طيبة.. رحلة في الزمان والمكان (21) |
التطبيب.. والتصويب |
والذكريات ليست إلا جغرفة للأرض، أرض المدينة كما أنها مشاهد تاريخية، ليس منها أن تكون مذكرات شخصية، فلن أقحم نفسي متحدثاً عن شخصي وإنما هو الحديث عن المدينة المنورة في عهد الدولة العثمانية العهد الحميدي والعهد الرشادي ثم عهد الأشراف ثم العهد لهذا الكيان الكبير المملكة العربية السعودية، فالذكريات تاريخ من التاريخ عن الأحوال والاتصال والانفصال والرجال وكيف ابتليت بمن حولها وكيف طاب لبعض أهلها أن يعيشوا الفصام بلا خصام ما أشد قربهم لبعض حين لا تكون المادة جراية أو صدقة وما أقوى فصامه حين تكون المادة أحباباً يتقاربون وبالعنعنات كثيراً ما يتباعدون.. أكتب هذه الذكريات فيها
((
الأنا
))
وإنما كلها الـ
((
نحن
))
.
|
التطبيب للمرضى من أبناء المدينة، يحترفه رجال تلقوا هذا التطبيب من آبائهم أو من معلميهم، فلم تكن في المدينة صيدلية إِلا في المستشفى الوحيد، وقليل ما يوجد فيها من الدواء فهي رسم أو اسم لا شيء ينفع إلا (الكينة) شراباً، لأن الملاريا لكثرة البعوض الذي يحمل ميكروبها، لم يفلت منها أحد، وحتى التطعيم ضد الجدري لا يكاد يوجد، أما الحصبة فعلاج تمارسه الأم أو الجدة.. الثوب مصبوغ أحمر.. ولاغسل بالماء البارد، لا تحسبوا أن هناك ثلجاً، وإنما هو من الزير أو الشراب يبرد ماؤها حين يلفحها السموم، لأن فيها مساماً ينضح بعض ما فيها من الماء حتى إذا لفحها السموم يصبح ماؤها بارداً كأنه الثلج على خفيف. والرمد بأنواعه يصاب به الأطفال يعالجه المطبب القبلي أو الجدات بما يوجد عند العطار، فالعطار يطبب بعض المرضى وفي دكانه علاج الرمد (توتيا زرقاء.. توتيا بيضاء.. جنزاره.. حجر جهنم) فهل يعرف أبناؤنا كيف يعالجون من الرمد بوصفة طبيب العيون بهذه الأسماء؟! |
إن العلم الذي يملأ الصيدليات اليوم، قد أخذ هذه العطارة يهذبها، يخفف الألم حين استعمالها، فالتوتيا البيضاء أو الزرقاء، هي قطرة الزنك، فقبل تقطيرها كانت الجدة أو الأم تمسك التوتيا بين أصبعيها، فتفتح عين الطفل تذر أو تكبس التوتيا في عين الطفل، فإذا التقطير الآن بنسب مقررة جعل هذه المادة أخف من كونها لم تقطر، والجنزارة أصبحت الآن سلفات النحاس مقطرة ومخففة بعد أن كانت (كبوس) يحرق عين الطفل، وحجر جهنم لعلاج التراخومة كانوا يمسكون به كأنه مرود ويحكون العين حكاً فتدمى ولا يكف الطفل عن الصراخ، أصبح الآن مقطراً بنسبة مئوية تقلل من الألم بهذا الحك، واسمه الآن (نترات الفضة)، وهذا يعني أن هذه الثلاثة من المعادن الزنك والنحاس والفضة، كانت علاجاً كمادة جافة وأصبحت الآن بالتقطير، ولعلّ أن في الطب ما هو جديد غير ذلك لم أعرفه.. |
فالجدري إذ ينتشر في المدينة أو في جسم الطفل يحجز الطفل وتحرص الأمهات على العين باستعمال هذا الكبوس ولكي لا يتعرض الطفل إلى تقلب الجو في الغرفة يمنعون الهواء فكيف يثبتون حرارة الغرفة على نسق ثابت.. لا تعجبوا إذا ما قلت إنهم يتجنبون الحطب لأنه أشد حرارة ويتجنبون الفحم لأنه متقلب الحرارة جمراً تشتد به الحرارة وفحماً ينتشر منه غاز خانق، إذا بما يثبتون جو الغرفة على حال ثابت، إنهم وجدوا ذلك في (جلة البقر) يضعونها في الكانون يشعلونها فهي بذلك تجعل جو الغرفة ثابت الحرارة، يجنبون الطفل المضاعفات من تقلب الجو.. |
واليوم والحمد لله انتهى الجدري، أما أمس فكم شوّه الجدري الوجه يصيب العين بالعور وحتى العمى، ولعلّ طه حسين كان ضحية الجدري كما غيره، والحصبة في عام واحد وفي السيح والعنبرية وفي أسبوع واحد أهلكت الحصبة أربعين طفلاً وطفلة، حتى إن ابنتي البكر ماتت بالحصبة من بين هؤلاء الأربعين وجار لنا مات طفلاه وصديق لنا ماتت طفلته لأن المطبب القبلي والعطار لا يعرفان علاجاً للحصبة والعنقز (جديري الماء)، أما الحميات فلا يعرفون إلا أنها حمى واحدة لا نعرف الفرق بين أي حمى وأخرى، ورزقنا العلم الآن الوفرة من الأطباء ومعامل التحليل فعرفنا أن الحميات كثيرة.. الملاريا، التيفوئيد، التيفوس، الراجعة. وغيرها، والزكام علاجه البخور بالسكر يستنشقه المريض، والسعال الديكي يعالج بلبن الحمارة، أما اليوم فقد جاءت مركبات الكبريت سيبيازول داجنان وكل أنواع اليزول ومستحضرات المايسين فإذا التيفوئيد والسعال الديكي إلى نهاية.. |
لقد عشنا في ظلال الجهل ونحيا اليوم في نور العلم.. |
وذات الرئة علاجها الكي بالنار لو كشفتم جسدي لوجدتم فيه أكثر من ثلاثين كية فقد أصبت بها مرتين كان المطبب الأول هو الشيخ (جز الظاهري) بستة كيات نجوت من المرض لأن الحمية وحرص الجدة وبيت الشعر كل ذلك كان عوناً لحذق هذا المطبب، فجز الظاهري رجل مبارك. وهناك ملحة نطري بها الآن، كان صديقنا علي حمد الله أصابه مرض في معدته فإذا جز الظاهري يكويه خمس كيات شكلت دائرة أربع كيات محيط الدائرة والكية الخامسة مركز الدائرة والعجيب أن بين الكية من محيط الدائرة والكية المركز مقاساً واحداً، وذهب صديقنا إلى مصر وهو رجل يعرض نفسه على الدكتور إسماعيل وحين كشف على بطنه انبهر وقال: ما هذا لم أعجب بالكي ولكن العجيب أن تشكل هذه الكيات دائرة منتظمة ومقاس كل كية إلى المركز هو مقاس كل الكيات، وقال للصديق.. هل كان معه مقياس حدد المسافة، ضبط الدائرة فقال الصديق: لا أمسك بالمسمار ووضع الكية هذا الوضع مع الكيات الأخرى، وحادثة أخرى كان صديقنا السيد ياسين طه يصاب بآلام مبرحة من المغص قال له الأطباء في مكة إنه من الكليتين وقال له الدكتور صادق طبيب التكية المصرية في مكة: اشرب زمزم تذوب الحصوة في الكلية أو تخرج، وأصبح السيد لا يشرب إلا زمزم ورغم خروج بعض الحصى بالبول وما زال المغص ينتابه وزار مصر وذهب إلى الدكتور أنور المفتي الطبيب البارع ونظر الدكتور المفتي إلى الأشعة فقال: هل أجريت عملية في الكبد إن في الكبد خراج قد تكلس هل استعملت دواء بنصح الطبيب.. |
عرف الداء فوصف الدواء فقال السيد: لا ما قالوا لي عن الكبد شيئاً، فقال الدكتور بماذا تكلس الخراج، فقال السيد: لم أستعمل دواء وإنما هي زمزم كنت أشربها نصحني بها الدكتور صادق، وكنت أعرف الدكتور صادق يوم كان طالباً يحج ويصل إلى المدينة مع بعثة الجامعة تحت رئاسة الدكتور أحمد أمين حتى إذا تخرج أصبح طبيب التكية وها هو السيد ياسين أمامنا لم يصب بمغص لأنها زمزم طعام طعم وشفاء سقم. |
فالله جل جلاله حين أنعم على جدة العدنانيين هاجر وابنها جد العدنانيين عليه السلام بزمزم وضع سبحانه البركة في زمزم (ماء زمزم لما شرب له) ماء زمزم عاش عليه سيدي أبو ذر أربعين يوماً حتى برزت عكن بطنه كان ذلك من بركة الإِيمان بالله يأتي أبو ذر ليسلم يعيش أربعين يوماً طعامه زمزم. |
دعونا نعش الإيمان بالله وليِّ النعم متعونا بالعلم ولا تمنعونا من بركة زمزم أنعم الله بها. وفي أثر: تراب أرضنا بريق بعضنا شفاء. والعسل فيه شفاء للناس، وقد عرفتم الآن أن السيد الأول قاتل الميكروبات والسعال الديكي والتيفوئيد وحتى السل هو من التراب أعني ما اشتق من مركبات المايسين.. والشيء بالشيء يذكر لم نكن نعرف الكلورمايسين ولكن خادم الملك عبد العزيز عبد الله بن سليمان قد جلب الكلورمايسين فأخذ محمد سرور صبان كماً منه أودعه عند يحيى باناجة بن سفيان باناجة يصف الطبيب فيأخذون الدواء من يحيى، وأخذ السيد حسن شربتلي كماً من الكلورمايسين بعضه في جدة يوزع مجاناً وبعضه في مكة عند صهره عبد الوهاب مؤمنة، وكان من الصعب أن يعطي عبد الوهاب الدواء إلا إذا أبرز طالبه وصفة الطبيب، وأصاب ابنة صديقنا فتحي خوجه السعال الديكي فاستعصى عليه أخذ الكلورمايسين من مؤمنة فشكى لي ذلك وكلمت الشيخ عبد الوهاب ليعطيه، وأنا ضامن أنه لا يبيعه ثم امتلأت الصيدليات بكل دواء.. |
وهكذا كانت بعض المواقف صعبة فالأمر فيها كما يقول صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل ((إن حكينا بكينا وإن سكتنا قهر)). |
وكنت أنزل البركة أعوم فيها أكثر من ساعات فإذا عيني اليسرى أو على السواد شحمة بيضاء، قال العطار وهو الشيخ الوقور محمد الأضلني زميلنا في دار الأيتام، قال إنها لفحة هواء خذ هذه وأعطى والدي كماً من صمغة الريح لا أعرف اسمها الآن في الصيدليات يتبخر ببعضها وهو قد غطى رأسه بساتر يستنشق صمغة الريح وضع قدر الحمّصة على مرزاب العين خارج العين، ولا تعجبوا إذا ما ذكرت لكم أن الشحمة قد ذابت وأن العين لم تمس بسوء، أدعو الباحثين في جامعاتنا ومستشفياتنا أن يعرفوا صمغة الريح، ومرض صديقنا محمد سالم الحجيلي تكتلنا لزيارته كانت حرارته مرتفعة وجاء الدكتور سعيد مصطفى وهو طبيب بارع ومعه زميلنا الدكتور محمد خاشقجي يعودان محمد سالم كشفا عليه فرأيت جزعهما فلم يصفا علاجاً وخرجا ودمعت عيني أخاف على صديقي الموت فقد كان أول الأصدقاء وأوفى الأصدقاء، وخرجنا وخرجت من البيت صبحاً أمر على صديقي هل هو حي أم مات فإذا هو يستقبلني ضاحكاً حين صافحته وقبلته لم أجد جسده حاراً، قلت لمحمد سالم كيف؟ قال بلهجة البداوة بدوي قبلي حربي سالمي مروحي حجيلي، قال: بعد أن خرجتم ليلاً هبط علينا جمالة من قبيلتنا فنظروا إليّ وأمسكوا بيدي، وقال: إنها الملعونة الحمى هاتوا النار المحوار، وأمسكوا بي هم وعمي أحمد الحجيلي فكويت كويتين وسط الرأس فما شعرت بحرارة النار حتى شعرت ببرودة الجسم.. |
ـ عرفت الكي مريضاً.. ومعالجاً بالكواء
|
ـ بغير جراحة. ماء زمزم عالجت داء الكبد
|
ـ كنا نشتري الأسمنت من عند العطار؟
|
إنها لعجيبة وإنها لغريبة، وهنا تذكرت أن في وسط رأسي كيتين لهذه الحمى كويت بهما وأنا جدع كواني أبي فقد كان يطبب، كم من الناس كواهم عن الفتاق وكم من الناس كواهم أبي عن اليرقان فإذا هم 100% يتعافون، وأنا نفسي قد كويت ستة عشر إنساناً مصاباً باليرقان، أجسادهم صفراء فحين كويتهم تم الشفاء فيهم شباب ومنهم شيخ قد جاوز السبعين، الكية في النقرة على الرسغ في نهاية الإِبهام، ولكن الآن كلما زارني مصاب أقول له لن أكوي فالمستشفيات كثيرة والأطباء حذاق.. |
وعجيبة تضحكون إذ تعرفونها وهي أن الإسمنت التي بنيت بها كل البيوت الآن من مصانعنا كان لا يوجد إلا عند العطار يباع بالوقية نشتري أكثر من وقية لتلحم الأزيار أو البرك من أي شق فيها. كنا نعيش العدم ولكنها حياة ما أحلاها فلئن كان فيها كرب الألم فلم يكن فيها كرب القلق، لم يكن فيها خسارة المشاعر ومرض الشعور، ولعلّي لا أنسى أن زوجة لصديق أصابها ورم في ثديها جاء لعلاجها الدكتور سعيد مصطفى المصري أخوه يوسف بيك مصطفى قائد الجيش المرابط في مصر صديق عبد الرحمن عزام باشا، كشف وجس ولكنه استنبط لا بد من تخفيف الحرارة فأين الثلج.. لا ثلج فطلب منشفة وماءً ساخناً فغمسها في الماء الساخن وعرضها للسموم لحظة وعرض الثدي للسموم ولفه بالمنشفة فإذا المنشفة باردة خفت الحرارة وخف الورم، وحين مرض رجل من المدينة بإسهال لا يكاد ينكف وكشف عليه الدكتور سعيد مصطفى ولعلّه قرأ تذكرة داود أو ابن البيطار أو ابن سيناء فإذا هو يطلب الحناء ناعمة ينقعها في الماء حتى إذا أحمر الماء من الحناء قال للمريض اذهب إلى الحمام واستعمل حقنة شرجية بمنقوع الحناء فلم يمض يوم شفي الرجل من الإِسهال كأنما منقوع الحناء قد دبغ الشرج أو تدابغ مع الأمعاء وشفي الرجل.. |
التصويب |
وأكثر من مرة، وقبل إملاء الذكريات كنت أتطلع إلى تصويب، فلست أبرئ نفسي من الخطأ ولا أرزأها بالنسيان، وإن بدا يمشي إلي رويداً، رويداً، افرح بالتصويب فما أحلى الخطأ يتحفني بالصواب، وكنت في جريدة المدينة فإذا الابن الصديق علي حسون، يسألني ألم تقرأ ما كتبه الأستاذ فهد العريفي في جريدة الرياض معقباً عليك فيما كتبته بما كتبته في الذكريات؟ قلت: لم أقرأ ولم أستقرأ، العجز عن القراءة أشر منه التعجيز عن الاستقراء، فما أكثر ما كتب وما نشر وما أقل من يقرأ، وطلبت منه أن يعطيني صورة من جريدة الرياض لأنشر التصويب تكملة للذكريات وتوضيحاً لها. |
فما أكتبه إما أن يكون عن رؤية، بل وأكثره عن سماع كل ما أفعل هو تسجيل الرؤية والسماع أحيطه بالرأي إذا ما وجدت أن الرأي يوضح ويشرح فلا أكثر ولا أقل، كم أنا مدين لقارئ يحفل بما كتبت مقتنعاً به أو ناقداً له.. أو حتى رافضاً، لهذا كنت قد طالبت الأستاذ محمد الحافظ أن يرسل إلي ما لديه من تصويب أو نقد لأنشره، ولهذ مرة أخرى أنشر ما كتبه الأخ فهد العريفي تصويباً عن معرفة فهو (أدرى بشعابها) إذا ما كان الموضوع عن تلك الشعاب التي هو منها، وإليكم هذا النص كتبه فهد العريفي، (فالأهل أهلي والديار دياري) كما هو لخير الدين الزركلي.. |
على هامش ذكريات الزيدان |
فهد العريفي |
يكتب الأستاذ الفاضل محمد حسين زيدان في (عكاظ) بين وقت وآخر ذكرياته عن مدينة الرسول الأعظم قبل وبعد توحيد شبه الجزيرة على يد البطل عبد العزيز. وهي ذكريات يجد القارئ في ثناياها الفائدة والطرفة مع الكثير من المواقف البطولية والإنسانية. والكثير من عبر التاريخ. والتاريخ أمانة يجب ألا يدونه إلا الأمناء الأخيار أصحاب العقول الواعية والضمائر النقية.. والذين يدركون خطورة: (تصليحه) أو (تمليحه)!! بل التجني عليه من أجل (رضا) ذاك (وجبر خاطر) أولئك..!! |
وقد عشت وما أزال أعيش معها وقتاً ممتعاً وأشعر بالفائدة في كل حين من قراءتها.. |
وقد وجدت في إحدى الحلقات ما يحتاج إلى التصويب ومن ذلك: |
أولاً: عندما جاء ذكر (الحجّام) وهو من أهل المدينة وله صلة بآل الرشيد في ذلك الزمن.. قال الأستاذ الزيدان: (إن ضاري الرشيد وابن أخيه قد هربا إلى العراق.. الخ).. |
وللحقيقة والتاريخ أقول بأن ضاري الفهيد الرشيد وهو من أحفاد عبيد العلي الرشيد لم يهرب إلى العراق. بل ذهب من المدينة ومعه حوالي (12) ذلولاً عليها بعض أصحابه إلى مكة.. واستقبلهم الشريف علي.. ثم ذهب إلى العراق ابن أخيه واسمه (محمد العبد المحسن الرشيد) ثم أخذ يتردد على الرياض.. |
أما هو فقد ظل تحت رعاية وتقدير الملك عبد العزيز حتى توفي إلى رحمة الله.. وعندما اشتد عليه المرض بعثه الملك عبد العزيز إلى الهند للعلاج قد التقى في الهند بالأستاذ (وديع البستاني) وقام ضاري بإملاء (نبذة تاريخية) عن إمارة حائل بطلب من الأستاذ وديع أثناء ذلك سنة (1331) هجرية وقد أطلعت على مخطوطها عند أستاذنا الشيخ حمد الجاسر قبل أن يقوم الشيخ بطبعها ونشرها من دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر وهي دار أستاذنا وحبيبنا الشيخ حمد سنة 1386هـ.. |
وقد طبع الكتاب باسم (نبذة تاريخية عن نجد).. ويقال بأن ضاري قد توفي في الهند سنة 1331هـ (1913م) في نفس سفرته التي أملى بها (النبذة) على البستاني.. |
وكان ضاري (ولا يوجد في الأسرة الرشيدية من يتسمى بهذا الاسم سواه.. والاسم غير شائع في منطقة الجبلين إلا لشخص واحد وهو الشيخ ضاري بن طوالة زعيم قبيلة (الأسلم) من شمر من المحبين والمعجبين بشخصية موحد الجزيرة.. |
ثانياً: ثم أشار الأستاذ الزيدان إلى قضاة المدينة وقال إن معاون قاضي المدينة بعد دخول الملك عبد العزيز هو (الخليفي) وقال بأنه غير الشيخ عبد الله الخليفي أستاذه وطلب توضيح ذلك ممن يعرفه.. |
وأقول للأستاذ: إن الخليفي هو أيضاً اسمه عبد الله بن سليمان الخليفي من أبناء حائل وقد تولى القضاء في آخر عهد الرشيد.. وكذلك تولى القضاء بعد أن طلب الشيخ حمود بن حسين الإعفاء عن رئاسة القضاء بحائل وعادته الشيخ عبد الله بن زاحم نائب رئيس محاكم المدينة حالياً.. |
والشيخ الخليفي يرحمه الله كان زيادة على حصيلته الشرعية وثقافته الدينية ذا ثقافة عالية، له بعض مؤلفات، ومنظومات في الفرائض وغيرها. وله خبرة جيدة في علم الفلك. وكان لديه في مدينة حائل مرصد بدائي بحركة الشمس أقامه بنفسه.. وهو عبارة عن ثقوب محددة دقيقة يرصد من خلالها حركة الشمس وطلوعها يومياً. |
ويروى أنه في ذات ليلة في منتصف الشهر كان يسير مع جماعته في حفل زفاف فرفع رأسه إلى السماء وقال على مسمع من الناس: |
الليلة القمر يلبس كامل زينته! |
ثم همس في أذن الشيخ إبراهيم السبهان قائلاً: |
ـ الليلة سيخسف القمر وسيقول الناس بأن الشيخ (نظر) القمر وحسده!! وبالفعل فقد خسف فأشاعوها!! |
ثالثاً أما قول الأستاذ الزيدان بأن إقامة حمود العبيد الرشيد بالمدينة بعد مقتل عبد العزيز المتعب الرشيد.. فالواقع غير ذلك. والصحيح أن إقامته في المدينة كانت بعد قتل أبنائه (سلطان وسعود وفيصل) لأبناء عمهم وأبناء أختهم موضى الحمود الرشيد وهم متعب العبد العزيز الرشيد الذي كان أميراً لمنطقة حائل وأخواه مشعل ومحمد ومعهم طلال النايف الرشيد.. وعرف عنه الوفاء وكره الشر وهو شاعر شعبي وحكيم.. يروى عنه عندما كان بالمدينة أنه سمع طبلاً وزمراً وموسيقى وضوضاء عسكر.. |
فسأل: فقالوا فخري باشا يستعد للذهاب إلى المسجد لصلاة الجمعة وهذه أصوات الجنود وموسيقاهم.. |
فضحك! |
فقالوا: ما الذي يضحكك؟؟ |
فقال: (تجيه خونة)!! |
فقالوا: ومن هي خونة؟ |
قال لهم: الدنيا!! |
وبعد ساعات قليلة جاء خبر مقتل فخري باشا.. |
والتصويب يحتاج إلى تصويب، فالباشا فخري لم يقتل وإنما لحقته الهزيمة حيث لم ينتفع بما لديه من الجيش والعتاد وحيث حقت الهزيمة على الدولة العثمانية، ولعلّه أراد (بالخونة) الهزيمة التي لحقت بفخري باشا وبالدولة العثمانية، ولست متأكداً من بقاء حمود العبيد في المدينة المنورة إلى عهد فخري باشا. |
وتصويب آخر كتبه الأستاذ الجليل من أهل الثبت والأثبات عبد القادر الإدريسي عن آل الكتاني نسبتهم كما سمعت إلى أنهم من ذرية الحسين ابن علي كرم الله وجهه، بينما هو الأدرى بشعابه، كتب في جريدة عكاظ أنهم من ذرية الحسن بن علي جدهم إدريس بن إدريس بن عبد الله المحض ابن الحسن المثنى بن الحسن السبط، كتبت ذلك لا عن نص قرأته وإنما عن خبر سمعته. ذكروا أن الشيخ عبد الحي الكتاني صاحب الرواية سيد من ولد الحسين، فالخطأ في السماع وما أحسن تصويب عبد القادر الإِدريسي، أما بيت برادة فهو أيضاً من السماع وقد انشطر في المدينة إلى أسرتين برادة والمسعودي، نسبوهم إلى تونس فكتبت ذلك وجاء التصويب موضحاً لخطأ السماع، ومع هذا فنحن في المدينة نرى الليبيين والتونسيين والجزائريين والمراكشيين كلهم مغاربة ولعلّ انتشار بيت برادة في كل المغرب وفي مصر وفي غيرها قد ضلل السماع، فشكراً للصديق الإِدريسي.. |
إن الخطأ في الذكريات أحسبه الاجترار، أجتر من القارئ التصويب تكميلاً وكمالاً.. |
|