شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طيبة.. رحلة في الزمان والمكان (10)
عهد الاتحاديين.. هل كان صحوة الموت؟!
والذكريات ليست إلا جغرفة للأرض، أرض المدينة كما أنها مشاهد تاريخية، ليس منها أن تكون مذكرات شخصية، فلن أقحم نفسي متحدثاً عن شخصي وإنما هو الحديث عن المدينة المنورة في عهد الدولة العثمانية العهد الحميدي والعهد الرشادي ثم عهد الأشراف ثم العهد لهذا الكيان الكبير المملكة العربية السعودية، فالذكريات تاريخ من التاريخ عن الأحوال والاتصال والانفصال والرجال وكيف ابتليت بمن حولها وكيف طاب لبعض أهلها أن يعيشوا الفصام بلا خصام ما أشد قربهم لبعض حين لا تكون المادة جراية أو صدقة وما أقوى فصامه حين تكون المادة أحباباً يتقاربون وبالعنعنات كثيراً ما يتباعدون.. أكتب هذه الذكريات فيها (( الأنا )) وإنما كلها الـ (( نحن )) .
ـ في عهد السلطان محمد رشاد.. عرفت المدينة الترف
ـ امتياز خط برلين - بغداد سبب في موت الرجل المريض
السلطان محمد رشاد والاتحاديون
وفي عهد السلطان محمد رشاد، في أواخر العشرينات إلى أوائل الثلاثينات.. عاشت المدينة المنورة في رخاء بلغ حد الترف سواء في الحاضرة أو من حولها من القبائل.. توسع فيها البناء، فقد كان أهل المدينة الأوائل يبتعدون عن البناء في شمال المسجد المقارب له أو البعيد عنه، أعني ما يسمى بباب المجيدي، غلب هذا الاسم على هذه الناحية، لأن أهل المدينة تجنبوا البناء هناك، عن عقدة تروى لهم. وهو أن وادي مشعط موبوء، كما تجنبوا البناء شرق المدينة لا يقتربون من البقيع ولا يحبون أن يقطعوا النخيل في أرض الصدقة فأول ما اتسع البناء خارج السور كان في غرب السور، الأحوشة في سفح سلع وزقاق الطيار والسيح والعنبرية وأحوشتها، وفي الجنوب التاجوري والتاجورية والجديدة والبربورية، وأزقة النخليين حتى باب العوالي، لكن الكثرة المهاجرة من التركستانيين والأتراك والمغاربة توسعوا في البناء فكانت الأرض التي اتسعت لهم هي أرض باب المجيدي، لأن هؤلاء المهاجرين جاءوا بأموال ونمت إليهم بأموال من عملهم في المدينة، فأول بناء قام هو بيوت باشا من طابقين أرضي (حجرات) وفوقي (غرفات) حول بئر (حاء) ثم بنى البشناق وأبو عزة بيوتهم وبنى كذلك عبد الجليل مدني بناء على شارعين في باب المجيدي أمام بيت الدكتور أمين أفندي الطبيب التركي، وقد انفرد بيت الطبيب باللون الأبيض، وقد آلت ملكيته بالشراء إلى الشيخ عبد الرحمن القصيبي والد الدكتور غازي القصيبي فكلما وصل إلى المدينة يسكن هذا البيت وفي آخر الأيام من إقامتي في المدينة سكنت باب المجيدي وتركت بيتنا في السيح وبيتنا في زقاق الطيار لمستأجرين، وكان ذلك لأكون قريباً من بيت والد الزوجة محمد أبو داعوس ومن القرب لدار الأيتام التي تأخذ مني النهار كله وبعض الليل. حماسة أحمد الله عليها. وكلما وصل المدينة عبد الرحمن القصيبي كنت قريب الصلة به فأول ما عرفته أنا والشيخ محمود شويل يوم كنا في بومباي، فما استطاع مكتب الحاج علي زينل أن يهيئ لنا سرعة الرحيل إلى المدينة على الباخرة لأن العودة كانت في وسط شوال عام 1352هـ، فلجأنا إلى القصيبي واستطاع أن يعجل لنا السفر، من هنا عرفناه.
أما البناء بعد أن فتح بصري باشا الباب في السور فكانت هذه البيوت، بيت السيد محيي الدين والد السيد أسعد وجد السيد ماجد ثم بيت السيد علي الذهبي، وقد كان هذا البيت ينزل فيه الأمير شكيب أرسلان يوم جاء إلى المدينة هو مع عبد القادر المغربي الدمشقي لأن صلة شكيب أرسلان بالسيد علي الذهبي أتت من صلته في ليبيا، أيام كان الأمير شكيب هو وأنور باشا وخليل باشا مع السيد أحمد شريف السنوسي لمقاومة الغزو الإيطالي، لأن الذهبي ليبي من أعيان ليبيا، وكان هذا البيت أيضاً على مدخل الفيروزية التي هي من أملاك بيت حماد، وعلى المدخل الغربي بنى السيد زين العابدين مدني بيتاً كبيراً لم ينتفع به، كما أن السيد عبد الجليل مدني لم ينتفع ببيت باب المجيدي، كما أن السيد عبد الله مدني قد بنى البيت الكبير في باب المجيدي حول (صيّادة) البستان القديم من عهد الرسول صلَّى الله عليه وسلم لم ينتفع أيضاً به، كان بناؤه كفندق ولكن كان النفع لأبني السيد عبد الله مدني، حيث كان السيد عبيد عضو مجلس الشورى وله مقامه وله مكانة من الصداقة لمحمد سرور الصبان فاستطاع السيد عبيد أن يبيع هذا الفندق بواسطة محمد سرور إلى الملك سعود يرحمه الله، وكان في ذلك له قيمة من الشكر لمن بنى الفندق ولمن باعه ولمن اشتراه، والله يضع البركة حيث يشاء.
وكان باب المجيدي قد اتصل بالتمار حيث بنى السيد علي حبشي بيوته هناك، وكذلك آخرون، أما خراج باب الشامي فهناك بيتان شهيران، كما ذكرنا من قبل بيت الجلوني من أغنياء مصر وقد كان لهم ملك في المدينة، الجلونية في قربان وخيف السيد على حافة وادي قناه، على مدخل العيون، وقد اشترى إبراهيم فراج والد عيد فراج وعلي فراج، هذا الملك من الجلوني وبيت فراج لعلّه على صورة ثانية من محمد محروس بالنسبة لما ملك من النخيل، ومصادفة أن إبراهيم فراج ومحمد محروس من صعيد مصر ومن مديرية قنا، أعرف أن محمد محروس صاحب الملك الكبير في العيون من (أبنود) وقالوا لي إن إبراهيم فراج ومصطفى عبد العال التاجر الذي حمل كتاب الشريف شحاذ بن علي إلى الملك عبد العزيز يرحمه الله، يطلب منه أن يرسل أحد بنيه ليدخل المدينة سلماً، مصطفى عبد العالم أيضاً هو من صعيد مصر كمحمد محروس، ككاتب هذه السطور، غير أن أولئك من قنا ومن أبنود، أما كاتب هذه السطور فمن أسيوط ومن قرية المطيعة بالذات. وهناك معيرة لأهل أبنود لأنهم يحترفون التجارة وجمع المال أذكره وأرجو ألا يغضب الابن نذير محروس ومن إليه من أولاد العم حين أذكر هذه المعايرة.
(عاشر يهودي ولا تعاشر أبنودي!!) يعني أنهم أكثر عملاً في جمع المال، وقد صح هذا المثل في جمع المال من الذين ذكرناهم، أما كاتب هذه السطور فقد ورث من البداوة بعثرة المال.
إن هذا العهد الرخي جعل الناس في المدينة يستبشرون بعهد السلطان رشاد كما كانوا مستبشرين بعهد السلطان عبد الحميد.
لقد تولى السلطان رشاد ملك آل عثمان بثورة حزب الاتحاد والترقي تحت شعار ما تلقفوه من الثورة الفرنسية (حريات.. عدالات.. مساوات.. أخوات) إن هذا الشعار لم يكن إلا عن عنعنات وسبيلاً إلى السلطان فقط، فلا حرية للبلقان ولا عدالة للأرمن ولا مساواة مع العرب ولا أخوة مع مصر بصور خاصة..
إن الاتحاديين أعلنوا التعاون مع ألمانيا بصورة جهيرة فأكثرهم ضباط تعلموا في مدارس ألمانيا، كان رئيس الوزراء الصدر الأعظم طلعت باشا فانتشر اسم طلعت في العالم العربي، وكان من الوزراء ومن كبار الاتحاديين أنور باشا وانتشر اسم أنور، كما كان نيازي من كبار الاتحاديين وانتشر اسمه كذلك، كما انتشر اسم جمال وفخري وكلهم من الاتحاديين، ويعني ذلك من انتشار هذه الأسماء أنهم مكان إعجاب فالعواطف أعجبت ولكن النتيجة لو عرفها أهل العواطف لما كان هناك هذا الانتشار لأسماء الاتحاديين، كل أقطار الدولة العثمانية كانت تطالب باللامركزية، ببعض الحكم الذاتي ولو عقل الاتحاديون ما ينذر به المستقبل من وراء صداقتهم لألمانيا ومخافتهم من روسيا وعداوة الإنجليز والفرنسيين لهم لما أسرفوا بهذه القومية التركية فأعلنوا الطورانية، إن لم يذكروها بلسان فقد نصبوا التتريك في المدراس، التعليم في المدرسة التحضيرية إلى غيرها كلها بالتركية، فلم يعد هذا الأمر يطاق فاحتضنت فرنسا مؤتمر باريس المشكل من الشباب السوريين ومن إليهم خليل عبد الكريم والزهراني وغيرهما ومن تأسيس حزب العهد.
ياسين الهاشمي فيصل وعبد الله بن الحسين وغيرهما من العرب ولما اتهموا عزيز علي المصري حتى كادوا يشنقونه مع ياسين الهاشمي وعزيز المصري من كبار قواد الدولة العثمانية، لقد بقي عزيز المصري قائد الجيش الثامن، وهو القومي العربي مع الدولة إلى أن سقط جمال باشا في دمشق وإلى أن دخل فيصل بن الحسين دمشق، وفاء عربي وانضباط عسكري يرحمه الله ياسين الهاشمي ولا بد أن أذكر موقفاً كحادثة بسيطة بالنسبة لمكانة ياسين الهاشمي يوم كنت قومياً أحمر قبل أكثر من خمسين عاماً، كنت ألقي درساً في التاريخ في المدرسة الأميرية، يوم كنت أستاذاً فيها، وجاء قاصد يقصدني الأستاذ حسام الدين مصطفى مأمور اللاسلكي والمنتدب لتدريس اللغة الإنجليزية في المدرسة جاء قال لي: ثورة في العراق قتل ياسين الهاشمي، فما استطعت أن أتماسك جلست على الأرض على ركبتي حسرة وأخيراً خرجت من الفصل أستأذن أذهب إلى البيت، حسام الدين مصطفى عرف الخبر سمعه من اللاسلكي، لأن المدينة حينذاك لم يكن فيها راديو وفي العصر بعد أن استرحت ذهبت إليه فعرفت التفصيل لم يقتل ياسين باشا يعني أنهم لم يسيلوا دمه في العراق وإنما هم قتلوه وحين رحل من بغداد يموت في بيروت.
ما أكثر خسارة العرب لهؤلاء الرجال وما أكثر خسارة العرب بالسيّىء من الرجال.
والاتحاديون ورثوا عن علاقتهم بألمانيا السبب الذي كان من الأسباب التي أشعلت الحرب العالمية الأولى أو هو السيف الذي أجهز على الرجل المريض كأنما عهد الاتحاديين صحوة الموت لأنه والحق يقال عسكر الدولة العثمانية كونوا جيشاً واقتنوا سلاحاً جديداً ومتطوراً في ذلك الوقت مدداً من ألمانيا، فازداد كيد الإنجليز وازداد نفوذ الفرنسيين.
بين أهل الشام (فرنسا الأم الحنون) صداقة ألمانيا وتكوين الجيش والسلاح وخط برلين بغداد هي التي عجلت بالموت للرجل المريض.
إن خط برلين - بغداد امتياز أعطى لألمانيا سبب غضب الإِنجليز لأن وصول ألمانيا إلى بغداد والخليج يعني وصولهم الهند. وحين سقط العرش العثماني ونهض مصطفى كمال لا يسأل عن أقاليم غير الأناضول، كل عقله وعواطفه مع الأناضول، لم يكن كأنور باشا عاطفياً، فبعد هزيمة الدولة ذهب أنور التركستاني طفرانياً فإذا هو يجيز الروس على السيطرة على تركستان ولا يمكن أن يحتمل أنور هذا السبب وإنما هي القشة قصمت ظهر البعير.
فالاتحاد السوفيتي روسيا الجديدة لا بد أن يحتل تركستان غير أن عمل أنور عجل بذلك.
مصطفى كمال كتب في مذكراته عن خط برلين - بغداد ما يعيب الاتحاديين وهو منهم غير أنه لم يكن من الجنرالات الكبار أول العهد، قال إن امتياز خط برلين - بغداد كان خطأ كبيراً فقد جاء في نص الامتياز أن هذا الخط لا تنحصر مساحته في ممر القضبان أو إقامة المحطات بل جاء في النص أن لصاحب الامتياز إمبراطورية ألمانيا حينذاك الحق في امتلاك ثلاثة كيلو مترات شرق الخط يعني عرض الأرض لمرور هذا الخط ليست بضعة أمتار إنما هي ستة كيلو مترات من شمال الأناضول إلى شط العرب، يقول مصطفى كمال إن هذه الستة كيلومترات ستصبح سكناً وملكاً لستة ملايين ألماني فماذا نصنع مع هؤلاء الألمان حين يصبحون ستة ملايين ألماني سوف لا يكون أتراك، إنه يعيب هذا الامتياز من الناحية الوطنية سلب الأرض بينما عابه غيره بأنه السبب في موت الرجل المريض.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1195  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 690 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان الشامي

[الأعمال الكاملة: 1992]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج