مقدمة |
|
من خلال سطور هذا الكتاب في تحفظ. تلفَّت حولي - كالمستغيث ، من أي المداخل، أتلمس طريقي إلى هذا الخضم الواسع من فكر محمد حسين زيدان، ولا أخفي ما شعرت به من حيرة أمام هذه الموسوعة المتنوعة، ولكن عزائي هو أنني لا أتناولها لأقول ما ينقصها، أو ينقص كاتبها من قول. ولا لأشرح ما استغلق من أفكاره - فأسلوب الأستاذ الزيدان معروف بسهولته الممتعة - وإنما أنا أستجيب لدعوة كريمة من المؤلف. ربما أراد بها تشجيعي. أو ترشيحي لاستقبال القارئ على أبواب هذا السجل القيم.. ولعلّي ثاني تلميذ يقدم لأستاذه بعد الصديق الأستاذ عبد الله جفري الذي قدم لكتابه:
((
ثمرات قلم
))
.. وفي مثل هذا التواضع منه تكمن عظمة العلم. ويشع جلال العلماء. وسماحة المفكرين. |
وأستاذي الزيدان - وإن كان في غير حاجة إلى التعريف - إلا أن هذه فرصة نادرة بالنسبة لي.. لا لأعرفه، وإنما لأعلن عن معرفتي به من زوايا - ربما - لا يعرفها غيري من البعيدين عنه، وذلك من خلال صلتي به قارئاً، ومتابعاً لفكره، وأدبه. منذ الثمانينات. ومتلقياً لأماليه. خلال عملي بصحف الندوة - وكان رئيساً لتحريرها.. وعكاظ وكان واحداً من أسرتها. وكتابها. وأباً روحياً لمحرريها - والبلاد. والمدينة. وهو أحد كتّابهما البارزين. ولا يزال قلمه يفيض من معين لا ينضب. ولا يجف! |
ومن خلال هذه التجربة. عرفت أستاذي الزيدان. كاتباً. حاضر البديهة.. يتمتع بقدرة فائقة على ترتيب أفكاره. خلال ارتجاله المألوف لدى عارفيه. وهو من أقوى من عرفتهم ذاكرة، وحضوراً، ولا يكاد مستمعه يفرق بين أسلوبه كاتباً. عندما يقرأ له. أو محدثاً عندما يصغي إليه.. وقليل من الناس يتمتعون بهذه الخاصية التي تنم - عادة - عن التمكين والأصالة، وسعة الأفق.. |
ونحن أبناء هذا الجيل نعرف الأستاذ الزيدان معرفته ببعضنا. فهو أقرب أدباء الرعيل الأول إلينا. موجهاً. ومحدثاً. ومناقشاً لمحاولاتنا، وتجاربنا الغضة منذ بداية عهد بعضنا بالأدب. وبعضنا بالتأدب. أو الصحافة. و ((التصاحف)) إن صح هذا التعبير.. وبما يحكم لقاءاتنا المستمرة به.. زائراً. أو كاتباً. أو مراجعاً. أو مملياً لكتاباته.. |
بين دفتي هذا الكتاب مجموعة منتقاة من مقالات الأستاذ الزيدان المتنوعة، يسعدني أن كثيراً منها. من أماليه عليّ، في الندوة. أو البلاد. أو عكاظ. أو المدينة.. لا أذكر.. ولكنني أتذكر بعضها الآن كلمة.. كلمة، وأتذكر كثيراً مما استوضحته من عباراتها عبر الهاتف، فكان يعيدها عليّ - كما لو كان جهاز تسجيل - فكنت أعجب لذلك أشد العجب.. ثم - مع مرور الأيام - أصبح أمراً مألوفاً لدي. لا يثير ما كان يثيره من دهشة! |
وفيما بين يدي القارئ - مما ضمه هذا الكتاب - يتنقل الأستاذ الكاتب. بين الأدب، والتاريخ، والسياسة، والاجتماع، والتربية، وشؤون أخرى من هموم المجتمع، وقضاياه. فيما نسميه السياحة الفكرية. فيوفي كل هذا حقه من خلال رؤية مستنيرة، وفكر ذي خصائص أصيلة. ومتميزة.. إنها حصيلة غنية بالتجارب الطويلة في ميادين مختلفة. مع الحياة، والناس.. فيها المعاناة بين الإِخفاق والنجاح. والتطلع والإِحباط، فكان هذا العطاء الرائع الذي يقدمه للناس. |
والأستاذ الزيدان من أكثر كتّابنا انفتاحاً على الفكر المعاصر. بصفته الموسوعية، وصفة المتابعة التي لازمته، ولازمت كثيراً من أدبائنا الكبار، فهو يقرأ في كثير من مجالات المعرفة. ويكتب - أيضاً - في مجالات شتى.. ربما، انطلاقاً من التعريف التراثي للأدب. بأنه ((الأخذ من كل فن بطرف))..! |
وكما سبق أن قلت - في بدايات هذه المقدمة - إنني لا أحاول أن أقوم (بتشديد الواو وكسره) - هذا العمل، ولا أحاول تفسيره، أو تقدير قيمته. فتلك مهمة، أنا دونها، عندما يكون موضوعها، هو فكر الأستاذ الزيدان.. وإنما أستجيب لاستضافته التي أعجز عن التعبير عن امتناني لها.. |
أما مبدأ جمع المقالات المنشورة في كتاب يصدر للناس، فمبدأ أتحفظ تجاهه أشد التحفظ. وهي ظاهرة تكاد تتفشى بين كتاب الشباب في غياب جهة تُعنى بتقويم و ((تقييم)) ما يطرح على الساحة الأدبية من منشورات.. على الرغم مما في بعضها من الأفكار الخلاقة، وما في بعضها من بوادر إبداعات موفقة.. إلا أن التسرع في النشر - قبل نضجها ونموها - يجهضها في فترة التكوين! |
ولتحفظي تجاه جمع المقالات المنشورة في كتاب أسباب: |
1 - أنها تجيء عادة تعليقاً على خبر، أو تحليلاً له، أو هو بين التحليل، والتعليق وقليل منها تكتب كتابة فنية، عميقة التناول. ومعظم هذه الكتابات تكتب في ظروف عاجلة للوفاء بالتزامات صحفية يومية، أو أسبوعية.. |
2 - كثير من هذه المقالات تكون وليدة مناسبات تستنفد أغراضها. بصدق هذه الأغراض أو تبدل ظروفها مع الزمن، تجاوباً مع هذا الرأي، أو ذاك، فالصحافة مرآة المجتمع وانعكاس لآماله، وتطلعاته التي يترجمها الكتاب عادة. |
3 - هذه المقالات لا تنشر - أصلاً - لضمها، فيما بعد، في كتاب، ولهذا الاعتبار قيمته وأثره على الفكرة والأسلوب! |
بطبيعة الحال.. لا ينسحب هذا القول على إنتاج أدبائنا الكبار الذين لم يعرفوا ظاهرة التسرع لأنهم: |
1 - نشأوا عى أسس علمية متينة لا ينشأ عليها الشباب اليوم.. لا في مناهج التعليم ولا في حصيلتهم الثقافية الحرة.. لغة.. وأسلوباً. وإدراكاً، وهضماً، وقدرة على توظيف محصلاتهم العلمية والثقافية. |
2 - لأن حصيلة أدبائنا الثقافية والعلمية غزيرة، ومتنوعة، وموصولة. |
3 - لقلة دور النشر في فترة شبابهم بالصورة التي نشهدها اليوم. |
4 - إن أدباءنا الكبار يحرصون - عادة - على مراجعة مقالاتهم المنشورة لتهيئتها للطبع، إلى جانب. أنها - أصلاً - ذات قيمة أدبية وفكرية كبيرة. |
وهذا شأن كتاب الأستاذ الزيدان الذي بين يدي القارئ بعنوان ((كلمة ونصف)) الذي نشرت موضوعاته في العديد من صحفنا المحلية وأذيعت من إذاعة المملكة العربية السعودية.. وكان لها أثر كبير، وستظل ذات أثر ممتد لأجيالنا القادمة، علماً، وفكراً، وتوجيهاً، وإصلاحاً، شأنها شأن كل فكر أصيل ذي روافد أصيلة! |
|