الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

النعمة

والكلام عن النعمة ليس هو كل ما أنعم الله به، فنعم الله لا تحصى فهي كثيرة وفيرة تدوم بالشكر لله سواء كان الشكر إعلاناً عنها أو كان الشكر عملاً يصونها وفعلاً يتسع لمن حوله تنعم عليه بما أنعم الله به عليه. وليس الكلام عن هذا كله وإنما هو كما تعلمنا من آبائنا عن فضلات الطعام وعن الفتات فتيت خبز أو حتى حبة أرز.

فقد كنا نأكل على الطبلية لا ترتفع على الأرض إلا شبراً وبعض الشبر نتحلق حولها دائرة مستديرة نجلس على الأرض، فلا الكرسي ولا المائدة التي حولها الكراسي، ويسقط فتات من الخبز من الطفل أو حبة الأرز أو حتى نواة التمر يلفظها فتسقط منه لا يضعها على الطبلية حتى النواة نعمة فإذا ما سقط بعض ذلك تحت الطبلية يقول الأب أو تقول الأم: ارفع النعمة عن الأرض، نلمها نحفظها لئلا تداس والنواة تجمع تأخذها الفقيرة التي تضمها إلى ما تلتقط من الأرض في أي سوق، من أي حوش تبيعها لمطاحن النوى علفاً لحمر النعم وللأنعام.

وي.. حتى الحيوان نعمة، فنواضح يثرب تأكل النوى حتى إن أبا سفيان عرف المسيرة إلى بدر حين التقط دمنة بعير يفركها ليجد النوى فقال إنها نواضح يثرب فيها السم الزعاف. وقد نجا من السم كصاحب العير وذاق السم أصحاب النضح وفطن آباؤنا إلى سقوط النعمة من الطبلية فأصبحنا نأكل على المفتة: دائرة منسوجة من السعف هي المائدة أو السفرة لأنه لا يسقط الكثير على الأرض وإنما هو يسقط على المفتة كأنما اسمها قد اشتق من (فت) أو من (الفتات)، وجاءت حكاية لرجل اتسع رزقه فبنى بيوتاً ثلاثة وكان الثراء يقاس بعدد العتبات. فلان غني عنده عتبة أو عتبات يعني بيتاً أو بيوتاً. وجاءت زوجة هذا الرجل وهو على المفتة برغيف ما نضج خبزه لم يعجبه فأمسك به وأخذ يفركه تحت رجله كأنه عجينة فإذا أم زوجه ترفع صوتها كأنه يا رب اكفنا شر البطر، حرام عليك ما تخاف على أولادك، ودار الزمن فإذا هو يبيع العتبة والأخرى فلم يعد يملك شيئاً فبصر في نفسه فإذا هو في ضيق والأبناء يأخذهم الحزن من الفاقة فبكت الأم وقالت ما شكر النعمة، أهان النعمة فإذا هو في هذه الحال هو ذنبه ولكن عاد علينا بالفاقة، يا رب سترك. هكذا تعلمنا واليوم لا أدري أين تلقى الفضلات نظيفة في أماكن مهينة.. تبدل الحال من النعمة إلى زوال النعمة لكل من تبطر فلم يشكر.