شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عن الفتنة..موقف الأئمة الثلاثة
وهذا العنوان لم أصل به أو إليه إلا من الاتصال بالواقع، فما أكثر الفتن تبدو صغيرة ثم تكبر. فمعظم النار من مستصغر الشرر، ويقود هذه الفتنة الذين لم يعبأوا بما فرضه الإسلام دم المسلم على المسلم حرام بل وتخريب الأرض المسلمة حين يتزعم الفتنة من يحارب إخوانه بينما حربه على إخوانه هي حربه عى أهله بحسب أن يهلك شعبه، وليست فتن اليوم جديدة فقد سبقتها فتن لا تكاد تحصر ولكني وقد ذكرت موقف الأئمة الثلاثة الذين صبروا وصابروا فلم يخوضوا فتنة ولم يقودوا المفتنين، فهذا إمام دار الهجرة مالك بن أنس وهذا الإمام في مكة المكرمة الفضيل بن عياض وذلك الإمام في العراق أحمد بن حنبل كل هؤلاء الثلاثة برز لكل منهم موقف ضد الفتنة.
الإمام مالك إمام المدينة المنورة إمام فقه الحجاز لم يكن هواه وقد أدرك آخر بني أمية إنما كان هواه بعض الشيء علويًّا ليس عن تشيع مذهبي وإنما هو عن تأثير المودة لشيخيه عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب والثاني جعفر بن محمد الباقر الملقب بالصادق كلاهما كان شيخاً له ثم وهو من أهل المدينة المنورة يعرف موقف الإمام سعيد بن المسيب لم يبايع بني أمية، وهو يعرف أيضاً هتكة المدينة في وقعة الحرة بل وقد أصابه ضيم من المنصور وعامله يركبونه حماراً منكساً من أجل ما ذهب إليه عن طلاق المكره لا يقع، طافوا به طرق المدينة منكساً على حمار وهو يقول صامداً على مذهبه ((من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس طلاق المكره لا يقع)) وما كان هم المنصور أبو جعفر عن طلاق المكره ولكن كل همه عن بيعة المكره، كل هذا وقع على مالك، كل هذا شغل وجدانه، وبينما هو يرى رؤية العين قتل صديقه محمد ذي النفس الذكية لأنه ثار على المنصور، كل هذا وما زال مالك يحارب الفتنة فقد قال ((فتنة ساعة شر من استبداد سنوات)). فوقعت الحرب ورمي الكعبة بالمنجنيق والقتل الذي استشرى بين المعارضين تلقى منه مالك درساً علمه الشر من الفتن. فبايع المنصور وائتمر بأمره وصادق هارون الرشيد ونصح له، مع أن هناك من الأسباب التي ذكرنا والتي يشهدها وهو المبايع والناصر كانت تقوده إلى فتنة، ولكنه لم يكن زعيماً لكهنوت يرى نفسه يحمل صكًّا إلى دخول الجنة. أما الذين يحاربهم وهم من أهل القبلة صور له الكهنوت أنهم حلال الدم لم تشفع لهم صلات ونسي صلات الإسلام، فالكهنوت قائد فتنة. فيما سبق وفيما لحق، وهو إن لم يقتل أعني الكهنوت فإنه يبتعد عن المسلمين لأنه يبعدهم عنه. ألّف مالك الموطأ استجابة للمنصور ونصح هارون أن لا يبني الكعبة على قواعد إبراهيم، والإمام ومن كان مثله إلا صاحباه سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، كان يخاف الفتنة ويرى في هارون الرشيد أنه حرز منها فسمعه تلامذته يدعو ((لو كانت لي دعوة مستجابة لطلبت من الله أن يأخذ من عمري عشر سنوات يضيفها إلى عمر هارون الرشيد)) فقد نصح للرشيد حتى أبكاه في قوله ((يا حسن الوجه قِ وجهك من النار)) ما انصاع إلى فتنة، فلو كان رجل كهنوت لاحتال على الأسباب ولو كان التافهة يحيلها إلى عقائد في الشعب فيقود الفتنة، وما كان الفضيل كذلك، وعجب تلامذته من دعائه حتى إذا مات الرشيد واشتعلت الفتنة شعوبية، يقتل الأخ أخاه ويقتل ولي عهده الذي فرضته الشعوبية عليه عرف تلامذة الفضيل ما كان يتوقع الفضيل. أراد أن يطول عمر الرشيد لتتأخر الفتنة لعلّه وقد قضى على البرامكة أن يتم له نصر على الشعوبية.
والإِمام أحمد ناصر السنة، قاهر البدعة، يجلد، يسجن، فإذا هو الصابر لم يخرج إلى الشارع داعياً إلى فتنة بل أخرج عن نفسه الحقد على السلطان وأدخل على نفسه الحفاظ على وحدة الأمة فإذا هو يسأل الله قائلاً ((لو أن لي دعوة مستجابة مدخرة لصرفتها إلى السلطان)) عجيب، يا أحمد، هكذا أنت يجلدك السلطان وهو ينصر البدعة. وتُجْلَد أنت وأنت تنصر السنة، فلا يكون منك إلا أن تدعو دعوة تصرفها إلى السلطان.. هؤلاء.. الثلاثة ما كنت أحصر الهداة فيهم وإنما حصرت نفسي لهم. إنهم اتقوا الله. خافوه فامتنعوا أن يقودوا فتنة، فما كان واحد منهم كاهناً يقود الكهنوت وإنما كان كل واحد منهم صادق الإيمان، خاف على أمته أن تقاد إلى فتنة فقد سمع ما وقع فخاف أن يكون من أحد الذين خاضوا الفتنة، رضي الله عنه.
واليوم نجد بعض الذين لم يسلكوا السبيل الذي سلكه مالك والفضيل وأحمد. نذكرهم لنذكر بهم، لعلّ هناك من يثوب إلى رشده، فدم الألوف من أهل القبلة لا تسفك في سبيل ما يزعمه الكهنوت. وأن الإسلام الدين الحق، لم تأخذ الفتنة منه شيئاً، فهو يقوى بالحرب عليه، ينصره الذين لا ينقادون إلى فتنة ولكن المسلمين تأكلهم الفتن كما أكلتهم آراء الاعتزال والبدع ولكنهم المسلمون.. نتفاءل بأنهم إلى خير حين تكون الفتنة عن قليل تقشع.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1384  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 586 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.