شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
محكمة الذات
وتطلع أستاذنا إلى البعيد.. كأنما يحتاج إلى أن يخرج من نفسه.. حتى يتأملها من بعيد جيداً.. يراقب كل اختلاجة فيها.. ويحدق حتى يصف ما يرى في حياد.. فقال عن لوحة عمره وحياته الآتي:
سؤالك رومانسي.. ويريد الجواب على صورة غير رومانسية، فحينما أنظر للمرآة.. قد أصدق نفسي.. وأصادق المرآة.. لأنها على كل حال صديقة لا تخفي شيئاً من المعايب.. ولا تبدي شيئاً تكذب به كطري المحاسن..!
المرآة صديقة لأنها جماد لا يتحول عن ذاته.. من هنا تبدو الصداقة عميقة فيها.. ومتغيرة بنظرة من يحدق فيها.. وليست المرآة وحدها هي الواضحة.. أو الفاضحة.. وإنما الرائي هو الذي إذا تستر أوضح.. وافتضح.. فالإِنسان مهما تخفى فيما يشعر به.. أو فيما يفعله رغم أنفه.. هو يعلن عن ذلك.. غير أنه يرتاح للإِعلان على صفحة المرآة.. ويرتاح إذا ما كان هو المرآة بنظرة إنسان آخر إليه..!
ـ الضمير هو المرآة..!
((وبفلسفته التي عهدناها في أستاذنا الكبير أضاف..)) هذا من ناحية الشمول والعموم أما من الناحية الخاصة.. فالنفس الأمارة تبتعد عن الوضوح.. والنفس اللوّامة هي النقد الذاتي.. فأما أن أصغي إلى اللوم.. مرآة النفس للنفس.. وأن أستريح إليه لأصل إلى النفس المطمئنة.. فالضمير هو النفس اللوّامة.. هو المرآة!
ـ الإِنسان يعيش المتناقضات..!!
يا ترى ما هي اللحظة التي شعرت فيها بأنك تريد أن تصافح نفسك في صداقة عميقة.. ومتى كانت اللحظة التي شعرت فيها بأنك تريد أن تخرج من ذاتك بلا عودة..!!
هنا يشعل أستاذنا سيجارته.. وتتشكل في دوائر الدخان (كما تتراءى له) خيوط قصته مع نفسه.. وتتجسد في الدوائر مواقف متعددة يتطلع إليها وأحاول أنا أن أقرأها وأشاهدها مثله.. في خياله!! وإذا به يقول: الإِنسان محوط بهذين الوضعين.. أصافح نفسي صديقاً لها حينما أخضع لوازع الخلق.. لدافع الرحمة.. بالشعور، إني مع الناس بالناس.. للناس، أصادق نفسي لأني أرى في عين من أحببت.. من أحسنت إليه.. كأنما أنا بالخلق.. بالرحمة.. بالإِحسان.. لم أحسن إلا إلى نفسي.. وأبتعد عن ذاتي.. من أفعال ذاتي، وذلك حين أرتكب الخطيئة في حق الناس.. في حق الوطن.. في حق الأبوة.. وحين لا أحترم الأمومة، فالإنسان يعيش المتناقضات.. فقوام الشخص في حياته يتم بالتناقض.. ولكن قيمة هذا الشخص ترتفع حين لا يكون التناقض مجحفاً يجر إلى خطيئة.. إلى جريمة..!!
ـ في أكثر من حالة.. أرفض نفسي..!! أستاذ الجيل.. هل أنت حقاً تشعر بأنك راضٍ عن نفسك..!!
قال.. بلا تردد.. وبلا حاجة للتفكير.. فخبرة وحكمة السنين تجعله مهيأ للإِجابة التي تأخذ الطابع الفلسفي بلا تفكير في صياغة المعنى.. والفكرة.. إنها خبرة السنين التي تتحدث فقال: هناك فرق بين الرضا عن النفس.. وبين القناعة بالواقع، لو ادعيت أني راضٍ عن نفسي.. لجانبت الحق والخلق.. في أكثر من حالة أرتاح إلى نفسي، وفي أكثر من حالة أرفض نفسي.. أما القناعة فهي الرضا بما يقع علي.. وليست هي الرضا بما يقع مني على الآخرين..!!
ـ عشرة أصدقاء..
عشرة أعداء!!
أستاذ زيدان.. أحياناً الإنسان في مشوار حياته قد يأتي موقف يشعر فيه بأنه يقف ضد نفسه.. فهل فاجأتك بموقف جعلك ضد نفسك.. وكيف كان؟
وجاءتني الإِجابة في صيغة سؤال.. وقال: هل يمكن أن يكون الموقف الذي جعلني ضد نفسي.. لخصَه والدي بكلمة؟!
قال والدي لي.. ((أنت شجرة مُرَّة تطرح بركة))!!
لم أكن حين قالها إلا متمادياً.. أقترف الأسباب التي جعلته يقولها.. قالها حين أقمت حفلة الغداء لكثير من الأصدقاء.. كلفتني وقتها 50 ريالاً وذلك قبل 50 عاماً.. وسألني والدي وقتها كم أنفقت؟ قلت 50 ريالاً قال وكم هم..؟؟ قلت: عشرة أصدقاء. قال: لقد صنعت عشرة أعداء.. تساءلت: لماذا..؟؟ لم أصدق ذلك، ولم يكونوا العشرة أعداء.. وإنما كان العدو أكثرهم التصاقاً بي.. وأشدّهم أخذاً مني..، اقترف الخيانة.. خان الأمانة.. أفزعني.. وأجزعني، كان واحداً لم يرد مني أن أكرر ذلك.. ولكن ازددت إسرافاً.. فإذا كلمة الأب تصدق حين أصبح هم الآكلون على مائدتي.. والذين أمتلأت جيوبهم مني.. كانوا أكثر من عشرة..!!
بعضهم رفعتهم من الحضيض.. وبعضهم ارتفع بي إلى اسم لامع ولكن كاد بعضهم أن يجرني إلى الهلاك.. لم يخش الله في الصداقة ولم يخف الله في أن ييتَم طفلاً لي..‍‍
يومها.. وبعد أن علت السن.. عرفت معنى الشجرة المُرَّة..‍‍
لقد نسيت..‍‍!!
ماذا يا أستاذ زيدان لو امتلكنا الآن ساعة زمنية لديها القدرة على إعادة الزمن إلى الوراء.. فيا ترى لو امتلكتها ما أهم القرارات التي كنت تفضل أن تتغير. أو لو تأخذها بشكل آخر..!!
يتطلع أستاذنا إلى ساعة زمنه الداخلية في أعماقه.. كأنما يدير عقرب الساعة إلى الوراء.. ليتوقف نبض الزمن عند لحظة ما.. هنا يتحدث الأستاذ قائلاً: لقد نسيت..؟ فالكثير ينسى.. لا ليس من الذاكرة.. وإنما من التذكير به!!
القرار الذي لم أنفذه.. وأطعت قراراً من الوالد والأهل هو.. ((الزواج))! ولكن أطعته فأسرعت.. فكان قراري لو نفذ خطأ..!! وكان قرارهم حين نفذته جلب على المسعدات والمشقيات..!!
فالحياة - كما قلت - تلبس التناقض.. كأنما الإِنسان في هذه المتناقضات يقوي بها عضل النفس.. وزهوة الرغبة.. وشكوى التنفس والرغبات.. أما القرار الذي أنا فيه الآن.. ولا أحيد عنه هو أن لا يكون ما كنت أتمناه..!
وعجيب هذا التزاوج في الموضوع.. أراد أحدهم أن يحسن إلي.. يرفع من مقامي.. وعارضه آخر لأبقى كما كنت..!
عاجز عن اتخاذ قرار التوقف..
ويستوضح الصورة في أعماقه أكثر.. وينفث الدخان في قلق ودهشة..، ويقول: جزعت أن لا أكون كما أراد المساعد.. ولكني الآن أشهد ثناء على الذي عارض.. لأنه يمتعني بأن لا أستخذي.. فالفاقد لمقام مؤقت.. تأخذه حسرة الفقد.. يستخذي لأنه قد ضاع منه ما ارتفع به.. وعلى ذلك ينطبق قولي:
((ليس الحرمان أن لا تجد.. وإنما الحرمان أن تفقد ما وجدت)).
ويستطرد قائلاً: أشكر صاحب العطاء.. كما أشكر صاحب النفي كلاهما مُحسن..!!
أما القرار الذي ندمت على تنفيذه.. هو أني قرأت وكتبت.. فأنا عاجز عن أن أتخذ قرار التوقف..!
ـ ليتني لم أكتب..!!
ويهز رأسه.. إلى ذات اليمين.. وأخرى إلى اليسار.. كأنما يجتذيه من جانب الحب.. ومن الجانب الآخر.. الحسرة.. فيقول:
ليتني لم أقرأ.. ليتني لم أكتب..!! ليتني عشت بلا هذه الأضواء الباهتة.. لأنها تكليف إن جاء بالتشريف.. بدأ الخاطفون يخطفون التشريف.. فأنا حبيب للذين يقرأون دون أن يملوا.. وممقوت من الذين لا يقرأون.. وإنما هم يجترون المذمة.. بينما هم في ضحالة العاطفة غارقون.. وأعني بعاطفة التشويه.. من شوهوا أنفسهم.. لا.. لأن التشويه يلبسهم..!!
ـ الكاتب والقارئ حزينان..!!
في رأيك.. ما هو أجمل انتصار.. وأبشع هزيمة في حياة الإِنسان..!؟ وماذا عن الانتصار والهزيمة في حياتك..!؟
وإذا بأصابع يده تتحرك.. كأنما كانت تريد أن تتحسس وسام النصر وشكل الجرح.. في أعماق نفسه!
وقال: الإِنسان.. تتعدد انتصاراته.. وتكثر هزائمه..، كل وما يشعر.. كل وما يصنع.. أما الانتصار في حياتي فهو ما أنا فيه حين اسودت وجوه الذين لم أنلهم بسوء.. وأرادوا على ورق أسود من نفوس سوداء أن يصنعوا بي السوء.. بهتاناً.. تشبع به نفوسهم الحاقدة.. فإذا هم الآن في حسرة لأني أعيش طارداً الحسرة فعليهم وزرهم.. وعليّ أن أقول عفا الله عما سلف..!
وعند قوله لكلمة الهزيمة.. كأنني رأيت في لحظة واحدة.. كيف تحولت أحاسيس الانتصار التي كانت تشكل في عينيه قوس قزح.. إلى غيمة تحجب عنه الأحاسيس بالفرح.. ولكنها لم تحجب عني إحساسه بالحزن.. ولكن قبل أن أستوضح بالسؤال جاءتني كلماته قائلة..
أما الهزيمة.. فأنا فيها بهذه العشوة.. لا أستطيع أن أقرأ.. وأستجدي الاستقراء.. لأنني لا أستطيع أن أعيش بدون أن أفقه.. بدون أن أقرأ..!!
فالكاتب حزين.. والقارئ حزين.. وتلك هزيمة!
الكاتب حين تفتحه يشعر بالسعادة.. سعادة العطاء منه لأنه يحيا فيك كقارئ.. ولا يريد أن يعيش مصندقاً يأكله الغبار..!!
ـ أسرفت على نفسي قومياً عربياً:
يا ترى.. بصراحة ما هو الشيء الذي آمنت به في حياتك، وكشف لك الواقع بأنك لم تكن على حق.. فجاء الاكتشاف متأخراً.. والعكس أيضاً شيء لم تكن تؤمن به.. ولكن الواقع جعلك تؤمن به..!؟
قال الأستاذ زيدان: أسرفت على نفسي قومياً وعربياً..!!
ولكن الآن.. وقد أصبحنا في شعوبية الأقاليم تفرقت بهم الأمة.. اقتنعت بأن الانحياز إلى القومية أصبح ضرراً.. فلئن كان ضرورة فيما سبق.. فليكن زوال الضرر بأن تكون القومية في نطاق الإِسلامية لأن القومية مبدأ يختلف على تحقيقه العرب.. ولكن الإِسلام عقيدة لا ترضى بالخلاف.. فالقومية العربية تتراوح مع القومية الإِسلامية بلا ازدواجية.. فالعربي مسلم قبل كل شيء.. وقد تفوه بالإِسلام فاتحاً عظيماً.. والمسلم إن لم يتكلم العربية.. فهي في وجدانه لأن القرآن في وجدان المسلم..!!
ـ أصبحت سيد نفسي..!!
كاتبنا الأستاذ زيدان.. ما هو الشيء الذي توقعت أن تفعله وفوجئت أنك خذلت نفسك..؟!
وإذا به يضع أصابعه على عينيه ويفركها جيداً.. كأنما يريد أن يقلب فيها صور الزمن.. وصور حياته.. وصفحات عمره.. في هذا الزمن.. ولكن ماذا وجد في أوراق العمر..؟
هنا يطالعني صوته قائلاً: لا أظن يا ابنتي أن ذلك وقع.. كرغبة في التفوق.. ولكن الخذلان قد تأتي حين تبعت سيداً.. وخضعت لهذا السيد.. حينئذ خذلت نفسي.. ولم أنقذها إلا حين أصبحت سيد نفسي..!!
ـ اليتم وتشوه زوجة الأب!!
لكل إنسان نقطة ضعف.. فما هي نقطة الضعف التي تسببت لك في تغير مجرى حياتك..!؟
يتطلع أستاذنا لمرآة نفسه.. يحدق فيها حتى يعرف أين كانت نقطة الضعف فإذا بأصابع عمره تتشبث بنقطة الضعف فتظهرها.. في الكلمات التالية..، وقال:
أشعرني اليتم بأن لا أكون عاقاً للأمهات.. كل أنثى عندي أم، فلو أن أمي عاشت.. لما عاشت في نفسي نظرة احترامي للأمهات..!! وذلك لأن الاكتفاء بحياة الأم.. قد يكون مبعداً لي..!
ويتوقف أستاذنا في حديثه.. ويتطلع لمرآة نفسه كأنما يشعر بأن هناك من يستوقفه في المرآة.. كأنها تجتذبه لرؤية أوضح لنفسه.. وإذا به يقول: هناك نقطة أخرى.. إنها القسوة من زوجة الأب.. علمتني تلك القسوة الاستقلال بذاتي..!!
إذا كانت هذه هي نقاط الضعف.. فماذا عن أسباب قوتك في الحياة..؟!
قال: يا ابنتي إنني لا أخضع لقوي قد يتغطرس فأحتمل.. وأقاوم قدر الجهد ولكني شديد الخضوع للضعفاء.. فأيما ضعيف هو القوي عليّ.. وأيما قوي الذي يستضعفني أحاول أن لا أرضخ له.. لأنني من الناس وبالناس وللناس.. والناس لا تعرف قيمها إلا من خلال التعامل مع الضعفاء..!!
عادة مع الإِنسان يحدث صراع حاد بين العقل والعاطفة في مواقف الحياة..، فيا ترى هل عقلك أكبر من عاطفتك في مواقف الحياة.. أم العكس..!؟
هنا تطلع إلى نفسه.. فالعقل يجتذبه.. والعاطفة تتشبث به.. فكأنما أحس باشتداد الصراع في نفسه.. فقال: في الإيجابيات.. عاطفتي أقوى من عقلي، وفي السلبيات عقلي أقوى من عاطفتي..!!
فكأنما إجابته جاءت لترضي غرور العقل.. وعنفوان العاطفة في نفسه.. فيهدأ الصراع..!
ـ الظروف تقهر من يتقهقر..!!
أستاذ زيدان.. هل تؤمن بأن الظروف تتغلب على الإرادة..، أم الإِرادة الإِنسانية تتغلب على الظروف إذا أرادت ذلك.. فكيف حياتك على ضوء ذلك..!؟
يتطلع إلى الأمام.. رغم أنه يقلب صفحات الماضي..!!
يقول: الظروف تقهر من يتقهقر أمامها.. فقد يغلب ولكنه بالتحمل يرفضها، وإن فُرضت عليه.. فالمطاوعة للظروف قوة.. والطرد لها فعل القوة.. أعني أن الخضوع للظروف وما تصنع.. تحمل، وطردها أيضاً هو صورة من التحمل.. للمقاومة..!!
ـ المرأة في نظري مبجلة:
من خلال تعاملك مع المرأة.. ما هو المثل أو الحكمة التي خرجت بها من خلال هذا التعامل..؟!
المرأة.. هي في نظري مبجلة.. لأنها الأمومة.. فلن أتعامل معها إلا بالاحترام لها.. حتى التي أسرفت على نفسها.. أجد نفسي أمامها غطاء ساتراً لا لساناً فاضحاً.. المرأة هي أساس البناء للأسرة.. فآدم ما استطاع أن يكون أب البشر إلا بحواء.. هي الأنس.. هي السكن.. فلا بد من احترامها..!!
ـ هذا هو أشجع قرار اتخذته..
في هذه الحياة.. مواقف تستلزم من الإِنسان أن يأخذ قراراً شجاعاً فما هو يا ترى أشجع قرار اتخذته في حياتك.. وبالعكس!؟
ويقلب في ذكرياته.. كأنه لا يراني.. بل يرى صور الماضي تتبعثر.. ويبدو من تحديق عينيه أن هناك صورة ما استوفقته.. وقال كأنما يقرأ حياته في عتاب غير مرئي..!!
أشجع قرار اتخذته في حياتي.. هو أن لا أعدد الزوجات.. فقد عُرض علي ذلك.. فاقتنعت أن أحترم ولدي بأن لا أبعثر ولدي!! أما أضعف قرار.. أم هو أكثر من قرار..!!
أنا وثقت في بعض الناس.. فإذا هم أشرَ ولكن أقول أن لا تتعذب بما نالوا منك.. وإنما عذابك بأنك لم تحسن إلى نفسك.. حين اخترت هذا الصاحب أو الصديق..!
فليس الألم فيما فعل.. وإنما الألم فيما تشعر به من ندم..!!
ـ الإنسان يعيش على صورتين:
أستاذ زيدان.. في تصورك كيف يحيا الإِنسان الحياة.. وهل عشتها بنفس الفلسفة التي كنت مؤمناً بها..!!
الإنسان لا يعيش حياته إلا على صورتين.. هكذا قال ثم أضاف.. ما يصنع عليه.. وما يصنعه لنفسه..!
قلت: قليل من التفسير لهذه الفلسفة..! قال: المرض والحاجة والأذى.. من الناس مصنوعة عليه! والحب والرحمة والوفاء.. هو يصنعها.. لأنه لا معنى لحياة إنسان إلا بالتناقض.. يعيش مع المتناقضات.. فلولا التنافر في المتناقضات.. لأصبحت الحياة مملة..!!
ـ تلك التي لا أبخل عليها..!!
أستاذنا.. لو تخيلنا في لحظة.. أن حياتك عبارة عن كتاب مغلق أمام الآخرين.. فمن هي اليد الوحيدة التي تسمح لها.. بأن يكون عمرك بين يديها كتاباً مفتوحاً..!!
قال: هي التي تريد أن تعرفني.. فلا أبخل عليها إذا ما أرادت أن تكون لي.. وأن أكون لها حليلاً.. لا خليلاً!!
ـ إنها شخصية الملك عبد العزيز:
يا ترى.. لو تصفحنا معاً أوراق العمر.. فمن هي تلك الشخصية التي قابلتها وأثرت فيك..!؟
ولم يحتج أستاذنا أن يقلب صفحات العمر.. لأن الشخصية بدت واضحة المعالم رغم امتداد الرحلة.. وتكاثر الأشخاص!!
قال: أحسن شخصية قابلتها في حياتي.. من حيث إنها شخصية على صورة بطل.. هي شخصية الملك عبد العزيز. أما الشخصية التي قابلتها وأحسنت إلي.. كنت بها رجل الآن.. هي شخصية الشيخ محمد العلي التركي.. أنهضني.. أنقذني.. سار بي في خطوة واحدة منه!
ـ هذا ما أخذته من زوجتي:
عادة الإِنسان يأخذ بعض الصفات ويرثها من والديه.. فلو سألناك ما الذي ورثته من والدك.. ووالدتك وأيضاً ماذا أخذت من أبنائك فماذا تقول!؟
من والدتي.. لم آخذ شيئاً لأنها ماتت وأنا طفل.. ولكن لعلّي أخذت منها ما ورثت من الرحمة والعطاء والحب.. فقد كانت كريمة إلى درجة الإِسراف..، وهذا ما أنا واقع فيه.. المال في يدي يميل عنها لئلا يكون فيها..!!
ومن أبنائي.. أخذت ما أخذوه عني.. تبادل الاحترام والحب.. لا أسألهم عما ملكوا.. ويسألون عما ملكت..، لم أشعرهم بما أنا فيه.. من قلة وفرت لهم..، ويعرفون أن الكثير لهم.. لأني الكثير بهم..! وأخذت من والدي.. أن أفكر بعقل..!!
هل تعتبر تجاوزاً لو قلنا لك.. وماذا أخذت عن زوجتك خلال رحلتكما معاً..!؟
زوجتي.. قد فاتت علي.. لأنها هي التي أنشأت الأطفال رجالاً.. حتى إذا استرجلوا كانوا الأصدقاء لي.. حرصت على تعليمهم ولو بقوا علي.. لما وصلوا لما هم فيه..!!
ـ هذه هي الكلمة المطبوعة في قلبي:
في حياة الإِنسان كلمة.. أو عبارة طبعت في قلبه.. ممن كانت تلك الكلمات وماذا تحوي من مضامين.. في حياتك!؟ لا يحتاج أن يفتح ذاكرة القلب.. حتى يرى ما هو مطبوع! فجاءتني كلماته يقول فيها: إن الكلمة المطبوعة في هذه الآية القرآنية: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداًً (النساء: 9). لعلّي كنت مطبوعاً على ذلك.. لكن الذي أصَّل هذا الانطباع هو د. أحمد أمين صاحب ((ضحى الإِسلام)).. زار المدينة رئيساً لبعثة الجامعة ليحجوا.. ودعت البعثة الأيتام الذين كنت أستاذاً لهم والمسؤول عنهم في تلك الليلة.. أعدوا الطعام للأيتام مائة وخمسة وثلاثين يتيماً.. فرأيت أحمد أمين تدمع عيناه ويتلو هذه الآية..!!
فحفظتها.. واتخذت أمرها أسلوباً..!
وكم من أب أساء إلي.. كنت شديد العطف على أبنائه..
وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (الأنعام: 164).
ـ إنها أغلى كلمة كتبت لي..!!
وما هي أغلى كلمة كتبت لك.. ومن أجلك.. وممن كانت؟
قال: ما كتبته عني غادة السمان.. وما كتبه عني عبد الله جفري. إذن وما هي الكلمة.. التي كتبت لك!؟ لا أتذكر الآن.. ولكن راجعي الحوادث والمقالات!!
لكل إنسان أوراق خاصة.. قد نصفها بأنها سرية.. فهل لك أوراق خاصة لا تفكر في نشرها للناس.. وتحتفظ بها لنفسك وإذا كانت.. فما هي يا ترى!؟
صمت قليلاً ثم قال.. ليس عندي سر لا أنشره.. ولكن عندي من أسرار المجتمع.. ما لا أستطيع أن أنشره..!!
