شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طيبة رحلة في الزمان والمكان
الحلقة الأخيرة
وانتهت الذكريات في خمس وأربعين حلقة، وتزيد المقدمة كأنها الواحد على تلك الذكريات، فالمقدمة أخذتني أفكر هل أستجديها من صديق يتصدق بها علي، إذا ما صادق المسيرة، أو قرأ الذكريات.. وسألت نفسي من.. ومن؟! وبينما أبعد هذا أو أبتعد عن ذاك، فاستجداء المعاني فيه من كرب الاستعطاء، لأن استجداء المادة الحاجة أما استجداء المعاني، فاستكبار إن كان لبعض ما فيك أو ما هو لك، فإنه قد يكون تزيداً بمنحك بعض ما ليس لك.
وتلفنت إليّ ابنتنا الغالية الأستاذة ابنة المدينة المنورة (نورة عبد العزيز الخريجي) تخبرني عن مقال نشر في المجلة (قافلة الزيت) كتبه الدكتور مصطفى إبراهيم حسين: قالت: سأبعث المجلة إليك، وتسلمت من البريد المجلة، وأخبرني الابن الكريم الأستاذ عبد الكريم الخطيب عن كلمة فياضة كتبها الدكتور عايض الردادي، فإذا بي أستقرئ بالأذن لأجدني أسير هذا التكريم من الكاتبين ومن المخبرين، أقول لنفسي ما قاله (أرشميدس) لقد وجدتها، أعني المقدمة وهي مكوّنة من مقال الدكتور مصطفى الذي أحاط بي ببعض ما نسيت وأحاطني بكل التكريم، وعايض الردادي كذلك، فهو من أعراق طابت حين تأصلت ميموني سالمي حربي، فالردادة لا نعرف عنهم إلا الخير يحملون الحاج يأمن بهم ويحملون المؤونة إلى المدينة من ينبع وهم المؤتمنون عليها.. مثلهم كأبناء عمهم الحجلة والرحلة والمحاميد ومثلهم كأبناء عمهم المراوحة الحوازم.. جمالة، وهم اليوم أنجبوا الدكاترة والأساتذة.
وجدتها مقدمة للذكريات
ولهذا كله سأنشر مقدمة الدكتور، ما استجديتها وإنما كأني استهديتها.. ولا أجد إلا الشكر له ولعايض الردادي، فالشكر لن أكتمه وإنما أعلنه:
هو محمد حسين زيدان، الأديب الكاتب، والخطيب والصحفي والمحاضر، ولد بالمدينة المنورة عام 1325هـ، وتخرج بالمدرسة الراقية الهاشمية في عام 1343هـ، وانخرط منذ صباه، في حلقات العلم التي كان يعقدها كبار الشيوخ بالمسجد النبوي الشريف، فدرس علوم: النحو والفقه والتفسير والحديث، وغيرها.
وقد شغل ((زيدان)) العديد من الوظائف الإدارية والصحفية والعلمية والتربوية، فاشتغل بالتدريس في المدينة المنورة، في كل من ((المدرسة السعودية)) و ((دار الأيتام)). وذلك في الفترة من عام 1346هـ إلى عام 1358هـ. وشغل بعض الوظائف الإِدارية المختلفة، مثل: رئيس قسم الأوراق بوزارة المالية، فسكرتير مديرية الحج، إلى أن كان مساعداً للمفتش العام بوزارة المالية.
أما في حقل الصحافة، فقد كان الأستاذ محمد حسين زيدان مدير تحرير جريدة ((البلاد)) بجدة، فرئيس تحريرها، كما رأس تحرير جريدة ((الندوة)) بمكة المكرمة أيضاً. وهو الآن عضو بمجلس إدارة ((دارة الملك عبد العزيز))، التي تعد بمثابة مركز للأبحاث التاريخية، هذا إلى جانب توليه رئاسة تحرير مجلة ((الدارة))، وهي مجلة علمية محكمة، توجه عناية خاصة للتراث التاريخي والأدبي، وتصدر بصفة فصلية، ولا يزال ((زيدان)) يرأس تحرير هذه المجلة حتى الآن.
زيدان مؤلفاً
وتتعدد مجالات النشاط الأدبي والثقافي لدى ((زيدان))، بين التأليف، وتحرير المقال الصحفي، والمقال العلمي، والحديث الإِذاعي والتلفزيوني، والمحاضرة، سواء في الأندية الأدبية أم في المحافل الثقافية والمؤتمرات. وقد جمع الكثير من أحاديثه ومحاضراته ومقالاته في كتب حملت كل طريف شائق من العناوين، والمفيد الجاد من الموضوعات. وأهم هذه المؤلفات الجامعة لإِنتاجه.
ـ تمر وجمر، ويضم مجموعة من المقالات.
ـ حصاد عمر وثمرات قلم، ويضم بعض المحاضرات والمقالات، فضلاً عن طائفة من تراجم الصحابة وسير الأبطال.
ـ محاضرات وندوات في التاريخ والثقافة العربية.
ـ ثمرات قلم.
ـ صور.
ـ أشياخ ومقالات.
ـ كلمة ونصف.
ـ أحاديث وقضايا حول الشرق الأوسط.
ولا يزال لـ ((زيدان)) عدد من المؤلفات قيد الطبع، منها:
ـ خواطر مجنحة.
ـ الذكريات، مشاهدات ورحلات وذكريات.
ـ عبد العزيز والكيان الكبير.
أما محاضراته التي شارك بها في مجالات ثقافية مختلفة فمنها:
ـ رعاية الشباب، وهي محاضرة ألقاها بجمعية الإسعاف بمكة المكرمة عام 1358هـ.
ـ الإِسلام والحضارة، ألقاها بجامعة الملك فيصل عام 1397هـ.
ـ جمال الدين الأفغاني، ألقاها بنادي جدة الأدبي عام 1397هـ.
ـ بنو هلال بين الأسطورة والحقيقة، وهو موضوع ندوة علمية تاريخية، شارك فيها ((زيدان))، وانعقدت في مدينة (الدوحة) بدولة قطر الشقيقة، ونظمتها الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين العرب عام 1397هـ.
ـ العرب بين الإرهاص والمعجزة، بحث ألقاه بمركز دراسات الشرق الأوسط في كامبريدج عام 1976م.
ـ رحلات الأوروبيين إلى نجد وشبه الجزيرة العربية، محاضرة ألقاها في قسم التاريخ، بكلية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض عام 1977م.
ولا يخفى أن الاتجاه إلى البحث التاريخي، هو أبرز الاتجاهات وأغلبها على كتابات ((زيدان)) ومحاضراته.
زيدان كاتب السيرة
عالج ((زيدان)) فن السيرة في مجموعة من المقالات، جمعها في كتاب واحد، جعل عنوانه (سيرة بطل)، ضم تراجم تاريخية لطائفة من الصحابة والصحابيات، رضي الله عنهم، بلغ عددهم ستة وستين صحابياً وصحابية، من بينهم: قدامة بن مظعون، ومصعب بن عمير، وأم المؤمنين خديجة، وسلمان الفارسي، وهند أم سلمة، وأسماء ذات النطاقين، وعبد الله بن جحش، وأبو دجانة، وعمرو بن عبسة.
ويهدف الكتاب، كما تشير مقدمته، إلى هدفين أساسيين، هما:
ـ تلبية حاجة الأجيال الجديدة إلى هذه السير، بما شخصته من قيّم روحية، ينبغي أن يستضيء بها الشباب المسلم، لبناء حاضره ومستقبله.
ـ أن يتعرف شبابنا رجال تاريخه وأمته، بعد أن جهل سيرهم، يقول في المقدمة: ((هذه باقة عطرة من سير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين نضروا وجه التاريخ الإِنساني بخلقهم وبطولاتهم ومثلهم، ننشرها اليوم، وقد أصبحت أجيالنا الجديدة، في كل شبر من عالمنا الإِسلامي، في أمس الحاجة إلى هذا النور المبين، تمشي به عبر الظلمات الكثيفة، التي تكتنفها، وتكتشف على ضوئه، زيف الحياة المادية والشعارات البراقة، التي تلعلع من حولها وتستعين به لتخطيط حاضرها ومستقبلها)). إلى أن يقول: ((وإنه لمما يحزن القلب أن يعرف شبابنا عن مشاهير الأمم، من شرق وغرب، أكثر مما يعرفون عن أبطال أمتهم وصناع تاريخهم، الذين أضاءوا الدنيا، وغيروا وجه التاريخ)).
أما عن منهج الكاتب في كتابة ((السيرة))، فإنه، في إيجاز، يقوم على: رسم صورة حياة بشكل موجز، مع إبراز أهم ملمح في حياة الشخصية ومواقفها وخصائصها، وذلك بعد أن يلم في البداية بنسب الشخصية ومكانتها.
وكذلك يتحرى الكاتب، في ترجمته، الوقوف عند مواضع العبرة والتنبيه إليها، مع عناية واضحة بربط سيرة الشخصية بالواقع المعاصر، والحاضر الذي نعايشه.
ولغة الكاتب تتوخى البساطة واليسر، مع الأداء البياني الذي يجعل قراءة السير أمراً محبباً شائعاً. كما يلحظ قارئ هذه المجموعة من السيرة جودة إلمام الكاتب بعلم الأنساب وتاريخ القبائل العربية، والموازنة الحاسمة بين الأنساب المتشابهة، والتي يدخل التشابه بينها، في بعض الأحيان، اللبس على الدارسين، والقارئين على سواء هذا إلى وفرة ما طالعه الكاتب ورجع إليه من المصادر، مع سعة المعرفة بالتاريخ الإِسلامي: رجالاً ومواقف وأحداثاً وأنساباً.
زيدان محاضراً:
سلفت الإشارة إلى أن الأديب ((محمد حسين زيدان)) يشارك بالمحاضرة في المحافل والندوات، وقد جمع ذلك في كتاب عنوانه: ((محاضرات وندوات في التاريخ والثقافة العربية)).
وعنصر التاريخ، كما يتضح من العنوان، هو الغالب، وهو مزيج من التاريخ العربي الإِسلامي.
ونلتقي في هذه المحاضرات بتلك العناوين:
ـ رحلات الأوروبيين إلى نجد وشبه الجزيرة العربية.
ـ بنو هلال بين الأسطورة والحقيقة.
ـ العرب بين الإرهاص والمعجزة.
ـ جمال الدين الأفغاني.
ـ الإِسلام والحضارة.
ـ العرب وجزيرتهم.
ومحاضرته عن ((رحلات الأوروبيين إلى نجد وشبه الجزيرة العربية)) تكشف عن الدور المريب الذي لعبه الرحالة الأوروبيون لدراسة شبه الجزيرة العربية من النواحي الاجتماعية المتعلقة بحياة البدو بصفة خاصة، والناحية الدينية بالحج ومناسكه، ولما كان هؤلاء الرحالة غير مسلمين، ومن ثم لا يسمح لهم بارتياد مكة والمشاعر، أو زيارة المدينة، فقد اضطروا إلى اعتناق الإِسلام كذباً وزوراً، كما أتقنوا اللغة العربية، ودرسوا الإِسلام وارتدوا ملابس البدو، كما وثقوا علاقتهم بالبدو، وكسبوا صداقتهم وثقتهم. وقد تناول هؤلاء الرحالة بالدراسة ((الحركة السلفية بقيادة الشيخ محمد بن عبد الوهاب)) وأثرها في شبه الجزيرة العربية، والدور الذي قام به ((محمد علي)) في النيل من الحركة السلفية الإِصلاحية والتي كان لها تأثير عميق في حياة الشعوب الإِسلامية، وإِنشاء أول دولة إسلامية في العصر الحديث، تحتكم إلى شريعة الله، وأهمية هذه المحاضرة تتمثل فيما يلي:
ـ كشفت عن واحدة من الوسائل الخبيثة التي مارسها الأوروبيون ضد المسلمين المعاصرين، ووقائع حياتهم الاجتماعية والدينية.
