شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طيبة.. رحلة في الزمان والمكان (38)
والذكريات ليست إلا جغرفة للأرض، أرض المدينة كما أنها مشاهد تاريخية، ليس منها أن تكون مذكرات شخصية، فلن أقحم نفسي متحدثاً عن شخصي وإنما هو الحديث عن المدينة المنورة في عهد الدولة العثمانية العهد الحميدي والعهد الرشادي ثم عهد الأشراف ثم العهد لهذا الكيان الكبير المملكة العربية السعودية، فالذكريات تاريخ من التاريخ عن الأحوال والاتصال والانفصال والرجال وكيف ابتليت بمن حولها وكيف طاب لبعض أهلها أن يعيشوا الفصام بلا خصام ما أشد قربهم لبعض حين لا تكون المادة جراية أو صدقة وما أقوى فصامه حين تكون المادة أحباباً يتقاربون وبالعنعنات كثيراً ما يتباعدون.. أكتب هذه الذكريات فيها (( الأنا )) وإنما كلها الـ (( نحن )) .
منثورات.. من هنا وهناك
ماتت أمي فأصبح لي أربع أمهات!
باع أبي حماره وغادر الصعيد إلى المدينة المنورة.
وتأبى الذكريات أن تنتهي، مع أني كنت أريد النهاية لها تحت وازع الحياة، يلزمني ألا أكون جهير الصوت أنطق من سكت الزمان عنه، فمن المعابة بمكان أن تثير فاضحة ولو كانت واضحة.
وجعلت العنوان منثورات استعرته وما سرقته من الكتاب (رياض الصالحين) للإِمام النووي يرحمه الله.
ـ المنثورة الأولى:
عن هؤلاء الذين كانوا بأسلوب المعارضة، يساريين بينما هم اليوم طليعة اليمين في هذا البلد الميمون، كأنهم قد عادوا لِنُحِبَّهُمْ أكثر، وإن كانوا ومازالوا على حرف، لأن جفوتهم لما تقضي عليها صفوتنا، ترحيب حين اللقاء وجفاء إذا ما خلوا يذكرون ماضيهم، فقد كنت في عداد الذين ليسوا وطنيين، حتى إن بعضهم وكان عضواً في مؤسسة البلاد، يلح على رئيس التحرير أبي فوزي عبد المجيد شبكشي، ألا ينشر لنا ما نكتب، لأننا.. ولأننا.. ولأننا، وكأنما نسي أن عبد المجيد شبكشي كان واحداً منا، إيجابياً لا سلبياً.
ولا أدري عن الفائدة من السلبيات، ألا يعرف أنه في المركز المرموق لم يصل إليه إلا بالإِيجابية، قال لي واحد منهم وفي القاهرة: أنت من أصحاب الملايين.. قصور وعمارات، أما فلان فقد أدى، وأعوذ بالله من قوله، لقد أدى (مهمة نبي) وهو الآن لا يملك ما ملكتم، أنت وأعمامك وأمثالك، قلت له: هيا إلى الشهر العقاري أكتب تنازلاً عن كل ما أملك مقابل أن يكتب صاحبك التنازل عن نصف ما يملك، وبهت وأخذ يكابر (إيش.. إيش) وشرحت له بأسلوب المقارنة، فقال: ما كنت أدري، قلت ها أنت الآن تدري، فقال: يعني هو منكم؟!
قلت: يشرفنا أن يكون منا، ويكلفه الشطط أن يكون منكم.
ـ المنثورة الثانية:
وتلسن بعضهم، وقد أصبح من أصحاب الثقة والحظوة على الخادم المخلص للملك عبد العزيز عبد الله بن سليمان، قال: أهو بساتين في الخرج وحداء والشرائع، حتى أخذ بستان فرج يسر بجدة، وسمعت ذلك فقلت لمن أسمعني: لئن انتشرت البساتين في الخرج، فما كان ذلك إلا لأن الخرج ثكنة عسكرية سياج حماية للرياض وللطريق، أصبحت مدينة لها شأنها، وما أكبر شأنها الآن، ولم يكن ذلك إلا بأمر الملك عبد العزيز. أما حداء فقد كانت بؤرة لقطاع الطرق، فكم من جريمة ارتكبت في زقاق حداء، فاشتراها ابن سليمان وبأمر الملك عبد العزيز، سياج حراسة للطريق لا يأوي إليها شريد أو طريد أو قاطع طريق لأن الأمن للطريق بين مكة وجدة من دواعيه أن تكون حداء ملك الدولة، صوناً لها وصيانة بها، وكذلك الشرائع، مركز تفتيش وحراسة أمن بين الطائف ومكة يوم كان الطريق من مكة إلى الشرائع إلى الزيماء إلى العدوة اليمانية من الوادي (مر الظهران) الذي عند المضيق على رأس العدوة الشامية يسمى وادي الليمون حتى إذا سال بعد وادي الليمونة يسمى وادي فاطمة، يصل إلى حداء ثم إلى البحر، رأيته وقد سال في عام واحد إحدى عشرة مرة.
فالشرائع نقطة حراسة لا مكان نزهة، وأرض فرج يسر من أهل جدة الذي جلب عين الوزيرية من تخوم الرغامة، إلى هذا البستان كان من الواجب أن يكون ملكاً لابن سليمان، اسماً بينما هو ملك الدولة فعلاً، حتى إذا عز لجامعة الملك عبد العزيز المكان كان هو الإِمكان لأن تكون المكان الذي هي فيه الآن، كل ذلك لم يكن إلا بأمر الملك عبد العزيز، فحري أن تكون الجامعة في أرض هي قبل كل شيء وبعد كل شيء ملك لعبد العزيز ملك لجامعته وأرض الكندرة، كان شراؤها لا لفندق الكندرة وإنما لمطار الكندرة.
واستوعب من سمع، أسجل ذلك الآن لمن لم يسمع من الذين ظنوا في أنفسهم أنهم بالسلبية والتلسن هم الوطنيون، بينما هم الآن بالإِيجابية أصبحوا ملء السمع والبصر. والليالي من الزمان حبالى، ولا أريد أن أكون الحبلى ألا ألد هذه الذكريات، أخشى أن يقال (حبلى ولا تكاد تلد).
ـ المنثورة الثالثة:
عن هذا الطفل يكتب الذكريات عجوز لا يتطفل على أحد وإنما طفولته شيخوخة بالعدم الذي كنا نعيشه وشيخوخته طفولة بأحلام اليقظة التي يعيشها.
ولدت كأي طفل من أم بدوية قبلية اسمها فاطمة أبوها رجاء بن فضلون، قال لي خالي محمد بن فضلون إنهم من الفضول ومن عالية نجد، جده فضلون كان فارساً شجاعاً، ولم يزد على ذلك غير أن عشيرنا في حوش خميس ومن أكابر أهله، يوسف الجيار وهو من الأحامدة أهل الفقرة، قال جدك فضلون هو الذي يقول (خيالها يوم الزنابير فضلون إلي شرى عود القنا بالثنية) قال ذلك حين كسرت قناته فاشرى قناة بثينة من الأبل.
وماتت الأم بالديفتيريا فضاع الحنان. أعيش بالحنين وما عرفت الأنين، هل لأن كان الذين حولي من الأمهات وهم حول جدتي الكسيحة العمياء، وفي بيت الشعر وسط حوش خميس، هل كانت كل واحدة منهن الأم الرؤوم؟ من هن؟ هن أربع.. شيماء ومنيرة الأختان لأمير عقيل حينذاك (سيف العوجان) ووردة وموضى زوجتا حليفنا بادي بن جميعان العمري من بني عمرو شرق المدينة، من أهل وادي الفرع والريان وأبو ضباع، كلهن أمهاتي.
ولا أدري كيف أصبحت الجدة العجوز موضع الرعاية من هؤلاء.. أزواجاً وزوجات، سهرة الليل عندها في بيت الشعر.
فهل كانت كبيرة القدر فعرفوا قدرها؟
ويوم كنت مريضاً بذات الجنب وفي ليلة افتتح المجلس محمد ابن مطر، يقرأ في كتاب سمعت منه هذه الكلمة حفظتها وأنا طفل فما نسيتها وتلهيت أن أجدها في مرجع كما ذكرت من قبل، ولعلّ شيخنا أبا تراب يمدنا بالمرجع، يعلمنا عن مدى الصحة فيها، قال: قدم جمع من مزينة يبشرونه بنصر، فقال صلى الله عليه وسلم كما نحيت بينكم يعني اسم واحد منهم، اسمه نحيت، وما زال هذا الاسم باقياً، فابن نحيت مازال الشيخ في مزينة وصاحب الراية في قبيلة حرب كلها حين تجتمع إذا لم يكن هناك واحد من أبناء عسم، أفليس في هذا أعرف منه مكانة الجدة، وحنت علي الجدة تمسك بي لا أفارقها حتى ماتت، خافت علي من البرد لئلا أصاب مرة أخرى بذات الجنب، فبنت داخل بيت الشعر حجرة من الطين، تسعني أنا وهي لو وقفت لمس رأسي سقف الحجرة.
ـ المنثورة الرابعة:
وماتت الجدة فإذا أنا في كنف أبي وكان مزواجاً، وقد بلغت السابعة أو الثامنة من عمري ولقد تزوج والدي إحدى عشرة امرأة ولم يكن له ولد إلا من ثلاث من زوجته الأولى التي عاشت معه طويلاً ومن أمي ومن زوجته السادسة. الزوجة الأولى اسمها (بخيتة) نسبة إلى النوق لبخت، وهي من قبيلة من صعيد مصر أبوها اسمه ضرار من أكابر الأحامدة وأثريائها، وعشت أسأم الجفوة من زوجات الأب، لكني وبعاطفة الأب قد تكون لدي عضل نفسي، اعتزل الزوجات في الدكان، كما يقول البدوي (حنا استجلال وهن استجلال) يعني الاستقلال، فسلمت من أن أحدث كدراً للوالد أو أجلب تكديراً للزوجات.
والدي من صعيد مصر ومن مديرية أسيوط ومن قرية (القطيعة) التي بدل اسمها فجعلها المطيعة ابنها الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية، فقد كان يرحمه الله نصيراً للقصر الذي يحمل بعض الكراهية للقطيعة لأنها لم تكن المطيعة للقصر كأنها بزعامة الباشا في ساحل سليم تقف حرباً على القصر، وكان لها ابن قبل محمد بخيت لم يطوعها كما طوعها محمد بخيت، لأنها لا تتواءم معه. فمن هو؟ هو الخديوي الثاني إسماعيل صديق المفتش الذي حكم مصر بنفوذ أخيه من الرضاعة الخديوي إسماعيل، فقد أرضعت أم المفتش إسماعيل الخديوي، فنشأ ابنها ربيب القصر وكأنه وقد أصبح عظامياً يحكم مصر فاستترك إن لم يقل له (أفندينا) فقد أصبح بالنفوذ الأفندي الوحيد بعد الخديوي، ولعلّ أمه أنحدرت من القطيعة ترتزق في القاهرة وأحسب أنها هربت من الضيم، فإما أنها لا تملك أرضاً أو أن أرضها سلبت منها كما سلبت الأراضين من غيرها، السالب العمدة عبد الرحمن أبو كريشة لحساب أحد الباشوات، وكأن إسماعيل المفتش قد انطبق عليه قول شوقي:
فدعي الطير وحظاً قسماً
صير الأيك كدور الأنس
وإذا الخير لعبد قسم
سنح السعد له في النحس
البيتان من موشح شوقي عن عبد الرحمن الداخل عارض به موشح ابن الخطيب لسان الدين، فهل هناك نحس أشد من النحس الذي أصاب عبد الرحمن الداخل، وهل هناك سعد أنعم الله به على عبد الرحمن الداخل، وهل هناك نحس أشد من أن تكون أم إسماعيل المفتش مرضعة بأجر، وهل هناك سعد أن يكون هذا النحس نعمة على إسماعيل يحكم مصر؟
ـ المنثورة الخامسة:
وما تنكرت لنسبتي لصعيد مصر، بل كنت فاخراً بها لأن قبيلي ترك أرضه حين سامه الضيم فوجد العزة في المدينة المنورة، ففي أيام العصا والسيف والبندق كان قبيلنا (القطايعة) لا ينالهم ضيم أنصفوا فانتصفوا، فكثير هي المواقف التي انتصروا لأنفسهم بها، كانوا تجاراً وحمالاً بنوا الدور وزرعوا البساتين انتسبوا إلى قبائل ثلاث.. الأحامدة.. أبو طقوش وقد كان تاجراً يشار إليه.. وضرار كما ذلك حسين عبد العال البارم، ملك الدور والبلاد جاراً لنا في البيت والبلاد وبيت أبو فرع والعامرية حسونة وعيد فراج وحسن أبو الدهب وعليوه العقاسية.. زيدان ونور الدين شيخ الحمال وعمران وأخوه أبو زيد والعقالي وبخيت مزير، كل هذه القبائل عزوة واحدة ما ارتفعت عصا على واحد منهم إلا وكانت عصيهم تكسر تلك العصا، ولكن كيف وصل أبي إلى المدينة؟
لو تركنا السبب لقلنا وصل كما وصلوا، ولكن لا بد من إيضاح السبب، والسؤال ليس عن السبب وإنما هو عن هذه الكثرة الذين سكنوا المدينة من القطيعة وأبو تيج من أسيوط ومن مديرية قنا وليس من غيرهما.
لقد وصل والدي إلى المدينة قبل الثورة العرابية، يعني قبل احتلال الإنجليز، وقبل أوائل القرن الثالث عشر للهجرة كان عمره سبعة عشر عاماً، ترك أمه وأخاه الأصغر حسن وأخته وردة، هارباً من الضيم فالعمدة عبد الرحمن أبو كريشة ولعلّه من طهطا، فهو من مديرية سوهاج نصبه صاحب نفوذ لعلّه محمود سليمان باشا والد محمد باشا محمود، فقد أعلن العمدة ترحيل الشباب باسم الجهادية ليكونوا عمال تراحيل في أي بلد آخر، لتفرغ الأرض وليحتل الباشوات الأفدنة، أعلن أن من كسرت ثناياه لا يؤخذ للجهادية فأمسك والدي الشاب دبارة ربطها في أصبع رجله وشبك الدبارة في ثنيتيه ينفض رجله يقلع الثنيتين ليصبح أدرد بلا ثنيثين، فعل ذلك ليبقى في أرضه يزرع طينه يحمي أمه وأخته، ولم ينفع ذلك فقد أعلنوا أن مكسور الثنيتين لا يعفى من الجهادية فباع حماره (الحصاوي) بستة جنيهات ومركبه رجلاه والثوب جلده ينحدر إلى أقصى الصعيد يصل إلى القصير على الساحل البحر، يركب سفينة شراعية وإلى ينبع البحر مشى على قدميه ولكنه ركب الجمل من ينبع إلى المدينة وترك أخاه الأصغر لا يدري عن أسرته شيئاً، وإذا بالعمدة يعلن أن الأعور لا يؤخذ للجهادية، وشب عمي حسن زيدان وخاف أن يأخذوه فوضع رأسه على فخذ أخته وردة فقلعت عينه اليسرى يصبح أعور فلا يؤخذ، ولعلّ غيره فعل ذلك، فأعلنوا أن الأعور يؤخذ فهرب كما هرب أخوه ووصل إلى المدينة.
أي ظلم كهذا، ولماذا حل هذا الظلم على قرية القطيعة؟ إنها تابعة لمركز أبو تيج، وأبو تيج تحت نفوذ ولد السليني، وسيدهم يوم ذلك محمود سليمان باشا، فلم يهاجر من مديرية أسيوط إلا واحد هاجر من البندر وهو أستاذنا حافظ القرآن الذي كانت إليه الرحلة حسن الشاعر، ولم يهاجر من الباقور وهي بجانب القطيعة كما هي بلد الشيخ أحمد حسن الباقوري يرحمه الله، لم يهاجر منها إلا واحد اسمه عبد العال الباقوري، ولكن الهجرة ما أكثرها من أبو تيج ومن القطيعة، ولم يكن لغير هذين الاسمين من هاجر إلى المدينة، لقد كانوا الكثيرين في المدينة، من مديرية المنيا لم يهاجر أحد، فهل كان الشيخ تمي وشعراوي ولملوم وعمر سلطان يتعاطفون مع لابس اللبدة الفلاح فلم يقسوا ولم يضيموا فهجرة الصعيدي إلى المدينة من أسيوط كما ذكرنا ومن قنا فليس أحد من سوهاج ولا من المنيا ولا من أسوان، الهجرة من قنا لم تكن من ضيم حاكم، وإنما من قسوة العيش من المعارك بين الحميدات وهم من جهينة بقية الدولة التي أسستها جهينة جنوب مصر وشمال السودان، وبين الأشراف الجمازيين الذين تركوا المدينة لأبناء عمومتهم وسكنوا مديرية قنا، فأربوا على مائة ألف، وكانوا أصحاب الشوكة يستفحل العراك بينهم وبين الحميدات فإذا قبيل ثالث وهم الجبلاويون، كثر المهاجرون منهم إلى المدينة.
فلماذا كان ذلك؟ كان من الضيم واحتل الإِنجليز مصر فرجع والدي إلى القطيعة يترك أخته مع زوجها ويحمل أمه وابن أخيه محمد حسن زيدان إلى المدينة آمناً، فلو لم يجد العيش الرخي في المدينة وما ملك فيها لعاد إلى وطنه، فقد انتهى العمدة وسكن الباشا محمود سليمان القاهرة في بيته الكبير في شارع الفلكي، ولعلّ محمد باشا محمود ابنه كان لديه رد الفعل فإذا هو النبيل يرفع الضيم يفتح باب بيته لكل من هو من الصعيد ولا يستقبل عدلي يكن وعبد الخالق ثروت وأمثالهما إلا بتحديد موعد أما أهل الجلابيب واللبد فالبيت مفتوح. كثير من الأبناء يأخذهم رد الفعل لئلا يكونوا كما آباؤهم.
ـ المنثورة السادسة:
وكان والدي قوي العضل عصب وعظم وقليل من اللحم طوال يستعمل عقله لتفعل يده، كم هي الحكايات التي حاز النصر فيها، هي أكثر من معركة لكني أذكر هنا معركة العقل حمل بضاعة من ينبع البحر إلى الفريش، مركز الجيش العربي بقيادة الشريف علي ابن الحسين يوم حاصر المدينة، كما وادي العيص مركزاً للجيش بقيادة الشريف عبد الله بن الحسين كانت البضاعة ألف جنيه ذهباً، ثلث الألف ملكه والثلث للشيخ حسن موسى وشريك ثالث سليمان الناقور، وهما مكيان من شعب عامر.
وفي آخر الأيام قد باع البضاعة كلها جاء إليه شخص يعرفه اسمه جربوع من عبيد بني علي أهل العوالي كان يقعد الطريق هو وزميله العليبي بين المدينة والعوالي ينهب الضعفاء، وقف جربوع ووالدي كان يعرفه: سلام يا حسين، أهلاً يا جربوع، قال: حسن أبو تيج زعلان منك هو مسجون عند منديل عبد الشريف على قائد الخيل زعلان يقول حسين زيدان ما زارني، وعرف والدي المكيدة إذا وصل إلى المخيم أمسكوا به يسلبون ماله يسجن بتهمة أنه يسابل إلى المدينة معيناً لفخري باشا، فقد سلبوا مصطفى عزوز مرتين وقتلوا حسن أبو عوف أخا محمد سعيد أبو عوف، لصلته بحسين ابن مبيريك أمير رابغ عن طريق بخيت ابن بنيان، عرف ذلك والدي فقال أخي يا جربوع تدري عن حسن وما تقوللي، هيا اسبقني أخذ معايا راس نيف وعيش وبصل أتغدى أنا وحسن هناك، وفرح جربوع بالصيد فذهب وما تريث والدي لم تبق عنده إلا ستة صناديق شاهي، أسرع إلى عابدين بغدادي وهليل بصاص، عندي ستة صناديق شاهي تشتروا، وكانت قيمة الأوقة اثنين وثلاثين قرشاً، قالوا نشتري بثمانية وعشرين، فباع وقبض الثمن ذهباً يربطه مع الذهب حول ظهره وبطنه، وذهب إلى الخيمة يلبس عباءته وسيفه ويشق الخيمة من الخلف يترك بابها مفتوحاً والميزان تركه ليطمئن جربوع لو أتى لم يذهب غير بعيد، فوجد جمالاً من الرحلة يقول أنا في وجهك يا ابن أخي تراني دخيل ضربت واحد مكاكوي وأخاف من منديل، وأشرع الرحيلي بندقية وقال: أنا ماني ذاهب لينبع سأمر على الديرة أجلس عند المعزبة ثلاثة أيام فقال حسين زيدان: هذا ما كنت أبغي صرت دخيل وضيف، وركب جمله ولم يبعد حتى انحدر البدوي إلى شعب من شعاب وادي سجسج بعد الصدارة وجلس والدي ثلاثة أيام، الخبز ملة وتمر وعسل ولبن، وركب إلى ينبع وصلها، وقد تيقن أنهم تبعوه إلى ينبع ليمسكوه في الطريق، وقبل أن يدخل إلى البيت ذهب إلى بيت الشريف معلا، من أشراف ينبع النخل ذوي هجر، دخل عليه دخيلاً يحميه، وكان يعرفه فقال: بلغني أن جربوع ومحمد شربة في ينبع اذهب وقل لهما أنا في وجه معلا واسحب سيفك إذا لم يقوموا راحلين قطعهما وأنا وراك ووصل والدي إلى المقهى فدهش محمد شربة وجربوع، محمد شربة خان الجوار هو من عبيد العيون وكنا نلعب مع بناته أطفالاً في القاضية وأرض محبت، وقف والدي يقول: أنا في وجه معلا قوموا ووالله إذا لم تركبوا خيلكم وترجعوا إلى الفريش لقطعتكم الآن وسحب الجردة، فرجعوا خائبين وقد سمعوا منه أنه لن يعود إلى الفريش سيبيع ويشتري في وادي العيص في جيش عبد الله بن الحسين وقد كان أشد أمناً من الفريش.
عمل العقل وعزيمة الفعل يوم كانت العزة للكامل والهوان للخامل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1589  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 718 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.