يقال يا أستاذ زيدان.. وذلك شائع.. إن الكاتب ملك جمهوره والناس فيا ترى.. هل الكاتب حقاً ملك للناس.. أم ملك نفسه..!؟
الكاتب المخلص لنفسه أولاً.. وللناس ثانياً.
فإذا لم يصدق الكاتب مع نفسه.. فبالتأكيد لا يصدق مع الناس وأعني بالصدق.. كرامة العاطفة.. لا أنانية التعاطف.. يسقط الكاتب.. حينما يقول (الأنا).. ويرتفع الكاتب حينما يقول.. (الـ نحن).
أستاذ زيدان.. أيهما أكثر راحة للإنسان. أن يريد ما هو كائن.. أم يريد ما يجب أن يكون.. فهل كنت كما يجب أن تكون.. أم كما يريد لك الواقع..!؟
قال بفلسفته المعهودة فيه.. متعة أن تكون كما تريد..! وذكاء أن تكون كما يريد المجتمع..! وكما قالوا ((كل ما يعجبك.. والبس ما يعجب الناس))!!
ـ شعرت أنني متهم..!!
أحياناً.. يقف الإِنسان أمام نفسه في بعض المواقف.. كما المتهم أو الجاني.. فيا ترى متى كنت الجاني أو المتهم أمام نفسك..!؟
شعرت أنني متهم.. حين كنت أسهر بالليل خارج البيت.. وعندما أقضي معظم النهار في الوظيفة..!!
أستاذ زيدان.. هناك من يستخدم القلم الجاف أو الحبر أو الرصاص.. ولكن في النهاية قد يمحو كل ما كتبه بالمحاية.. ويُمحي كلامه فهل تستخدم المحاية كثيراً حتى تصل إلى ما تريد..!!
كنت لا أمحو ما كتبت.. لأن ما أكتبه.. كنت قد حضرته قبل ما أكتبه.. لأن ما أمليه الآن قد حضرته أو استحضرته نفسي لأجيب على البديهة..!!
ويا ترى ما هي أقرب كتبك إلى قلبك.. ولماذا؟! يتصفح إحساسه.. ويقول: سيرة بطل.. وخواطر مجنحة! وسيرة بطل.. لأنها تعبير عن حبي للبطل.. وخواطر مجنحة فيها التعبير عن حبي لها.. عن محبتي للناس!!
ـ إنها ذكرياتي..!!
لكل إنسان مشروع أو حلم يراوده ليحققه.. فكأديب ما هو المشروع الأدبي الذي فكرت فيه.. ولكنك لم تحققه حتى الآن..!!
إنها.. ذكرياتي.. ذكرياتي التي لم أنهها.. لأنني لم أجد من أملي عليه!!
ـ أعطتني حنان الأمومة بالحب:
أستاذ زيدان.. بصراحة.. ومن خلال هذه الذكريات.. ما هو الوقت أو الموقف الذي شعرت فيه باحتياجك الشديد لامرأة بجانبك..!!
يتطلع إلى نافذة الذكريات.. يتأمل الصور.. ويقول: عندما كنت في الهند.. أركب ظهر الفيل.. يخوض بي النهر.. كدت أغرق.. ناديت يا أمي.. يا أمي..! قد لا تكون هي أمي فعلاً.. ولكنها قد تكون أعطتني حنان الأمومة بالحب..!!
ـ أغلى ما كتبته لريم ثلج..!!
سألناك سابقاً.. ما هي أغلى كلمة كُتبت لك. وممن كتبت!؟ والآن نسأل.. ما هي أغلى كلمة كتبتها.. ولمن كانت في رحلة حياتك..؟!
ورغم أنه كتب ملايين الكلمات وله مؤلفات كثيرة.. وصاغ المعاني باقتدار في كل ما كتب.. إلا أنه خلص من زحام كل تلك الكلمات والمعاني.. ذلك المعنى الذي يصول ويجول في نفسه.. ولم أنتظر كثيراً.. بل لحظات وقال: أغلى كلمة هي التي عاشت في نفسي.. وذلك ما كتبته عن (ريم ثلج) ((ماسحة البلاط))..!!
ـ ماسحة البلاط وصهر المعاني..!!
تحدثت في أحدث مقالاتك عن القهر.. وتحدثت عن ماسحة البلاط وقلت إنها مسحت القهر عنك.. أي قهر تتحدث عنه في كتاباتك؟!
ماسحة البلاط.. هي أحالت قهر المادة إلى صهر المعاني..! فقد أشعلت في نفسي أن أحب.. فلا قهر في الحب.. ولو كان البعد عن الحبيبة..! لأن الحب يجسد الحبيبة أمام المحب.. ولو كانت نائية تتزلج على جبل من الثلج.. بينما هو يغرق في المدينة التي لا تغيب عنها الشمس..! فالشمس في بلدي.. تذكره بأن ريم الثلج كانت شمساً في وجدانه..!
ـ لا أمحو حباً بحب..!!
أعود إلى ما كتبت.. وأتذكر أنك تحدثت عن الفاغية.. وريم الثلج.. والمحترقة وأتساءل.. هل يمكن للإِنسان أن يقع في الحب أكثر من مرة.. وهل كل حب جديد ينسيه الحب القديم.. فما رأيك!
نويت أن لا أمحو الحب بالحب..! بل إذا ما طرأ حب جديد.. كان حياة لحب قبله.. فريم الثلج لا أنسى بها المحترقة.. لا أنسى بها الفاغية..! لأن التصور يجسد صورة واحدة.. لهن جميعاً!!
ولماذا أسميتها.. بالمحترقة.. وهل يعني هذا أن هناك المحترق!
أسميتها بالمحترقة.. لأنها ماتت محترقة.. ولهذه قصة!
أستاذ زيدان.. إلى متى يظل الإِنسان يقع في الحب.. هل يمكن أن يخفق قلبه مهما أخذته السنون إلى أعماقها..!!
يا ابنتي.. الإِنسان الرقيق المشاعر لا يتخلى عنه الحب.. لأن رقة المشاعر.. هي دفتر مكتوب فيه أحب..!!
أستاذ زيدان.. ماذا تفعل بصراحة في كلمتين لو كنت المسؤول عن التعليم!؟ أكون الأب.. الأستاذ.. والتلميذ!
الثقافة..!! أقرأ.. وأقرأ.. وأكتب!
وسائل الإِعلام..!؟ الصدق.. والتوعية بالتراث والحفاظ على الميراث.
حركة النقد..!! لا شيء في الإِمكان.. أبدع مما كان! حل الخلافات السياسية العربية..! قلتها كلمة.. الخلاف بين الزعماء وقت.. وعلاقات الشعوب زمن!
أستاذنا لو تطلعت الآن للمرآة.. كيف ترى نفسك فيها.. وكيف ترسمها المرآة وكيف ترسمها على الورق.. ولو بالكلمة!
أرى نفسي.. أو أرسمها كأنني أجد فقراء الهند..!
ـ أيها العالم المجنون تَعَقّلْ!!
أستاذ زيدان.. هل شعرت في لحظة أنك تريد أن تصرخ في وجه هذا العالم متى.. وماذا كانت تعبِّر عنه صرختك تلك..!؟
بل في كل لحظة أريد أن أصرخ وأقول أيها العالم المجنون.. تعقل ولو للحظة!!
في زمن الحرب.. نحن نعيش.. فلو قدر لك أن تحمل بندقية.. فعلى من تطلق أول رصاصة..!
أول رصاصة أطلقها على أول صهيوني أواجهه..! واستسمحيني رصاصة ثانية.. لأنني أريد لحظتها أطلقها على خوّان عربي!!
ـ لا أشعر بالندم..
أستاذ زيدان بصراحة.. ماذا تعطي نفسك في محاكمتك لذاتك اليوم!؟
أعطي نفسي.. أني أخذت الكثير وأعطيت القليل.. لا أشعر بالندم وأشعر بتمام الراحة فأنا بين النقيضين أعطي لنفسي 70%.
وهكذا انتهت المحكمة..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :769  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 734 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.