شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طيبة.. رحلة في الزمان والمكان (12)
استعد أبي للجهاد
في السويس
فأبقته الثورة بالمدينة
في العاشرة..
لم أبح بسر الثورة
والذكريات ليست إلا جغرفة للأرض، أرض المدينة كما أنها مشاهد تاريخية، ليس منها أن تكون مذكرات شخصية، فلن أقحم نفسي متحدثاً عن شخصي وإنما هو الحديث عن المدينة المنورة في عهد الدولة العثمانية العهد الحميدي والعهد الرشادي ثم عهد الأشراف ثم العهد لهذا الكيان الكبير المملكة العربية السعودية، فالذكريات تاريخ من التاريخ عن الأحوال والاتصال والانفصال والرجال وكيف ابتليت بمن حولها وكيف طاب لبعض أهلها أن يعيشوا الفصام بلا خصام ما أشد قربهم لبعض حين لا تكون المادة جراية أو صدقة وما أقوى فصامه حين تكون المادة أحباباً يتقاربون وبالعنعنات كثيراً ما يتباعدون.. أكتب هذه الذكريات فيها (( الأنا )) وإنما كلها الـ (( نحن )) .
بقية العثمانيين وفخري باشا
.. وذهب عصر عبد الحميد، ويعني ذلك اضمحلال الولاء للخلافة فلم يكن عهد رشاد يعطي الخلافة الولاء، لأن الاتحاديين كان بيدهم سلطان ولاية، فلئن انشقت عليهم الأقاليم عربية فإنما هم الذين أخذت عنهم الشعوب قيام الثورات ضد الدولة العثمانية، فمصر الخديوية التابعة شكلاً للدولة العثمانية كما هو الولاء من الخديوي عباس، أو كما هو الارتباط بها معنوياً لمحاربة الاستعمار الإِنجليزي كما هو مبدأ مصطفى كامل، مصر بعد خلع عباس الثاني أصبحت سلطنة لا خديوية ثم وبتصريح ثمانية وعشرين فبراير أصبح السلطان ملكاً، وأصبحت مصر دولة لها وزارة خارجية وسفراء، مع أن الإنجليز كانوا هم الشيء لكل الأشياء، ولكن الشعب المصري وأكثرية من الزعماء أشعلوا الثورة على الإنجليز، فإذا مصر بعد سنوات أصبحت دولة ليست محتلة بقسوة الاحتلال ولكنها كانت تستوعب على قناة السويس جنود الاحتلال، أما الشام التي لا أخضع إلى تقسيمها فلسطين لبنان سوريا شرق الأردن، ليست إلا إقليماً واحداً هو الشام من معان جنوباً إلى أضنة والإِسكندرونة شمالاً ومن رفح غرباً إلى الجزيرة على الفرات شرقاً، لم يقسمها الاستعمار، فقبل ذلك كانت مقسمة تحت حكام استتركوا فأدركوا، فقد كانت الشام المصدر الأول للقومية العربية، فبعد مؤتمر باريس الذي جمع الثائرين كانت الشام على استعداد لأن تقبل أي تأثر عربي، فأقبلت على ثورة الحسين بن علي ولم تدبر بأي علاقة عن سلطان نجد، فصاحب السلطان حينذاك كان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، حتى إن فيصل ابن الحسين الملك في دمشق والذي خسر العرش في دمشق، كان وفي زعمه وعزيمته أن يكون مع الملك عبد العزيز، ولا يلجأ إلى أبيه في مكة، هو قال ذلك في حيفا لجميل مردم وعوني عبد الهادي ونوري السعيد وحيدر رستم، وقد ذكرت ذلك أكثر من مرة وفي أكثر من موضوع، وأول ما ذكرته يوم احتفلنا في مكة بالكشافة العراقية في أول زورة لها، وما يوم حليمة بسر، فلقد سمعت ذلك من جميل مردم في المدينة المنورة.
والحجاز لا أدري، ما الأمر في مكة ما الإِعداد في الطائف ما الوضع في جدة، كل ما أدريه عما وقع في المدينة المنورة وعن الموقف في رابغ تحت إمرة أميرها القبلي حسين بن مبيريك، فالشيخ حسين بن مبيريك بقي على ولائه للدولة العثمانية، حتى إني أذكر ملحة قالها سعيد أبو عوف أحد المتصلين اتصالاً وثيقاً بشيخ ((الهبة)) من عوف المسروحية الحربية، قال: الأتراك حاربها العرب غلط كانوا يرسلون كل شيء من أسطنبول حتى ((الكنادر)) فبخيت بن بنيان أبو ناصر بن بنيان يرحمهم الله كانوا عيبة، أي مستودع الولاء لحسين بن مبيريك.
من هنا وفي جرول في مكة تم اغتيال حسين بن مبيريك وقد حضر لا يشذ عن الطاعة بعد زوال الأتراك، فإذا أخوه إسماعيل بن مبيريك له دور إيجابي مع الملك عبد العزيز نأتي عليه بعد، إن هذا الدور لرابغ حجز نوري السعيد وجعفر العسكري ومن معهما من ضباط العراق الذين أطلق سراحهم الإنجليز من الأسر وأرسلهم مدداً لفيصل بن الحسين، لم يستطيعوا أن يركبوا الساحل بقربهم من الوصول فحصروا في آبار ابن حصاني، ويخطئ أمين سعيد مؤلف كتاب الثورة العربية، فيقول آبار ابن حسان يجعل الصاد سيناً، كما أخطأ في اسم ((الخنق)) المضيق بين الحرة وأحد فيسميه أخذاً عن الإِنجليز ((بالخانق)).
((علمت بالثورة))
وأما المدينة المنورة فذكرياتي عنها سماعاً ومشاهدة حين بدأت الثورة فقد علمت بوقت قيامها وأنا طفل في العاشرة من عمري، فكيف كان ذلك؟! لم يكن ذلك ((فشرة)) أفشر بها أو أفترشها تطلعاًَ لقيمة أو هدار القيم، عزل بصري باشا وتولى فخري وكانت المدينة المنورة تموج بكثرة السكان، ناعمة هادئة عمل بالنهار وسهرات بالليل وأفراح ما بعدها أفراح، كانت كذلك حتى إنها استبشرت بفخري وكانت أكثر بشراً بمجيء أنور باشا، كل يتحدث يرتب مع فخري ما لا أدريه وإن ظهر بعد ما يدريه التاريخ، وكان وفي وجود أنور في المدينة وهو الرجل الثاني من الاتحاديين كان الأمير الشريف علي بن الحسين وأخوه الأمير فيصل في المدينة لا يفارقان أنور ولا يفارقان فخري كأنما هما وبصورة غير معلنة رهينتان ليطمئن أنور وفخري بوجودهما عن أي تحرك ضد الأتراك، مع أن أخاهما الشريف عبد الله بن الحسين كان في مصر وفي ذلك الوقت بالذات يفاوض ((السير هنري مكمهون)) يتبادلان الخطابات والوعود لترتيب الثورة ضد الأتراك ومن شاء أن يعرف هذه المذكرات فليقتن الكتاب ((مقدرات العراق السياسية)) تأليف الفاروقي، كان عندي وضاع ولكني قد جلبته من العراق قبل عام مصوراً، ولقد أخطأ الشريفان فلم يسكنا داخل السور يخافان الحجز إذا ما تحركا للسفر فسكنا خارج باب الشامي في بيت مصطفى سليم كأنما هو بني جديداً لأجلهما لم يسكنه أحد قبلهما، واجهته غاربة وظهره إلى أول حدود التمار لا يبعد عن سقيفة بني ساعدة كثيراً ولا يبتعد عن العطن سكن البادية كثيراً وحيث تم لهما أن يطمئنا الباشا وأن يجندا من أطاعهما من القبائل من أهل العالية يتزعمهم الشريف شحاذ بن علي وأخوه ناصر، كما أطاعهما بعض بني عمرو أهل وادي الريان وأبو ضباع والفرع وعلى رأسهم حليفنا أحمد بن جميعان، أن المطامع طوعته وإلا فبنو عمرو وابن ريبق بالذات وهو أكبر شيوخ بني عمرو صاحب ثأر فقد قتله الشريف عبد الله كبيرهم ((بزيع بن ربيق)) استطاع الشريفان الخروج من طريق الشرق بين الحرة والخنق طريق عشيرة معهم حراس من القبائل التي أطاعت لأن طريق الشرق فيه الأمن لهما أما الطريق السلطاني الفريش وادي سجج، دير الروحاء، المسيجيد ووادي الصفراء، آبار ابن حصان أو مستورة، فالجحفة ((رابغ)) فغير آمن لأمرين لأن قبائل غرب المدينة ما تم بينهم التفاوض ولأنهم خافوا ابن بنيان وحسين بن مبيريك، كما أنهما لم يسلكا طريق الجصة الغاير.. هرشة.. عسفان، لأنهما لا يأمنان ابن بنيان أيضاً.
لقد علمت بكل ذلك وبقيام الثورة بسبب واحد ذلك وقد كنت يومها في الدكان في سوق الحبابة ثاني وكان على يمين الخارج من باب المصري بعد ذلك البناء المسمى ((سبيل ستنا فاطمة))، كنت في الدكان وإذا عند باب المصري العلم أو الصنجك أو البيرق يمسك به السيدان ((بافقيه ومحمد هاشم)) يناديان بصوت جهير يا مسلمين، إلى السويس الجهاد أخرجوا الإِنجليز من السويس من مصر، وسمع أهل المدينة ذلك النداء فذهب الكثير إلى بيوتهم يستعدون للجهاد، فلم تكن لحظة إلا وقد عزَّل أي أغلق والدي الدكان وكان حباباً وجرني من يدي إلى البيت بعد العصر، ولم أكن في بيته الكبير عند زوجه الكبرى، بينما كنت عند جدتي لأمي في بيت الشعر وفي حوش خميس، ما تركني أذهب حتى إذا دخل البيت طلب ثياباً وعباءة وأمسك بسيف كان عنده وبندق أم أصبع، فقد كان يهوى السلاح، قالت زوجته: ما تصنع ((أشبك مربوش)) قال خذي هذا الذهب بيعوا البضاعة التي في الدكان أنا ذاهب إلى الجهاد، بهتنا، بكت أخواتي لأبي ولكن الزوجة لم تعلن تأثرها تركته يفعل ما يريد غير أنها غفلته وهو مشغول لبست ملاءتها في ليل وخرجت من زقاق الطير إلى حوش خميس إلى بيت أحمد بن جميعان وأخيه ذي العقل الكبير بادي بن جميعان، طرقت الباب فتح لها.. عرفها ابن جميعان ((مالك يا بخيته إيش أصاب حسين)) قالت ((جمع سلاحه وترك ماله يريد الذهاب إلى الجهاد)) فقال أحمد بن جميعان ((اذهبي أنا الآن وراءك. وصلت البيت، ووصل أحمد وراءها، قابله أبي، قال)):
((يا مهبول وين أنت رايح ما بقى إلا أيام ثلاثة نشبها على الأتراك يشبها الحسين في مكة وأشبها أنا في آبار علي ويشبها شحات في العوالي، إنك لن تعود اجلس مع عيالك، هذا لعب عيال يخرجونكم من المدينة لتهلكوا في سيناء.. حرب الإنجليز موهينه)) ورضي والدي.
علمنا هذا الخبر ولو كنا خونة ولا خبر والدي غالب باشا الشعلان لأنه عربي يستطيع أن يكلمه بالعربية ليعلم ذلك فخري بعد ويمسك الشريفين علي وفيصل لا يبقي على حياتهما إذا ما انطلق الرصاص.. صنا هذا السر فلا تستغربوا فما كنت الطفل أخون والدي ولا كان والدي الخوان لحليفه.
وهكذا احترقت العوالي وقتل الرجال في آبار علي وانتصب فخري باشا لا يأمن أي قبلي. من هنا أراد أن يفرغ المدينة من ساكنها.
وفطن والدي ما سوف يجري من ترحيل المدينة فأسرع يرحّل زوجتيه وبنتيه وحفيديه إلى الجرف يستأجر ثلاثة جمال من عبد الله الجحودي وهو من أهل الفيوم استعرق في المدينة ركبوا الجمال ومن شمال الجماء وإلى الفرسية واد ما أحلاه بين رحقان والجماء وإلى الفريش وإلى ينبع البحر، فينبع النخل يقضون فصل الصيف والخريف وقبلهما الربيع يشترون نخل عواد فران يقتاتون تمره وأمسك بي أجلس معه ولم تمض أيام حتى لحقنا بالأهل، كيف كان ذلك؟!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1447  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 692 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الأول: خميس الكويت الدامي: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج