شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طيبة.. رحلة في الزمان والمكان (11)
الثناء على الماضي عظة.. وذكر سوءاته عبرة
بسبب التتريك.. ثار العرب على العثمانيين
والذكريات ليست إلا جغرفة للأرض، أرض المدينة كما أنها مشاهد تاريخية، ليس منها أن تكون مذكرات شخصية، فلن أقحم نفسي متحدثاً عن شخصي وإنما هو الحديث عن المدينة المنورة في عهد الدولة العثمانية العهد الحميدي والعهد الرشادي ثم عهد الأشراف ثم العهد لهذا الكيان الكبير المملكة العربية السعودية، فالذكريات تاريخ من التاريخ عن الأحوال والاتصال والانفصال والرجال وكيف ابتليت بمن حولها وكيف طاب لبعض أهلها أن يعيشوا الفصام بلا خصام ما أشد قربهم لبعض حين لا تكون المادة جراية أو صدقة وما أقوى فصامه حين تكون المادة أحباباً يتقاربون وبالعنعنات كثيراً ما يتباعدون.. أكتب هذه الذكريات فيها (( الأنا )) وإنما كلها الـ (( نحن )) .
وقبل أن نبدأ بسرد الذكريات عن عهد السلطان محمد رشاد والاتحاديين، ينبغي أن نذكر للسلطان عبد الحميد، الحسن من فعله، فيهود (الدونما) الذين لجأوا من الأندلس تحت ضغط محاكم التفتيش كانوا أصحاب صولة في أزمير وفي الآستانة، إن الأسبان فعلوا بالمسلمين العرب وباليهود ما هو أشد شناعة مما فعله النازيون مع اليهود، فألجأ المغرب كله المسلمين - كما ألجأ السلطان سليمان ملك المغرب اليهود - لكنه أجبرهم على الإسلام فتظاهروا به تحت القهر ولم يكونوا بالمسلمين، وتاريخ المغرب مدوّن به ما يبرهن على ذلك، كما أن السلطان سليمان القانوني، وقد بلغ من القوة مكاناً لا يجد من ينازعه حتى إن البحر الأبيض المتوسط كان بحيرة عثمانية وحتى توسع في غزو البلقان ويوغسلافيا بل وحاصر فيينا، وقد أوقع إمبراطور فرنسا في الأسر ثم أطلقه فيما بعد، فعل ذلك بشفاعة سيدة الحرملك ذات الحظوة لديه وكانت فرنسية، هذا السلطان سليمان القانوني على عظمته كإمبراطور مسلم - أعتلت في عهده الدولة العثمانية وقد لجأ اليهود إليها من الأندلس ولم يلجأ إلى الأناضول عربي أندلسي، من هنا كان أبو البقاء الرندي صاحب القصيدة الباكية على الأندلس كان يعني السلطان سليمان بكل ما جاء في هذه القصيدة، ومطلعها:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سرّه زمن ساءته أزمان
ثم يقول - ويعني السلطان سليمان:
يا راتعين وراء البحر في دعة
لهم بأوطانهم عز وسلطان
أعندكم نبأ من أهل أندلس؟
فقد سرى بحديث القوم ركبان
ثم أنثر معاني ما جاء بعد يقول واصفاً الطفلة التي هي في حسن الشمس إذا طلعت يقودها العلج مكرهة والعين باكية والقلب حزين، لقد أفرغ أبو البقاء المأساة المحزنة فلا يجد من يعاتب إلا السلطان سليمان يحاصر فيينا عاصمة النمسا ليطلق أسيراً ولا يتحرك لينقذ إسلامه ومساجده من جور محاكم التفتيش ولكن مع ذلك فالسلطان سليمان القانوني من أعاظم الملوك المسلمة..
إن يهود الدونما دوّنوا تاريخ العثمانيين وسجلوا منهم أسماء لمعت وكانت ذات سلطان في الأناضول فليعد إلى تاريخ العثمانيين من يريد المعرفة ولا أستحسن ذكر بعض الأسماء التي لا أتأكد من أنهم من يهود الدونما، فهؤلاء اليهود أفسحوا المجال لليهودي رأس الصهيونية صانع البروتوكولات وصانع مؤتمر بال والمبشر لليهود بالوطن القومي وقد وصل إلى السلطان عبد الحميد يفاوضه ويطلب سكناً لليهود في قطعة أرض في فلسطين، فرفض عبد الحميد كل ذلك وخسر هرتزل الجولة الأولى في تحقيق الوطن القومي لليهود، وتعتبر هذه حسنة للسلطان عبد الحميد والحسنة الثانية بناء الخط الحديدي يصل دمشق بالمدينة والحسنة الثالثة أنه كان وهو الرجل المريض - كان مسلماً يرفض المساس بالأرض المسلمة فأكثر من المدارس في المدينة المنورة. وحُفظت مكتبة عارف حكمت ومكتبة السلطان محمود.
وخلع السلطان عبد الحميد، ولعلّ إمبراطور ألمانيا كان وراء ذلك - ولعلّ غزو كاترينا الروسية أيضاً من أسباب ذلك ولعلّ استغوال الإنجليز على طريق الهند كان من أسبابها أنا لا أذكر تاريخاً مفصلاً وإنما أذكّر به لعلّ الثناء على الماضي عظة، والذكر لسوءة الماضي عبرة، ومن عجب أن الذي تولى خلع السلطان عبد الحميد هو الضابط الكبير الشركسي المولى العراقي التركي محمود شوكت، لم يرأس الحكومة الاتحادية وإنما رأسها طلعت باشا، ومن رؤوسها أنور باشا وعمه خليل وجاويد وجمال وفخري، لقد كانت حكومة طورانية، فقبل الاتحاديين كانت الطورانية ناعمة هادئة ولكن الاتحاديين جهروا بها ونشروا مدارسهم في الأقاليم العربية تمارس التتريك كأنهم حسبوا العرب يطيقون ترك لغة القرآن للتتريك، فإذا هو - أعني التتريك - السبب في تحرك الأقاليم العربية، تطلب في أول الأمر اللامركزية حتى إذا بزغ الضوء الأخضر أرسله الحلفاء - بريطانيا وفرنسا - وجد العرب أنفسهم للخلاص من التتريك ثائرين حلفاء للحلفاء ولكنهم ركنوا إلى من لم يتبع دينهم صليبي بأسلوب آخر، فإذا العرب فرق بمعاهدة (سايكس بيكو) وقسمت الإمبراطورية العثمانية بين فرنسا وبريطانيا ولم يعرفها العرب إلا حين أعلنها الشيوعيون بعد أن أسقطوا القيصرية، فأصبح القيصر لينين ومن إليه، ثم وجد العرب أنفسهم أمام وعد (بلفور) اليهود والوطن القومي. ولا يفوتني أن أعرج على موقف حزب الأحرار في بريطانيا الآن يعلن رئيسه إنصاف العرب مع أن وعد بلفور لم يكن إلا من صنع حزب الأحرار يوم كان رئيسه لويد جورج الرئيس لوزارة بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، فلويد جورج هو الذي منح اليهود وإن سمي بوعد بلفور ((وزير الخارجية)) ولم يكتف حزب الأحرار بهذا الوعد بل إنه رسخه حينما عين أحد كبار أعضائه - الذي خلف فلويد جورج في رئاسة حزب الأحرار اليهودي - عينوه المندوب السامي الأول في فلسطين، فهو الذي مكّن لليهود أن يشنقوا الضباط الإنجليز يعلقونهم في الأشجار ويضربهم بالسياط مناحيم بيجن، فلم تغضب بريطانيا من هبرت سومائيل وإنما غضبت من مناحيم بيجن فأصدر القضاء البريطاني حكمه بالإِعدام.
ولم يكن بعيداً أن يمسكوا به وقد كانوا دولة الانتداب في فلسطين لكن هذا الحكم كان استهلاكاً محلياً لإِرضاء الشعب البريطاني، ومع هذا فإن مناحيم بيجن وهو يرأس حكومة إسرائيل يزور بريطانيا ويقابل باحترام لأنهم مسحوا القضاء، لقد كان ذلك إذلالاً لبريطانيا إذ لم يصدر عفو رسمي وإنما هي السخرية بالقضاء. ((هي الأمور كما شاهدتها دول)).
وانتهت الدولة العثمانية وثار مصطفى كمال ولم يسأل عن الطورانية خارج الأناضول وكان كل همه أن تبقى تركيا دولة في الأناضول، انتصر على اليونان وهزم حملة الدردنيل، ولكنه لم ينتصر بطورانية الأناضول أن يهدم منارة في مسجد.
فما زال شعب الأناضول مسلماً، خضع لبعض التغيير ولم يخضع ليهدم منارة عليها المؤذن أمام قبر أبي أيوب الأنصاري.
مجلس المبعوثان
وأخذنا الاستطراد لأتذكر ما صنعه الاتحاديون من تأسيس البرلمان، كان تحت اسم (مجلس المبعوثان) تسمية تركية لو عربوه لقالوا (مجلس المبعوثين) أو المبتعثين. ولكن لغة التتريك أصرت على ذلك، لقد كان هذا المجلس بالاختيار لا بالانتخاب، ويهمني أن أذكر المبعوثين من الحجاز لأني لم أعرف المبعوثين من الأقاليم الأخرى، إن المبعوثين من الحجاز والذين يمثلونه في هذا المجلس كانوا خمسة الشريف عبد الله بن الحسين وأخوه الشريف فيصل بن الحسين عن مكة وحدها أو عن الطائف معها، هو اختيار كما اختير من جدة قاسم زينل أخو الحاج محمد علي زينل مؤسس الفلاح وأخو الحاج يوسف زينل، أما عن المدينة المنورة فقد صادف الاختيار محله فكان المختاران لهذا المجلس يمثلان المدينة المنورة مأمون بري والسيد عبد القادر هاشم، رجلان من بيتين لهما قدم سابقة في المدينة المنورة وقيمة لم تسبق داخل المدينة بأحمد أسعد ومحمد ظافر، فبيت البري وبيت هاشم لهما عراقة في المدينة وعراقة النسب من هنا قلت كان الاختيار في محله ولا أدري من الذي اختار أهو الانصراف بعد سقوط السلطان عبد الحميد عن رجال أحمد أسعد ومحمد ظافر أم هو العرفان بقيمة هذين الشيخين؟
ولهذين الشيخين فضيلة فقد استصدرا قراراً من المجلس وأعانهما عليه المبعوثون الآخرون فكان الأمر بأن أهل المدينة سواسية لا تمتد يد على أحد ولا يتلسن لسان على أحد، فإذا المستضعفون من أهل العوالي وقباء وقربان والعيون ومن في شرق المدينة ومن في شمالها وغربها، قد أنصفوا ورفع الضيم عنهم، ولكن هذا القرار كان في الإمكان الخروج عنه غير أن الرخاء وكثرة المال واتساع المدينة ونشاط العاملين هو الذي ثبت هذا القرار لأن الرخاء هو الذي كفل ألا يجور أحد على أحد، فحين اتسعت المدينة ونمت المزارع وكثر زرع النخل شغل الناس بما ينفع وانكف بعض الناس عما يضر.
والباشا الذي كان حاكم المدينة حينذاك اسمه بصري باشا كان من خيرة حكام المدينة يمشي في الأسواق لم يحبس نفسه في قصر.. يعرف كل شيء.. وكان من حراس هذا القرار، فلم تكن له حاشية تغريه بأي أمر أو تثنيه عن بعض الأمر، وقد حدثني أستاذنا السيد محمد صقر أن مخبولة اسمها ((أم الكشيكش)) ومخبولاً آخر تعاركا في المناخة، أراد المخبول بها سوءاً وطاب لكثير من الواقفين أن يشاهدوا هذا العراك وكانوا بذلك خاطئين، فمر بصري باشا ورأى الجمع وسمع الصراخ فوقف ولم يجد رجلاً بعيداً عن الجماعة إلا أستاذنا السيد محمد صقر، فسأله بصري باشا بلكنة تركية - ما هذا؟ وكان السيد لا يعرف التركية فبدلاً من أن يقول هؤلاء مجانين، قال له بالتركية ما يعني ((إنك مجنون)) أو بلفظ أقبح وفهم الباشا ما أراده السيد فلم يغضب بل أبعد الواقفين وهرب المجنون حين رأى الباشا، لأن بعض المجانين عقلاء ولأن بعض العقلاء مجانين.
وانتهى بصري باشا عندما بدأت الحرب الكبرى الأولى، فولوا بدلاً عنه فخري باشا.. وسنأتي بحديث موسع عن فخري باشا وزيارة أنور باشا ووجود الشريفين علي بن الحسين وفيصل بن الحسين في المدينة حينذاك فالكلام عن ذلك يتسع ويتسع نأتي على أبوابه في حلقات تالية.
الزرع والضرع
وما كاد يستهل القرن الثالث عشر في سنواته الأولى وبعد سيل سنة سبع بعد الألف والثلاثمائة، ما كاد ذلك يستهل إلا وقد بدأ الرخاء ينتشر وبدأ الفصام يضمحل بين الحاضرة داخل السور أو خارجه، كما انتهى الخصام بين الحاضرة والبادية، لا بدافع قوة الدولة ولا بوازع المصافاة وإنما هو بتأثير الرخاء والتعامل بالحلف، فما من حضري له نخل خارج المدينة في العيون أو في العوالي وقربان وقباء إلا وله حليف من القبيلة ذات الشأن في ذلك الموقع، فبدأ الكثيرون من الحاضرة يعنون بصيانة ما يملكون من النخيل أو بزيادة الزرع من النخيل أو بالتوسع في زراعة الحنطة بأنواعها الثلاثة (اللقيمي، والحنطة والمعية) وحتى الشعير، بل وأكثر من ذلك صيانة النواة علفاً للضرع والحيوان وتجارة رائجة. بل صيانة الجريد للأسقف والجذوع كذلك صيانة السعف يصنعون خصف وأسرة يصنعون الخصف والزنابيل أي المكاتل، فالزنبيل كلمة طارئة. وأهل المدينة القدامى من النخليين والبادية والحاضرة خارج السور يقولون المكتل بدل الزنبيل أو بدل القفة. ومن الجريد كان القفاصة يصنعون السرر، وهذا يعني أن المدينة - بكل ذلك - كانت تتمتع باكتفاء ذاتي من الأسرة والمكاتل وعلف الحيوان.
إننا اليوم إذا ذبحنا شاة أو شاتين نرمي الجلد، بينما كانوا يملحونه ويدبغونه يعملون منه الجواعد والقرب وما إلى ذلك، ونحن اليوم نرمي الكوارع أي المقادم بينما كانوا يصمطونها.. ينظفونها.. يطبخونها.. يصنعون الثريد من مرقتها ويأكلون لحمها.. حتى الدجاج لا يرمون إلا ريشه، رأس الديك أو الدجاجة نأكل مخها نمتص عظمه.. وأرجلها تنظف وتشوى نأكل لحمها ونمتص عظمها، لا عن بخل ولا عن قلة من المال وإنما هم يقولون صونوا النعمة، ولعلّي نسيت أن مصارين الدجاج تنظف ونأكلها ولا تلقى في الزبالة، كما نفعل هذه الأيام..
هذا الصون أعطى الرخاء رخاء، فإذا كل أهل المدينة يلتفتون إلى اقتناء الضرع، فما من بيت إلا وفيه العنز والعنزان يحلبونها غذاء للأطفال أو يحمضونه حلية على مائدة الطعام، سواء كان لبن الزبادي أو اللبن الرائب، فالمدينة المنورة لديها اكتفاء ذاتي بالجبن والسمن والمضير (اليقط) واللحم واللبن بل وبالكثير من الحنطة فقد يستوردون الحنطة من البصرة أو من الهند ومن مصر حنطة الجراية أو من الشام وما كان ذلك بالكثرة التي كنا عليها قبل التوسع الآن في زراعة الحنطة التي منحتنا الاكتفاء الذاتي فلم نعد نستورد الحنطة من كندا أو أستراليا أو أمريكا، لقد رأيت الكبير يخرج على باب سدته وبين يديه العنز والعنزان لتأكل علفها من يديه سواء من البرسيم أو الشعير أو النوى المدشوش المخمر، حتى إن التنافس في ذلك بين المالكين لهذا الضرع يتفاخرون يقولون: السيد فلان يده (تمري) أي مريئة تشبع من يده العنز أي من لمستها إضافة من شبعها من العلف، والسيد فلان يده لا (تمري) مع أن العلف واحد، ولا أنسى أن أنواع الماعز ثلاثة المصرية أكثر حليباً وأكثر ولادة يمدحون ضرعها بأنه دورقي، وبعدها العارضية من غنم العارض لا تقل شأناً عن المصرية ثم عنز البادية السوداء أصغر ضرعاً، وأقل حليباً، وقليل منهم من يقتني النعاج وما أكثر حرصهم على أنهم لا يذبحون ذات اللبن كأنهم أخذوا ذلك من حديث رسول الله سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلم يوم رأى صاحبه (ابن التيهان) يحترف ليذبح لهم شاة للغداء فقد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ضيوفاً على ابن التيهان فقال له الرسول (إياك وذات اللبن) لأن ذبح ذات اللبن تقل به الثروة الحيوانية، أما البقر فعلى شقين الثيران للساقية مع الجمال والحمير والبقرة الأنثى عند أهل دكرور، أي التكارنة يحلبون لبنها ويصنعون زبدها ويبيعونه للذين لم يقتنوا الماعز.. كل يعمل حتى الدجاج يقتنيه فريق من النخليين يبيعون البيض لمن يشتريه يعني أن البيض كان منه الاكتفاء الذاتي كما هو الآن ولله الحمد.. وكثرة زراعة النخيل، ليس هناك كبير يشمخ بنفسه عن فلاحة ما يملك من أرض، ذياب ناصر في العقيلية وسعود دشيشة في الدوار، الخواجه في الغرس، الشريف شحات في سواله، والشريف ناصر في البدرية، صالح القاضي في الحسنية، عبد الله بن مسلم في بستانه جانب من مسجد قباء. الخاشقجي في الربعي والجذع للرفاعي، والعباسية للعباسيين، وحتى الشريف عون كان له بستان في قبا ثم - بالشراء أصبح ملكاً للسيد طه محمد حسين عثمان وهناك بساتين في ابيار علي وفي الجرف يملكها السراني سواء أهل أبيار علي أو أهل الجرف والأنصاري في الناعمة، وزين العابدين مدني في المصرع شمال المدينة، يوسف خشيرم في الخشيرمية جانب المصرع، ابن جوعان وعبد الله بن دخيل وأخوه محماس في الجوعانية، والمفتي الداغستاني في المفتية، والوسيدي في أم البيض، ومعتوق خاشقجي جد بهاء الدين في الشنيبلية، أما محمد محروس فله شأن آخر.. أولئك وجدوا آباراً معدة فاستثمروها وعيوناً معدة فأثمروها، أما محمد محروس فقد كان له شأن، احتفر عين الزهرة من وسط العقيق في سلطانه يصنع خرزاً ودبلاً يسير فيه ماء العين، فالدبل طويل قد يبلغ أكثر من عشرة كيلومترات يزرع نخل الزهرة ورمانها كما زاد عملية التنظيف في عين المدافعية وعين باني وهما ينبعان من شمال شرق المدينة في أرض مسروح الحربية أما الزهرة