طيبة.. رحلة في الزمان والمكان (17) |
ودخلت طيبة في الكيان الكبير
|
عبد العزيز خامس ملوك العرب
|
وسابع ملوك المسلمين
|
والذكريات ليست إلا جغرفة للأرض، أرض المدينة كما أنها مشاهد تاريخية، ليس منها أن تكون مذكرات شخصية، فلن أقحم نفسي متحدثاً عن شخصي وإنما هو الحديث عن المدينة المنورة في عهد الدولة العثمانية العهد الحميدي والعهد الرشادي ثم عهد الأشراف ثم العهد لهذا الكيان الكبير المملكة العربية السعودية، فالذكريات تاريخ من التاريخ عن الأحوال والاتصال والانفصال والرجال وكيف ابتليت بمن حولها وكيف طاب لبعض أهلها أن يعيشوا الفصام بلا خصام ما أشد قربهم لبعض حين لا تكون المادة جراية أو صدقة وما أقوى فصامه حين تكون المادة أحباباً يتقاربون وبالعنعنات كثيراً ما يتباعدون.. أكتب هذه الذكريات فيها
((
الأنا
))
وإنما كلها الـ
((
نحن
))
.
|
مقدمة الخاتمة |
وأحسبني أخطأت حين نشرت الذكريات في صحيفة لأن أرضنا المقدسة حرماً وسياجاً، أعطت لإنسانها الخوف على الماضي لا يمس أكثر مخافة على الحاضر، لأن الماضي عمل الأجداد وطبع شعبنا على تكريم الأجداد، أما الحاضر فمن صنع إنسان اليوم، يفرح بما أوتي وقد أعطى الكثير فهو يخشى من عجوز مثلي أن ينال من ماضيه، وأن أختال بحاضره، فبعض الأفراد لا يعجبهم ما هم فيه، ويجزعهم أن أقول إنهم به آمنوا واطمأنوا وتعلموا وعلموا، لهذا قررت أن أختم الذكريات أتجاوز عن الماضي إحساناً وإساءة ولعلّهم في هذا كله يتطاعنون ألسنة تتلسن علي. وألسنة تدافع عني أما البقية من الذكريات فلن أتركها، أنشرها وأنا أجهزها للطبع، فالكتاب في يد القارئ يبصرني بالخطأ أكثر من أن يجردني من كل الصواب. |
ومع هذا فإني أنتظر التصويب لما نشر إذا ما وجد خطأ. |
إن المدينة المنورة لن أكذب عليها ولن أكذب بها ولا أسمح لكاذب أن يتهمني بالعقوق، فالمدينة المنورة الأرض الغزلة علمتني الحب.. علمتني أن أكون الضعيف أمام الضعيف وأن لا أتعرض لسخط الأقوياء، المدينة التي تعلمني الحب، كيف لا أحبها؟ كيف لا ألثم بالحب ثراها، كل الثراء في وجداني من ثروة المعاني كان مددها حتى إني في أحلام اليقظة وآمال الحسن للختام لا أتمثل إلا المدينة المنورة، ولئن أعطتني مكة المكرمة عطاء كثيراً فإنها أيضاً المثال الحلو في أحلام اليقظة فالعجوز الطفل ثروته الأحلام وثورته أن ينسى حلماً جميلاً، عشته في قباء أو في العاقول أو في المهاريس أو في العقيق أو في الشريبات حول (ماسكة) تلك البئر يشرب منها أهلها ماء يطرد العطش ونشرب نحن الشباب معنى الجمال يحوطه الجلال لا ينقصه الكمال، كل شبر في المدينة المنورة يتغزل لك لتتغزل به، فليالي العقيق أيام عبد الله بن جعفر اجتمعت فيها كل الأشبار وكل الأخبار من ذلك الغزل بذلك الحب، فالكم موجود وما أكثره ولكن الكيف تغير، فلو أن أبناء السيد عبيد مدني والسيد علي حافظ نشطوا ينشرون الشعر الذي في خزائنهم لرأيتم غزل العقيق على كيف جديد قلد العتيق وأجاد الحديث. |
والخاتمة التي أردت الختم بها، فكتبت ما سبق هي عن المدينة المنورة وكيف انضمت إلى الكيان الكبير وتم بها التكوين لهذه المملكة العربية السعودية، تكوين الأمن والعلم والاستقرار والعمران، وترك التنابز بالألقاب وإسقاط التنافر بالتلقيب. |
عبد العزيز وحصار المدينة |
سأكتب عن ذلك خاتمة للذكريات تنشر في الجريدة، أما ما سأكتبه بعد ذلك فسيكون في الكتاب.. |
عبد العزيز بن عبد الرحمن خامس الملوك في العرب.. معاوية.. عبد الملك.. المنصور.. عبد الرحمن الداخل.. عبد العزيز بن عبد الرحمن، وسابع الملوك في المسلمين، إذا زدنا على الخمسة التي ذكرت محمد الفاتح العثماني التركي الذي أزاح دولة روما الشرقية التي لم تستطع أمية أن تزيلها ولا استطاع العباسيون أن يخلصوا منها وعجز عنها ملوك الطوائف وأعطت سيف الدولة أن يكون آخر العرب حرباً على الروم، محمد الفاتح يستأهل أن يكون خامس ملوك المسلمين، وجاء سليم فكان السادس من ملوك المسلمين وأنعم الله على عبد العزيز أن يكون السابع في ملوك المسلمين، الخامس في العرب والسابع في ملوك المسلمين فلا تأخير ولا تقديم وإنما هو ترتيب الزمن. |
عبد العزيز قلتها كلمة جهيرة.. أجهر بها الآن إنه لم يكن الثقفي الذي أهدر البيت ولا أبخس الحسين بن علي حقه، فهو القرشي الذي لم يعرض البيت إلى الإِهدار، رحمهما الله وحرص عبد العزيز فكان محنكاً وحصيفاً ونظيفاً لم يعرض المدينة إلى الإهدار.. أسألوني كيف كان ذلك؟ |
فيصل الدويش حاصر المدينة في قباء بعيداً لا يصل رصاصه إلى أي جزء من المدينة، كأنما هو حجز عنها وكأنما قباء حددت له، لأنه لم يصل إلى العوالي، فقد وصلها ابنها شيخ قبيلتها أخو حسنة عبد المحسن الغرم شيخ بني علي، أهل العوالي والذين في القصيم، هو من شماريخ حرب، وهو رأس في مصروح، عبد المحسن الغرم منع الدويش أن يصل إلى العوالي حجزه في قباء، بعيداً عن سور المدينة، أما الغرم عبد المحسن فكان في العوالي وما أشد قربها لسور المدينة، لماذا أذكر ذلك؟ لأنه عمل المحنك عبد العزيز، فعجز الدويش أن يدخلها وما انتوى الغرم أن يدخلها إنه ابنها، هذا العمل هو الذي أعطى لعبد العزيز قبول التحدي لشاه إيران أحمد، أبرق بعض أهل المدينة وهم خائفون أن القبة الخضراء ترمى بالرصاص، فاحتج شاه إيران وتحدى الاحتجاج عبد العزيز لأنه يعلم كل العلم أن أي طلقة من الدويش لا تصل إلى المسجد وأن الغرم لم يطلق طلقة واحدة على المسجد الذي يتناوله وهو على جدار البقيع الذي هو أول العالية وأذن للسفير الإيراني يرافقه صديقنا أحمد لارى محروساً يصل إلى المدينة يستقبله إبراهيم النشمي الذي يحاصر المدينة من شمالها بعيداً عنها حول الزهرة فهو أيضاً لم يطلق رصاصة، لقد قرأت الكتاب الذي أرسله عبد العزيز إلى إبراهيم النشمي يوصيه بحماية السفير الإِيراني وإكرامه ودخل السفير الإيراني المدينة بإذن من البلدية والمالية، وأذن الأمير محمد لمن يريد السفر ولا يطيق البقاء أن يسافر، فسافر أحمد بن منصور إلى وادي فاطمة وعبد الله عمير وأكير ديوانه سافر ولكن كيف سافر عمر كردي حفيد إبراهيم الكردي الكوراني وشاعر الحسين بن علي وشاعر المدينة وقاضيها سافر لأن اجتماعاً عقده الأمير محمد في البلدية حضره أعيان المدينة وجرى حديث من أحدهم عن خبر (لقد كان ذلك أيام نهضة الحسين) فإذا أحد الأعيان من بقايا السيد أحمد أسعد يقول قولوا (نهقة الحسين لا نهضة الحسين) فاغتم عمر كردي وقام يستأذن الأمير محمد بالرحيل وما كان ينويه، فرحل هو وأخوه عبد الحفيظ وأخوه صالح وابنه محمد وابنه سامي، عمر كردي خال صديقنا ضياء الدين رجب وصل إلى العراق ومات هناك كما مات أخوه صالح لكن عبد العزيز بن عبد الرحمن قد أعاد الشيخ عبد الحفيظ يتولى القضاء في المدينة ويرد للبيت اعتباره. |
ولكي تتم الخاتمة فإني أشكر السيد الإِدريسي كتب مقالاً صوب فيه أخطائي لعلّي أنشره مع الأيام، وأرسل إليّ الابن الصديق وابن الصديق عبد الهادي محروس رسالة يعترض علي بما تحدثت عن أبيه عبد الحفيظ محروس وعن عيسى العقيد أنشرها نصاً ولكني وأنا الصديق لآل محروس لم أرد سوءاً بعبد الحفيظ. |
سامحك اللَّه يا أستاذ |
حول قصة عيسى العقيد وما كان له من أمر والدي عبد الحفيظ محروس يرحمه الله مع المذكور. |
فالقصة وما فيها أن عيسى العقيد كان يترصد والدي عند جبل أُحد لأنه المالك الوحيد في تلك الأيام لبلاد الزهرة. |
لأن بعض الوشاة أخبروا العقيد أن والدي أعطى إخبارية عنه للحكام في المدينة عن الإِجراءات التعسفية التي كان يقوم به المذكور آنذاك ومن أجل ذلك عمل له تلك المكيدة التي جانبك التوفيق إعطاءها بالصورة التي تمت. حيث أشرتم أن العقيد ترك والدي ينزل للمدينة لا يستره إلا القميص والسروال هنا أحب أن أقول للأستاذ إن عيسى العقيد لم يترك والدي حتى إنه ينزل للمدينة بالحالة التي أشرت عنها بل جعله رهينة إلى أن أسمع جدي صادق محروس بالأمر واتصل بالحويفي حليفهم من المحاميد وأخبره بالأمر وراح إلى هناك وأعاد والدي مرتدياً كل ملابسه. هذه هي القصة أو الحكاية كما ذكرتم يا أستاذ وأنت تعلم أن والدي مع ما يتمتع به من رشاقة وأناقة ورفاهية قليل من الرجال في زمانه حظي مثله أو وصلوا حتى لمكانته في ذلك التاريخ وماله من عزة لدى والده يرحمهم الله جميعاً أحببت التنويه لكم عن ذلك للإِعادة إلى الصواب والابتعاد عن الخطأ وحتى لا تنسى أحد أصدقائك يا أستاذ ولا تقبل عليهم التجريح. فأبي لم ينزل للمدينة كما ذكرتم. |
عبد الهادي محروس |
إن عبد الحفيظ لم يكن مالكاً للزهرة فهي وقف وإنما كان مالكاً لصيف وأذكرك يا عبد الهادي بواقعة مع جدك صادق محروس، جاءه الخبر أن عين المدافعية لا يصل منها الماء سدها عبد العزيز بن بادي أحد شيوخ بني علي في العوالي لأن المدافعية العين منابعها في المسروحية، ولكن محمد محروس حسب حساباً لذلك فحالف من مسروح ابن ربيق شيخ بني عمر وعلى الرأس وهم من مسروح كما حالف ابن موقد أحد شيوخ عوف في نجد حرصاً منه وحماية بهم ولا أدري هل كان محارب بن موقد في المدينة أما أن صادق محروس يستنجده وبعد ظهر يوم أعد الغداء صادق محروس فإذا عبد العزيز بن بادي الذي أغلق العين ومحارب بن موقد وأحمد بن جميعان حليفنا ولا شأن له كما يبدو وجرى الجدال فلم يستطع محارب أن يهدد أو يتوعد أو يشرح ولكن أحمد بن جميعان شرح وقال ((ما جرت المدافعية إلا بإذن وإلا بعطاء فكيف تغلق الآن)) فقال ابن بادي ((ويش خصك يا أحمد خلي بن موقد يتكلم)) فقال أحمد بن جميعان: ((يا صادق أنت حليف بن ربيق وإلا لأ؟)) فقال صادق نعم، قال اسمع يا عبد العزيز أنا ماني فضولي ينوشني ما ناش ابن ربيق هو عمري وأنا عمري وأنا ومحارب الآن نفتح العين وتعال سدها بعد ذلك وانتهى الوضع وتصافح الرجال وفتحت العين.. أنت يا عبد الهادي قد لا تعرف هذه القصة وقد لا يعرفها نزير ولكنني عرفتها من أحمد بن جميعان وبعد ذلك عم أبيك أبي محمد عبد السلام محروس والبقية من الذكريات لعلّها تستأنف ولعلّها تأنف أو لعلّها تلحق بالكتاب. |
|