفعل ذلك يوماً واحداً في الأسبوع. غطاء دسم وسميك وفسحة في إغفاءة واسترخاء. |
الغطاء الدسم تجعله فوق أعصابك، لا هو بالذي تعرق فيه أو منه ولا هو بالمثلج لتقشعر. |
تنام أربعا وعشرين ساعة سواء أغمضت عينا أو لم يغمض لك جفن فالنوم للأعصاب... تخرج به من الواقع إلى أحلام. |
الأحلام.. في الذكريات. في الأمل.. بالألم... بالحب... هذا في أعصابك معركة تعارك به حياة في نفسك، لتعيش الحياة النائمة في صحوة من الذكريات. |
* * * |
* صور عجزها من قوة الإرادة وإرادتها من ضعف هزيل مرهق في الإبانة عن مرادها.. ومرادها ألا ترى الفوق. حتى التحت القاعدة من فوق. فلولا متانة التحت لما ارتفع الفوق. |
قالوا إن مدينة حديثة تعج بحضارة جديدة كل شيء فيها.. كل شيء لها. فلا يذهبان إلا عائدين بقوة التمكين لها. |
وصحا الناس ضحى على طفل معلق في الفضاء طار هكذا. لكنه وقف لا يرتفع. لا يهبط. كان يضحك أول ما طار. ثم يبكي حينما شعر بالفراغ الهائل حوله. |
وأرسل الناس حبالاً من العمارة فيها خطاطيف لينزلوه. وصعدوا بطائرة فلم يقدروا. غير أن مصلحة الجو والأعالي والفضاء.. أعدت طائرتي هليوكبتر ربط بينهما بساط وفوقهم مظلة. يضغطان بالمظلة. ويهبط الولد على البساط. |
وصعد الطائران تنشر المظلة فوق الطفل وتحت البساط فنزل سالماً. |
ليست هذه هي المشكلة.. أنه يقدر أن يطير، وليس لديه القدرة أن ينزل. وذهبوا به إلى القاعدة العالية.. فأما أن تضيف قوة النزول... وأما أن تبطل قوة الصعود والطيران. |
ولا أدري ماذا تم؟ فالخبر بقي معلقاً هكذا.. ليس فيه قوة الصعود لأن يصدق، وليس فيه ضعف النزول ليكون خرافة.. يمكن أن تقع في عصر الأعاجيب!!. |
* * * |
* وخفت عليهما المزاح!. |
فما رأيت صاحبين كثر بينهما المزاح بالشتم أو المغايرة، أو حتى المقالب إلا وتكدر ما بينهما من ود يصل إلى حد القطيعة. |
وخفت عليهما رجحان أحدهما على الآخر... هذا بما كبر به، وذلك بما كثر منه. |
فما رأيت صاحبين زاد أحدهما على الآخر بما يكبر به من فضل، أو حمل الأثقال أو غير ذلك من التزويد إلا وأفسد ذلك بعض الود. ودخل الواغش بينهما. |
فالنفوس تكره بما يشعرها بالخفض من صديق، لأن ملازمة الصديق تذكير في كل لحظة بهذا التزيد.. يقابله ذلك الخفض. |
وما رأيت صاحبين قد زاد أحدهما على الآخر بما هو الأكثر مما هو في أخلاق الرجال أو كفاءة الرجال إلا واعترى صحبتهما شيء من الامتعاض. يذهب بالأقل إلى تنقص صاحبه لتكون الفرقة والقطيعة. |
وما رأيت، وما رأيت، وكثيراً من هذه وقد رأيت. كلها المفسدات للصحبة. فكروا فيما رمزت. تصلوا إلى الكثير من هذه الفائلات لصحبة الأصحاب وصداقة الأصدقاء. |
كل هذا جربت وعرفت وذقت. فهل تعلمت أن أعمل بما هو فيها. أحسبني لم أعمل الكثير. وإنما كل العمل الآن هو في تقصير الخطوط هكذا. |
فقد كانوا يقولون: ((صاحب ألف وامسك واحد)) أما اليوم فيقول اعرف الألف وآلاف، وصادق الواحد ولكن لا تصاحب أحداً. المعرفة لا ضرر منها والصداقة نافعة، أما الصحبة فشيء لا طعم له اليوم ولا لون، وإنما له ريح.. |
* * * |
* وسمعنا خبراً فلم يصدقه واحد منا، فكل ما ندركه... ما نعقله يبعد هذا الخبر عن التصديق لكن السرائر والعيون تفضح المكنون!. |
كلنا نتمنى لو يصدق الخبر، ليستريح من الحوار حوله، فإن صدقه يعطي أعصابنا نوماً صاحياً... تنام الأعصاب عن نور تعيشه.. عن قلق يعيش فيها. ويصحو الوجدان، لعله يجد متعة في نية الاغتصاب لراحة الأعصاب. |
وقلت لصاحبي: أنت لا تصدقه. ترفض توقعه لكنك تطلب أن يكون لا لأنه يخصك، ولكن لأنه يختص منك الطلب له تبعد به السرمدية في بقاء نقيضه. |
إن هذا الخبر نقيض تفرح به عاطفياً، وإن رفضته عقلاً لأن النقيض تغيير لنقيضه، يحل مكانه، ولو لم يكن أحسن منه. |
فالأمر ليس في المسيرة إلى ما هو حسن.. إنه المسيرة نحو ما نبغي من نقيض حل مكان نقيض. |
شقاء أن ترفض بعقل، وبلاء أن تصدق بعاطفة وسخرية أن ترقص جوانحك بشيء لا يصدقه عقل!. |
مجنون يعد نفسه شاعراً من بين الشعراء في بلده.. يضحك منه الناس، ويبكي منه أبناء ((الكار)) خشية المسبة والعار، لا يكربه ضحك السامعين، وتسعده ضحكات الآخرين، فيضحك من ضحك غيره... لا يحسب ذلك سخرية، ولا رفضاً!. |
فكل ما عنده... ما يبغيه أنه أضحك فضحك! وفي حفل كبير دخل في غمار الداخلين، يقف بين يدي عظيم، يسمع للشعراء، ورحم الشعراء فلم يلبث حتى كان أمام المنصة، يلقى شعره!. |
وسمع العظيم، فأخذ يضحك ويضحك، فأرادوا إخراجه، فمنعهم العظيم، كأنه يقول لهم: دعوه يكمل.. إن الشعراء غيره قد أجهدوني بالكلمة الحادة، وهذا قد أراحني بما أضحكني. إني اشتري الضحكة بالكثير، وهذا وفرها لي!! فلكم. |
قال: ماذا تصنع في رجل نكد، مشاكس.. يعارض كل شيء. لا للشيء نفسه، وإنما لأنه صادر عنك، أو عن فلان من الذين يحب أن ينغص عليهم آراءهم، ونفوسهم، ومعدتهم وأرجلهم، وأيديهم... بينما هو يزيد النكد أكثر، وأكثر حينما يفق لهذا الذي أمكر إذا صدر عن غيرك!. |
وقلت: لقد أخضعت نفسي لتجارب عدة معه.. رفضاً لما يعارض.. نقداً لما يقول: اباء على مزاح.. تركا الحديث عنه أو معه، بعدا عنه.. فلم أجد هذا يفيد لأنه يتحين الفرص فيسعى بزحمته الكبرى المستفيضة فيجلب النكد والغيظة، و((الزهق)).. حتى إذا تعبت من جلده على ممارسة التنكيد لجأت إلى طريقة وجدت فيها الشفاء... فهو إذا تكلم أسمع، وأصفق له، وإذا اعترض أسير في اتجاه واحد، وإذا ((لخبط)) أو تخبط في رأي وفكرة أكون أنا معه في كل ((اللخبطة)) والتخبط!. |
شيء من عملية الهضم السريع.. بطريقة البلع، أو ((الصقرقة))، أتناول ما يصنع ثم اذهب إلى مكان خفي... أعمل غسيل معدة.... لا بالتقيؤ وإنما بالقهقهة، والطرد، وهكذا استريح من النكد!!. |
* * * |
* الشيخ العجوز قد حمل السبعين على كاهله، وأخذ يمشي من شارع إلى زقاق ((إياه)) دله عليها أهل الخير. وأخذ يرق الدرجات الثماني... لأن الموظف الكبير يحب ((العلالي))!. لم يكد يصل حتى وقف يستند على جدار... يكاد صدره يتمزق من قطع النفس... كأنما نهيجه له شخير!. |
الساعة الرابعة... قالوا له الموظف لم يحضر، فتنهد! ((لوحق)).. الكهرباء أحالت الليل نهاراً... سهر في الليل ليصبح حضرته نؤوم الضحى!. |
وجاءه رجل.. ايش بك يا عم فلان... عازه خدمة؟ الموظف ما جا، ما يحضر إلا الساعة أربعة ونص.. قول خمسة.. أنا حاضر للخدمة!. |
وناوله رقم المعاملة.. ليرجع تتساقط أنفاسه على الدرجات الثمانين لا تكاد تحمله ركبتاه.. فقال له المتطوع بأخذ النمرة: طيب هات... هات عشرة ريال!. |
فقال له: عشرة ريال حقت ايش؟. |
وأجابه: يوه يا عمي... عهدك عهد قمري.. زمن المروءة راح.. ولي.. المسألة بالفلوس... أنا هنا جالس علشان كده!. |
وأخرج الشيخ العجوز كيسه... نكت الموجود فيه.. سبعة ريالات ونصف خذ يا ولدي والله ما عندي غيرها!. |
ـ طيب هات... بكرة الساعة ستة تعال خذ المعاملة بس لا تنس الريالين والنصف أنت عارف والحال ما يخفاك! |
وهكذا يحصل في أحسن الحالات!. |
* * * |
* قرأت وسمعت.. فتذكرت فصفقت فرحاً، ثم رجوت أن يقرأ ذلك المتمرون والمجمرون!!. |
تذكرت كلمة الملك فيصل قدم بها الموازنة، فكيف رق كراحم، وأشفق كشارح، كان العمل مراده والإقناع مطلبه.. كأنما يقول لرعاياه: ما أرهقنا، فأرفقوا بأنفسكم تعطون ما فرض، لنعطي الدولة الأمانة والأمن والنماء بخطة تجيء بها الأرض وإنسانها، والخير لجانيه، ونبعد الشر حتى عن جانيه.. تذكرت ذلك.. فذكرت عهوداً وعهوداً. |
كان التاجر لا يعترف بما يملك فراراً من الإتاوة والدَّيْن الذي لا يرد يملك الألف.. فيدفن نصفها في التراب، ويشهر نصفها، خوفاً من ناهب بليل أو سالب بنهار. |
ويذكر ما فرضه محمد علي باشا من إتاوات على الشعب فأرهقه.. لعلكم لا تعرفون أن كل مسمار يدق في خشبة عليه جنيهان في العام؟. |
لقد فرض محمد علي باشا خديوي مصر على كل مسمار في طاقة أو باب أو رف، في أي خشبة إتاوة جنيهان... لا يجهز الجيش وإنما ليفقر رجالاً خالفوه. عرف عن قصورهم وما فيها من نوافذ وأبواب، ففرض على المسمار الضريبة. |
ولعلكم نسيتم أن الضريبة هذه انقلبت على رؤوس الشباب بأخذهم عنوة باسم الجادية.. فيردمون هلكي في قناة السويس. |
تذكرت هذا فحمدت الله. |
ثم تذكرت طغياناً ما زال باقياً، هو استغلال المستغولين في وضع الأسعار اتكالاً على سند، أو اعتماداً على حظوة. |
أعتقد إن هذا سيزول بالحزم رحمة بالآكلين.. |
* * * |
* الشيخ مبروك.. الشيخ مبروك رجل مسكين عشه لا يدخل عليه أحد إلا بإذن، ومع المعلقات من الشواكل والكبد والكلاوي والكرش. تطبخ في برمة. وتقدم حتى إذا شبع وارتوى أذن لصاحب المعلقات أن يدخل فماذا يجد؟! |
يجد المنقل يتوقد يتوهجل فيه بخور جاوي. لبان شحري. يتوه في ظلام البخور ويرتجف أصوات من هنا وهناك. |
أهي ترانيم الشيخ؟ أم هي أصداء الترانيم؟! شيء مربك. يسلب زائره اتزانه. فيحكي عن كل ما يريد ليأخذ من الشيخ العلم بما تخيل أنه قد كتمه. لم يكتم شيئاً في نفسه من رجفة الأعصاب. وذوبان النفس ويكتب الشيخ بركته ورقة ملفوفة في مشمع. يعطيها لزائره مقابل خروف مكحل وخمسمائة ريال. |
ويذهب الزائر ليسترد عافيته بعد خروجه من الدخان والتعاويذ.. وسمع شاب مثقف ماذا يصنع الشيخ. فذهب إليه. سأله ما بك؟ قال بالإشارة أبكم. أخرس فقال الشيخ متى. قال: قبل يومين. |
لم يستطع أن يعرف شيئاً فما أعلمه بشيء. وقال له: أنت... أخرس، جاي تمتحني فكاد الشاب يخور. ولكنه تماسك فلما عجز الشيخ عن الأرجاف. |
في حكايات الأطفال التي تذاع في برامجهم هذه العبرة.. يقرأها عابر، أو يحفظها معاير. وينساها من لا يجفل بشيء يسمعه، لأنه غير حفيل بشيء يقوله: |
قالوا: أن رجلاً يعيش في ستر.. هو يعرف حاله... والأقربون إليه من أمره ما لا يخفيه، فلا يجرون وراء الخفي المستور. |
غير أن جاراً حل بجانبه قد شغل نفسه بالتسمع والتلصص على أحوال جاره المستور... فنقب الجدار ليسمع، ولعله قد وسع الغار ليرى... |
فصبر عليه لعلّه يقنع بما تحصل مما كشف له، أو بان واضحاً بالسماع أو النظرة السارقة!!. |
فلم يره قد كف عن التلصص.... فأحضر دمية يحسبها الناظر إنساناً، وأخذ الجار المستور يكلمها... إن عندي مالاً من ذهب أخفيه.. كنز وجدته.. فلا أستطيع حمله أريد أن أبيعه بعشرة آلاف من الجنيهات، لا أذهب مع الشاري حتى أقبض، ثم أسلمه مفتاح الكنز وفيه آلاف وآلاف. |
فطمع السماع، وجاء يعطي العشرة آلاف.. وسار ليسلمه الكنز، فأخذ حمار السماع لأنه تعب، ولمس ثياب السماع لأنه أعتر، واستعار مركوبه لأنه حاف... أي أن السماع سلم المال والحمار والثياب والنعال لجاره ليعطيه الكنز. |
ورآهما الناس فعرفوا القصة وضحكوا وسخروا وما زال يمشي عرياناً حافياً وراء جاره الذي أدبه بهذه الطمعة. |
وأخيراً زاغ منه.. ورجع إلى بيته في زحام الناس. فجاءه يبكي رد علي مالي وحماري وثوبي... فقال: أو تسد الغاز، وتصك أذنك؟ |
قال: نعم.. نعم.. أتوب.. |
* * * |
* فوضى الألقاب، والنعوث أصبحت وسيلة في سلوك المنادين والواصفين يتخذونها تعبيراً عن المقامات وتخلصاً من العتب. |
صاحب المعالي. تطلق على غير الوزراء. وصاحب الفضيلة على أناس لو كان تقرير مقنن أو حياء مانع لما وصف به من ليس هو بالكبير، وإن ادعاها فهو كما يقول أهل المدينة: فلان مثل كبار الصلب كبير عند غيره. |
ولقب الأستاذ تفشى حتى لقب بالاستعمال العامي له. فهو لقب يطلق على كثيرين، كالاسطى، والأستاذ ((بالدال)) الأسطى المعلم في الصنعة. من السمكري إلى الحلاق كلهم أسطى. عامية أستاذ. |
والأستاد - بالدال - يستعمل في نجد للبناء، معلم البناء. |
ففرق بين استعماله الأصيل المأخوذ من الفارسية، وبين استعماله الآن. فقد كان هذا لقب الأستاذ الرئيس ابن سينا والأستاذ الإمام ابن اسحق الاسفرائيني، والأستاذ الملك كافور الأخشيدي. |
والأعيان والوجهاء. ما الفرق بين العين والوجيه. لا فرق. ولا تفريق. ولكنه سرف استعمال النعوت. |
وحتى لقب صاحب السعادة والمعالي وما إليها... مأخوذاً من غيرنا... ما كنا نعرفه... أصله: سعادتلو... دولتلو... فضلو... سماحتلو... أخذتها مصر فعربت هكذا صاحب المعالي الخ. |
ثم أخذناها، يعني قلدنا المقلدين، مع أن المقلدين ألفوها!!. |
أرجو أن تحترم النعوت والألقاب بتقدير في السلوك تتعارف عليه. فقد أهدرنا كلمة الشيخ كما أهدرنا غيرها فأصبحت نعتاً لكل من هب ودب... ولا أريد أن أزيد... |
حبذا لو تقرر شيء في الإذاعة والصحف ليكون علامة للناس ودليلاً للاستعمال. |
* * * |
* وركب حماره الفاره... يسير به إلى مكان بعيد يسرح... يستنشق الهواء، ورأى بيتاً من الشعر في شعيب قرب مهراس فيه ماء، ودنا يسلم عل أهل البيت، فرحبت به عجوزاً ما عرفها لأنها ملثمة، ومعها طفلان، وبالفناء شويهات، وفرس وناقة، وقدمت له الضيفة... لبنا، وتمراً.. فشبع وارتوى كأنما لم يذق طعاماً من أيام... |
نقاء الهواء، ورقة الجو، وصحوة الوجدان، والأحلام ينظر بها إلى بعيد!. |
وسألها: بيت من؟. |
قالت: ها هو ((رجاء)) قد وصل. |
وسلم صاحب البيت، فلم يعرفه صاحب الحمار، ولكن رجاء سأله: |
أحمد... أحمد... من جاء بك؟. |
قال: رجلاي... يقودهما الهوى... لم أكن أعلم، ولكن بعض ما في النفس يكتم العلم، ويظهر العمل، ولو سعياً على رجل.. ولو على حمار ما كنت أدري أنك هنا... لماذا تركت الحضر إلى البادية؟. |
قال: لقد سئمت!.. ثم هو قسم ألزمت نفسي به... نفذته حينما كبر ((سلمان)) فتركته له المال والدور وجئت هنا أعيش مع الجبل والماء والعشب والصمت، والرغاء والثغاء، والوقار في سكون الليل... لا يفضح مشاعر الوجدان. |
ولكن ((سليم)) و((سالمة)) ماذا يصنعان هنا؟. |
قال: لقد حل الأجل... خذهما وليدخلهما سلمان المدرسة... فالعصر. |
* * * |
* والشيء بالشيء أحياناً ذكره في الكانون... يعني لا ينبغي ذكره خشية تعكير المزاج... فالمزاج في الصيام مرهف، أو ((مدلع))! أقل حاجة ((تعكْننه))!. |
قلت لها: ليه ما تأكلي من هذا؟ لم تجب قولاً ولا عملاً مما يتعلق بآكل أو لا آكل... إنها قامت من المائدة مسرعة لتعود بعد لحظات، وقد غسلت وجهها، ويديها، وفي عينيها يقظة من كلل.. من ارهاق مارس الحلق، والفم، والأعصاب. |
((ذكره في الكانون)) لئلا يعكر قارىء!. |
طيب ما هو على السفرة، وهي عرفته ورأته!. |
لم يعكر المزاج بالمعاملة غرفاً ورؤية وربما طبخا... فكيف تعكر كلمة ((كلي))؟.. قد يبدو هذا من الغرابة بمكان - ولكنه ليس بغريب... إنه طبيعي، ففي كل العمليات الأولى من غلاف، وطبخ ورؤية قد مارسته وهي محصنة أن لا تأكله... أن لا تسأل عنه... كأنه والآنية التي طبخ بها سواء... هي كعملية الانصراف المخطط له.. أما في لحظة الأمر: كلي... فإنها ليست على حالة فيها الاستعداد للرفض... لقد فوجئت بـ((كلي)) فلبست الأمر على أنه متوقع حال، أول هزة في المقاومة، ولبست مرة ثانية أن هذا بين أسنانها، واندمجت في حالة الأمر والشروع كأنها في حالة الأكل بحالة التذواق للطعم والنكهة... فتحرك ((اللاشعور)) بالعقدة شعوراً ظاهراً فكان ما كان في الحلق، والفم والأعصاب!. |
لا تعكروا الأمزجة في رمضان... فبعضها أصبح في رقة الرقائق اللاعشر... نأكلها في صينية ((بريك)) ميد إن حسن قزاز!. |
قمر الدين... قمر الدين... يا ميش؟ |
* كل يسأل عن قمر دين. أين هو؟ قالوا: إن الموجود هو أنقاض المخزون من العام الماضي... مخزون قديم... بعضه أسود. زنخ. اشتراه الناس لأنهم ألفوا القمر دين في رمضان... الربطة سعر ثمانية عشر قرشاً أو بسعر ريال في العام الماضي ومن الجديد الطازج يبعث هذه الأيام بريال ونصف. وبعضهم قال لي: لقد وصلت قيمة الربطة بخمسة ريالات. لم أصدق. |
ولكن الجنون فنون. والتعلق بالعادات فيه كثير من الجنون... وذهبت مع المخبر عن السعر بخمسة ريالات نسأل عن القمر دين. لا أريد أن أشتري.. فقد اشتريت من قبل ما يكفي على أساس كل يوم ربطة. ولم أكن أدري عن المخزون والشحيح والغالي والرخيص. |
وسألنا: أين القمر دين... لا تستعجل وصلت السيارة إلى المدينة. بعد يوم أو يومين يصل... |
وبكم السِّعر إن شاء الله؟. |
قال: ريال.. ريال إلا ربع. حسب المجلوب، أو حسب المطلوب.. وفرح صاحبي. لكني سألت نفسي.. أصبحت حكاية القمر دين كمالي. ماذا يجري لو أضربنا عنه. وتركناه. بدون هذا الجري والشعور بالحرمان..؟. |
نترك التمر خير أرضنا، وعصير الليمون، وشراب التوت، واللوز والحمر، لأن الفتنة بالقمردين. أصبحت عادة عارمة. |
الحياة ليست ياميش، ولا نقل، أنها ادخار وغناء عن كثير من العادات. كلوا التمر والعنب فقد بقي العنب الطائفي اللذيذ في هذا الشهر، كلوه أو اعصروه، واشربوه بدل الياميش. |
إن البادية تستغنى بالروب والمضير، ألا تستغنون عن الياميش بعصير الليمون..؟. |
يا هاوي وأنت الدليل. |
|