شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الفريق محمد الطيب التونسي ))
وقبل ختام الأمسية تحدث الفريق أول محمد الطيب التونسي فقال:
- السلام عليكم ورحمة الله.. الحقيقة أرجو ألاَّ أفسد عليكم هذه الأمسية الجميلة.. أما وقد تردد اسمي، فكان لزاماً عليَّ أن أرد ببعض الشيء.
- أولاً أود أن أشكر الأستاذ عبد المقصود خوجه الذي أتاح لي هذه الفرصة للقاء زميل عزيز، ولم ألقه منذ زمن طويل وأنا هنا لن أُقَوِّمْ الفريق يحيى المعلمي كأديب لأنني لا أستطيع وفاقد الشيء لا يعطيه.
- قرأت للفريق المعلمي كثيراً، وأعجبت بما قرأت، وأذكر أنه أهداني شيئاً من مؤلفاته، وأذكر أنني أرسلت له رسالة قلت فيها: إنني أرى يراعك لا يزال يتدفق روائع، بل أضحى أغزر رواءاً، وأسخى عطاءاً وخصوصاً بعد أن تحلل من أعباء المسؤولية وتحرر من القيود الوظيفية إلى آخره. وفي الختام قلت له هنيئاً لك بما أوتيت ووُهبت، وشكراً لك على ما أهديت ووَهبت، ولم أتلق منه الجواب حتى الآن، وتساءلت لماذا؟. وعرفت الجواب فيما بعد، عندما علمت من أحد الإِخوة المتأدبين أمثالي أنه سافر إلى خارج المملكة لأخذ دورة. وهناك تعرف على سيدة من ذوات الأدب والشعر، ولكي يصل إليها أو يصل إلى مجلسها في الأدب كان يقرأ بعض أبيات من الأدب، ثم يأتي وكأنه يلقيها من حفظه، ويعمل هكذا دائماً. وعندما سافر أصبح يتصل ببعض الأدباء ليكتبوا له خطابات ويرسلها إليها، ثم رأى أن يعتمد على نفسه وقال شعراً وليته لم يقل.. تصور أنه في الخارج يأتي البريد في الصباح، وبعث برسالة:
قُومـي مـن النـوم يــا حَبيبتي واسمعي
منادياً ينادي في اتجاه السهر
سألت الليل وكم في الليل أفكارٌ
تذيبُ القَلْبَ والفكر والحجر
 
- وكسر كلمة الحجر في وقت لم تكن به كسارات الحجر، ثم تابع شعره بقوله:
سألت البدر: أين البـدر يــا أسفي فليس
هناك بدرٌ فهذا آخر الشهر
 
- ووضع تحت كلمة الشهر علامة تدل على أنه يقصد بذلك الأشهر القمرية. وبعد تلك الرسالة قطعت عنه الحسناء رسائلها، وعرفت عندئذٍ سبب عدم رد الفريق المعلمي على رسالتي والحقيقة إن لي طموحات يشوبها بعض الغرور، لكنها لم تصل إلى درجة تجعلني أدعي الأدب أو أدعي العلم، وعرفني بنفسي والدي رحمة الله عليه. ففي ذات ليلة غضب علىَّ والدي لأني تركت صلاة المغرب، لكي أرضيه حاولت أن أقول شعراً، وبعد نصف ساعة من العناء والتشطيب تمخضت المعاناة، فولدت نصف بيت هو:
الحمد لله في سراءٍ، وضراء
 
- وقلت الحمد لله جمعنا السراء والضراء والمقصور والممدود، في نصف بيت هذا شيء عظيم.
مسَّاني ربِّي وصبَّحَنِي بِنَعْماءٍ
 
- وعندما حانت صلاة العشاء ذهبت إلى والدي وقلت له معتذراً: أنا أخطأت ولن يتكرر هذا الخطأ، والمشكلة ليس في أن نخطئ بل في التمادي في أخطائنا، ولعل من فوائد هذا الخطأ أنني بدأت أقول الشعر فإذا عفوت عني أقول ما قلت من الشعر، ثم أكمل القصيدة. قال لي قل، فقلت:
الحمدُ لله في سرَّاءٍ وضرَّاء.. فقال لي: [مليح].
- فقلت:
مسَّاني رَبِّي وصبَّحني بنعماء.. فقال وهذا: [مليح]
- فقلت:
الحمد لله لا أشرك به أحداً... فقال في امتعاظ: [مليح].
- فقلت:
حتى ولو قطعت لي كل أَعضائي... فقال غاضباً: [قبيح... قبيح جداً...].
- يا بني يجب عليك أن تترك الشعر وأنت تذكرني - وكان رحمه الله صاحب نكتة - تذكرني بشخص مغربي، لم يفلح ولده في الدراسة، فقال عليَّ أن أوجهه وجهة الأدب فلعله يحسن القول. وأحضر له مؤدباً لتعليمه وتأديبه، فبدأ يعلمه البلاغة وأصول الشعر والكتابة. وبعد عامين أو أكثر جاء إليه أبوه وقال له: لعلك أجدت نظم الشعر وأصبحت من أرباب المعلقات؟ فقال له: بدأت أقوله، ولكن ليس بالمعلقات. قال له والده: إذن فاذهب إلى ذلك البستان، حيث الجو الشاعري الذي يساعدك على قول الشعر.
- واصطحب الولد معه رفقاء السوء، وقضى معهم أياماً وليالي في لهو ومجون. وفي الليلة المحددة لعودته سهر حتى مطلع الفجر، وعند الليلة المحددة بعد أن راحت السكرة كما يقولون، فتح عليه الله بنصف بيت ولما جاء أبوه وسأله لعلك أعددت لنا قصيدة عصماء؟ فقال له: الحقيقة أنني شغلت وما تمكنت إلا من نصف بيت فقط. فقال له.. والده.. هذا جهد المقل، قُله فربما يكون من عيون الشعر. فقال الولد:
- لقيت القمر طالع والحمام يحادي فيه.
- قال له أبوه أنا أكمله لك: "يخرب بيت أمك - البعيد -". والبوم يغرد فيه ومنذ ذلك الوقت طلقت محاولة الشعر، وبالتالي أنا لست من أدعياء الأدب.
- الفريق يحيى المعلمي إذا كان لي أن أقومه كرجل أمن فإنه في الحقيقة رجل أمن من الطراز الأول، وهو أعلم مني بالشؤون الأمنية وأقدم مني، وجمع بين القديم والحديث. درس علوم الأمن في المملكة العربية السعودية، ثم حدثها إذ كان يدرس دورات متقدمة في أمريكا وأثرى الأمن العام في مجالات عديدة، وليس له تخصص معين. فقد عمل في الإِدارة، وفي التخطيط، وفي العمليات، وفي المرور وفي أشياء كثيرة.
- وسعدت كثيراً بالعمل معه، وكنا نتفق كثيراً، ونختلف قليلاً وكان يعجبني إصراره على رأيه. إذا كان يعتقد أن رأيه الأحق. والحقيقة أن المدرسة العسكرية الحديثة تعتبر النقاش أعلى درجات التنفيذ الأربع فالتنفيذ بعد النقاش المفيد الهادف، للوقوف على حقيقة الأمر، خير من التنفيذ المبني على الطاعة العمياء المفتقرة إلى العلم والمعرفة الحقة. والفريق يحيى عندما يصر على رأيه لا يعني أنه يعاند، لأنه عندما يصر على رأيه عناداً، فللآخر الحق في أن يطلب منه التنفيذ فينفذ دون مناقشة. غير أن العسكرية الحديثة أصبحت تعتمد في التنفيذ على الطاعة [المنفتحة]، والأدلة موجودة على ذلك في الوقت الحاضر. فتفسير الأهداف يعتمد على التنفيذ الذي يعطي العملية روحاً وقوة، تجعل الجميع يقبلون على التنفيذ بدوافع أقوى. والفريق المعلمي من رواد هذا المسلك وقد أعطى كثيراً للأمن العام.. وكما قال غيري أنه ذو حلم، فهو أيضاً ودود ويحب الخير. ولقد سعدت كثيراً بمعرفته وسعدت كثيراً بالعمل معه. وأود أن أقول للأستاذ عبد المقصود خوجه الذي كان يُلمّح أكثر من مرة ويصرح بأنه يريد أن يكرمني كأديب، أقول له: إذا أردت أن تكرمني كأديب فأنت بذلك تُحقِّر الأدب، وبالتالي تهبط بمستوى أمسيتك وبمستوى إثنينيتك. وأقول له اليوم إنك حققت أمرين في وقت واحد، فتكريم المعلمي هو تكريم لي، وبالتالي فقد حققت تكريمين في وقت واحد، ولم يهبط بمستوى اثنينيتك والسلام عليكم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1618  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 39 من 133
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.