ـ استشعار الأوروبيين الخطر الذي يتهددهم ويفسد عليهم مخططاتهم، من جراء حركات الإِصلاح واليقظة الإِسلامية وتقديرهم لحجم الخطر الكامن في الدعوة السلفية.
ـ علاقة الرحالة الأوروبيين بقادة الحركة الاستعمارية، وبخاصة نابليون والحملة الفرنسية على الشرق العربي، وخضوع هذه الرحلات للتخطيط والتوجيه والتمويل.
ـ إن معلومات الرحالة الأوروبيين عن العالم العربي بعامة، وشبه الجزيرة العربية بصفة خاصة، كانت مفيدة للغاية في توجيه الحملة الفرنسية، وتحقيق الكثير من أهدافها.
أما محاضرة ((زيدان)) عن بني هلال والهلاليين، فعنوانها ((بنو هلال بين الأسطورة والحقيقة)). إن أهم ما يقدمه ((زيدان)) للمثقف العربي، يتمثل في الدور الذي اضطلع به الهلاليون في تعميق حركة التعريب العرقي واللغوي، سواء في مصر أم في دول الشمال الأفريقي، خلال القرن الخامس الهجري وما بعده.
لقد استقرت قبائل ((الهلالية)) بمصر، بعد أن قدمت إليها موجة أثر موجة، وتحركت بعد هذا إلى بلدان المغرب العربي منذ عهد ((المعز الفاطمي)) حين أغرى قبائل الهلالية بغزو ((القيروان)) للقضاء على دولة ((الصنهاجيين)) الذين أعلنوا المذهب السني بديلاً للمذهب الفاطمي الشيعي، وخلعوا طاعة الخليفة الفاطمي في القاهرة.
وتتلخص أهمية هذه المحاضرة فيما يلي:
ـ أن موجة بني هلال تمثل، بالنسبة لمصر، الموجة العربية الرابعة، منذ موجة الفتح الإِسلامي.
ـ أن الهلاليين عرب من بني قيس قدمت موجاتهم إلى مصر من ((نجد)) التي أدت مع سائر مناطق شبه الجزيرة العربية دوراً تارخياً بارزاً في سبيل تعميق الوجود العربي.. عرقياً، ولغوياً. وبالتالي عمقت الوجود الإِسلامي، المرتبط بالوجود العربي دائماً.
ـ أن ((الهلالية)) ليست أسطورة، بل هي حقيقة، ودورها في المنطقة العربية دور أصيل.
ومن الواضح أن بحث ((زيدان)) عن ((الهلالية)) قد أفاد كثيراً من النتائج التي توصل إليها مؤرخ تونس الكبير الراحل ((حسن حسني عبد الوهاب)) في كتابه ((ورقات عن الحضارة العربية في أفريقيا)). إذ كان من أوائل المؤرخين المعاصرين الذين نبهوا إلى دور ((بني هلال)) في حركة التعريب، بعد أن اقترن خراب القيروان بالهلاليين.
ولو شئنا أن نخلص إلى رؤية شاملة لكتابات ((زيدان)) التاريخية ومحاضراته، لقلنا: إن هذه الكتابات والمحاضرات، تحرص، دائماً، على الارتباط بهدف معين، هو تأصيل الانتماء العربي الإِسلامي، ووصل الماضي التالد بالحاضر الواعد، وحث الشباب، بخاصة على قراءة تاريخه واستطلاع تراثه لأن الأمة التي تجهل تاريخها، تجهل طريقها.
زيدان والمقال السياسي:
عالج ((زيدان)): المقال السياسي، كما عالج ألواناً شتى من المقال، على نحو ما سوف نبين بعد، فأصدر كتاباً كاملاً، جمع فيه ما نشره مفرقاً من مقالاته السياسية، وأهمها:
ـ إسرائيل والواقع العربي.
ـ الصراع بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية.
ـ أساليب الاستعمار المعاصر في الاتجار بالسلاح.
ـ الخطر الشيوعي.
ـ كامب ديفيد ومكامن الخطر فيها.
وأول ما نسجله من الملاحظات على ((مقال زيدان السياسي)) أنه وثيق الارتباط بالحاضر العربي، وبما يجري على الساحة العربية من الأحداث، ومن هنا يأتي مقاله السياسي تعليقاً على هذه الأحداث، وتحليلاً لها، ونقداً للانحرافات، نقداً مغلفاً في أسلوب ساخر لاذع.
و ((زيدان)) الذي يهتم بالتاريخ، ويخصه بالأبحاث، لا يفوته أن يمزج ((المقال السياسي)) بالتاريخ. ويرد ذلك عنده على صور شتى: منها، على سبيل المثال: بدؤه مقاله بذكر حادثة سياسية، ثم الانطلاق من هذه الحادثة القديمة إلى موقف حديث يناظرها، فيحلل ذلك الموقف، ويعقد الأواصر بين الماضي والحاضر.
وقد لا تكون الإِشارة التاريخية، لديه، نقطة البداية، بل ترد في ثنايا المقال، مع الموازنة والمقارنة.
وهكذا يتحول ((التاريخ)) في ((المقال السياسي)) عند ((زيدان)) إلى درس آخر، يؤصل لديه الرؤية السياسية ويعمقها ويجعل ((المقال السياسي)) لديه أكثر من مجرد محاولة للتعليق على الأحداث والأخبار، عربياً وعالمياً، بل هي درس يبقى بعد زوال الحدث، ليصبح امتداداً حياً في واقع الأمة.
ثمة ملحظ آخر عن ((المقال السياسي)) لدى ((زيدان))، وهو عنايته بالحدث العالمي، وعنايته بالحدث العربي وتناوله الحدث العالمي، من وجهة نظر المثقف العربي، مع الربط بين الحدث العلمي والواقع العربي في حلقة واحدة.
ومن خصائص مقال ((زيدان)) بساطة الأداء اللغوي، مع مزج التحليل والتعليق بروح الدعابة، التي لا تخلو، في الكثير من الأحيان، من السخرية اللاذعة.
كذلك يحرص ((زيدان)) في مقاله السياسي على العنوان الطريف المثير، مثل:
ـ استرخاء موسكو وتوتر واشنطن.
ـ لمسات، ورفعنا لك ذكرك.
ـ تجارة السلاح بلطجة.
ـ من المؤامرة إلى المغامرة.
ـ منحة التوقيت.. نعمة التوفيق.
زيدان والمقال الاجتماعي:
عالج ((زيدان))، من خلال ((المقال الاجتماعي))، العديد من الموضوعات الاجتماعية، التي تصور وتنقد بعض التقاليد والعادات، والظواهر الاجتماعية العارضة، مع الدعوة إلى الإِصلاح الاجتماعي، ومن بين القضايا الاجتماعية التي تناولها: المغالاة في المهور، الإِقبال على الاقتران بالرجل الثري، دون النظر إلى الاعتبارات الأسرية، بعض مظاهر أنانية الآباء في معاملة الأبناء.. الخ.
ويميل الكاتب، في مقاله الاجتماعي، إلى التركيز والإيجاز وتحري الواقع وصدق الوقائع. كما يغرم كثيراً بأسلوب الحوار، يلجأ إليه ويمزج به الصورة الحية النابضة، مما يضفي على المقال ملامح قصصية، ويشد إليه قارئ الصحيفة، ويكشف، في الوقت ذاته، عن حس فني لدى الكاتب، يعينه على تجسيد الفكرة الاجتماعية.
كما يلجأ الكاتب، في بعض الأحيان، إلى استخدام ((الكلمة العامية والتركيب العامي))، حتى يضاعف من الطاقة الجاذبة للقارئ، ويقترب بقلمه من الواقع، هذا إلى نزوعه نحو الفكاهة، التي يستعين بها أحياناً في النقد الساخر المغلف.
في مقال له عن نقد بعض العادات المتبعة في حفلات العرس، يقول: ((ونسأل الله أن يتم على العرائس والعرسان نعمة الفرحة في ليلة العمر، وفي أيام العسل، وفي الأيام التالية، من عمر مديد وحياة سعيدة. يغلبها بالمال، وتغلبه بالعيال، ويتغلبان على حياة، زاخرة بالمتغيرات والمتناقضات، بالعلم والمعرفة والصبر والشكر. مقدمة لا بد منها، ندخل بها على الأمهات والآباء، فهم يأبون إلا الزيطة والزمبليطة)) تكثر فيها المصاريف ذاهبة هباء، لو صانوها لصانوا الكثير من المربح والمفرح والمعين..)).
زيدان كاتب الصورة:
مارس الكاتب تحرير لون من ألوان ((الكتابة الصحفية)) يمكن أن نطلق عليه الصورة أو ((اللوحة)) وذلك إلى جانب المقال، الذي أوجزنا الحديث عنه فيما سبق. وهو عادة يعنون لهذا الشكل: أي الصورة، بعنوان ((صور...)).
وقد خص بهذا الشكل النثري كتاباً كاملاً، جعل عنوانه ((صور)).. كما لم تخل منه سائر ما جمعه من الكتب الأخرى مثل: ثمرات قلم، وكلمة ونصف، وأحاديث وقضايا حول الشرق الأوسط.. وفي كتابه ((صور)) الذي اختصه بهذا الشكل النثري، يحاول أن يحدد لنا المقصود من لفظ ((صور))، فيقول: ((إن هذه الصور قالة من مقالة، كليمة من كلمة، قد يكون فيها الكلم لمن تجرح، وقد تكون قالة من مقالة، كليمة من كلمة، وقد تكون لما هو أكثر، أو لما هو أقل. هي بضاعة مزجاة، فعسى أن تلقى القبول)).
وإذا كانت تلك السطور لا تعطينا مفهوماً محدداً لفن ((الصورة)) لدى الكاتب، فبوسعنا أن نتعرف على هذا المفهوم من خلال قراءة مستقصية، تستخلص الخصائص، وتحدد هذا المفهوم. فالصور على هذا لمحات قصار تتتابع في موضوعات شتى، من الدين إلى المجتمع إلى الأدب إلى السياسة، وغير ذلك.
وقد تكون هذه الصورة تسجيلاً لذكرى من ذكريات الكاتب، أو لخاطرة عابرة، أو لفكرة مقروءة، ألم الكاتب بها فيما يلم به من مطالعاته، وقد تكون خبراً من الأخبار السيارة، أو حقيقة تاريخية أو علمية.
أما من حيث الشكل فهي، إلى جانب التنوع والاستطراد الموضوعي، تتسم بأنها أقصر، وأكثر تركيزاً من الشكل المقالي، الذي اعتاد الكاتب ممارسته.
كذلك قد تكون الصورة حواراً خالصاً، أو حكاية خالصة. كما قد تكون سرداً مباشراً مجرداً من الحوار أو القص. هذا إلى جانب عناية الكاتب، في الأعم الأغلب من ((صوره)) بعنصر التصوير، حيث يكون حظ صوره منه أوفر من حظ المقال.
وإذا كان البحث العلمي عند ((زيدان)) قد اتسم بالرصانة وعكس لنا تنوّع المعرفة، مع عناية خاصة بالتاريخ، فإن ((المقال الصحفي)) لدى الكاتب، قد اتسم بالخفة والظرف أيضاً، وعكس لنا ((الحس الفني))، لديه، مع ارتباط واضح بالواقع المعيش، إقليمياً، وعربياً، وعالمياً. اجتماعياً وسياسياً ودينياً. ومن هنا تنوّعت منازع القول والتعبير لدى ((زيدان)) سواء من جانب المعرفة العقلية، والوجدانية الفنية، كما تنوّعت وتباينت، في الوقت نفسه، ثقافاته ومعارفه، في مصادرها ومواردها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :962  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 726 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.