ففي أرض بني سالم الحربية، هذا ليصون ما يملك حالف من الأحامدة سعد بن جزا وبعده عساف ومن ولد محمد حالف الحويفي شيخ ولد محمد علي الراس واسمه سعد، ومن مسروح حالف ابن ربيق شيخ بني عمر علي الراسي، وحالف ابن موقد من كبار الأشياخ في عوف، يعني أنه حالف السالمي لئلا يعتدي أحد على الزهرة ونخيل المدافعية وعين باني، فما أحد ملك من عيون الماء ما يسمى وجبات أكثر من محمد محروس لقد كلفه ذلك كثيراً وحين قل المال في يده وتلسن نمامون عليه يغرون وكيله في السويس ألا يرسل بضاعة إليه لأنه لا يملك شيئاً فتق له ذكاؤه أن يرسل ابنه يحيى إلى حائل يشتري جمالاً يضمن سداد القيمة رجل من آل الرشيد وحين وصلت الجمال إلى المدينة قادها يحرسه عبيده وبعض حلفائه يصل إلى مصر يبيع الجمال يكسب كثيراً يذهب إلى عميله في السويس لا يدخل عليه إلا بعد لأي لأنه يلبس شملة برقاء وثوباً من الدوت وفي يده جراب من الذهب، وحين دخل على وكيله لم يقابله لأنه أخفى اسمه حين أعلن أنه مندوب من محمد محروس، ثم أعلن اسمه فحياه وطلب محروس من الوكيل قيد الدفتر ليؤدي المال فسدد ما عليه ورجع بكثير ليسدد قيمة الجمال لأهل حائل وبقي الكثير ليتم ما بناه حتى إنه أهدى كماً من رمان الزهرة - وكان فاخراً أشبه برمان أسيوط، لأن رمان المدينة ليس كرمان الطائف - ولمن أهدى الرمان؟ ومَنْ حمل الهدية؟ أهداه لمحمود سليمان باشا. زعيم الصعيد على الإطلاق والد محمد باشا محمود زار المدينة بعد أن حج وأكرم من الحاكم نزل في بيت جمل الليل في قصر بني حسين والذي حمل الهدية حسين زيدان والدي لأنه إذا أعلن نفسه يعرفه محمود سليمان، ولد السليني تلك عزوته وكان والدي ينتمي إلى هذه العزوة لأن قرية المطيعة تابعة لساحل سليم وتقبل ولد السليني الهدية يزور محمد محروس صعيدي يزور الصعيدي. ولكن محمد محروس استعرق في المدينة ومحمود سليمان أعرق في مصر حتى عرض عليه العرش بعد سقوط الخديوي عباس فأبى وذهب لحسين كامل عم عباس وأخي الملك فؤاد ليتولى الأمر بلقب السلطان، وكان صديقاً لمحمود سليمان يوم كان حسين كامل مديراً لأسيوط حثه على ذلك لأن الإنجليز كادوا إذا لم يقبل حسين كامل السلطان أن يتوجوا إسماعيل آغا خان وكان في مصر وفي فندق الكونتننتال وإسماعيل آغا خان كان يتلمظ على العرش في مصر ليعيد مجد دولة الفاطميين آبائه، أي دولة الباطنية. ومن هنا وفي عهد جمال عبد الناصر استطاع الإسماعيلية أتباع أغا خان أن يدفن في أسوان مركز الباطنية بعد القاهرة لعلّهم يعودون إلى مصر..
ونسيت أن أذكر الشيخ طاهر سنبل، كان يملك عين الغرابية فعدا محمد الوسيدي حليفنا حلف المال لها حلف الدم عدا علي عبد طاهر سنبل يصوب إليه رصاصة فاغتاظ طاهر سنبل وباع الغرابية العزيزة عليه واشتراها منه أحد شيوخ الحوازم عبد الله بن هويمل دفع قيمتها سبعة آلاف جنيه ذهباً، ولكن طول الزمن أحوج ابن هويمل المضياف والمعطاء الذي أعطى صديقه مصطفى قباني ألف جنيه أحوجه الزمن أن يبيع الغرابية بألف وثلاثمائة جنيه وثلاثة عشر ألف ريال، اشتراها منه محمد يوسف عبيد أو الخريجي عبد العزيز.. ومحمد..
وهكذا دالت الأيام وما زال التاريخ سجلاً على قرطاس أو في الذاكرة يروي الذكريات..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1721  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 691 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج