شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحب نوال.. لا منال
والحب نوال لا منال، لعلّه تعريف محدث. حدثتني به أحلام اليقظة، ويتضح ذلك بتقسيم الغزل الذي هو أريج الأدب العربي يوم كان هذا الأدب هو الشعر، ما تعلم شعراؤنا العروض والقوافي في مدرسة على يد أستاذ، وإنما كانت المدرسة صحراءهم، وكان الأستاذ زهوهم بهذه الحياة لا يسألون عن ضيق العيش؛ لأن نفوسهم نعمت بالشظف تصانعوا به مع الطموح.
من هنا قسم الشعراء أنفسهم حين اقتسموا الغزل، فإذا هم ثلاثة.. عاشق النوال جمالاً يراه في الحبيبة، والجامح وراء المنال لا بد أن يأخذ الحبيبة، والمشرف يرى الجمال فيرسل الشعر يتغزل بالنوال، يتستر على المنال، فامرؤ القيس غزل منال من كل ذات نوال، فلندعه وإن كان هو قدوة الحداثة في هذه الأيام، والعذريون يعشقون الجميلة ولا يطلبون الوصال، لأنهم لا يجرون وراء المنال، يكفيهم أنهم عاشقون يملّون الوصال ويميلون إلى لهفة الهجر. فالهجر عند العذري هو اتصال الفؤاد بالنظرة العجلة إلى صاحبة النوال، فهم أجلّ من تغزل، حيث لم يتبذل، وما أحلى قول جميل بثينة حيث أطلق ألسنتنا ننشد منذ أطلق أفئدتنا نعشق، قال جميل:
وإني لراضٍ من بثينة بالذي
لو أبصر الواشي لقرت بلابله
بلا وبألا أستطيع وبالمنى
وبالحول يمضي أواخره لا نلتقي وأوائله
هذه العذرية عابها المستعربون من الفرنجة ينعتونها ساخرين (بأنها استمناء عقلي) ولنعذرهم فهم لم يفرقوا بين الفضيلة والرذيلة، فالإنسان عندهم جنس وغريزة.
ويأتي أهل الوسط أحبوا النوال ولم يذهبوا بالمنال لأنهم لا يرفضون الوصال، وما أحسب إلا المنخّل اليشكري الذي تقادم عهده ولكنه مازال جديداً عند الذواقين الذين يشتمّون الورد ولا يعصرونه، قال المنخّل:
ولقد دخلت على الفتاة
الخِدْر في اليوم المطير
الكاعب الحسناء تر
فل في الدمقس وفي الحرير
فدفعتها فتدافعت
مشي القطاة إلى الغرير
ولثمتها فتنفست
كتنفس الظبي الفرير
وأحبها وتحبني
ويحب ناقتها بعيري
أعرب عن النوال وصالاً وعن المنال اتصالاً بالرمز البديع.
وما دام هذا الغزل يغزلني في حلم يقظة، فليكن عروة بن أذينة ليس من هؤلاء الثلاثة لأنه ينفعل بالنوال جمالاً وكمالاً، فهو وحده قبل دوقلة المنبجي رأس في شعراء الغزل، هو إمام في الفقه والسنة عربي صليبة ومن التابعين ومن أهل المدينة المنورة، أنشر قصيدته التي تعجبني حلية في هذا المقال:
إن التي زعمت فؤادك ملَّها
خلقت هواك كما خلقت هوى لها
فبك التي زعمت بها وكلاكما
يبدي لصاحبه الصبابة كلها
ويبيت بين جوانحي حب لها
لو كان تحت فراشها لأقلها
ولعمرها لو كان حبك فوقها
يوماً وقد ضَحيَتْ إذاً لأظلها
وإذا وجدت لها وساوس سلوة
شفع الفؤاد إلى الضمير فسلها
بيضاء باكرها النعيم فصاغها
بلباقة فأدقها وأجلها
لمَّا عرضتُ مسلِّماً لي حاجة
أرجو معونتها وأخشى دلَّها
منعت تحيتها فقلت لصاحبي
ما كان أكثرها لنا وأقلها
فدنا فقال لعلّها معذورة
من أجل رقبتها فقلت: لعلّها
وأنشد الجواهري الشاعر المسكين هذا البيت (بيضاء..) فدمعت عيناه (شوها البدوي بلا سروال، نوره حطب، ينام أول الليل، يقول هذا الشعر، والله إن أعظم مودرن في باريس لا يستطيع أن يقول مثل هذا).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :684  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 672 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج