شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صُوَر
• صور هادفة بلا سهم يراش، ولا قوس يعجم، وإنما هي قبلة الفم للفم، وغمزة الرمش للرمش.
* * *
• أصدقاؤنا ((العريف)) وزعوا بطاقة الدعوة لحضور العارفين والأصدقاء حفل الزفاف.. أقاموه لزواج ولديّ الحبيبين عدنان وعادل عبد الله عريف..
لقد زرعوا في نفسي المسرة والشوق.. مسرة أن رأيت طفلي صديقي رجلين في عرس.. والشوق إلى تحيتهما.. فقد نشأ كل منهما بين يدي.. وكنت أتعهدهما بالزيارة في مصر كلما ذهبت إلى مدرسة الروضة في كنف ابن الكابر وبقية الأكابر السيد ولي الدين أسعد أمد الله في عمره..
وكانا لا يغيبان عن بيتي في مكة.. ففي كل عصر يحضران.. يلعبان مع ولدي.. ويسبحان في بركة..
أكن لهما الحب وفاء.. وأرسل التهنئة لهما ولأسرتهما وأبيهما حفظهما الله وأسعدهما بأخوة يعرسون في حياة أبيهم ورخاء ذويهم..
فالذين يحبون أبناءهم يحبون أولاد الآخرين.
• قال لي: أراك أطريت البريطانيين فيما كتبت عن فوز ((ادوارد هيث))؟
ـ قلت: وهذه إطراءة أخرى، فلا تعجب، فإن بلينا بسياستهم فلا ينبغي أن نغمط الشعوب حقها..
تحدثوا: أن الملك الإمبراطور إدوارد الثامن الذي تنازل عن العرش من أجل المرأة التي أحبها ((مسز سمبسون)) كان يعيش خارج بريطانيا..
وأعدوا كل شيء لحفلة التتويج.. يتوجون أخاه الملك الإمبراطور ((جورج السادس)).
فذهب أخوه ((دوق أوف يورك)) مكلفاً من الأسرة المالكة ومن الوالدة الملكة.. يدعون من كان ((إدوارد الثامن)) وأصبح ((دوق وندسور)) لحضور حفلة التتويج، أبلغه الدعوة فرفض الحضور.
• صور تقذف نفسها في أذن قارئة بصوت جهير.. وفي عين سامعة، وفي قلب واعٍ.. من لسان يذوق ويتوق..
* * *
• شاب حمل تذكرة التابعية، وأعطاها لموظف يراها.. قرأ فوجد: فلان جهني..
ـ قال: إيش جهني؟
ـ قال: يعني من جهينة.. قبيلة عربية سعودية تنساح بين وادي القرى ووادي الحمض والبحر.. وتتسرى شماريخ رضوى، وتهيم في شعابه، قال: أهو.. أهو.. ماني عارف!.
* * *
• هذه صناعته.. يقف في الشارع يتوسم ليتدسم..
هناك رجل يتمشى.. إنه زبون جديد!!
فيذهب إليه.. سلام.. كيف الحال.. هيا: ((أنبش))!!
فيؤخذ الرجل.. وعليكم السلام.. أنبش إيه؟!.
ـ هات خمسة مجيدي، قوام.. ((أنبش)).
ـ هل لك دين عندي؟
ـ لا دين ولا شيء.. ((بس أنبش)).. فإن أعطاه ذهب سالماً.. وإن لم يعطه.. يصرخ النصاب: ((يا ناس.. يا ناس.. شوفوا، شوفوا.. هذا يسب السلطان.. شاهدين عليه)).
وبعد أيام يؤخذ المسكين إلى القبو.. فقد كتب عنه ما يسمى.. مخبر صادق.
وفعلها مرة مع رجل لا يعرفه.. كان أخاً لضحية من ضحاياه.. تقمش ونزل في مواطن نصبه.. فرآه.. أوهمه أنه لا يعرفه..
فجاء المخبر الصادق.. يقول ((أنبش، فنبش)) وأعطاه عشرة مجيدي، بدلاً من خمسة..
وعمل على صحبته.. حتى إذا اطمأن إليه، جره إلى خارج السور.. يشربان القهوة.. أربعة أسود مضبوط..
وتعمد أن يهبط الليل!..
وهناك.. طخاه.. قتله، ولم يدر به أحد، وقرأ أهله اسم الشخص من جريدة الأسماء لضحاياه.. فما عرفوا..
فقد كان متنكراً باسم لا يعرف.. لقد استراح الناس منه.. فلم تعد تسمع.. كلمة ((أنبش)) ولا كلمة ((مخبر صادق)).
* * *
• كان يركب حماراً، ورأى أرنباً، خاف، فاختفى يكمن في حفرة.. يسمع أصواتاً، ودل الحمار عليه.. جاءته النهقة فعرف الرجل أنهم يصلون إليه.. فأطلق رصاصة، واثنتين.. فهرب السراق..
وفي الصباح وجدوا الحمار نافقاً.. قتله صاحبه.. أرهبهم بالطلقات.. ورفض أن يكون ضحية لنهقة حمار..
هكذا الحمير.. فقد تفضح سيدها في ساعة بطر!! وهكذا الرجل ينفعه الحذر.. ويسعفه بعد النظر!!
ـ صور تعبر عن نفسها من تنفسها.. بعضها في ظاهر الأمر لا يرتبط ببعضها، ولكنها في وسامتها - وإن حجبت وسامتها - تتواءم في ارتباط مشوق وممجوج.. مشوق عند الذين (ربما صحت الأجسام بالعلل).. وممجوج عند الذين يذوقون الماء الزلال علقماً بالفم المريض!!
• قال لي: لماذا تجفوني؟!
ـ قلت: لا تعذبني.. إن جفوتي لك ليست هفوتي، وإنما هي جفوة نفسي لنفسي، لكني ماذا أصنع؟.. وأنت.. شجاع في رفض الفضائل.. حذر في اعتناق الفضلاء.. مقدام في الربت على الرذائل.. محجام عن رفض المرذولين!
هذا شيء لا أطيقه، فواجب الأخلاق يأمرنا أن نسير على عكس ذلك!
وسكت.. ثم قال: أنت حالم غير واقعي، أنا أريد أن أعيش حياتنا، وأنت تريد أن تعيش حياة الكتب!
ـ قلت: لقد سبقتك بذلك، فيوماً ما قلت لك إن واقع الحياة أفسد فينا أخلاق الكتب!!
ـ قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق!!
كلام صحيح سبق به الإمام ((غوستاف لوبون)) في كلامه عن الجماعة كجمهور غوغائي!!
أصبح هذا الكلام درساً يلقى في الجامعات كشيء أساسي في علم الاجتماع.
* * *
• الظالمون بالجهل قد يجدون من يلتمس لهم الأعذار، حتى ويكون المعتذر لهم من الذين وقع عليهم ظلمهم، أو هم أنفسهم يجدون الوقت الكافي ليعتذروا، أو يستغفروا!!
أما الظالمون عن عهر في عقولهم، وتبجح فهؤلاء لا يبالون بشيء.. لا يعتذرون، ولا يرغبون في أن يعتذر لهم أحد، بل إنهم وبالعهر يجزعون إن وجدوا عاذراً.
* * *
• من عجائب الظلم والظالمين والمظلومين هذا الوضع.. تظلمني فأنسى، أو أتناسى، أتقرب إليك لأنسيك أنك ظالمي، فتأبى إلا أن تذكرني بأنك سالب الحق، ظالم التصرف يعني كما تقول العامة: يرضى المظلوم ولا يرضى الظالم!!
وكثير هي الأوضاع والصور!!
* * *
• قال هتلر: الرحمة خور في الطبيعة، ولعلّي قد وجدت من سبق هتلر بهذا القول.. لكن الترجمة كانت أمينة حتى طبق البلغاء عزائم هتلر على هذا القول: كأنما هم ترجموا نيتشه وروزنبرك، وحين هضمنا فهمها.. قلنا: الجور والطغيان من طبيعة الخور، فالجبناء والخائفون هم العاسفون العاصفون!!
وهكذا يفعل اليهود!!
* * *
• فلورندا.. لأنها ظلمت.. وسلبت كرامتها.. كان ظالمها ((روزريق)) السيد المطلق في الأندلس.. قد استطاعت أن تغفر قتل جدها، ولكنها لم تستطع أن تغفر قتل شرفها.. فكانت سبباً في أن يزول سلطان ((روزريق)). وينتصر طارق بن زياد!
وفلورا.. فتاة مسلمة من أب مسلم نصرتها أمها المسيحية، وحين مسها الضيم استطاعت أن تكون السبب في إجلائنا عن الأندلس.. فقد صدق نابليون حينما قال: إن المرأة التي تهز بيدها اليسرى أرجوحة طفلها.. تهز الدنيا برجاحة كيدها!!
ـ صور خرساء.. كلامها من باطنها، فلا هي ترسله بالعبارة لأنها لا تقدر، ولا تريد الإشارة لأنها تحضر.. فمعناها من مبناها لمن يتملاها لا ممن أملاها!!
• قال: لا تحاول.. فإن فلاناً لا يحبك!!
ـ قلت له: هذه ليست بشرى.. البشرى تكمل بأن تقول: إنه يكرهك.. اسمع.. إن من يكره يعطيك شيئاً من وجدانه.. هذا الشيء يتفوق على عطاء الحب لأنه أكثر استمراراً، ولأنه يشد حيلك فلا تسترخي عواطفك.. هو عطاء بلا أخذ، والاستمرار في الكراهية يعطيك الاحترام وهذا ما يريده الرجال (إنما يبكي على الحب النساء)!! ولعلّ الكراهية لسبب أو لآخر تنقلب إلى محبة فتكون بهذا أثبت لأنها ممارسة الاحترام، وعطاء أكيد من الوجدان، وبهذا تصدق حكمة العوام ((سمسمية يا حلاوة.. ما محبة إلا بعد عداوة))!!
* * *
• • وقال آخر: لا تبعد.. إن فلاناً يحبك!
ـ قلت: هذا فضل أشكره، لكنه لن يكون سبباً في إرخاء الرأس.. الكراهية أفضل حينما نكسب منها الاحترام، والحب لا نرفضه إذا رافقه الاحتفاظ بالكرامة!!
* * *
• • قال: ((شايف عبد الله خياط كيف حصل على مواطن؟)) هكذا نحن يأكل بعضنا بعضاً!!
ـ قلت: اصرف النظر عن الخياط وموضوعه، وأسألك: لماذا تلوم الوطن أن يحمل على وطني، ولا تلوم المواطن أن يحمل - بتشديد الميم - وطنه ما لا يطيق؟.. التعصب للجماعة فضيلة، والعصبية مع الفرد رذيلة.. أفهمت؟!! قال: فهمت.. فهمت.. ولكن في النفس منها شيء!!
* * *
• • بين الحين والحين تزورنا عجوز حبيبة.. سألناها عن خروف عندها، وسألتنا عن خروفنا الذي نفق، فقالت: لماذا لم تسألوني تلفونياً؟.. الخروف مات ((مبشوم)) في خروف آخر، إذا حصل له ذلك اسقوه كوكاكولا لأن جيراني البدو عالجوا بشمة العنز بها.
ـ قلت: هذا صحيح. فأنا أيضاً نسيت كربونات الصوديوم.. ليس هذا إعلاناً عن هذه الأشربة المحلاة بالسكر الصناعي لأني أخشى أن خرفاني تموت بداء السكر الصناعي..
* * *
• صور تسرق نفسها لأنها أمينة أن تعطي غيرها.. لا تتعامل بالمقايضة، ولا تعرف سمك الورق، والفضة، والذهب،، تمارس المكايدة أحياناً.. تلجأ إلى السداد وفاء على طريقة النكتة تضحك وإن أغاظت.. تبكي وإن أراحت!
• قال لي: بماذا تدندن اليوم من الشعر؟
ـ قلت: بهذه الأبيات للمتنبي:
يا من يعز علينا أن نفارقهم
وجداننا كل شيء بعدكم عدم
إن كان سركمو ما قال حاسدنا
فما لجرح إذا أرضاكم ألم
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا
أن لا تفارقهم فالراحلون هم
ـ قال: لماذا لم تقلها من زمن؟
ـ قلت: أخشى الملابسة والملامسة.. أريد أن ألبس نفسي نفسها، وما عليَّ إذا ما اغتاظ أبو فراس!!
* * *
• قال: من تحب؟
ـ قلت: الأحياء!
ـ قال: والأموات؟!
ـ قلت: إن لهم فوق الحب والإجلال.. لأنهم أحياء بما صنعوا.. بما ينالون!
ـ قال: من تكره؟
ـ قلت: لا أكره.. وإنما أشفق على الغافلين عن أوزار أنفسهم.. المثقلين بتعقب الآخرين يعدون أوزارهم.. ولو كشفوا الإزار فاضحين. النابهون هم الذين يسترون أخاً لهم، ولو بشق ثوب!!
* * *
• قال: أي حيوان تحب؟
ـ قلت: البقرة، والجمل.. البقرة مرضعتي كأم، حارثة الأرض يظلمها المقدسون لها لأنهم يخرجونها من وظيفتها، ويظلمها شخص قال: إن البغلة أحب إليه من البقرة!
ـ قلت: فكر عقيم ليس غريباً أن يحب العقيم.. لا ثدي، ولا نسل!!
* * *
• صور.. يكتبها اليوم ((أنا تول فرانس)) نأتي بها نقلاً عن الإفرنسية بترجمة أمير البيان.. شكيب أرسلان، ولها دلالتها.. وعلينا تدليلها، حتى الكلمة تفرض دلالها كما هي دلالتها من ظلالها.. أو حتى من ضلالتها!
• • إن الصين هي في دور انتقال، وما دام الصينيون يحكون أنوفهم عند السلام ويلبسون الأبيض للحداد، ويؤدون إلى الطبيب الأجرة عن السنين التي لا يكون فيها مرضى.. ويأكلون أعشاش الطيور من دون الطيور.. ويعملون كل الأمور بالعكس، فنحن في أمان، ولكن متى ارتفع استعمال الحصير من الصين فقد دنا أجل أوروبا!!
* * *
• • إن ((رينان)) كان سيعيش ذكره بحسن إنشائه، وسحر بيانه، وطور معيشته الفلسفية أما متانة بنائه التاريخي فلا أعتقد بها فالتاريخ هو كما وصفه ((رينان)) مجموع افتراضات، والافتراضات تتجدد دائماً، فكتاب ((حياة يسوع)) يشيخ من يوم إلى يوم، ويغني من جهة موضوعه ولكني واثق بأن الناس سيقرأون أبداً حياة يسوع كما يقرأون خطبة ((بوسويه)) في التاريخ العام، وكلاهما مقصود من أجل البلاغة لا من أجل التاريخ.
* * *
• • يصير الإنسان كاتباً بارعاً، يصير نجاراً حاذقاً وذلك بالصقل، هذا يصقل الخشب وذاك يصقل العبارة. فالبلاغة اليوم سوقها كاسدة مع أنها تعلم الذوق وتنور الذهن، وتهز القلب. والخواطر تذهب والبلاغة خالدة. كانوا في القرون الوسطى يقولون: (سيدتي البلاغة) نعم. والإنشاء أنواع: الإنشاء السهل، الإنشاء العالي، والإنشاء المعتدل، وقد يضحك هذا القول ناشئة الإغرار مع أنه من البديهيات. إذ لا يعقل أن تكتب إلى محبوبتك كما تكتب إلى رئيس أساقفة باريس!!
* * *
• صور ناطقة بواقع من الحقيقة، أو هي الحقيقة واقعة تشير إلى مدلول واقعي!!
•• الحكمة ضالة المؤمن.. حينما وجدها التقطها..
فمن حكم الصين قديماً، قالوا: إن أحد المشاهدين اللاقطين لمشهد يتخذ منه حكمة أو درساً، أو حتى موضوعاً لكتاب جديد.. أساسه لمحة خاطفة ملتقطة!!
هذا المشاهد رأى اثنين من الصين يختصمان يتلاحيان في جدال عنيف طال أمده، وهو يشاهد النهاية بين اثنين يختصمان!!
وطال انتظاره.. فسأل: ما رأيت واحداً منهما قد مد يده يضرب خصمه؟
ـ فقالوا له: إذا أفلس أحد الخصمين من حجة أو دليل، أو حتى من الصبر على خصمه فخرج عن وقاره، وكال ضربة، فإنه يعد المغلوب في نهاية الحجاج والخصومة. فالضرب آخر الجهد لخصم يحاور خصمه.
من هنا قالوا: إن النصر ليس لمن يكيل الضربات، وإنما هو لمن يحتملها..
حينما تتحمل الضربات، فإنك قادر على أن تردها.. ومن يضحك أخيراً يضحك كثيراً!!
ـ الظلم يصنع الأبطال..
كلام له خطورته.. لكن ماذا لهذه الأمثلة فهم رجال ما كانوا أبطالاً إلا لأنهم لم يصبروا على الظلم..
ولا يعنينا من هو على الحق الذي نراه، أو على الباطل الذي نكره..
دعونا من تاريخ الأحقاب الماضي.. ولنأتِ بالقريب منا.. واشنطون، جيفرسون، هاملتون، توماس بين، فرانكلين بن يامين.. ما كانوا أبطالاً حينما مسهم ظلم مرهق.
صن يان صن، غاندي، نهرو، المحارب في الجزائر، الفدائي في فلسطين.. ما كانوا أبطالاً، ولن يكونوا إلا لأن الظلم أرهق وأجاع واستعبد فحاربوه.. كل بوسائله المتاحة، والمعقولة لديهم سواء منهم من طوع الواقع الخيال، أو تطوع بالخيال لحياة الواقع.
ولينين وتوتسكي وجيفارا، وماوتسي تونج، وشان كاي شيك.. لم يصبحوا أبطالاً في وجدان شعوبهم إلا لأنهم حاربوا ظلماً تخيلوا واقعه فيهم، وغيرهم.. وغيرهم..
وهكذا السادرون بالبطر يصنعون المحاربين لهم حينما يظلمونهم.
* * *
• صور من السيرة العطرة.. نرتاح بها.. نتنفس من كرب، أغمس فيه أنفاس الهروب من هذا العطر الشذي.. لأرتشف الشذى والروم ((بفتح الراء مشددة وسكون الميم)) فأرقى بأحلام الوجدان إلى مرتقى الذكرى لهؤلاء.. أحبهم.. أرجو من الله المسيرة على طريقهم!!
* * *
• وتحدثوا، وفي ترجمة شماس بن عثمان المخزومي قالوا:
لما مات عثمان بن شماس.. قالت بنت حريث المخزومية:
يا عين جودي بدمع خير الناس
وأبكي رزية عثمان بن شماس
صعب البديهة ميمون نقيبته
حمال ألوية ركاب أفراس
غريب مريع إذا ما أزمة أزمت
يبري السهام ويبري قمة الرأس
لقد قلت لما أتوا ينعونه جزعاً
أودى الجواد فأودى المطعم الكاس
• وكان رضي الله عنه قتل شهيداً يوم أُحد.. فأجابها أخوها أبو سنان ابن حريث:
أفني حياتك في ستر وفي خفر
فإنما كان عثمان من الناس
لا تقتلي النفس إن حانت منيته
في طاعة اللَّه يوم الردع والباس
قد مات حمزة ليثُ اللَّه فاصطبري
قد ذاق ما ذاق عثمان بن شماس
• بكت الشهيد فأطمعها أخوها بالصبر، وبالعظة لتنال أجراً يرضي الشهيد عنها.. لا تعذبه بنوح.. وتفني نفسها بالحسرة..
أراد لها أن تعيش حياة المنجبات، لحياة أمة سخرها الله أن يكون منها الشهداء، أعزوا الإسلام، وصانوا الحق، ونشروا الفتح.. فلنعم الجزاء من الله..
أما جزاء العباد فمطلب عسير.. إنهم ينسون الذين قتلوا في سبيل الله.. سبيل الله كانت سبيل الخير لهؤلاء الناسين، إن لم نقل الناكرين!!
* * *
• صورة.. هي واحدة لا تتعدد تنفرد بي هذه اللحظة، وأنفرد لها كل لحظة، لا أحسبها تقوى على حل العقد النفسية، وإن كنت لا أبخسها حقها في الكفاءة والإرادة والقدرة على حل العقد من أي وثاق شد في يدي من تغيث.
هي عمل لا إيحاء.. إرادة لا سؤال.. هي مواكبة غير غافلة، وليست متخطية حدود وجدانها، وحدة مشاعرها، ورونق أسلوبها، ورقة المسلك في إدراك مطلبها.
من خطوتها أنها تكذب فتصدق - بفتح الدال وتشديدها - لا من سامعها وإنما من صدق ما كذبت فيه، ومن متعة التلقي بهذا التأكيد في وقته من زمانه، وفي مكانه.. لا يتأخر لحظة عن حاجتك لسماعه مفرجاً من كرب بجرح استجد لديك.. بينما هو عندك متوقع تعرف الوقت لنزفه، فتأتيك بما يفتح أضالعك بضحكة مترفة يضحك منها هذا المصندق بين الأضالع كالكمثرى.. مضخة ترسل حياة الدم بحياة النشوة بما تصنع.. تشعر بخفة من زوال الخفقان المخيف، كان يتعربد به قبل أن تبلسمه هي بالخبر المستكنه كاذباً في خيالها.. صادقاً في واقعها، تصدقه أنت لا تماري فيه!
خيال - أن نجد الصورة نفسها مجسدة في واقع إنسان من خيال الروائيين في واحد الفرسان الثلاثة (دارليان - والفارس المقنع الآخر (الزهرة القرمزية)..) مخيلة الروائي فرضت أن تجد دارليان، والزهرة القرمزية في اللحظة الحاسمة بجانب المكروب.. هذا يغيث، وذاك يختطف ليغيث.
هذه الصورة هي الزهرة القرمزية في واقع من حياة تمشي على الأرض لم تذق المجاعة في عواطفها، وذاقت الرواء والارتواء في أعطافها!
أريد قارئاً واحداً يفهم ما قلت. لعلّ قارئاً يفهم هو الصورة الواحدة نفسها.
لقد وضعتها حروفاً ستضع هي المعاني، ولا غيرها كما قال طاغور، أو هي لمفهومة لمن عنته، فقارئي الذي أريد هو كما يقول المتنبي:
وكم من عاتب قولاً صحيحاً
وآفته من الفهم السقيم
ـ صور رائقة.. تروق فاهمها، ولا تعكر الصفو لمن ينصرف عنها.. لأنها تلبس نفسها ولا تلامس غيرها.
ـ طفل بلغ السادسة من عمره، أسهر أمه في ليلة حارة، ورحمه أبوه يحمله على كتفه.. يذهب به إلى الطبيب، كانت المسافة أكثر من كيلو ونصف أي ألف وخمسمائة متر، كان وزنه مرهقاً لذراع أبيه.
وأخذ الدواء قطرات في الأذن، من الطبيب المناوب، شيء من الجلسرين، يعرف أنه يقطر في الأذن، ولا أدري هل سكن الألم بالجلسرين، أم هو إيماء العناية من الأب والباب المفتوح في مستشفى أجياد، المهم أنه سكن إلى الصبح، فذهب أبوه إلى الطبيب شبه المختص فقد كان أيامها لا اختصاص.
وكبر الطفل.. ورآه أبوه يحمل طفلته لما تبلغ العامين يذهب بها إلى الطبيب، وهي تحك أذنها.
فضحك الأب، الجد، فرحتين، فرح أن الزمن أخذ بحقه من ولده.
وفرح أن رأى طفله الصغير قد صار أباً.
ـ وتذكر أبوه كيف أوجعته أذنه في ليلة، لما ينتصف ليلها، وكان يعرف أن الأطباء يجتمعون، يسهرون على سطح المستشفى.
وطلع إليهم، وهم يعرفونه، وفيهم أصحاب له، فما سلموا إلا بكل صعوبة، لقد صعد إلى السطح!.. كيف أطلعه الخادم؟ ماذا يريد؟
وسلم يجلس. فأحس أنه غير مرغوب فيه. غريب فوق أرضه وترابه، هكذا.
وتصبر. ثم قال: لا تضيقوا.. أنا لست زائراً، ولكن ما حيلتي والطبيب المناوب معكم على السطح؟!
ـ من هو؟
وأشاروا إليه، فقام إليه ليريه صماخ أذنه فأمسك بالنبض، والأذن، ثم قال لخادم: قل لبخش يعطيه حبتين اسبرو.
ـ قلت: اسبرو.. قال: اسبرو نعم.. قلت: أمر طبيب.. هات الأسبرو.
ونزلت. فإذا الصيدلي لا يعطيني الأسبرو، وإنما يقطر قطرات من الأوكسيجين - عملية غسيل - ثم قطرات من جلسرين.
وخرجت.. وما زلت أذكر هذا الطبيب بخير رغم مقابلته المتعجرفة، كان هذا وأنا موظف وكبير. فكيف كان مع الآخرين؟ هل تغيرت الصورة؟
أحسب أنها تغيرت في كثير من الأشكال، وقليل من المواضيع.
• ولنعد إلى صور..
ـ قال: كم هي أقسام الاستعمار؟ أسمعكم تقولون: القديم، والجديد..
ـ وقلت له: لا قديم ولا جديد فيه أو منه، كلها الأساليب تتغير بحسب مقتضيات الأحوال، ومسيرة الأجيال وفقه الرجال.
قديم كان يتسلط بالغزو وحق الفتح.. فاستنفد أغراضه لا لزواله، ولكن لإزالة المنافس، كألمانيا مثلاً بعد الحرب العالمية الأولى.
وجديد في صورة تطورت لحجب دول تريد أن تستعمر كألمانيا مثلاً فابتدعوا عصبة الأمم تعطي صكوك الامتداد.. يعني أنه الاستعمار ليس بحق الفتح والغزو وإنما الشرعي كما يدعون بصكوك ومستندات عن عصبة الأمم التي لم تكن تمثل الأمم.
وجاء الجديد المستجد بصور شتى، معونات، مساعدات، تحل محل المعاهدات غير المتكافئة.
غير الفاجر الجديد في الفجور هو الاستعمار بصكوك من هيئة الأمم. صك بقرار واحد.. هو ما تكوّنت به دولة إسرائيل. بعهد خائن (سايكس بيكو) نفذ وعد اليهود، مهد له صك الانتداب.
وبصك من هيئة الأمم جاز لإسرائيل أن تكون دولة، بل وعن هيئة الأمم ومجلس الأمم أصبح استعمار إسرائيل كجزء من استعمار جديد للآخرين أمراً مشروعاً بصك من هيئة الأمم حتى رفضها بدور جوازه أو تجاوزه بهذا الصك قرار من مجلس الأمن.
* * *
إن هيئة الأمم هدية المنتصرين للإنسان في أيام السلام فرحت به، ولثقتها في الولايات المتحدة كدولة تحارب الاستعمار والعدوان جعلت من نيويورك مقراً لصنع السلام في هيئة الأمم.
لأن الإنسان كان يطمع أن تكون الحرية في الكونجرس لكل رأي وكلمة حرية على الواسع في هيئة الأمم. ولكنه فجع الآن فإن الحرية في الكونجرس بلغت ذروة التفوق بينما هي في هيئة الأمم لا شيء.. لا شيء.. لا شيء..
كأنما دول العالم أصبحت ولايات متحدة عاصمتها نيويورك لا واشنطن.. ورئيسها آرثر جولد برج.. لا يوثانت! السبب خوف الرجال.. لا تسلط الرجال.
ـ صور راكدة في حلبة طولها أشبار.. لما تدرك نهايتها تتحرك في بدايتها، لكنها تعتذر لنفسها بأنها حسنة.. ففي الحركة بركة ولو في حلبة طولها أشبار!
ـ العاجزون، والفارغون هم أكثر الناس مذمة للآخرين من عجزهم ومن فراغهم لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب. إذا ما رأوا إنساناً ذاق الكلمة، أو احترم الجهد، أو أعجبته المساعي، فأخذ يثني على حرف كتب وكاتبه.. جهد بذل وباذله.. مسعى تفوق وكاسبه.. إذا ما رأوا ذلك وأعجزهم فراغهم أن يفعلوا مثله عابوا.. تنقصوا.. غضبوا.. عرقلوا.. إلى آخر ما يسوغه العجز من الكفاءة بهذه القوة الخفية!
من الملاحظ أن للعاجزين قوة مدمرة إذا ما كادوا بهذه الخفايا!!
* * *
• صور.. فيها ومضات بارقة، وسكنة صارخة.. فيها من قتام السحاب قتام في النفس، وفيها من بسمة الغيث إشراقة في الوجدان.. لولا هذا التزواج لأصبحت كثير من النفوس عوانس!!
ـ صديقي الأمين ذهب يوصل أطفاله إلى المدرسة، فوقف ينتظر انفساح الخط من قطار طويل.. ولا بد أن يحترم القطار الطويل السائقون لأن الطريق القاهر أقوى جندي مرور، ووقفت بجانبه سيارة جيب فيها خواجات، وصديقي هذا يعرف اللغة الإنجليزية ولعلّه يعرف لغة أخرى!.. سمع الخواجات يقولون - أعني امرأة منهن تقول لرجل منهم:
ـ دعنا نترك السيارة هنا، ونسبح في هذه البحيرات!.. وسأله ابنه: لماذا كشرت يا بابا؟!..
ـ قال: هؤلاء الخواجات فرحوا بالمطر أكثر منا.. ما أحب أن يقول الكلمة الجارحة لابنه، أما هو، وإن كتم عن ابنه، فقد افترسه البوح ليقولها لي وأخشى أن يفترسني قتام النفس فأرسلها في هذا البوح!!
* * *
• من كلم ابن بسام في الذخيرة.. قال:
((وأخبرني الخبير الحافظ أبو بكر ابن الفقيه أبي محمد بن العربي عن الفقيه أبي عبد الله الحميدي: كان لشيخنا الفقيه أبي محمد بن حزم في الشعر والأدب نفس واسع، وباع طويل، وما رأيت أسرع بديهة منه، وشعره كثير قد جمعته على حروف المعجم، ومنهم ما كتب عنه)).
هل الدهر إلا ما رأينا وأدركنا
فجائعه تبقى ولذاته تفنى
إذا أمكثت فيه مسرة ساعة
تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا
إلى تبعات في المعادي ومواقف
نود لديه أننا لم نكن كنا
حصلنا على هم دائم وحسرة
وفات الذي كنا نلذ به عنا
حنين لما ولى وشغل بما أتى
وغم لما يرجى فعيشك لا يهنا
كأن الذي كنا نسر بكونه
إذا حققته النفس لفظ بلا معنى!
• صور فيها تسلية لكاتبها، وقد تكون فيها سلوة لقارئها، وقد لا تكون من هذه ولا تلك، وإنما هي شيء قد يقرأه الشجي والخلي!!
ـ قال أبو الشيعي:
وقائلة وقد نظرت لدمع
على الخدين منحدر سكوب
أتكذب في البكاء وأنت خلق
قديماً قد جسرت على الذنوب
قميصك والدموع تجول فيه
وقلبك ليس بالقلب الكئيب
نظير قميص يوسف حين جاءوا
على لباته بدم كذوب
فقلت لها فداك أبي وأمي
رحمت بحسن ظنك في العيوب
أما والله لو فتشت قلبي
لسرك بالعويل وبالنحيب
دموع العاشقين إذا تلاقت
بظهر الغيب ألسنة القلوب
• يظهر - والحق يقال - أن بلدية جدة حريصة على مراقبة الرغيف في الوزن على الأقل، فما يخبزه الفران للغداء، أو للعشاء الميزان فيه كامل.. أما ما يخبزه للفطور فالميزان ناقص أكثر من ثلاثين في المائة يعني الرغيف وزن ثلاثمائة جرام وزناه فوجدناه مائتي جرام.
فالواضح من ذلك أن الفران يترقب عدم الرقابة في الصباح فيسرق الرغيف، شكراً للبلدية على الوفاء في وجبتين ونرجوها أن تحرص على الوجبة الثالثة.
• صور كاسية عارية.. يغطيها الجليد، ويكشفها غور إذا ما استترت بثوبها الكاذب فضحها تفاعل الجليد مع نفسه.. من كثرة ما تثلج احتر.. قد لا يذوب مادة فالحرارة لا تكفي لذوبه، لكن المعاني تتعرى على طريقة.. تخفي على الناس تعلم!!
• حتى الحديد جبان.. يهاب الهيبة.. يخافها!
حينما افتتح طريق الهدا تخوننا السيارة في طلوعه من هيبتها، من خوفها. حتى أصبحنا نعدد أنواع السيارات قاهرة الجبل، وحينما ألفت السيارات الجبل هان عليها.. أصبحت لا تخافه.. سقطت هيبته.. كل السيارات حتى تعطلت المقاهي..
عجيب؟.. الحديد هو الجبان.. أم نحن السائقون والراكبون؟..
ليس الحديد، وليس هم السائقون، وإنما كراكب كنت أفرض الخوف على السائق وعلى الحديد.
* * *
• سألني أحدهم: من هو أذكى سياسي بعد حرب 5 يونيو؟..
ـ قلت: هو المستر براون وزير خارجية بريطانيا السابق.. كان في وزارة الظل.. يرسم الخطة ليعمل في وزارة الفعل.. فاكتسب بعض الصداقات، وأعاد لبريطانيا تحسين العلاقات مع العرب.. كأنما هم نسوا كل ما مضى.. حتى إذا ما استنفد أغراضه وخاف أن يلتزم باسم الصداقات ما يتعارض مع مصالح دولته استقال لسبب آخر في أزمة الاستراليني!..
لا أحسب السبب هو ما أعلنه في الاستقالة، وإنما هي البراعة في دهاقين السياسة.. يحسنون أوقات التخلي لأنهم أدوا مهمتهم، ولا يحبون أن يورطوا أمتهم.. أفلو كان مستر براون لا يزال وزير الخارجية فإنه سيلزم مندوبه في مجلس الأمن أن يكون له موقف غير موقفه فيما قبل التصويت!!.. هو في نظري أذكى الساسة، كسب لأمته دون أن يبذل شيئاً!..
* * *
• أعجبني مبنى الجوازات والجنسية.. انتقلت إلى مكان أنيق ومريح..
غير أني ألفت النظر - كرجاء - لعمل أكشاك مظلة لكتاب ((العرضحالات)) أو باعة الطوابع، ومظلة للمراجعين، وشيء من الماء البارد.. فإنه بهذا يكمل جمال الجميل.. ارتاح له بعض الناس، والرجاء أن يرتاح كل الناس!!
• صور نائمة تصحو بعين.. ولا يغفو لها فؤاد.. الصحوة لها رعاية الأمل.. الأمل هو.. سنة الوصول، سنة الزمن، ولا يغفو الفؤاد لأنه ليس الواحد بل هو الاثنان في الواحد.. يشغلهما ما يصحو لهما.. ما يصبح بهما.. ما يتضح عنهما.. ما يختفي فيهما!!
• هذه واقعة مضى عليها زمان.. كانت حياتها حريقاً في مشاعري حتى إذا احترقت ما زالت مشاعري تحترق، لكنها كطائر السمندر يدخل النار ولا يحترق.. طائر السمندر تعشقه النار تريد أن تثبت قوتها عليه، لكن الهبة فيه أنه أقوى منها فلا يحترق بها، وإنما هي تشتعل من الغيظ كأنما هو بالمناعة فيه يدخلها.. السمندر ليس كالفراشة.. الفراشة عكسه.. تعشق النار والنور وتحترق.. في السمندر قوة الحياة.. في الفراشة عظمة الحب!
• قالت: كيف تحبني؟!
ـ قلت: حينما يكسو وجنتيك شيء من صفرة الحزن.. تصبحين فيه بلون الياسمين، أحب الألوان إليَّ هذا البياض المطعم بالصفرة الرقيقة، الحزن يكسو الجمال جمالاً!
وابتسمت، فغطت وجنتيها بلون الورد.. هنا قلت لها: حينما كنت ((فلية)) كنت أروع من الوردية!!
ومضى زمن، وإذا بي أقرأ لنزار كأنما أنا عبرت عنه قبل عشرة أعوام ليذهب ما قلت.. ليجيئ نزار في تعبير أشرق يبقى ما يقوله في ديوان الشعر في هذه اللغة الشاعرة!.. زرتها أسمعها ما قال نزار.. وأسمع أنا عنها ما قال نزار:
إني أحبك عندما تبكينا
وأحب وجهك غائماً وحزينا
الحزن يصهرنا معاً ويذيبنا
من حيث لا أدري ولا تدرينا
تلك الدموع الهاميات أحبها
وأحب خلف سقوطها تشرينا
بعض النساء وجوههن جميلة
وتصير أجمل عندما يبكينا!
ـ تافه.. ذلك الذي اكتمل غناه من كمال فقره.. قد أبشمته المادة وأجاعته المعاني، فهو يتسقط زلات الرجال كما يتصور حتى تنكشف تفاهتهم فإذا هذه الزلات كما في الرجال لأنهم يستحيون من الزلة، أما هو فبالتفاهة يتوقح ولو تجسدت أخطاؤه.. المريض في أخلاقه لا يسأل عن الصحة لأخلاقه!!
ـ قالت: وإلى متى أنت تحبني؟!
ـ قال: أو عن الزمن تسألين؟.. سوف أحبك إلى حين البداية التي تفكرين فيها بكراهية نفسك، فترسلين سؤالاً كهذا عن الزمن تجعلينه تحديداً مادياً لمعاني الحب عند هذا التحديد. وبهذا السؤال ينتهي الحب!
ـ قالت: وهل هذا جواب؟!
ـ قال: هو على مقاس السؤال.. إن السؤال عن الزمن في الحب يعني التفكير في النهاية والطرد للبداية، والقتل لهذه اللحظة التي كانت إذا واتت، فانسلخت من ذاتين في ذات واحدة حين انشطرت إلى ذاتين اثنتين.. كل منهما تمايز بكيان جديد لحظة التفكير في النهاية. وقديماً كانت لحظة المفاجأة في البداية في هذه اللحظة انعدم الحاضر. فقد حلقت النهاية على البداية.. امتد الماضي ببدايته إلى هذه النهاية فتلاشى الحاضر إلى هذا المستقبل.. لا أعده حاضراً لأني لا أريد أن أعيش المنزلة بين المنزلتين!
ـ قالت: ما قصدت!؟
ـ قال: وما أردت أنت؟ ولكنك قدرت أن تقوليها، توزعت بين القصد والإرادة والقدرة.
أما أنا فلا أريد أن أتوزع، قد جعلت القصد والإرادة والقدرة لحظة أن أكون أنا وحدي، وأنت وحدك!
ـ قالت: هل ضاعت الثقة إلى هذا الحد؟!
ـ قال: الشك أو الخطوات في ترسيخ الحب، والثقة دليل استمراريته ثم هي بوادر نهايته!!
* * *
• قال: ليس هناك برد! - قلت: أرجو أن أذهب يوماً ما بولدك. ولما يبلغ الأربعين يوماً فأضعه في حرارة الشمس!
ـ قال بغضب وحنان عفوي: لا.. لا.. أخاف يسيح دماغه!
هكذا الأبوة حتى في الأطفال!!
* * *
• صور مرهفة تحتضن رقة البداوة، ولا ترفض نظرية الحضارة.. البداوة فيها لها أنها لا تبدو عارية.. تنزع سترها قطعة قطعة.. كل جمالها أنها تعرف جمالها.. كل كمالها أنها لا تكون جميلة إلا مبرقعة بستر من حياء لا ينكشف إلا لصاحبه، ونظرية الحضارة تأخذها خضاباً، وحلية تتزين بها حتى إذا كشفت الستر فاح شذاها.. تشمه العين والأذن قبل حاسة الشم.. ذلك من كبرياء الشم في رجلها الأشم حبس أنفه وما درى أن الأذن والعين طليقتان ذاقتا العطر فوحاً له غنة.. له تلون في عين تتبصر!
* * *
• الذكر يشرب جمال أنثاه بالعين، ثم يذوقه بالشفتين لأنها لا تريد إلا أن تعرف ما ستعطي، فهي لا تستطيع أن تمنع عيناً ناظرة، ولكنها لا تمنح الشفتين إلا لمن تحب!!
والأنثى تذوق رجلها بالعين، وتشربه بالشفتين لأنها تود أن تعرف ثبات خطوها من ثقتها بنفسها.. من توثقها بمن تريده رجلاً لها!!
* * *
• رأيته في جمع من الناس.. شغلوه بنفسه بينما غيره قد شغلوه عن نفسه!!
كان هو غائباً في تيه ما يشتهي.. أما الآخر فحاضر في صحوة عما ينفع الناس.
والتفت ينظر إلى هذا الآخر.. لا أحسبه إلا قد رأى عيني أفعوان تتلصص كأنما هي عين خزري تهود، أو عين مغولي يقتات من البلطة التي سال عليها دم الكتاب في بغداد، هو كغيره من الذين خلقوا أفاعي يتسربون في حياتك ليسرقوا لحياتهم أخبار الحياة فيك أو الحياة منك!
ونظرت إلى بعيد فرأيت ذلك الإنسان المشغول عن الناس لا بنفسه، وإنما هو يفكر في نهاية الذين وصلوا إلى قبر.. تلفت بعينيه فإذا هي عين إنسان راحل كان جمالها في لؤلؤة تلمع دمعاً ذكرت الموت وسبحت تسترجع.. حتى العيون بعضها عين أفعى، وبعضها عين مها، وبعضها عين إنسان!!
* * *
• صور ما زالت باقية في زجاجات المصور.. من الرهبة أن تخرجها، ومن لا رغبة أن نبقيها.. لا نريد المصور أن يراها مرة ثانية، ولا نريد ألا نراها في كل لحظة!!
ما زالت سوداء يختفي بياضها لا يتضح إلا بالغسيل.. غسيل أن يكون بأي مادة منظفة فصاحبها نظيف شكلاً وموضوعاً ولكن الزجاجات تنظفها الأحماض المنظفة.. حتى السموم قد تكون ترياقاً!!
حين قال الرفاعي ذلك كانت الصور في زجاج.. أما اليوم فهي على شريط اسمه (فيلم).. أليست الحياة فيلماً؟!
* * *
• رأيناه يمشي الهوينا فتخطفته أنظارنا بحجلة تسرع.. تستكنه خطواته.. جمدت كل الصور التي تأخذ من العين بعض بصيرتها لترتوي العين بكل باصرتها!..
ـ وسأل واحد: أيمشي الهوينا بهذه السرعة؟!
ـ قلت: هي سرعة نفوسنا التي تلاحقه.. أما هو فثابت الخطو.. واثق الخطوة!.. إن واثق الخطوة يمشي ملكاً لا نراه يلتفت إلى من وراءه، ولا إلى أي جهة أخرى لأنه يعرف أن الناظرين إليه إما محب، أو محترم، أو معجب أو مبغض.. كل مكافأته لهؤلاء ابتسامة.. تحية للمحبين، ومن إليهم، ومكايدة للمبغضين، وما إليهم!..
الرجل واثق الخطوة هو كذلك لا يلتفت إلى وراء، ولا إلى أي جانب، وإنما إلى أمام.. لترى في عيون الناظرين إليها من أمام كل الحاجات للناظرين إليها من جميع الجهات..
أما الفزع في الخطوة - إن كان رجلاً - فيلتفت لينزع نفسه أكثر مما يرى، وإن كان أنثى، فإنها لا تلتفت لئلا تفزع بما ترى!!
* * *
• في (فيلم) عرض أمس فكرة دسمة.. هم خمسة هربوا من الحرب. فهلكوا في تيه.. بعضهم عضته الحمى، وبعضهم مات بالسكتة لأنه فقد الذهب، والآخر هلك بالجنون. وأشجعهم هلك حياً وهو تبتلعه الرمال المتحركة.. يذوب فيها متجمداً.. كانت نفسه تذوب وجسمه يتصلب.. أما الخامس فمات بالحرمان والجنون!..
هكذا الذين يفرون من الحرب الواجبة يهلكون بما هو أسوأ من الحرب!!
* * *
• والله زمان عن الصور.. نحن في حاجة إلى جرعة منها، فالشفاء في لعقة من عسل، أو كية بنار.. آخر الدواء الكي!
* * *
• قال لي: إذا رفضت ((تحتانيتك)) فقدتها.. لا ينفعك ظلال ((فوقاني)) حينما لا يكون لك ((تحت)).. الـ ((تحت)) قوة صلابة تحت القدمين والـ ((فوق)) ظلة.. وقاية!
• قلت له: لن أفقد ((تحتانيتي)).. إذا ما كانت هي الأرض.. إلا إذا فقدت نفسي، فعند ذلك تكون الأرض هي ((تحتانيتي وفوقانيتي)).. بضعة اشبار تحفر فيها حفرة.. تقبرني فيها، فإما طاقة من جهنم وإما طاقة من جنة.. عند ذلك في القبر.. كثيراً ما تنفع ((الفوقانية)) وكثيراً ما تضر ((التحتانية))!
• قال لي: هل كل العرب عندك أبناء عم؟!..
ـ قلت له: كيف تسأل وأنت عربي بلسان ((طمطماني))؟! كأنما أنت النبطي من أهل السواد.. يعلم أنساب أهل الفلا (!).. العرب أبناء عم.. صلِ على من علمنا: سيدنا محمد بن عبد الله.. ألم تسمع قوله وهو يقلب صدقات اليمامة.. أرسلها إليه ((هوزة بن علي)).. قلبها في يديه الكريمتين عليه الصلاة والسلام. وقال هذه صدقات ابن عمي!.. لم يمنع البعد عن النسب.. يعلو بها إلى مضر أن يقولها سيد العرب والعجم.. أو لم تسمع قول جرير يهدد الأخطل:
هذا ابن عمي في دمشق خليفة
لو شئت ساقكموا إليَّ قطينا
فيسمعها عبد الملك، فلا ينكرها دعوة، ويعتز بها نخوة.. كل اعتراضه على الأسلوب!..
وفي حنين ألم تسمع قول الشافعين في الأسرى يخاطبون رسول الله: إن في الأسرى عماتك وخالاتك.. أي عمات وخالات هن؟.. ذلك لأنه المرضع باللبن الظئر حليمة فأصبح كل أمهاتنا في هوازن عمات وخالات..
فشفعهم رسول الله وأطلق أسراهم تكريماً للعمات والخالات.. من هذا قلنا: إن العرب أبناء عم.. أبناء دم.. فكن عربي الفؤاد.. لتفهم وإلا فلأدعك لهذه ((الطمطمانية)).. نبطياً من أهل السواد.. يعلم أنساب أهل الفلا!!
* * *
• صور.. هي.. الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها التقطها!!
ـ يقولون: النصح بين الملأ تأنيب، والنصح في الخلوة تأديب.. ولكن ماذا تصنع حينما تفوتك الخلوة؟
إنك ترسلها رمزاً.. كلمات ظاهرة على الملأ.. باطنة في الخلوة..
* * *
• إنك تملك الأصدقاء المخلصين، والعون القوي، والوفرة في العدة، والكفاءة المقدرة، فإذا لم تبرز لكل هذه الحياة فيك والأحياء معك فإنك صاحب المتنبي الذي يقول فيه:
ولم أر في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمام
* * *
• الأمعات مريحون يدغدغون نازعك، ولكنهم يعطلون ويبعثرون وازعك.. هم يقولون: معك، معك.. في كل ما تقول وتشتهي، ليحصلوا منك على الواحدة: أنا معكم.. الواحدة منك هذه يفعلون بها الأفاعيل.. وإذا أزمة أزمت وحكم الفعل أن يكونو معك، وجدتهم يولون الأدبار.. وإن لم يتهربوا، فإنهم ومن عجزهم لن يكونوا في قوة الأنصار..
* * *
• حينما تصبح الثقة حظوة كان الأمر يساوي لا مسؤولية، لا خوف، بمعنى في النتيجة: لا ضمان لنجاح، ولا بقاء لناجح..
الثقة أمل في ناجح، والحظوة إفساد لنجاحه.. فما رأيت عاملاً تبطر بالحظوة إلا وجلب الشقوة بعمله على الآخرين..
* * *
• سمعت الشاعر العراقي حافظ جميل يقول:
إنه شديد الإعجاب بالأحمدين الاثنين.. أحمد بن الحسين المتنبي وأحمد أبي علي شوقي.
وكأنه يمشي مع زمخشري هذا الزمان إسعاف النشاشيبي يرحمه الله في ركاب واحد.
قال: أنا لا أفضل شوقي على المتنبي، ولا أفضل المتنبي على شوقي.. فهما فرسا رهان، يسيران في حلبة واحدة!!
* * *
ـ إسعاف قالها أمام الفحول في يوم الفحولة.. في مهرجان شوقي!
ـ قال: الشعراء الثلاثة الأحمدون..
أحمد المتنبي.. أحمد المعري.. أحمد شوقي.
تلك عروبة السهمي من ولد عمرو بن العاص.. لا شعوبية.
لا شعوبية من عربي.
لقد بلغ العراقي مبلغه في هذا الإطراء.. حكماً لا مبالغة فيه.. كل الفجأة في صيغة الموازنة.. جاء بالأخير قبل الأول..
* * *
• صور ترتاح ولا تريح.. تبوح ولا تزيح.. فهي كالحب راحته في التعب منه، وتعبه المضني لن يأتي إلا من الراحة فيه..
فالراحة منه.. كتمة نفس بالقهر، وخمدة وجدان بالجبر!! والراحة به نومة حيناً من الدهر..
أما الراحة له فهي الألم المعلم.. باللذة تحلو وتعلو.. كأنما الذوق سرمدي الحضور.. لأنه الذوق صانع الحضارة في السلوك والنفس فهو نعمة الحب..
فأي عمل جميل لن يتم له كمال، ولن يبهر بجلال إلا إذا أحبه صاحبه حباً في فكره وأمله قبل عمله..
وهكذا كل الفنون والزخارف والمبهجات، فما هي إلا من صناعة حبنا له، ليكون بقاؤها من حبنا لها أيضاً..
فالحب صانعها، والحب زينتها، وبالحب صونها وبقاؤها، لتكون هي بعد من تذوقها لها صانعة التحضر لنا.. فهي المصنوعة الصانعة.
• الحب احتكار متفق عليه بين اثنين.. بين إنسان وإنسانة بين شيء مفتن وبين إنسان فتّان.. بين لوحة فاتنة، وفنان مفتون، فكل من الاثنين.. الزوجين، قد رضي احتكار الآخر له!!
أما أن يكون الاحتكار مفروضاً من جانب واحد.. من ذكر على أنثاه.. من تحفة على فنانها، من فاتنة على مفتون بها، أو بالعكس.. فإن هذه عبودية ترفضها سيادة الحب.. تجفوها عبقرية التضحية.. إن الحبيب يرفض مذلة أي سلطان يطغى عليه.. ويخضع لسلطان قاهر، وهو يفرضه على نفسه باسم حبه لها.. حبها له.. ولقد عرفها المأمون يرحمه الله، حينما قال:
فإما بذل وهو أليق بالهوى
وإما بعز وهو أليق بالملك
* * *
• ما قتلها في نفسه؟ أي حاجز يمنعها، أو أي بعد حرمها منه، أو حرمته منها؟.. فبدت حية في وجدانه وآلامه وآماله وأحلامه!! لكن الكلمة المفروضة جانبياً.. قتلت موت الحواجز، وأسقمت بالقرب تلك الحياة التي كانت على البعد.. فإذا الحواجز تنصب قائمة تقف في كل طريق سلك لتقول له: من أنت.. إلى أين؟ فقال: إلى حيث الرضا بك منك.. أرسلت كلمة جانبية، فلم أسمع صوتاً لرد الفعل يأتي من وراء الحواجز..
وأقفل فمه على السماعة.. وقال: إني أرفض طغيان البشر على وجدان الإنسان..
ـ صور من الأعماق.. كدموع طافية على السطح.. كبوح تعرف فيه إنسانها.. لا يعجزه أن يقذف بالحيرة إلى بعيد، ويعجزه أن يرى حائراً من قريب أو بعيد!..
تلك هي مشكلته لا تأكل الكآبة من نفسه غذاءها لأنه قاتل للكآبة يلبسها رادءها، ثم يطلقها إلى أبعد، فعنده من ذخائره، ومدخره ما يسع الحمل الثقيل.. يتخلف منه أن كان من أحمال نفسه، ولا ينوء تحته إذا كان حملاً على كاهل غيره.. يأخذه ليحمله هو.. هو إنسان ما أضعفه أمام الدموع، وما أشد قسوته على الدموع.. تلك دموع الآخرين، أما هذه فدمعته هو!
• لو عرف صاحبنا السخيف أنه بادعاء الثقافة يضاعف ثقل الدم فيه لسكت لا يتكلم! لكنها الدنيا جعلته في مكانة لن يتمكن منها.. قد يملك الإمكان لكن السكان يستثقلونه. لو عرف أنه جاهل، أو أنه ثقيل لما تحرك، حينئذٍ يتحرك الناس نحوه بعاطفة، ولكنه في كل لحظة، وبادعاء المعرفة يتجاهله الناس.. كأنما يسمعون صوته مطارق من حديد تدق على أعصابهم.. يتلهون عن سماعه بينما هو المسكين.. يتكلم كالمدشة، ويتناثر كالرذاذ، فلا يجد من يجمع الدشيش، ولن يجد تربة تثبت برذاذه نبتة خضراء!
عيب الناس أن يتحملوا سماعه.. أما عيبه فهو جهالته بما ينبغي أن يسمعه الناس!
• لئن تسرق جيبي، أو تسرق جيوب الناس، فإني وهم قد يتغافلون عنك.. على طريقة (اللي في الريش بقشيش)!.. لكن تماديك في ممارسة السرقة هواية قبل، واحترافاً بعد، قد أبعدك عن امتلاء اليد، فأتيت تسرق الدار.. الناس، وقيمهم. لقد وصلت المسألة إلى العظم، ومست الخشوم، فهم الآن لا يدافعون عن أقدارهم فقد صانوها، وإنما هم يندفعون لا لسرقة أقدارك، وإنما لإهدارها.. لا يبغونها لأنفسهم وإنما يرفضونها لك لئلا يتجدد البغي منك عليهم. و.. ((بس))!! ولعلّ في غير مقدورك أن تسرق الدار.. الناس لأن سرقة الوصايا وحرقها في الوجاقات هي سرقة مادية وليست معنوية!!
ـ صور لا تعني العجز عن التعبير، وإنما هي تعني القدرة على العبرة!
* * *
• قالوا إن منظمة فتح - الفدائية أم الفدائيين - لها ميثاق ينص على أن يخلع المتطوعون فيها كل رداء لبسوه في مناطقهم ليلبسوا رداء الفدائية، ولا غيره، فلا يسار، ولا يمين، ولا.. ولا.. إنما هي الفدائية والفداء.. الموت أو الحياة.. هي عملية إنقاذ لا لفلسطين وحدها، وإنما لأمة العرب، وشرف العرب، وكرامة العرب..
هي كأي صاحب نجدة.. حملته النخوة أن يشترك في إطفاء حريق.. لا يسأل عن الساكنين، ولا عن المساعدين، ولا الناجين، أو المحترقين.. النار، أو الموت.. العار، أو الحياة بلا عار!!
إن هذا الميثاق أخضعت به ((فتح)) المنتظمين فيه.. شيء لازم وجميل.. فيه كل السلامة، وفيه النصر.. أفليس الأجمل منه أن يكون هذا ميثاق الأمة العربية، وقد حشدت إسرائيل العسكر المجرم على الأردن.. ميدان المعركة الفاصلة لنا إن انتصرنا، وعلينا إن انهزمنا!..
ميثاق نطرح به جانباً هذه المذاهب، والمتمذهب لنكون كلنا صف إنقاذ في حرب مقدسة اسمها: الجهاد!.. المعركة فيها بإنقاذ الأرض والعرض والمصير.. فلا يعقل أن نواجه أي حرب مع إسرائيل، ونحن على خلاف بين يسار يفتح بابه لواغل جديد، وبين يمين تشغله المشاغل في كل يوم جديد.
* * *
• الفجيعة في اليسار أنه ضعيف التعلق بالوطنية، وقد يفرض عليه إلغاء القومية، والقوة في اليمين أنه تعصب للوطنية والتقاليد، ومن هنا فهو يتحمل المسؤولية على صورة أكبر!!
• صور لها رائحة العالمية - فزهرة الحناء هذه الأيام ترسل شذاها. فإذا ما دخلت جنتك ولو حوضاً فيه شجيراتها لفاحت في معطفك نسمة تسكب العبير، فهي بنت الليل، ونوارة الوميض الناعس اليقظ..
* * *
• .. وتكلموا عن الجميلة كيف تطلب حياتها لحياتها.. تنفر من الوحدة، تريد شريكها ذكراً هي سكنه، وهو ماسكها بالصون أن يذوب جمالها في حسرة، أو أن تذوب نفسها عارضة بدائعها وإبداعها..
ـ قلت: هبك قد خرجت من بيتك دون أن تنظف هندامك، أما كنت تحصر نفسك في طريق لا يراك فيه عارف؟
ـ وهبك ركبت سيارتك القديمة ((المهكعة)) أما كنت تبعد بها عن نظرات رفاقك وأندادك؟
هذا صنيع القبح أو النقص أو المزري!
وإذا ما لبست الفاخر النظيف، وركبت السيارة الفارهة ((الأبهة)) فإنك تعرض نفسك لناظر، وتباهي الرفاق والأنداد.
هذا صنع الجمال!
إن الجمال حياة، يريد الحياة، يستعرض كل محاسنه وإبداعه وبداعته فخاراً وتيهاً ومطلباً.
الجمال كم كبير ((كبير)) وكيف أكبر.. من عجب ألا يطغى كمه على كيفه أبداً، فإن الكيف فيه ليطغى ويطغى حتى ليصبح هو كما بذاته لا يكال ولا يوزن.. وإنما هو يذاق ويحس ويبهج ويرزأ ويريح ويسعد ويقتل وحتى يصنع في وجدان عاشق كيفاً جديداً لما يحمله العاشق لهذا الجمال، سواء في إنسانة، في سنديانة، في زهرة، في كل ما هو حي يتحرك بذاته، أو هو الحي يتحرك بذاتك لذاته، حينما تتعدد المطالب، وتصبح اقتراحات تقول لهم لكي تلزم بنفاذ اقتراحك كمطلب لله أو للجماعة، ينبغي أن تهيئ المناخ المبيح والمتيح أن تطلب منه حتى يصنع لك ما تريد.
أما أن تقترح وتطلب وأنت غير ناظر إلى المعوقات فإنك تضيع ما عرفت، فإما أنك تتخلص منه، أو تتخلص به، أو تتملص منه.
فقد قالوا: اطبخي يا جارية، قالت: كلِّف يا سيدي!!
وأفضح منه قولهم:
ومكلف الأيام ضد طباعها
متطلب في الماء جذوة نار!
• والصور لها حالات كحالات قارئها.. مثلها مثل الحي.. لا حياة لها حرفاً في قرطاس، وإنما حياتها كلمات يستوعبها الرأس.. فحيناً تغضب قارئها.. فاهمها.. كأنما هي موجهة إليه، وهي قد لا تفصله، ولا تقصده، وإنما هو لبسها فقصد مشاعره كصحوة من يقظة ضمير، أو كغفوة من غاشية البطر!
وهي قد ترضي قارئها الشجي.. هاضمها الحفي.. يرسلها بعد لسامع منه، أو قارئ بعده.. كأنما هي تعبير صادر عنه أحس بها في نفسه قبل أن يقرأ حتى إذا قرأها قال: هذا ما أردت!
وهي قد تضحك قارئها الخلي.. لا يحركها ضمير بغضب، ولا وجدان بألم، فهو في المنزلة بين المنزلتين.. إن شافه بها من تغضبه ضحك تشفياً منه، فأصبح مقتنيها كأداة يلعب بها على الغاضبين وكثيراً ما يلعب الغضب على الرجال، أو إن قرأها له الشجي ضحك منه لاهياً بشجواه مغيظاً لنجواه.. ساخراً يتطنز ((ويل للشجي من الخلي))!.. فهو بها المقتني لأنه المغني!!
أما كاتبها فهو الغاضب بها لا منها، ولا الشجي لها، والضاحك من الحاقدين بها، أو الغافلين عنها، ولكنه لن يكون لاهياً بنفسه فهو من جده لا يعطي الصورة من هزله الساخر، وإنما هو قد أعطى التمرة والجمرة لمن يستأهلون.
.. وهذا البلد.. جزيرتنا.. أرض أم دحيت من تحت بقعة فيها ((الأرضون)) وبعثت من غار على قمة هداية الخلق، وانبعثت منها لغة شاعرة، وانتشر فيها ومنها علم وفير.. فيها أمومة الأعراق، ولبان العقيدة.. فيها المأزر والمعقل، ولكل أم أبناؤها، ولكل أم طبيعتها من حنان ورفق، وامتداد ومدد، وتحمل وعطاء، وتضحية وإيثار، وحزن وحسرة، وفرحة ونداء وتلبية ورضا.. كل هذا فعلته أرضنا بالآباء البررة.. أعطته، ما بخلت بشيء من المعاني، ولا ضنت بالشيء من المادة.. حتى المدد بالزحف بعد الفتح أعطته ليرسخ الأساس ليكثر السواد لتنتشر اللغة.. أعطته وهي في ضيق وضنك وإهمال.. طبيعة الأم.. ضريبة الأمومة!
وللأبناء طبيعتهم كذلك.. فيهم الرضي، وفيهم من يقول: أف أف!.. وفيهم من قال الأكثر والأنكى، ومنهم من فعل الأشق والأشد، وفي الحيوان طبائع تختلف.. حيوان، أم تأكل بنيها، فيالك هرة أكلت بنيها.. فهل كانت أرضنا الأم أكلة الأبناء؟! لا.. لا.. وألف لا.. ويدفع التاريخ من يقول: نعم!! وفي الحيوان أم يأكلها بنوها.. فهل أرضنا.. أمنا أكلها بنوها؟!.. أقول نعم، والتاريخ يدفع من قال لا.. لا أسميه بغياً ولا عقوقاً ولا تنافساً ولا حسداً، وإنما هو تفوق هذه الأم ولو كانت في ضيق وضنك.. لقد تفوق فيها بيت الشعر حينما احتمل ما لا يحتمل، فأنمى من حيث نما فإذا بالبقية الباقية تحرص على الأمومة، وإن بقي الأبناء أكلت الأمهات!
هي أم لا تأكل بنيها، وأرجو أن يفطن بنوها ألا يأكلوا أنفسهم.. فإنهم بأكلهم لأنفسهم يأكلونها!!
ـ صور تحمل نفسها على برهان وتطوي نفسها لا على أضغان.. وإنما هي تذكير إنسان لإنسان..
ـ تذكرته وهو يحدثني عن رواق الأزهر أيام زمان، كان الشيخ فيه، هم الشيوخ في الأدب والسياسة، والفكر، والفقه، والفتوى والملح..
وجلس شيخ الرواق يحدث، فأعجب حديثه طالباً من التكرور، يسمونهم ((التكارنة)) وأضحت لهم أسماء عدة الآن..
وأراد الإعراب عن الإعجاب، فقال: يا ألم، يا ألم.. يعني يا علم، يا علم..
وسمع أحد المتطرفين كلام الشيخ يتحدث عن الرواق، لا عن الرواقيين من الفلاسفة فقال: ما هم قالوا: يا قارئ الألم بين الجاهلين كتر كمود الشمع في تيعان عميان.
وغضب الشيخ، فقال: كتر وكتر أيه.. الطالب متعلم، بس لسانه هكذا فالمثل الذي أوردت لا ينطبق عليه..
* * *
• حسن.. حسن.. وأكثر من جميل!!
تريد أن تضحك من الناس بنكتة، تلبسها واحداً من عباد الله؟
هم على أي حال!! قد أضحكوا.. وضحكوا.. أما أنت فضحكت كثيراً تعبت بهم.. ولو علموا بواطنك - بدأت تطفو على السطح من عملية النضج - لبكوا وأبكوا ليبصروا المخدوعين بشيء فيك.. ظاهره فيه الرحمة..
لكنه عذابك يدوم.. أما عذابهم فمضى وذهب.. بل إنهم يستعذبون تمام المعرفة التي كانوا يجهلون!!
ـ سمعتها ((الجرداقية)).. ربِّ من أين للزمان صباه؟.. وتذكرت صورة الجلوة على منصة عروسين.. وتذكرت الحلوة وهي تمازح جمالها وجماله.. وتناغي صباها وشبابه.. كما تذكرت الحلو وهو يندى حياء من صباه وشبابه.. غالية.. وغال..
وأرسلت ال ((آه)) وأشرقت لمعة من دمعة، سألت فيها نفسي.. ونفسك تلك التي هي. هي، هل يصبح هذا الصبي عجوزاً بعد سنوات؟ رباه لا أطيق.. أغلقت أذني أمنع عيني ألا ترى حين تسمع ((أنت الكبيرة))..
نعم سيكون الصبا عجزاً بعد سنوات.. قلت.. لو كثرت.. ما باليد حيلة!!
((أعرج.. ويرقص في النخل))!!
صورة كاريكاتيرية باللطف المترف المرن، والمر أيضاً!! أحسبني أرده إلى أنه مثل قاله أحد أهل المدينة.. فهم وحدهم الذين يسمون الحائط، أو البستان أو الحيش بالنخل: هيا نطلع النخل.. هيا نقيل في النخل!..
وهو على كل حال مثل عامي.. لو فحصناه بالنطق المبين لوجدناه عربياً فصيحاً، ولو نطقناه باللهجة العامية كما هو البيان المصيب في استعماله الآن لكان عامياً.. النطق بالفصحى يعطيه الفصاحة لفظاً، والنطق بالعامية يعطيه الفصاحة بياناً.. عن صدق الصورة، وهذا يثبت فساد الطريقة التي أرادها قاسم أمين - يرحمه الله -.. فقد كان ينصح الناطقين.. تجنباً للحن أن يسكنوا أواخر الكلمات.. فالفرق بين فصيح هذا المثل، وعاميه هو التسكين!..
عجيب هذه اللغة الشاعرة.. فهي كما بيانها في النطق.. فإن تبيينها في السمع.. حتى الأذن كما اللسان تفصح الكلمات!!
والعامة تضربه للذين لا كفاءة فيهم.. فيتصدرون لعمل لا يحسنونه.. ثم هم لا يحسنون إلى الذين حطوهم فيه.. والعامة تقول: حطوه.. يعني وضعوه. وفي النكتة البيانية هذا المثل: حطوه فانحط (!!).. تورية فيها ملاحة، وفيها فصاحة.. رغم أنف الذين لا يستسيغون تسميتنا هذه !
((أعرج.. ويرقص في النخل))..
فقد عابوا على الأعرج أن يرقص لأنه لا يملك الكفاءة الأولى في الرقص.. وهي ثبات القدم، ولم يعيبوا عليه أن يكون غير ذلك.. فكثير من الأعرجين تحارجت الدنيا من ضرباتهم.. ((بس)).. ما كانوا يرقصون.. حتى الشلل - وهو عرج مضاعف - رقصت به الدنيا أمام الرجل المشلول، روزفلت، ولكنه لم يكن راقصاً.. أي لا يحترف حرفة لا يجيدها!!
الأعرج الذي يرقص ينطبق عليه الوصف المعطى للصفيق.. يلبس أثواب الشتاء في الصيف، وأثواب الصيف في الشتاء!
لا يستطيع الأعرج أن يدخل في مباراة الجري، ولكنه يستطيع أن يكون ذا فكر، تجري أمامه كل الأحوال ليكون له حال معها.. تزداد به وضوحاً إذا ما كان فكراً خطه قرطاس.. أما أعرجنا هذا الراقص في النخل لا يريد أن يكون صاحب أكثر من صناعة.. ينطبق عليه المثل: ((صاحب صنعتين كذاب، والثالثة مفلس))..
لكي لا تعرج بك الحياة ينبغي لك أن تقتصر على ما أنت مؤهل له.. تخصص فيما تجيد.. فكثير من العرج، وأصحاب العاهات قد نبغوا لأنهم أجادوا في ناحية، ولم يتبعثروا في النواحي الشتى!!
• صور لا خير فيها، وإنما هي الخبرة منها.. والتجربة أكبر برهان، فمن لم يصدق فليصدق مع التجربة حيناً ليرى:
ـ قال لي: كيف الحال؟.. وهو ينطق ((كيف)) بلهجة كثيراً ما سمعتها ((كموديل)) أو كثيراً ما سمعت عنها كاختصاص الذين أذاعوها!.. ثم أردف: ماذا بك.. زعلان؟!
ـ قلت: زعلان، ولست بالزعلان!
ـ قال: كيف؟! - وهنا نطقها على سجيته لأنها استفهام مجرد، ليس فيه السؤال عن الحال!..
ـ قلت: لو جزع إنسان لحسابه لقل جزعه.. لأنه هو القليل في مشاكله مهما كثرت، ولكن المرهفين إحساساً، والمشفقين اجتماعياً يحسون بمشاكل غيرهم فيألمون لها أكثر من ألمهم لأنفسهم.. ذلك طغيان الوجدان - كانفعال - بل رحمة الوجدان كفعل، المشكلة أن تجد الحل لمشاكلك، وأن تجد العجز حتى عن الحزن لمشاكل الناس!!
• قال لي وهو يذكر إنساناً في هذه الدنيا، وبالصدق من غير بلدي:
ـ كيف أصبح غنياً؟!
ـ قلت:.. انظر.. لم تمطر السماء اليوم إلا رذاذاً ولكن الشعاب التي اكتنفت هذا المنخفض الأرضي أمام عكاظ قد ملأته وسالت من كل الجوانب، سالت عليه فامتلأ يغوص الناس فيه.. أصبح هذا المستنقع وقد يكون هذا الامتلاء لفلانك جعله مستنقعاً أخلاقياً.. يعني تكوّنت فيه قذارات، فأصبح بلا خلق، ولا خلاق!!
* * *
•• اليوم مات خروف عندي.. لم أكد أدخل البيت ظهراً حتى وجدته قد ذهب إلى كومة القمامة تنهشه الكلاب.. كنت أريد أن أذبحه.. نأكل لحماً طرياً بدل السواكني، ولكن ((الكنترول)) في البيت أبى أن يذبح، فذبحته الأيام.
لقد تعلمت أن الحرص في كثير من الأحيان فيه كثير من الضياع، فلو أكلناه لما فقدناه!
ليست هذه ندامة، ولكنها مرثية لخروفي!.. فقد كان أنيساً.. حضارياً.. كما إنسان لا يطغى فكره على سلوكه، ولا سلوكه على فكره.
لقد أكلت هذا الخروف بفكري حينما أعطاني كلمة أنتقد فيها ((الكنترول)).. لقد نصرني على الحرص:
لحاك اللَّه يا سلم ابن عمرو
أذل الحرص أعناق الرجال!!
ورأيت على غلاف مجلة هندية صورة لأنثى.. فقلت:
ـ ما شاء الله.. تبارك الله أحسن الخالقين!! أنستني هذه الصورة أحزاني على الشاكين من الناس وحزني على الخروف!!
صور في خبر.. أو خبر في صورة:
ـ توقفت أن أكتب، ولكن قصيدة قرأتها.. فتحت المغلق من نفسي.. هكذا المغاليق كثيراً ما تفتح بالكلمة، وقليلاً ما تغلق بالكلمة!
الكلمات لا تغلق الأفواه إنما يغلقها ألاَّ تجد شيئاً تتكلم عنه!.. ينعدم هذا الشيء في الصورة التي قالها الفيتوري.. هي: جفاف الدماء على الشفاه!!
* * *
• خبر أفرحني.. سمعته أذناي، وصفق له دمي.. سمعته من تلفازنا..
يقول الخبر: إن عالمين أمريكيين قد استطاعا في باريس - أي في معمل أبحاث هناك - الفصل لفيروس السرطان.. يعني عرفوا الفيروس، وهم يجهدون الآن ليمسكوا بمقاتله.. ليريحوا الإنسان من هذا العدو الفاتك..
هذا الخبر مفرح ولا شك، لكن هناك خبراً قديماً يقول: إن السكر الصناعي قد حرم استعماله في أكثر من بلد عرف مضاره.. حرموا استعماله لأنه يسبب السرطان، لم أجد أي رد فعل عندنا يسأل هذه الأشربة الكثيرة التي حلاوتها من هذا السكر الصناعي.. حتى إن شراباً عندنا قد أعلن لتحدي هذه الأشربة أن حلاوته بالسكر الطبيعي، أريد أن أسأل: لماذا لا يكون هناك عمل لمقاومة هذه الأشربة إذا كان سكرها هو هذا الغار، أو يطمئن الناس عن كذب هذا الخبر، أو هذه الأشربة بأن حلاوتها من السكر الطبيعي؟!
السؤال موجه لوزارة الصحة!!
* * *
• من زمن كتبت أن كلمة (المواطن) كانت في الأصل من استعمالات الثورة الفرنسية.. من ألفاظ ميرابو، ودانتون، ومارا، وقلت: خير منها أن نستعمل كلمة (الأخ)!.. وأعيد الآن هذه الملاحظة.. فقد أسرف المتلفزون والمذيعون في استعمال هذه الكلمة: المواطن.
إن شعارنا المسلم هو: الأخ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ، المسلم أخو المسلم.
والذي أثارني الآن سؤال واحد من المتلفزين في برنامج لشاب جلس على المكتب.. قال له: من أين؟!.. كانت الإجابة قاسية، فقد قال: أنا من ألمانيا!!.. يسخر بالسائل..
كأنما يقول: أنا من هذا البلد، وعربي.. ألا تسمع لهجتي؟.. فأعاد السؤال عليه، فقال: أنا فلسطيني!..
لو استعملنا كلمة الأخ لما خرجنا إلى تقليد، ولما فتحنا الباب لكلمات أخرى كالرفيق وما إليها، ثم أهم من ذلك ألا نجرح أمثال هذا الفلسطيني بكلمة المواطن.. فإن كلمة الأخ تعطيه قرابة الدم، والعرق، والتاريخ، والدين!..
• صور بلون قوس قزح، تخبر عن ذرات المطر، وتخطر ذرات الرمال ببشرى مغيثة، ويتخطر، الإنسان في ضوء الإشعاع.. فرح بالمطر لحظات، ويصفق للقيمة الذاهبة كأنه يطرد الغمامة أن تعم، أو أن تقيم، إنسان ملول.. ما أشد حبه للوثبة من حال إلى حال.
ـ تلكمت في يوم مضى مع الصديق عبد المجيد شبكشي فإذا هو غاضب يئن بالشكوى من التطبيع ((الأخطاء المطبعية)) فعذرته.. إنها تكثر وتكثر من غفلة المصححين، ومن إهمال الطباعين والموضبين.
عصب الكاتب يحترق، ودم المسؤول كرئيس التحرير ومن إليه يحترق، والمصحح والطابع، يعتذران ثم لا يفيان، ويضحكان!!
والقارئ يصب اللوم والنقد على الجريدة كلها ورئيس التحرير بالذات.
• قال: نحن أصدقاء.
ـ فقال: تشرفنا! ثم أردف: هلا تعني أنك تعرفني، أو أنك تخبرني بذلك؟
إن كنت تعني أن أعرف فهذا شيء غير جديد، وإن كنت تعني أنك تفهمني فهذا لم يعد واضحاً بعد.
أنت تفترض الصداقة لتغنم من تكاليفها على فرض أني مطواع لك في كل ما يأتي منك.. هذا خطأ، إنما هو شأن الاتباع والأمعات.
إن الصداقة تعني الندادة والوفاق خطوة منك مع خطوة مني. أما أن ترهقني بالاستبداد برأيك وقولك وفعلك، ثم تطلب باسم الصداقة أن أكون معك، فهذا شيء لا أطيقه.
وسمع فقال:
ـ يا أخي الصداقة ما هي هز الكتوف، إنها الزمالة ولو بجدع الأنوف!
فأجابه: يعني أهز كتفي بنعم ليقطع أنفي، أما أنت فتهز كتفك يسلم أنفك حينما تهرب وتقول: لا..
ـ إذا لم تعط المثل فكيف أضرب بك الأمثال. حينما تحركني بك فإني أتحرك ((بنفسي)).. المثل منك محور أدير الكلمة الطيبة حوله.
أحبك رحمة وتفوقاً.. وأحب نفسي وأجد الصورة التي تشعرني بأني قادر على إقناع المغرضين والجافين. بما يدحض الغرض ويبعد الجفوة.
وسكت قليلاً ثم قال: سأفعل.. سأفعل..
وعلى أحر من الجمر انتظر الوفاء بما يعد.
• • صور دون تعرية وبلا تعريف فهي تكشف عن ذاتها.
• القلم تعلق به قشة.. يغشى الحبر.. يتسخ الورق.. يطمس الحرف، كل ذلك يصنع العكننة لتشمئز وترمي به، وتترك الموضوع!
والورق الوسخ ((الخوشق)) فيه نمش ببطش الحبر لتغير، وتغير أكثر من قرطاس.. كلها تصبح بقعاً مسودة بغير حرف حتى لا ترى فيها جمال الحبر، الحروف هي التي تصنع جمال الحبر.. كما أن الحبر هو المزخرف لزينة الحرف.. يبرزها لك جمالاً للجمال، فهي تصنع له قيمة إن اتضح سواده ببياض كلمة، وهو - أعني الحرف - يصنع للحبر زينة تنتصب بها معاني الجمال فيه. ومزقت القرطاس كما رميت القلم، وبقي الحبر لكنه اندلق على الأرض فقد حبت طفلتي تلعب بالدواة فجعلت قطعة ((الزل)) بقعة سوداء كأنها كلف في وجه قمر.. خال على خد، القمر هو الطفلة حينما مسحت خدها صنعت زينة السواد في الخد الأبيض المشوب بلون العصفر على خفيف كأنما صنع بريشة أسطوري على رأسه ريشة بلون الورس والزعفران!
* * *
وجاءت أمها تريد أن تزيل الحبر فقالت الجدة: لا.. لا.. دعيها نرفعها تحفة لتبقى ذكرى.. لا لتمزيق الورق وإنما لتمزيق السأم.. مزقته هذه الطفلة.
ومضت سنوات حتى إذا زفت الطفة عروساً أخذت القطعة من ((الزل القاشاني)) معها.. تزينها بابتسامة كأنها ومضة بارق في ليلة معطشة.. تعلن عبثها الحلو الحبيب لتتقي عبثاً منها لترضى عبثاً من طفلها!!
* * *
• الحياة تستقيم بالأعراس كما هي قائمة على الفناء، والأعراس حرف على قرطاس أبيض نظيف، والفناء سواد مدلوق على ورقة صفراء فيها نمش!!
* * *
• القلم والقشة والورق والنمش، والحبر المدلوق أهون على كاتب من جليس يصرخ وهو يتحدث لا يرحم أعصاب هذا الكتاب وهو يكتب عموده اليومي!
* * *
• صور فارهة، نعيمها يقيمها.. وإن كان غير المقيم.. وثوابها من صوابها، تذاق بأنف، وتشم بعين.. فهل رأيت العين تشم.. نعم إن رأت ما تغرق فيه.. تعمق النظرة كأنما هي مسمرة.. فعينها الأنف، يوضح لها بعض ما تعمقت فيه.. يشم بعينها، كأنما العين أداة الوصول هي التي استروحت رائحة العمق نظرة، نظرة!!
* * *
• قلت له: هل صنعت ذلك الجيد بذوق مترف؟..
ـ قال: نعم كنت صافي المزاج، مشغول البال بها لا منها!!
ـ قلت: لقد أعطيت قانون الجودة تصنع نفسها بما أتت عليه ساعة أن بدأت تضعها!.
ـ قال: كيف؟.. لم أفهم!!
ـ قلت: إذا كنت في صفاء بال غير منشغل فإنك معطل مما يحرك المعنى.. يصنع الحرف، يجيد البيان..
أما إن كنت في شغل في أكتافه وخزات ألم فإنك تتحرك فتجيد.. فالمسرة كصفاء بال بعثرة النفس بما يشتغل بها فيشغلها.
أما الألم والانشغال بتلك، بأي شيء.. فإنه لا يعطلك بل يحرك كل شيء فيك، ليبرز عملاً منك.. وصناعة الكلام عمل لا يأتي إلا بانشغال البال ألماً، ليس في الكآبة والكدرة القاتمة..
ـ قال: نعم كنت فيها.. ومنها.. فصنعت ما أعجبك!
* * *
• قال: ما هو البيت من الشعر تردده يومك هذا؟..
ـ قلت: هو بيت ابن زيدون في قصيدته الدمعة، والحزن، الباكية نفسها، ليس من حسرة الهجر وإنما هو سخرية العقوق وشماتة الحاقدين!!
أولي وفاء وإن لم تبذلي صلة
فالذكر يقنعنا والطيف يغنينا!!
ـ صور رابضة ناهضة، وامضة غامضة، غاضبة، راكضة، فيها ما يريح المليح، وما يغيظ القبيح!!
• وسألني: ما إسرائيل؟
ـ قلت: إسرائيل فرقة أجنبية في جيش الأطلسي، فقد أصبحت قاعدة تغني عن قبرص ومالطة وما حولهما.
من هنا يحاربها حلف وارسو!!
* * *
• في أوائل هذا القرن.. تكلنز رجال بالجنيه الذهب فضاعوا - وتألمن رجال بفتنة القوة فباعوا، ثم ((ضاعوا)) وتبلشف رجال للرغيف فأضاعوا وباعوا حتى جاعوا وتأمرك بالدولار رجال فجنوا وجنوا فبانوا وهانوا، أما الذين أسلموا وجههم فسيغنيهم الله من فضله.
• فلاح مسكين زرع أحواضاً في حوش صغير يملكه برسيماً وكراتاً وفجلاً.
وتفقد زرعه، فوجد رأس فجل فحل كأكبر ما يكون الفجل. فحمله يجري فرحاً به يهديه إلى الإمبراطور في المدينة الكبيرة فتقبله الإمبراطور هدية من إنسان لا يملك غيرها، وأعطاه حتى أغناه.
وسمع جاره صاحب البستان ((الجنة)) الوارف الظلال الغني. فقطف العنب والورد والفل، وذهب بها إلى الإمبراطور.
ـ فقال الإمبراطور: هذا مكثر حسد جاره فأراد محاربته وسلبنا فأعطوه رأس الفجل!
* * *
• قلت لبعض من صحابي: لقد رأيت اليوم حبة من البطاطس زنتها خمسة كيلوغرامات من تربة ((اكرانيا السعودية)) القصيم!
ـ قال أحدهم: أرض طيبة بكر.
ـ قلت: ما أجود الأرض، ما أطيبها! ما أشد كسل المستأرضين تأخروا عن زرعها. فأحبت أن تريهم فعلها وجودها وثراءها.
ـ قال: عساهم يجودون معها وإليها لتعطيهم أجود ما فيها.
ـ قلت: يظهر أنها البداية يبرز فيها جود الأرض والمستأرض!
• مواقف لصور.. أو صور لمواقف:
ـ في غزوة تبوك.. في الموقف العسر زمناً، ومادة، ونفسيات.. سأل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم عن كعب بن مالك وماذا صنع؟.. فقال أحد الصحابة كأنما يعيب على مالك تخلفه عن رسول الله:
ـ لقد غر ((مالكاً)) نظره إلى عطفيه!!
صورة تعطينا الترف في الجسد والنفس، وجمال الرجال، وغناء الرجال في كعب بن مالك، وتكلم معاذ بن جبل.. يرد على صاحبه.. يسمع النبي كلمة الخير فقال:
ـ والله ما رأينا عليه إلا خيراً!..
ثناء الأكابر على الأكابر.. أطمعه فيه عمق الرضا في ساعة الغضب.. في فؤاد النبي صلَّى الله عليه وسلم.
ورجع النبي فإذا كعب بن مالك في الثلاثة الذين خلفوا، وإذا الحرمان يكتب عليه، والمقاطعة، والبعد.. كلها تنصب عليه، ولكنه لم ينقطع عن المسجد.. يصلي بصلاة النبي.. يرجو الرحمة من الله!
وبينما هو في عذاب النفس جاءه كتاب من النصراني الملك العربي.. غسانياً في دمشق، من أبناء جفنة.. يقول له في الكتاب: بلغنا أن صاحبك قد جفاك فهلم إلينا تجد عندنا السعة والوفاء!!.. كأنما هي الأزدية قد شمخت في رأس الملك.. يغري بها ابن عمه!.. وقرأ كعب الكتاب فقالها كلمة ليس فيها حظ النفس من الأنانية، وإنما فيها حظوة النفس من الإيمان.. قال كعب وقد ألقى بالكتاب:
ـ وهذا أيضاً من البلاء!!
أي بلاء؟!.. ليس هناك أشد من بلاء الإغراء بالفرج في وقت الضيق.. على نفس ضاق بها حب الأحباء!!
وتنفس كعب.. لقد جاءه الفرج من عظة النفس المؤمنة.. آمنت بحبها لله.. أيقنت بحبها لرسول الله.. ارتفعت بحبها للمال تسعد به النفوس المؤمنة ولو كانت آجلة.. لا تفرح بالآمال.. يشقى بها الرجال لأنها العاجلة!!
ـ وقال كعب: لا يحزنني، ولا يشقيني إلا أحد أمرين: فإما أن أموت وأنا في هذا الحرمان فيخفى على قومي مصيري.. وإما أن يتوفى الله رسوله وأنا في هذا الحرمان فيخفى علي مصيري!
وتجلت رحمة الله على المؤمن فتاب الله عليه، وإذا هو في الأكرمين أحد الثلاثة الذين خلفوا فتاب الله عليهم.
أي موقف هذا؟!.. لو وقف الرجال مثله لما استقام أمر لخائن ولقتل العقوق، ولأينع الحب ينبت عظمة الرجال!
* * *
• والمتنبي.. أحمد بن الحسين.. شاعر الدنيا.. شاعر العربية الأكبر تحدث عنه سيف الدولة الملك العالم.. تحدث إلى ابن خالويه، وأبي علي الفارسي.. الإمامين في زمانهما.. إمامتهما في الفقه.. فقه اللغة الشاعرة.. قال سيف الدولة.
ـ لا يغرنكم من المتنبي أنه شجاع.. لقد انكشفنا فإذا بنا نحن ستة في مواجهة الروم، فالتفت أرى المتنبي يضرب غصن شجرة بسيفه وقد علقت عمامته به.. فيقول للغصن وهو يضرب بالسيف: اترك عمامتي يا علج.. أترك عمامتي يا علج!!.. فقلت له: أي علج.. إنها الشجرة علقت بها عمامتك!!.
• صور.. هي مشاعرنا، أو هي مشاعر الذين تحس مشاعرهم.. يعني أنها منك لنا، أو لك منا:
• أحلام اليقظة: الواقعيون يقولون عنها إنها نوع من الجنون، وقد يبالغون أحياناً فيقولون إنها الجنون المطبق.. إذا ما شغل إنسان ما فراغه بها.. يملأ دنياه بزخارف أحلامه.. يسعده التخيل، وإن جفاه الواقع، وهؤلاء الذين يصفون الحالم في اليقظة بالجنون يصفهم الحالمون بأنهم عقلاء لكنهم أشقياء، فالواقع تجسيد لوضعهم.. قد يكون فيه الكثير من القوة، أو من الامتلاك.. لكنهم ماذا يصنعون بهذا كله!!
إنهم يصنعون لأنفسهم حساب الربح والخسارة.. رجحان الهزيمة على النصر.
من ذلك يعيشون في كرب الواقعية.. لأن التجسيد فيها ليس هو الجمود بها، وإنما هو التجمد عليها.. لا خيال.. لا إحساس حتى إنهم إذا امتلأوا أكثر أو كسبوا أكثر لا يشعرون بشيء من زخارف دنياهم.. إن شعورهم ينحصر في توقي الخسارة الأكبر، والهزيمة الأكبر، حسابهم دائماً سلبي مع ما يمتلكون.. أما حساب المزخرف حياته بالأحلام، فإيجابي مع نفسه يمتلك بالخيال كل أمانيه كأنما هو قد أمسكها بيده، ثم ينصرف عنها.. يبعثرها كأنما هو أهلكها عامداً قد سعد بالربح كل لحظاته، ولم يأس على خسارة.. كانت أحلامه وجوداً أما ضياعها فلن يكون عدماً لأنها بأحلام أخرى تتجدد!!
ـ وسألني أحدهم: هل رأيت أم كلثوم؟
ـ قلت: كان من الممكن أن أراها، ومن حقها علينا أن نزورها، لكني تعمدت ألا أكون في حضرتها لأني أراها، وإن لم أرها.. هي في وجداني، وبما أعطت للنفس العربية، فأغنت بما غنت.. قد أصبحت المثل، الحب لها والتكريم لا ينقص بعدم الزيارة، وإنما هو يزداد.. فبعض الحرمان من الرؤية رؤية أقوى لمن تحب إذا ما شغل وجدانك بما أعطاك.. لو رأيتها لما زادت عن إنسانة تنحصر في الصورة التي أراها بها، ولكني حين أراها كأنها المثل.. لأنها قوام كبير في اللغة العربية.. لأنها ثروة ضخمة من فن الفن عربياً وإنسانياً.. لأني بهذا كله أحول دون، أي شائبة تبخس هذا الكائن في وجداني شيئاً مما قد كان له، وتكون به، وكنت أنا فيه.. تعمدت ألا أراها لأنها أكبر من رؤيتي، فلا أحبها تصغر أمام الرؤية إنسانة مائلة أمام عيني.. أريد أن أحافظ على هذا الإكبار لها في أذني وسمعي وعواطفي.. أما العين فيكفي أنها ترى الصورة لا تسرع بشيء يشوب التصور لهذا الإنسان الصداح.
إن أم كلثوم شيء كبير في أذن الغناء، وعواطف الحرف، وزخرف الكلمة..
• صور رائقة كأنها غير وامقة.. فالشغف بشيء دائماً يتحفز لا يستقر على هدأة، بل هو منتشر في النفس انتشار التصور للشيء المحدود يراه غير محدود.
فالتصور يعطي الأشياء أكثر من معانيها وأكبر من حجمها تلك هي التي يحسبها الخلي خدعة.. ولا يراها الشجي إلا متعة.
* * *
• قال: ما أنت اليوم؟
ـ قلت: سؤال عن ماذا، لتعرف، لم تسأل من أنت؟ وإلا لكان السؤال تافهاً.. لكن ما أنت؟ قد جاء في مكانه. قال: تجهلني كل لحظة ولو عشت كل اللحظات معك!
ـ قلت: فما أكثر ما يتغير الإنسان على نفسه من نفسه!
والإجابة عن سؤالك هي اليأس انقلب إلى تشاؤم، فلقد كنت أرفض التشاؤم، ولو وقع نادراً كنت أحيله إلى يأس مؤقت.
أما اليوم فقد انقلب اليأس الموقوت إلى تشاؤم أخشى أن يدوم.
إني أمتع نفسي بهذا اليأس والتشاؤم لأربح الأمل من الكذب عليه، أو الكذب به.
أحوال تحملك على ذلك.. هذا مخيف. لكنه يحول الكذب المنتظر يتطلع إلى سراب. إلى جد وصدق حينما عرفت الحقيقة كواقع.
لو كان هذا لحساب نفسي لنبذت هذا التصور أو هذه الرغبة ولكنه لحساب الجوانب الأخرى التي أحس لها بها، وأفكر فيها لها.
دعني أستريح بمتعة الشقوة باليأس والتشاؤم.
وخاضوا في حديث عن الحب!
ـ قلت: الحب أقسى القيود، لكنه لن يكون دون حرية.
حرية الاختيار والاستكناه والتعبير والعبرات والزفرات والنوال والطرد، والقبول، والمنع والشقوة، والسعادة.
كل عمل الحب بقسوة قيوده هو حريته، في نيل المتعة به.
صور: تشرح نفسها..
• خادمك.. يخطىء.. موظفك يخطئ.. في المرة الأولى تحسب عليه خطأه، وفي المرة الثانية تحمل عليه كذلك.
فإن عاد مرة ثالثة فإنه لن يكون خطأ الواحد منهما وإنما هي أخطاؤك.. لأنك ما قدمته أول الأمر. لم تردعه في الثانية!
وهكذا تتم الحظوة. يستمرئ غفرانك له. ويستهين بك.. وتجري المشاكل.. وتستحيل الأخطاء بإهمال الجزاء إلى جريمة.. بل جرائم..
• أستاذ رأى تلميذاً يصفع أخاه مازحاً معه، فلم يضرب الصافع، وإنما ضرب المصفوع.. سألت لماذا؟
ـ قالوا: إن المصفوع كان ضعيفاً، والصافع يركب سيارة قيمتها مستقبل شاب!
• فتاة من أهلي قالت:
قرأت خبراً عن ((دكنز)) الكاتب الإنكليزي صاحب الرواية.. ((المدينتين)).
يقول الخبر: إن ديكنز كتب هذه العبارة المجنحة.. البعيدة في أبعاد الظلال فيها.. الواضحة في مدلولها وضوحاً لا خفاء فيه تحت الظلال.
وقف إنسان أمام سيد المقاطعة.. يقول له: سيدي.. سيدي.. إن الخيل وطأت بسنابكها أطفال القرية..
ـ فقال السيد: ماذا؟ هل أصاب سنابك الخيل ضرر؟
ـ أب سلب روح ابنه.. كيف؟
ما قتله، بل جرعه العقد بالقسوة والإهمال فضاع رشده.
الأب الشامخ الذي يغضب من ذبابة تطأ منخره، أصبح يرى ابنه مسلوب الروح، يعبث ويلهو ويرسم العته والجنون.
نادى ابنه: تعال.. تعال!
فقال الابن: لن أعود!..
أنا لن أعود، فالجنون نعيم، لقد سلبت روحي، ولن تستطيع أخذها أو ردها!!
((الغزّالة الجيدة تغزل بجريدة))!
((سيبوه.. سيبوه دا ما يقدر يطلع عنز من شعير))!
تمشية الأمور على الخطأ.. خير من الوقوف بها عند الصواب!
مثلان من أمثلة العامة، ومثل، أو حكمة فصيحة قاله أو قالها ((أحمد ابن الفرات)):
المثلان، والحكمة كلها تدور في فلك واحد.. كأنما هي أنشودة تنوع تقسيم النغم فيها، ولكن المحط واحد!
كاتب النوتة.. ملحنها.. موزع موسيقاها: معلم، أستاذ، هي الحياة المعلم الأول.. الذين يوزعون نغماتها، وآهاتها هم الذين مارسوا التجربة.. فالتجربة وحدها لا تكفي أن تعيشها.. أن تمارسها.. الكفاية والفائدة أن تدرسها.. أن تحياها في غيرك من الناس.. مع غيرك من الناس..
((الغزّالة الجيدة تغزل بجريدة)) جداتنا يضربنه مثلاً للبنت الفالحة.. تقيم أودها.. تعمر حياتها بالقليل الموجود لديها.. إن كسر مغزلها صنعت مغزلاً بنفسها، لا تجري وراء الكثير فيعجزها أن تعمل بما لديها من القليل، وكثير منهن من تجد بيتها عامراً بأقل من القليل، وبعضهن من تنغص حياتها بعدم الالتفات إلى ما تملك.. تتطلع إلى ما يمتلكه غيرها.. فتشقى بالعدم ولديها الوجود!
المثل الثاني هو عكس المثل الأول.. يضربه آباؤنا للخاملين.. أفهمه على أوجهين: إما أنه كلف بحراسة معلف الشعير فجاءت عنز تلتهمه ومن عجزه يتكاسل عن رده.. أي إن العنز تأكل الشعير، وهو ليس لها لأنه أهمل حراستها من الخور والعجز فيه، وإما أنه لا يعرف كيف يرعى عنزه.. يملك الشعير فلا يعطيها لتسمن، أو أنه يملك الشعير فيتركه أمامها للتخمة.. تأكل منه الكثير فينبعج كرشها فلا تخرج العنز الصالحة للضرع لأنه أهمل الزرع..
والحكمة الفصيحة قالها ((أحمد بن الفرات)) يحدد سياسة الرجال يقول لهم: لا تقفوا أمام نشدان الصواب.. إنك لا تدري الصواب إلا بعد أن تعرف الخطأ.. من لا يعرف الشر حري أن يقف فيه.. قالها الفاروق رضي الله عنه..
أحمد بن الفرات ينصح الرجال أن يسيروا بأعمالهم.. يعملونها، وقد يقعون في الخطأ ولكن الخطأ لا يأتي إلا من صواب الذين يعملون.. الذين لا يعملون هم الذين لا يخطئون.. تجربة أحمد بن الفرات.. تجربة مريرة ذاقتها أعصابه.. يسكبها لنا.. نترشفها حلوة ترتاح لها أعصابنا ((تمشية الأمور على الخطأ خير من الوقوع بها عند الصواب)).. حكمة نفسر نفسها، ولا حاجة لمزيد!!
• صور ليست كزجاجة المصور تجعل البياض سواداً، والسواد بياضاً.. كما هي مجنحة أستاذنا الرافعي يرحمه الله.. لقد أخذت هذه الصورة بريشة من ريش القلب، فإن تعبير العامة بقولهم ((ما بقي قلبه إلا على ريشة)).. هذا التعبير حلو فيه عزاء للذين تخفق كل ريشة في قلوبهم.. أما مثلهم: ((الحرامي على رأسه ريشة)) فالتصوير بها يعرفه الذين يخفون رؤوسهم.. يخافون أن تظهر الريشة!
* * *
• تعوّد البابا أن يصدر قرارات لحل الأزمات، أو لإثارة المشاكل، لكن أتباعه يسعون له لأن مطاولة الزمن كما هي صانعة الأزمات تحل المشاكل!..
لكن المشكلة التي أثارها البابا الآن، ولا أدري ما هي أسبابها، هي إصداره هذا القرار بتزييف بابا نويل ((سانتكرون)).. إنه بهذا القرار لم يصطدم بالرجال، ولا بالأباطرة، ولا بالسياسة فإن هذا سهل، وكثيراً ما تخطاه البابا، ولكنه الآن قد اصطدم بالعواطف، بالأم والطفل، ومن هنا تأتي الصدمة، أو التصادم قوة سوف تنتصر على قرار البابا، والهزيمة بها ستعقبها هزائم لكثير من القرارات، لأن الأطفال، والأمهات لن يطيعوا التخلي عن دمى الفرحة في يومها المعين، إنهم سيتهمون البابا بأنه قد أحال حياتهم إلى مأساة في كل العام.. هم يعيشون أيام العام في كرب بين مشاكل الحياة وكل فرحتهم في يوم واحد، إن المشكلة ستكبر.. ستجعل كثيراً من الأمهات والأطفال يفكرون بأن قرار المجمع الكهنوتي بتبرئة اليهود هو قرار مرتجل ومغرض مثل هذا القرار..
بابا نويل.. تقليعة أو تقليد غير أنه ليس من السهل تحويله إلى لا شيء، وقد أصبح وهو لا شيء كل الشيء في عاطفة الأم وبسمة الطفل! وهكذا الكهنوت يرتجل القرارات.. ما أحسن الإسلام حينما قضى على الكهنوت، فليس فيه أحد من البشر يستطيع أن يتخذ قراراً تكون له قيمة الوحي.. إن الإسلام قد دمر الكهنوت ليكون الإنسان سيداً لا عبداً!!
* * *
• سألني: هلاّ سمعت الأغنية الجديدة لصداحة الأيك الغالية ((أم كلثوم))؟!
ـ قلت له: إن تعاملي مع أم كلثوم ليس مثل الناس.. فأنا لم أذهب إلى حفل لها حتى وأنا في القاهرة، ولا أسمعها في أوائل أغنياتها، فإني أريد أن أتسقى الطرب منها حينما تعتق الأغنية.. أهرب من الجمع لئلا تخدش أذني بصوت آخر.. أهرب من السماع الأول لتألف أذني هذا المعتق من نغمها وصوتها، فأغنية ((أقبل الليل)) لم أسمعها إلا بعد أيام.
• من يهد الله فهو المهتدي..
قرأت ظهر أمس للدكتور مصطفى محمود في مقاله عن إعجاز القرآن كلاماً مؤمناً، بعضه نعرفه، وبعضه عرفني هو به. لم أكن قرأته حين كتبت اليوميات.
ومن فضل الله علي أني إذا ما أعجبني شيء مادي ومعنوي أحببت أن أشرك إخواني معي فيه.
والخير كل الخير أن نشركهم في قراءة كلمة مؤمنة، نؤمن بها ساعة ((هيا بنا نؤمن ساعة)).
لقد كان بحثه عن كثير.. تخيرت منه ما كتبه عن العنكبوت.
ـ قال: ومثل آخر.. هذه الآية من سورة العنكبوت.. مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتا، وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ، لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (العنكبوت: 41).
فهنا نرى القرآن يختار صفة التأنيث حينما يتحدث عن العنكبوت فيقول: كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتا ً (العنكبوت: 41).
وقد كشف العلم مؤخراً أن أنثى العنكبوت هي التي تنسج البيت وليس الذكر وهي حقيقة بيولوجية لم تكن معلومة أيام نزول القرآن!
والحقيقة الثانية هي وصف بيت العنكبوت بأنه أوهن البيوت.. ولم يقل القرآن: خيط العنكبوت أو نسيج العنكبوت، وإنما قال: بيت العنكبوت، وهي مسألة لها دلالة.. ولها سبب.
والعلم كشف بالقياس أن خيط العنكبوت أقوى من مثيله من الصلب ثلاث مرات. وأقوى من خيط الحرير، وأكثر مرونة، فيكون نسيج العنكبوت بالنسبة لاحتياجات العنكبوت وافياً بالغرض وزيادة.. ويكون بالنسبة له قلعة أمينة حصينة.
فلماذا يقول القرآن: وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ (العنكبوت: 41).
فلماذا يختم بكلمة ((لو كانوا يعلمون))؟
لا بد أن هناك سراً!!
والواقع أن هناك سراً بيولوجياً، كشف العلم عنه فيما كشف لنا مؤخراً، فالحقيقة أن بيت العنكبوت هو أبعد البيوت عن صفة البيت بما يلزم البيت من أمان وسكينة وطمأنينة.
فالعنكبوت الأنثى تقتل ذكرها بعد أن يلقحها.. وتأكله.. والأبناء يأكل بعضهم بعضاً بعد الخروج من البيض.. ولهذا يعمد الذكر إلى الفرار بجلده بعد أن يلقح أنثاه ولا يحاول أن يضع قدمه في بيتها!
وتغزل أنثى العنكبوت بيتها ليكون فخاً وكميناً ومقتلاً لكل حشرة صغيرة تفكر في أن تقترب منه.
وكل من يدخل البيت من زوار وضيوف يقتل ويلتهم.
إنه ليس بيتاً إذن بل هو مذبحة يخيم عليها الخوف والتربص وإنه لأوهن بيت لمن يحاول أن يتخذ منه ملجأ.
والوهن هنا كلمة عربية تعبر عن غاية الجهد والمشقة والمعاناة، وهذا شأن من يلجأ لغير الله ليتخذ منه معيناً ونصيراً.
كلام رائع ومؤمن نفرح به الراجعين إلى الحظيرة المسلمة، نقلته نصاً.
ولقد فات الدكتور الطبيب الشيء الذي ينبغي أن يعرفه كطبيب لو قرأ التذكرة مثلاً أو كتاباً في الطب العربي القديم لوجد هناك ما يسمونه برؤ الساعة.
فهم يقولون: إن الجريح نازف الدم لو وضع بيت العنكبوت على الجرح النازف لشفي بسرعة.
وهذا صدق جربناه فوجدنا نجاحه، حبذا لو أن الأطباء يولون بيت العنكبوت بحثاً، فلعلّ فيه شيء من قوة ((البنسلين)) أو مركبات ((المليسين)).. أو الأقوى منهما؟
سبحان الله فهو أحسن الخالقين.
• دخل نصيب على عبد العزيز بن مروان، فقال له عبد العزيز وقد طال الحديث بينهما: هل عشقت قط؟ قال: نعم، أمة لبني مدلج، قال: فكنت تصنع ماذا؟ قال: كانوا يحرسونها مني، فكنت أقنع أن أراها في الطريق وأشير إليها بعيني أو حاجبي، وفيها أقول:
وقفت لها كيما تمر لعلني
أخالسها التسليم إن لم تسلم
ولما رأتني والوشاة تحدرت
مدامعها خوفاً ولم تتكلم
مساكين أهل العشق ما كنت أشتري
جميع حياة العاشقين بدرهم
ـ فقال عبد العزيز: ويحك! فما فعلت؟ قال: بيعت فأولدها سيدها..
ـ قال: فهل في نفسك منها شيء؟ قال: نعم، عقابيل أحزان.
صورة من مجالس الأكابر..
عبد العزيز بن مروان أخو عبد الملك، فكان ملك الإسلام قسمة بينهما، الخليفة في دمشق، وأخوه في مصر.
وهذا الشاعر الأسود المسود بالولاء لسيده ومعتق أهله جميعاً.
فقد كان عبد العزيز بن مروان حفياً بمولاه.
* * *
وهذه صورة أعجبتني للحطيئة في مدحه لآل شماس الذين هجا من أجلهم الزبرقان بن بدر، سيد من سادات تميم، فالحطيئة الهجّاء قد واتاه المدح فأحسن كل الإحسان يقول:
أتت آل شماس بن لأي وإنما
أتاهم بها الأحلام والحسب العد
فإن الشقي من تعادى صدورهم
وذو الجد من لانوا إليه ومن ودوا
يسوسون أحلاماً بعيداً أناتها
فإن غضبوا جاء الحفيظة والجد
أملوا عليهم لا أباً لأبيكم
من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا
وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
• صور ناضجة تؤكل ساخنة على مائدة تقدم الأطايب دلفاً. دلفاً، يعني ((كرضل)) صحن وراء صحن، بس ((الحلا في الآخر)).
• • يحكى أن الأسد قد أصيب بوعكة. فزاره السباع والوحوش، كل يمشي إلى عرينه، ومن بينها أبو النجم الذئب.
وتحسس السرحان هل زار الثعلب؟ فعرف أنه لم يأت للسؤال عن الأسد! فعزم على الكيد له. وكان غاضباً على أبي الحصين لأنه حرمه من عنز همَّ بخطفها حينما صاح: فات. فات.. لأنه خطف الديك وجرى يسرع به ليأكل خارج الحدود.
وقال الذئب للأسد: مالي لا أرى الثعلب قد زارك؟ أكل السباع تزور وهذا الخبيث لا يزورك؟ يوغر صدر الأسد على الثعلب.
وعلم أبو الحصين بمكيدة الذئب.. فاغتنم خلوة وذهب إلى العرين يقول: لقد تأخرت عمداً. ذهبت في الآفاق أبحث عن دواء. فأخبرني العطارون والجراحون يصفون لك الدم الحار والمخ الساخن من ساق ذئب.. تكسرها فتمص الدم والمخ.
وجاء الذئب يسأل عن الثعلب ويذكره بسوء.. حتى إذا قام ضرب الأسد ساقه فكسرها وامتص الدم ولحس النخاع.
وبينما هو يتلوى ويعوي، مر به الثعلب، يقول له: إن مجالس الكبار ينبغي أن يلزم فيها الأدب، فلا خير في إنسان تفسده الحظوة، وتبطره بالتقريب.
* * *
• • الرجال أربعة:
رجل يملك الرأي يصدع به، ويطيق الرأي البديل يبديه في حوار، أو يقتنع به في هذا الحوار، كما يطيق هضم الرأي جاء من غيره ولم يجد له بديلاً من عنده، فهذا ممتاز.
ورجل لا يملك رأياً.. ولكنه يطيق الرأي البديل منه أو من غيره، أو يهضم رأي الآخرين، فهذا جيد.
كلاهما يفعل ذلك أو يتقبله بسماحة نفس ورجاحة عقل! فهذا مقبول.
ورجل لا يملك رأياً، ولا بديل عنده، لكنه يطيق تحمل الرأي من غيره، فهذا في حاجة إلى ملحق.
ورجل لا شيء عنده من رأي، لا يملك، لا يطيق، لا بديل، فإذا جاء الرأي من غيره تورم وعارض ورفض. فهذا راسب، وإن طفى في بعض الأحايين، لأنه يرفض الذين يطيق الرفض لهم، ويصبح الأمعة لمن هو في قوة إملاء الرأي..
ـ صور راعفة، راعشة، تسير إلى هدف.. ولكنها لن تصل إلى غاية.. فلقد قل السامعون.. وكثر الفعالون.. وهزم المنفعلون.. وفاز المفتعلون!!
• قلت له: إن لبنان يوم أمس كان ((كمبوديا)) العرب، مع فارق واحد..
في لبنان لا ((سهانوك)).. وإنما ياسر عرفات.. في ((كمبوديا)) وجدت الحرب ضدها معارضة شديدة في كل مكان.. حتى في الولايات المتحدة نفسها.. من ((فلبرايت)) وأعضاء الشيوخ إلى طلاب الجامعات، حتى وصل الاعتراض إلى اللغة الناعمة من فم ((مايكل ستيوارت)) وزير الخارجية في المملكة المتحدة ((بريطانيا العظمى)) سابقاً..
أما في لبنان فقد وجدت في مجلس الأمن عضوين يلعبان بسلطان القوة.. كأنما الغزو الإسرائيلي قد خطط ليكون ذريعة.. يصدر بها قرار في إيقاف القتال في كل المنطقة.. يعني إعلان الهدنة المقنعة لتعطيل المدافعين عن أرضهم وشرفهم..
كمبوديا أثارت العالم كله..
ولبنان أثار العرب بس!!
• صحف إسرائيل غاضبة تكيل الطعن على قرار مجلس الأمن الصادر بطلب انسحابها من لبنان.. حتى إنهم يصفون الدول الأمينة على الميثاق بالهبل والغفلة!!
دلال، وتفوق الأجراء، إذا ما استمرأوا الحظوة عند من يخدمون من الأقوياء..
أما ((أنا)) فعلى كثير من اليأس من أي قرار صدر ويصدر من هذا المجلس.. لا لأن إسرائيل لا تنفذه.. ولكن لأنه المجلس لا يحرص على أن تحترم قراراته.. ثم إن هذا القرار أمكنت له فرصة أن يتسع ليشمل الوضع كله.. كأنهم اليوم في شيء جديد طرأ ولا علاقة له بما طلبه قرار مجلس الأمن الأول القاضي بانسحاب إسرائيل من الأرض المحتلة..
قرار مريض.. لأنه ليس بالقوي ولا بالعريض الحازم..
هكذا.. كأنها السخرية من دول توقعه وهي التي تعطله..
• فرعون نادى هامان، أن يبني له صرحاً لعلّه يطلع إلى إله موسى وهارون.. عهر الطغيان.. وفسوق من عماية الوجدان.
لقد تمطى بكل قوة.. فماذا جرى؟
أمهله الله، ثم أخذه أخذ عزيز مقتدر، فأغرقه في أشبار من الماء.. لم يطلع إلى السماء، وإنما غرق في الماء.. إنها عظة، إنها عبرة.. ولكن قل السامعون!!
• الأحلام العضوية.. هي المنبهات للنائم عن شيء حدث أو مشى، أو طرأ بجانبه، فإن هناك رسالة كهربية من هذا الشيء إلى النائم يخبره بنفسه.. حراسة الإنسان، ووعي الإنسان!!
بجانبك فانوس أرخيت فتيلته فالتهب بدخان من فساد أو خراب، فإنك تشعر وكأن حريقاً شب بجانبك فتصحو من نومك لتجد الفانوس المدخن.
واليوم رأيت التلفون بجانبي قد تبلد، فلا جرس ثم التهب دخاناً.. فصحوت، وجدته ضائعاً من الرقم أو الجهاز المستجيب لندائه الموصل لطلبه.. فكلمت 3777 يعني الصيانة فوجدوه خرباً وأصلحوه..
هذا نوع من الأحلام.. إحساس بواقع!!
* * *
• وسئل المخزومي عمر بن أبي ربيعة عن أيهما أجمل؟.. أعائشة بنت طلحة، أم سكينة بنت الحسين؟
وقد جمعهما الله زوجين تحت مصعب بن الزبير بن العوام أيام إمارته على العراق عاملاً لأخيه عبد الله..
ـ فقال عمر: عائشة أجمل، وسكينة أملح..
لقد فرق هذا الفنان بين الجمال والملاحة..
الجمال في البيضاء، والملاحة في الياسمينات والسمراوات..
العرب أهل الملاحظ، وإن لم يتخل عنهم الجمال..
• قال له: كيف تحب ولدك؟
ـ قال: أبذل جهدي في إسعادهم وتربيتهم وتقويمهم، ثم أحفظهم بكف الأذى عن الناس.. أخاف عليهم أن يصابوا بما تجني يدي، أو يعمل لساني..
ومصداق ذلك قوله تعالى:
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً (النساء: 9)..
القول هنا يشمل العمل، وإنما ((والله أعلم)) قد خص ما يستصغره الإنسان، يوقظه، يمنعه من فعله.. فالقول حينما يخرج منك ما هو إلا فعل.. ولن تجد أباً يحب ولده إلا أحسن إلى الناس بدافع قوي، حتى إذا اشتد في موضوع تراجع عنه ما دام فيه إحسان!!
ـ قلت له: لا تعجب من باطل قوم!.. إن الباطل لم يتحكم فيهم إلا باسم الحق، فالحق عند المبطلين وفي دعواهم هو سبيلهم إلى الباطل يخدعون بأنه الحق.. وما يدرون أنهم في الباطل!!
• صور فيها من الجد بعض ما فيها من النظافة كما يعرفها الذين يحرصون على ما هو صواب إلى ما هو نظيف، وفيها أيضاً الهزل العابث كما يعرفه الساخرون بكل الجد.. بكل ما يؤدي إلى نظافة لأن هواهم أن يلبسوا الفسوق والخذلان والانحلال حتى لتجدهم يفزعون منك إليك!!
منك لأن تقهر فسوقهم بالاحتقار، وإليك لأن إرهاقاً بنفوسهم يرزأهم فلا يجدون التنفس إلا عندك بشيء من التعزية والتسلية يتوهمون أنها التغطية بينما هي غرزة قارصة لوجدان محطم!
* * *
ـ وسمعت تحاورهما.. قد لا يكون بأذني، ولكن بعيني ناظرة تستكنه ملامح وجهين عاشا الكيد لك فإذا هما يتحاوران كيف نجوت منهما؟
ـ قال ((ألف)) لـ ((ميم)) كيف خرج من أيدينا ((فلان)) فكل ما دبرت له إذلالاً وأقصاء وطرداً ونكداً وإسقاطاً ابتلع ذلك كله ولو تحمل بعض الإصابات ليقابلني بعدها باسماً لا يعاتب.. لا يحارب حتى رأيتني اليوم استجديه نظرة حانية.. لا لينسى فيها ما مضى مني إنما عله ينسيني ذلك.. لا لأني نادم، ولكن لئلا أشعر بأني منهزم؟
ـ وقال ((ميم)): أتعرف السبب؟.. ذلك أنا كنا نحاربه بسلاح مادي، وكان يتحمل بعمق المعاني فيه، وأصبحنا اليوم.. نقتل أنفسنا بهذا السلاح المادي، ونتقاتل به وأنا وأنت.. أما هو فأصبح يبعث الحياة فينا بسلاح جديد.. من معانيه صفحاً، ورحمة.. ولو غلفها بابتسامة ليس فيها شماتة ولا إشفاق، وإنما فيها كلمة في وجدانه: الحمد لله الذي عافانا مما ابتلي به كثيراً من خلقه!!
• صور عارية تكشف مضمونها رغم أنها ساترة مكنونها!! تسالم ولا تستسلم رافضة أن تظلم.. ظالمة أن تهان، الظلم قد يكون الوسيلة الوحيدة لرد الإهانة.. لأن الإهانة ظلم غيرك لك دون أن يفترض الندادة، أو يرحم الصداقة، وإنما هو بما ملك من وسيلة لا يتورع عن الغيلة!
ـ قال لي: هل للرشوة عقابيل؟!
ـ قلت: أتعني أن الراشي واهب السحت، وأن المرتشي آكل السحت؟.. هذا معناها قديماً، لكن العقابيل الجديدة هي طغيان الراشي على المرتشي يسلبه سلطانه.. حين دخل عليه قبل أن يعطيه كان رافع الرأس، وحين بدأ يستعطيه انخفض رأسه في حضرة راشيه، إن الهيبة لأي محرك لأمر تسقط منه ولو أمام معطيه.. كأنما العدالة يضيع ميزانها في هذا الميزان التي أخذها الراشي سلطاناً فرضه على المرتشي.. إن السراق الحنشل في أي طريق، والمفسدون في الأرض بالنهب والسلب قد تردعهم قوة، لكن السراق بالرشوة يسلبون هذه القوة فعاليتها!
* * *
• الطفلة التي رفضت أن تخلط اللبن بالماء فعصت أمها هي التي أنجبت الرجل الذي لم يخلط الباطل بالحق.. الذي صنع العدل صناعة جديدة في جو أنكر عليه هذا الاعتدال، كل الذين كانوا يشهدون عمله يحضونه على النقيض لكنه أبى لأنه لم يعبأ بهؤلاء المشاهدين من كل أمية لأن العبء الثقيل عليه هو أن يشهده الله يخلط الباطل بالحق. كان في تلك الصورة التي كانت عليها أمه.. قالت لأمها: لن أخلط اللبن بالماء إذا لم يشهدنا أحد من الناس، أو لم يميز ذلك أحد من الناس فإن الله شاهد علينا. كانت هذه الطفلة أم عمر بن عبد العزيز، وكان الرجل في كل ما صنع من عدل ابن جده عمر بن الخطاب.. ابن جده عاصم بن أبي الأقلح كأنما لم يكن جده الحكم بن أبي العاص، ولا عمه عقبة بن أبي معيط..
إنه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
• ولنعمت فعال من خلال الأبطال، هي في صورة زاخرة، لعلّ فيها ومنها ما يهزأردان الرجال الصوانين للأرض والعرض..
تحدثوا: إن عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما، جلس إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، في زورته إلى المدينة المنورة إبان ملكه العريض..
ـ فقال معاوية لابن الزبير: إني لأشكو إليك الحسن بن علي.. ما زارني إلا مرة واحدة.
ـ فأجابه ابن أسماء ذات النطاقين: إن الحسن يرضيك بظاهره، أما باطنه فحرب عليك، لو شاء أن يطلق في العراق عليك مائة ألف سيف لفعل.
ـ قال ابن هند: أردت أن تغيظني وتغريني به.. والله لأواسينه ولأصلن رحمه.. وفعلها أبو الأملاك..
خلة في كسرى العرب، هي كما قال فيه عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، لا يؤخذ الأمر من فوق رأسه إلا إذا كان تحت قدميه، ذلك الذي يضحك عند الغضب..
بهذه الخلال.. الحلم، والحساب الدقيق، والنظر البعيد والصبر على ابن العم، والحزم حتى الصرامة، والعزم لئلا تكون الندامة.. ساد معاوية الأبطحي الدمشقي الأموي القرشي العربي.. فساد ملكاً عريضاً، وساق للهداية فتحاً واسع المدى، فأكمل الأمويون بالألف شهر التسعين عاماً.. مائة وعشرين عاماً لم يذق المسلم ذلة من عدو.. ولم يشبع شعوبي من دم العربي..
وبعدها من عام 132هـ، انحسر الفتح، وانكسرت أنفس عربية، واستغولت مذاهب مارقة، وفتن حارقة.. وقتل السيف الطلائع العريقة، قواداً كباراً، وفرساناً مغاوير.
لكن العوض قد جاء حينما انحاز الإمام العالم يصون السنّة، واكب الفيلسوف على صناعة البيان والترجمة، وسن القوانين في المعرفة والطب والرياضة..
فتح في العلم، وابتعاد عن الفتح للهداية.. أو التفتح للوحدة..
شيء جرى في سيرة الزمن، وصيرورة الأحوال.. من يومها.. والعرب قد جلسوا يفتشون عن العودة إلى عهد جديد.
ولا جديد..
والجديد أن يرجعوا إلى ما أصلح أولهم، ليصلح آخرهم..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1490  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 583 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .