محمد حسين زيدان |
هو من مواليد المدينة المنورة في سنة 1327هـ/1909م، وبها نشأ، وفي مدارسها تعلم، فتخرج من المدرسة الراقية الهاشمية فيها في سنة 1344هـ. بدأ حياته العملية مدرساً، ثم التحق بسلك الوظائف العامة، وتدرج فيها إلى أن تقاعد في سنة 1374هـ، متفرغاً للأدب والكتابة، فاشتغل بالصحافة مديراً لتحرير جريدة (البلاد) بجدة، ثم رئيساً لتحريرها، ثم رئيساً لتحرير جريدة (الندوة) بمكة، ثم اختير ليصبح أول رئيس تحرير لإِحدى المجلات المتخصصة في الدراسات والبحوث رفيعة المستوى، وهي مجلة (الدارة) التي تصدر عن (إدارة الملك عبد العزيز) بالرياض، وما زال الأستاذ محمد حسين زيدان محافظاً على مستواها الرفيع مادة، وإخراجاً، وطباعة، وتحريراً.
|
ومحمد حسين زيدان هو أكثر كتّاب الصحف السعودية شعبية عند جمهور القراء على جميع مستوياتهم. وهو كاتب مقالة من طراز فريد، يتفنن في كتاباته، ويستلهم التاريخ القديم والحديث، ويربط أحداث الماضي بالحاضر في تحليل واستنتاج الباحث المتمكن القدير.
|
ومحمد حسين زيدان في أسلوبه يحسن التصوير في جمل يتفنن في صياغتها في ديباجة سهلة مشرقة، وفي إقناع منطقي واضح. وهذا يجعله محبباً إلى نفوس كل قراء الصحف التي تتسابق في نشر مقالاته، القصيرة، والطويلة، والتي عادة ما يواكب فيها الأحداث بفكر نير أصيل، ووعي وطني مخلص، وحس مرهف.
|
ومحمد حسين زيدان يبدو في كتاباته غزير المعرفة واسع الاطلاع موسوعي الجوانب في الأمور التي يتناولها بلا تحديد. وهو على علمه وشعبيته الواسعة عظيم التواضع لغيره من العلماء، وهذا يزيده رفعة، ويجعل القراء، مهما اختلفت مستوياتهم الثقافية، أكثر تعلقاً به، وإقبالاً على كتاباته المتأنقة الرشيقة، الممتعة المفيدة. |
ومحمد حسين زيدان محاضر وخطيب لبق يشد الأسماع إليه بأسلوبه الجذاب الذي يتفنن فيه ارتجالاً - في معظم الأحيان - كما يتفنن في مقالاته المكتوبة. وقد جمع محاضراته أكثر من مرة وأصدرها مطبوعة، كما أصدرت له مؤسسة تهامة ثلاثة كتب في سلسلة الكتاب العربي السعودي، الأول منها برقم (28) في السلسلة، وعنوانه ((ثمرات قلم)) والثاني برقم (58) بعنوان ((كلمة ونصف)) والثالث منها برقم (108) وعنوانه ((خواطر مجنحة))، كما قدم محمد حسين زيدان عشرات الأحاديث والبرامج الإِذاعية والتلفزيونية، وكان يتفنن فيها في تقديم الرأي والمعلومة في صور مشرقة من الكلام الجميل الذي يحسنه، بأصالة خاصة في التفكير والتعبير. |
إن محمد حسين زيدان فنان كلمة، يحلق بها في سهولة ويسر لا غموض فيهما، فيأخذ معه القارئ إلى جوه الحالم في رقة قد تفوق رقة الشعر، مثل وصفه لأصيل يوم جميل من أيام جدة، في حوار قال فيه: ((الأصيل تعطل اليوم.. أخرج في لحظاته أرى كما قالوا: ذهب الأصيل على لجين الماء)). |
لم أجد هذا الأصيل.. كأنما الشمس قد تبرقعت بالحياء.. من هذه المزنة.. هتانة على جدة فأصبح لجين الماء.. قد أذاب ذهب الأصيل. |
كان عصراً من أيام الجنان.. لا هو بالمظلم المعتم، ولا هو بالصاحي الوضوح!! |
كانت مزنة في السماء.. أشرقت بها فرحات في القلوب.. كأنما النعيم قد وافانا وما تخطانا، نعيم نحسه على أجسامنا من روح في وجداننا.. واستراحة لعضلاتنا.. وأمل في نور الربيع، من نور اللجين على ذهب الأصيل. |
هتانة فتانة.. أنعشت شاباً كان بجانبي.. كاد يطير.. قلت: تطير يا عروس الندى، لتترك أرملة؟! |
لم يعد لصاحبك أرملة.. فإن العشق زوج لا يموت.. بعيد هذا العاشق عن الترمل، والثكل، واليتم.. لأنه كل يوم في حياة))
(1)
. |
ومحمد حسين زيدان شيخ متجدد الشباب دائماً، يعرف كيف يخاطب الشباب، وكيف يوجههم بطريقة غير مباشرة، في جمال أسلوب، وصدق إحساس، وقدرة على التحليل بمهارة فائقة، فهو يشعرهم أنه منهم، فهو في (حوار) عنهم كتب يقول: ((قال: أنت شيخ تصابى.. تتعلق الشباب ليزفوك في هودج!! فحينما فقدت عرس الحياة جئت تطلب التعويض. |
ـ قلت هذا غير ملائم للواقع.. فحبي للطفل أبي الرجل.. أملي في الرجل صانع التفوق في المستقبل.. هو دافعي من أول يوم وقفت فيه معلم صبيان.. في كل مرحلة لم أبخس إنساناً حقه.. في كل رحلة رافقت المقدمين على نجاح. |
برئت من إلحاد.. وتبرأت من كلمة قالها أحدهم قبل خمسة وثلاثين عاماً: أنت تشجع فلاناً! ألا تعرف أنه إذا تفوق سينساك ويملك؟ |
ـ قلت: إذا ما ذكر نفسه بالتفوق فيه.. فإني أنسى نفسي وأضع لبنة في بناء أعتز بصونه ونمائه. |
ـ وقال آخر: أنت تجبن عن مصارعة هؤلاء الشبان ومقارعتهم.. |
ـ قلت: لم اختلف معهم على شيء ينالني منهم.. بل إني أحبذ أن يكون أول حجر يرمون به هو الحجر المسلط على الخطأ، ولو كنت هدف الحجر إذا ما كنت من الخاطئين. |
أما إن اختلفوا على أنفسهم.. فلست عليهم بمسيطر! |
وإن تخلفوا عن الحق، فشأن غيري أن يردعهم عن الباطل. |
فقد أسعى جهدي لتحرير رأيه.. ولا أحب أن أكشف اللحم في السوق!! |
ـ هما قالا ذلك.. فلم أنهزم.. لأنه جرأة على الحقيقة، ولا يهمني إلا دافعي ووازعي. ولكن.. |
ـ قال الثالث: لا.. لا.. إنك تسوس عقولهم، وتوسوس لهم، وتفسد رأيهم. |
ـ قلت: هنا يكمن الخطر.. هنا دافع حقدك، وسوء قصدك.. فليت ولدي من صلبي يسير على إيماني ورأيي في ترابي وقومي ووطني. |
قال غير هذه.. |
إني أدفع الجرأة.. وأتسلط النشاط.. وأحاور الرأي لأني أحب الجهر.. وأكره الهمس.. وأرفض الكبت.. |
ثق أنك حينما تقول هذا لواحد، فأنت تريد أن تسلبه كفاءته في تمييز الأصدقاء والرجال. |
لا حقد، لا إفساد.. إنما هو الحب لكل التفوق والمتفوقين.. أما سواد القلب والحقد القاهر، فمتاع الذين يحبون أن يعيشوا وحدهم. |
إن محمد بن حسين زيدان فنان كلمة يسمو فيها بصدق أحاسيس الإِنسان، الذي ينشد الخير وينشر الحب، ويزين الحياة بالبهجة، والأمل المشرق، أمد الله في عمره. |
|