شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طيبة.. رحلة في الزمان والمكان (18)
بدخول عبد العزيز.. لا طبقية ولا امتيازات
والذكريات ليست إلا جغرفة للأرض، أرض المدينة كما أنها مشاهد تاريخية، ليس منها أن تكون مذكرات شخصية، فلن أقحم نفسي متحدثاً عن شخصي وإنما هو الحديث عن المدينة المنورة في عهد الدولة العثمانية العهد الحميدي والعهد الرشادي ثم عهد الأشراف ثم العهد لهذا الكيان الكبير المملكة العربية السعودية، فالذكريات تاريخ من التاريخ عن الأحوال والاتصال والانفصال والرجال وكيف ابتليت بمن حولها وكيف طاب لبعض أهلها أن يعيشوا الفصام بلا خصام ما أشد قربهم لبعض حين لا تكون المادة جراية أو صدقة وما أقوى فصامه حين تكون المادة أحباباً يتقاربون وبالعنعنات كثيراً ما يتباعدون.. أكتب هذه الذكريات فيها (( الأنا )) وإنما كلها الـ (( نحن )) .
الملك عبد العزيز في المدينة
وودعت المدينة المنورة أميرها صاحب السمو الملكي محمد بن عبد العزيز وداعاً كريماً بعد أن أقام النظام فيها بتأسيس أجهزة الحكم، فأبقى كل شيء على حاله.. ديوان الإِمارة يرأسه إسماعيل حفظي.. والشرطة يرأسها مهدي بيك الذي انتقل منها مديراً للأمن العام في مكة. والمحكمة الشرعية قاضيها الأول شيخ الشيوخ إبراهيم عبد القادر البري العالم الذي لا يتعالم والذي لم يعرف الشر إليه طريقاً يعاونه القاضي الخليفي. وهو ليس أستاذنا عبد الله الخليفي الإِمام في المسجد المكي فلعلّهما من نسب واحد أو لعلّهما لقب واحد، فلعلّي أجد من يوضح ذلك، والخزينة التي كانت تجمع إدارة الأوقاف وإدارة المسجد، تولاها كما علمت بعد. محمد الإِبراهيم القاضي، وبعد هيئة التفتيش والإِصلاح برئاسة الشيخ حافظ وهبة وعضوية أستاذي وشيخي والناهض بي محمد العلي التركي وإبراهيم الصنيع ومحمد السليمان التركي وأحمد سبحي المكي ومحمد صالح نصيف، بعد هذه الهيئة عين أستاذنا السيد حسين طه مديراً للأوقاف حيث فصلت عن إدارة الحرم وعين فيها أولاً السيد عبد الجليل مدني، أما البلدية فعين فيها ذياب ناصر أبو حسن وضمت إليه المالية، وكما قلت من قبل إنه لربما أوصى ابنه الأمير محمد بأن يستعين بذياب ناصر لأن الملك عبد العزيز يعرف ذلك أن السلطان العثماني محمد رشاد أو الصدر الأعظم من الاتحاديين طلعت باشا قد أوفد كاظم باشا أيام بصري باشا في أواخر العشرينات أو أوائل الثلاثينات أوفده ليفاوض السلطان عبد العزيز حينذاك، فاصطحب كاظم باشا معه ذياب ناصر معيناً ومترجماً واستقبلهما السلطان عبد العزيز ولكن لم تنجح المفاوضات مع أن السلطان عبد العزيز لم يحرك ساكناً ضد الدولة العثمانية بعد أن ضم الأحساء.
سافر الأمير محمد وتولى إمرة المدينة بتكليف من الملك عبد العزيز وكيلاً للإِمارة بينما هو والأمير فيها وهو (إبراهيم السالم السبهان) والكاتب أو المؤرخ يقف عند هذا التعيين فلا يرى ذلك إلا وهو الحصافة والإدراك من عبد العزيز بن عبد الرحمن يولي إبراهيم السالم السبهان حاكماً في المدينة المنورة لعدة أمور لعلّي لا أخطئ في فهمها وهي أن هذا الأمير من أعيان شمر وحائل بينه وبين آل الرشيد صلة الرحم لا واصلة النسب إلا أنه شمري مثلهم من أعيان شمر. فهو بهذه الصفة يعرف كثيراً من أهل المدينة لأن المدينة المنورة قريبة من حائل كقربها من عنيزة سكنها الكثير من هؤلاء ومن هؤلاء حتى إن حمود العبيد قد لجأ إليها بعد قتل عبد العزيز المتعب ونزل في ضيافة السيد عمران حبوبي المشهدي وكان رجلاً له ثراء وله قيمة وكان حمود العبيد صديقاً لذياب ناصر، ذياب ناصر كان مجلسه يضم العلية من أهل القصيم وأهل حائل، عساف الحسين عبد الله بن دخيل سيف العوجان جدي لأمي رجاء ابن فضلون، يعرفون بعضهم، وكان مع حمود العبيد الطفل عبد الله المتعب يحوطه برعاية وكان رضيعاً طلبوا له المرضعات فإذا جد رجاء ابن فضلون يأخذه لترضعه أمي ومعي كأنما نحن في سن واحدة، أرضعته أياماً غير أن والدي طلب من والدتي وجدتي وجدي ألا يرضع مع ولده ابن رشاد أو ابن رشيد، عرفت ذلك من والدي بعد أن أصبحت رجلاً ومعلماً للصبيان وخطيب محفل.
كانت المدينة المنورة في هذا العهد الحميد ليست على حال السلطان عبد الحميد أو السلطان رشاد، فقد قتل عبد العزيز الفصام والخصام، في هذه الفترة نسيت يومها وشهرها وصل الملك عبد العزيز إلى المدينة فما رضي عن وضع طبقي فإبراهيم السالم السبهان كان مجلسه يمتلئ بأصدقائه الذين كان يعرفهم من قبل من اهل المدينة داخل السور ومن ذياب ناصر والسيد عمران، أما أهل عنيزة القاضي والزغيبي والتركي والخريجي والعامر والسلومي والصهيل فلم يكونوا من رواد مجلسه، كان ذلك هو السبب في انتقال السبهان من المدينة، ولكن كيف تم ذلك؟ سمع أعيان المدينة من داخل السور في طبيعتهم آل المدني وعارف بري أن الملك عبد العزيز يريد تعيين أمير آخر فكتبوا مضبطة يحسبون المضابط أصبح لها سعر، قدمت للملك عبد العزيز فإذا هو يعلن غضبه يجمعهم ثائراً ثورة راحمة ليفهموا أكثر وليعلموا أكثر وأمامهم أرسل إبراهيم بن معمر يخبر إبراهيم السبهان بأنه لم يعد الأمير، كان ذلك درساً لقتل الطبقية والقضاء على الامتيازات والفصام، وعلمت أن الذي أرسل الإِشاعة ودفع إلى المضبطة كان الصديق الأب الناصر لي صالح الإِبراهيم القاضي، وتولى الإِمرة الأمير مشاري بن جلوي آل سعود ولذلك قصة بعد.
وصل إلى المدينة الملك عبد العزيز وذكرنا ما سبق وكان يتنسم الهواء يركب قطار السكة الحديد لأول مرة يصل به إلى البوير بأسلوب التمشية والاستكشاف وأخذ المعلومات وعرضت عليه قضية، قبل وصول الملك عبد العزيز إلى المدينة بأشهر كان في المدينة رجل من أهل مصر ومن صعيدها ومن منفلوط من أسيوط يشتري (تبسي الكنافة) وثمنه ثلاثة ريالات يدفع لبائع الكنافة وهو الشيخ صالح شرف الرجل الكريم الطيب وهو زوج خالة أم ولدي، وهي أم الابن حسن عطا الله الذي كان مديراً للشركة العربية للسيارات وابن عم عبد القادر عطا الله. يشتري التبسي الكنافة ويدفع جنيهاً أو جنيهين صور للناس أنه رجل ثري، ويذهب للحلاق وكان الأخ أبو بكر الذي شغل الحمام في مكة بعد، يحلق له لا يعطيه نصف ريال أو ريالاً بل يعطيه جنيهاً ذهباً حتى إنه أخذ من متسول رجله مكسورة خمسة جنيهات بجنيه أو جنيهين، كان ذلك المتسول يضع الجنيهات في الجلبة التي لفت بها رجله المكسورة أما الأخذ الأكثر فمن رجل هندي كان يبيع الفحم، أغراه أولاً بالعطاء الكثير كما فعل مع الآخرين فقد أخذ من الحلاق سبعين جنيهاً ومن بائع الكنافة 200 جنيه ومن الهندي بائع الفحم أكثر من 900 جنيه، أسلوبه غريب ينقطع عن بائع الكنافة أياماً يناديه ((فينك يا شيخ)) فيشير وكأنه أخرس بأن الأولاد لم يرسلوا له فلوساً، وهكذا يفعل مع الحلاق وبائع الفحم، بهذا الأسلوب والاعتذار يعطونه ما أخذ منهم لأن الأولاد سيرسلون له فلوساً مع أنه لا أولاد ولا فلوس لأنه نصاب كشف أمره فرفعوا الأمر يشكونه للملك عبد العزيز فقال يرحمه الله ((هم أعطوه ليأخذوا منه أطمعهم فسلبهم.. رحلوه ولا تعملوا فيه شيء)) ورحل الرجل وضاعت الفلوس على أصحابها وأخذ الشباب يقولون هذا المثل ((طمعنجي بنى له بيت فلسنجي سكن له فيه)) ونسيت أن أذكر المدرسة كان مدير المعارف الأول لها في عهد الأشراف عبد القادر الشلبي الطرابلسي أما في عهد بني سعود الأول فقد عين الشيخ أحمد كماخي والأساتذة أحمد صقر، حسين طه، سعيد مدرس، ماجد عشقي، العريف بن سالم ولم يعين الأستاذ بحق السيد محمد صقر وإنما عين بعد في اليوم الذي عينت فيه أستاذاً، برأي وتصميم محمد علي التركي عضو هيئة التفتيش والإِصلاح.
والملك عبد العزيز تغمده الله برحمته وصل إلى المدينة المنورة المرة الثانية بعد انتصاره في السبلة وكان معيته محمد الطويل ومحمد سرور صبان كانا في الرياض فعادا إلى الحجاز، وأريد أن أذكر نادرة كان الملك عبد العزيز يتصدر مجلسه في بيت الخريجي وبجانبه ابنه الأمير الملك فيصل بن عبد العزيز وصل إلى المدينة بعد أبيه يحمل إليه تقريراً عن المفاوضات التي أجراها فإذا صديقنا حسن حسين، بقال حملوا إليه سيارة فيها دخان ألقوا القبض على الدخان من هيئة الأمر بالمعروف فكتب عريضة وقدمها للملك عبد العزيز يطلب السماح للدخان المجمرك فنهره الملك عبد العزيز وقال احبسوه فإذا الفتى يرتعش يقول يخاطب الملك (يا هو أنت جاي ضيف والا جاي تحبسنا) فشمخ عبد العزيز يقول (والله إني ضيف ردوا له حقه) فإذا الناس الجلوس يهتفون داخل صدورهم يعجبون من عبد العزيز، جلس أياماً في المدينة يتفقد الأحوال لأنه يريد أن يعرف كل شيء فهو كما قلت لا ينام ولا ينيم، أسس ملكه ووحد العرب في جزيرته وصنع من القليل الكثير، إنه في التاريخ أعجوبة وإنه في الواقع لا يزال في سمع التاريخ وقراطيس التاريخ.
أما المرة الثالثة التي وصل فيها إلى المدينة فهي حين استقبل الملك فاروق الذي أصبح صديقاً، ولا أقول أصبحت مصر بذلك صديقة بل هي الصديقة من قبل ومن بعد وإن كان علي ماهر هو الذي فتح الباب وقتل الأسباب، فأبو محمد علي ماهر زينة في تاريخ مصر حفظ له ملوك السعودية هذا الموقف فإذا هم له بكل شيء وفاء وعطاء يرحم الله كل من أحب ويهدي الله كل من عق وانشق، فهذا البلد بلد العطاء بلد الحمد بلد الشكر لا يعرف الكنود والجحود لأن إسلامه هو الحب، لأن قبلته هي القبلة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1501  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 698 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء السابع - الكشاف الصحفي لحفلات التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج