شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طيبة.. رحلة في الزمان والمكان (29)
والذكريات ليست إلا جغرفة للأرض، أرض المدينة كما أنها مشاهد تاريخية، ليس منها أن تكون مذكرات شخصية، فلن أقحم نفسي متحدثاً عن شخصي وإنما هو الحديث عن المدينة المنورة في عهد الدولة العثمانية العهد الحميدي والعهد الرشادي ثم عهد الأشراف ثم العهد لهذا الكيان الكبير المملكة العربية السعودية، فالذكريات تاريخ من التاريخ عن الأحوال والاتصال والانفصال والرجال وكيف ابتليت بمن حولها وكيف طاب لبعض أهلها أن يعيشوا الفصام بلا خصام ما أشد قربهم لبعض حين لا تكون المادة جراية أو صدقة وما أقوى فصامه حين تكون المادة أحباباً يتقاربون وبالعنعنات كثيراً ما يتباعدون.. أكتب هذه الذكريات فيها (( الأنا )) وإنما كلها الـ (( نحن )) .
وما كانت الذكريات تلزمني، بأن أكتبها مقيداً بالترتيب الزمني، بل يحسن أن تواكب الذكرى التذكير بها والإِعلان لها، لأن مواكبة الخبر تدعو إلى الشرح توضيحاً وإجلالاً ليعرف القارئ المعنى لهذا اللقب ((خادم الحرمين الشريفين)) فهو لقب لبس الملك فهد به تواضع الكبرياء ((ومن تواضع لله رفعه فخدمة الحرمين تعني الأمن بهما ولهما، ولم يكن ذلك إلا عن الإِيمان، فقد جعل الله الإِيمان به سبحانه وتعالى رباً خالقاً وإلهاً معبوداً لا شريك له هو الأول ثم عمارة المسجد وسقاية الحاج، فالمشركون كانوا يفخرون بعمارة المسجد وسقاة الحاج، فبصرهم الله ليؤمنوا به، إن الإِيمان هو الأول، لأن المسجد بيت الإِيمان لا بيت الأوثان)).
((خادم الحرمين الشريفين)) لقب يزهو به التشريف بعظمة التكليف، فكأن هذا اللقب يحمل الإِجلال للملك والتبجيل له، ولم يكن ذلك إلا من عمله، فعمل الرجال لصالح الأعمال هو الثناء عليهم، فمن عرف قيمة الأمن للمسجدين وسياجهما، لا بد من أن يعترف بكل التبجيل للملك فهد.
إن آل سعود من أول أمرهم.. كانوا دعاة لتوحيد الكلمة في ظل كلمة التوحيد، خاصموا عنها واختصموا من أجلها، فتبدلت أحوالهم حتى أتم الله النعمة على الإِمام السلطان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، قال لي مرة الأمير فيصل بن سعد بن عبد الرحمن ((اسمع واعرف أن كلمة التوحيد وعقيدة السلف لا نتركها نحن فما منا بقية إلا وهي التي تنصر كلمة التوحيد)) كلهم كذلك وخادم الحرمين الشريفين ابن عبد العزيز ما هو إلا ذلك.
وتداول أقيال وعواهل وأمراء وباشوات وسلاطين فإذا كلهم يرفعون رؤوسهم بلقب ((حامي الحرمين)) بعضهم لا ننكر عليهم الحماية وبعضهم لم يتمكن من حماية الحرمين حتى من سلوكهم.. وحين تمت الوحدة لهذا الكيان المملكة العربية السعودية، كان معنى الخدمة للحرمين الشريفين الحماية لهما والحماية بهما.
إن مكة.. بكة.. صلاح، بلد آمن.. هو أول بيت وضع للناس ببكة مباركاً.. آمن قوم بملة إبراهيم ورجع قوم منهم إلى عبادة الكواكب، التي حاربها أبو الأنبياء إبراهيم ومن بعده ابنه إسماعيل عليهما السلام.
ومن التذكير أن نذكر أن حماية الله لهذا البيت في العهد السحيق والعهد اللحيق.. قبل الإِسلام وبعد الإِسلام وبالإِسلام.. تبجح الوثنيون فباءوا بالفشل.. وجاء ((تبع)) واحد من أكابر العواهل والأقيال والأزواء في اليمن، قحطانياً سولت له نفسه أن ينال من البيت فإذا الله رب البيت يحميه يرجع تُبّع إلى رشده يكسو الكعبة، فما استطاع أحد من البشر أن يرده ولكن رب البيت هو الذي نصر البيت.
وسار ((نبوخذ)) الكلداني العابري السامي، يصل إلى فلسطين يسبي اليهود ويمشي منحدراً إلى وادي القرى لا يتخطى (تيماء) من حَبسه في تيماء؟ لماذا لم يصل إلى مكة؟ بل لماذا لم يصل إلى يثرب؟ حبسه حابس الفيل، حتى أن قرأنا خبراً عن النبي (دانيال) من أنبياء بني إسرائيل نجا من السبي ووصل إلى مكة لأن الله أوحى إليه أن يحمل معداً بن عدنان رقى به أعلى جبل لئلا يصل إليه نبوخذ ((بختنصر)) لأن معداً جد رسول الله محمد بن عبد الله، فحمله دانيال خشي عليه، لكن الله هو الذي يحفظه حمى البيت ودانيال ومعداً وبنيه إلى أن أتم الله النعمة على العرب على بني الإِنسان كلهم بهذا الإِسلام دين الحق.
والعجيبة ألا يصل الكلداني البابلي إلى يثرب كأنه حماية المستقبل ليثرب، لتصبح مأزر الإِيمان.. الدار والإِيمان.. دار الهجرة يتم النعمة عليها بهجرة النبي إليها وهجرة أصحابه وإيمان أنصاره، فإذا هي مشرق النور.. اقتبسته من حراء والصفا، ليكون إشعاعه مكياً مدنياً.. المسجد النبوي كان مربداً، مستودع تمر فإذا هو وديعة المؤمنين.. المؤمنون فيه ثمراته ((من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذيب الملح في الماء)).
هذا من أراد السوء فكيف يكون الجزاء لمن صنع الإِحسان؟ فالبشرى للملك فهد صانع الإِحسان أن يكون من المحسنين الذين عملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
ويعجز القلم عن معنى الخدمة للحرمين الشريفين ولكن عمل فهد بن عبد العزيز تمتع بالكمال فإذا هو قاهر التعجيز، فأسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن في ظل كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة.
جريدة المدينة
((بسبب مقالٍ كتبته كدت أنفى من المدينة))
ولم أكن أعلم عن طلب الأخوين علي حافظ وعثمان حافظ السماح لهما بإصدار جريدة المدينة مع أني لا أكاد افترق عن السيد عثمان، وقد تم لهما قضاء الحاجة بالكتمان، وصدر الأمر الكريم من الإمام السلطان الملك عبد العزيز، وأعان السيدين أنهما يملكان المطبعة جلبها السيد عثمان، ويكاد يكد ويجد ليتعلم عن المطبعة والطبع ما تيسر له من المعرفة وقد أعانهما في ذلك الشيخ محمود شويل الصديق الصدوق للسيد عثمان حافظ، أقرضهما بعض المال مما ملك أو هو كل ما ملك، وقدره تسعون جنيهاً ذهباً وضعها أمانة عند صديقه الأفندي محمد نصيف حتى إذا أراد العون للسيد عثمان سحب المبلغ من الأمين.
وتأسست المطبعة وتم لها أن تكون في العينية، وعدت من مكة بعد أداء حجتي الثانية، أيامها كنت معلم الصبيان في دار الأيتام، ووصلت عصر يوم إلى المدينة أدخل إلى بيتنا في النورية وكان ملكاً لنا، ولم أكد آخذ شيئاً من الراحة حتى طرق الباب هؤلاء الثلاثة بقية الناس السيد عبيد بدر والاثنان من الناس علي حافظ وأخوه عثمان، رحبت بهم وعجبت كيف عرفوا خبري، ولعلّهم ترصدوا قدومي من باب العنبرية إما من أحمد جاد أو حسن دقاق، كأنهم أرادوا ألا يفتلني أحد في ذروة أو غارب فأعتذر عن العمل معهم، وتكلموا ولعلّ السيد عبيد هو الذي بدأ، أخبرني عن أمر الإِصدار وفي نصه الموافقة على أن يكون السيد أمين مدني والد السيد إياد وأخو السيد عبيد الذي كدّ وجدّ حتى امتد له أثر في التاريخ، على أن يكون رئيس التحرير، كأنما السيد عثمان قد تنازل عن ذلك ليكون محوطاً بتأييد السيد عبيد وأخيه وليتأتى التعصب لجريدة المدينة نصراً لها من أصدقاء السيد عبيد كما هو التعصب من جماعتنا التي هي لا تقل حماسة ولا قيمة عن جماعة السيد عبيد، فالسيد علي حافظ له صداقة السيد عبيد والسيد عثمان حافظ له صداقة مصطفى عطار وعبد العزيز بري وأسعد طربزوني وعبد القادر غوث وصلاح الدين عبد الجواد وكاتب هذه السطور. وفي الأمر أيضاً الموافقة على أن يكون الأستاذ عبد الحميد عنبر والأستاذ ضياء الدين رجب ومعلم الصبيان محمد زيدان هيئة التحرير، وطلبوا مني الموافقة فلم أرفض، لأن طموحي لا يرفضني وكنت إذا ما فرغت من المدرسة الملازم للسيد عثمان والملتزم بالعهدة التي شرفت بها من خلال التكليف بأداء ما يجب له، وكنت الأكثر كتابة فيها، وجاءت القشة قصمت ظهر البعير، فقد نشر السيد عثمان خبراً يندد بتصرف الطبيب فؤاد محروس السوري الذي خلف عادل محيش الطبيب السوري حين انتقل إلى جدة، فالخبر فيه أن أستاذنا القاضي الكبير وابن البيت الكبير أبو بكر الداغستاني الخطيب المفوه، دخل المستشفى يراجع الدكتور وكان الدكتور يكشف على مريضة فتأخر الإِذن للشيخ فجزع وأخبر السيد عثمان فنشر الخبر، فكتبت مقالاً تحت هذا العنوان ((النظام عند الطبيب وأجر الطبيب فيهما حصانة وصيانة)) وجاءت فقرة في المقال وكنت أعني فيها الدكتور سعيد مصطفى المصري أخا الضابط يوسف بيك مصطفى قائد الجيش المرابط والصديق لعبد الرحمن باشا عزام، فقد كان الدكتور سعيد يعالج الفقراء ويحفل بالأغنياء، عمل لا غبار عليه لكن بعض الفقراء قد لا يجدونه إذا ما احتاجوا إليه لأنه في زيارة من يعنى بهم. هذه الفقرة قلت: إن الطبيب الذي لا يأخذ أجراً يأخذ ما هو أغلى منه وفي الهدايا، والمآدب أكبر دليل، وجاء السيد مصطفى عطار يقرأ المقال وهو معد للطبع بنصه وفصه فحذف هذه الفقرة وفي الهدايا والمآدب أكبر دليل وبقيت الكلمة (يأخذ ما هو أغلى منه) فثار أصدقاء الدكتور عادل محيش يحسبون أني عنيته واتهموني بأني أنال من كرامة الأعراض إلى ما هو أفظع، وكتبوا لعادل محيش بجدة فأرسل لهم ستة آلاف ريال ولا أريد أن أسمي المتحمس لهذه الإِثارة وكلفوا الرجل الطيب الأفندي محمد داغستاني محامياً يرفع ضدي شكوى يتهمني بأني أسب أهل المدينة، لأنفى منها كما جرى للشيخ محمود شويل في عهد وكيل أمير المدينة عبد العزيز بن إبراهيم يرحمه الله أما ما جرى علي ففي عهد وكيل إِمارة المدينة الذي أشكر حمايته الأمير عبد الله السعد السديري خال أمير المدينة الآن، يرحم الله عبد الله السعد السديري، سمع الأمير ذلك وكان آخر طلبه أن أذهب أقبل رأس الشيخ أبو الحسن سمان والسيد حمزة غوث ليكون العفو منهما عفواً من الجميع، وما استجبت على إِجلالي للشيخ السمان واحترامي للسيد حمزة، لأن ذلك اعتراف لما شغبوا علي به، وكتبوا مضبطة هددوا برفعها إلى الملك عبد العزيز، ولم أرتجف، وخرجت بعد عصر إلى قهوة عبيد الله خارج باب العنبرية على السمط حزم حرة واقن ورجعت مسرعاً لأدرك صلاة المغرب ولأحضر الدرس فإذا الناس خارجون من صلاة المغرب ومن باب الرحمة يتقدمهم رجل صاحب هامة وقامة اسمه صالح الإبراهيم، أحد الرجال الأفذاذ الذين إذا نهضوا لأمر أتموه، وما يوم حليمة بسر، هو من شيوخ عنيزة وأصبح من شيوخ المدينة، وكان من ورائه ثلاثة اثنان منهم تناولوا العشاء عندي (لبنة وجبنة ورطب) وقد شاركوا في المضبطة حتى قال لهم الشيخ محمد الفاضل ابن ما يأبا الجكني، أنتما تتآمران عليه وبالأمس تناولنا العشاء سوياً في بيته، لا أسميهما فعلى كل فهما أصدقاء، سلمت على صالح القاضي فقال (أهلاً زيدان باشا، قلت: ماني باشا، قال: هؤلاء من أهل المدينة كتبوا عنك مضبطة كما كانوا يكتبون عن الباشوات فأنت باشا الآن، ثم أردف هل يعفون عن كرامة الأعراض بقبلة رأس، والله إن ما مزقوها لأركب للرياض ليعرف عبد العزيز عبث المضابط) وجاءني أستاذنا السيد أحمد صقر يقول: يالله يا واد أكتب اعتذار فالأمير عبد الله كلفني أن أخبرك بذلك، فكتبت اعتذاراً بأني لم أرد ذلك فالمدينة طاهرة وأهلها طاهرون، وانتهت الزوبعة ولم أجد من السيد علي أو السيد عثمان موقفاً يحمي محرراً في الجريدة ولو بإيضاح الموضوع وانقطعت عن الجريدة أو هي انقطعت عني ولكن ما زلنا أصدقاء حتى إن بعض من كتب المضبطة يزورني في مكة فاخراً بي يطريني في كلامه صديقاً حبيباً إلا واحداً ما زال الجحود الكنود واسألوا عنه نذير محروس رأى صورتي عنده فقال: ليش مبقى هذه عندك، فقال صديقي أستاذي فأنا أحتفظ به. وعلى كل فأهل السماح ماتوا ملاح والحمد لله لا تلبسني كراهية ولا حقد، وهم أهلي كل مؤهل لمن هو لهم وبهم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1148  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 709 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.