مواقف ورجَال |
• هو شاب لم يبلغ السابعة عشرة بعد.. جلس يسمع إذاعة لندن يشاركني في ما أنا فيه، أو يشارك الإنسان تلك اللحظة بكل ما هو له من الهتاف لانتصار العلم، وما كادت الإذاعة تختم الأخبار عن سلامة الهبوط لعابرة الفضاء ((أبوللو13)).. تبسط الفرحة الغامرة بجهد الرجال، والغامرة بنجاة الإنسان. |
لقد سمع وسمعت فقال: هل تعتقد أن العطب أصاب المركبة بالمصادفة كحدث عرضي منعها الهبوط على سطح القمر؟! |
ـ قلت: نعم إنها مصادفة، فما هي إلا آلة يعتريها كل ما يعتري الآلات. بل إن كل البراعة في دقة ما ركب فيها ترجح كل الاحتمالات للإصابة بالعطب. فالتركيب المعقد الدقيق، والموجه من الأرض، والمدار برجال في الفضاء يحمل في تركيبه الخطر والخلل. |
ـ قال: أنا أخالفك في ذلك، إني أعتقد أنه مخطط متعمد فيه إيقاع الإصابة بالعطب لامتحان الكفاءة في مقاومة الجاذبية على القمر لاختبار القدرة في صمود الرجال.. لإبراز الحقيقة في اتقان العلم! |
أرادوا أن تصاب بالعطب ليكسبوا التجربة الصحيحة في إنزال سفينة تعطب للمصادفة. |
ـ قلت: هذا كثير. |
ـ قال: الذي كثره في نظرك هو الإخراج المسرحي في وقوع الحدث وإخراج الأخبار يجعلون الإنسان في رجفة.. يمتصون بها بعضاً من النقمة، ويمتصون بها أيضاً كل النعمة.. نعمة المجد! |
ـ قلت: على هذا تصلح أن تكون معلقاً سياسياً. فكثير من التعليقات السياسية لها نفس الملامح التي تتكهّن بها! |
ـ قال: النجاح سيجعلهم يقولون إنهم صنعوا ذلك، والفشل كان في مقدوره أن يتقولوا عليه فيزعمون أنها المصادفة. |
ـ قلت: حوار أعرضه.. لا أنكره كل الإنكار، ولا أستطيع أن أثبته لكنه أعجبني كإثارة من ذهن، ولو لم يصادف الحقيقة إلا أنه يوائم مشاعر الذين يألمون من سفك الدماء، ويأملون في نجاح السلام حينما ينجح العلم! |
ثم قلت: إن عملية السلامة بهذا الهبوط المتقن لا يفترق توقيته إلا في ثوانٍ خمس.. أمر عظيم. أشعر أنه أعظم من عملية الهبوط على سطح القمر! |
• أحسن حكاية سمعتها عن البرلمانات جاءت من إذاعة لندن.. البلد الذي أشاع البرلمانات في العالم، فالإنجليز استطاعوا أن يستخدموا البرلمان كصمام أمان، وكضمان من الوقوع في ما يحذرون منه!! |
لكن الذين نقلوها عنهم ما كانت توائم طبائعهم، ولا تلائم حتى مصالحهم فتخبطوا بها وأغرقوا شعوبهم التي لم تكن في حاجة إلى خلاف أكثر.. فأوقعوها في الخلاف الأكبر! |
كثير هي المساوئ.. غير أن منها: الانحراف بالتعليم إلى درجة أن كثر المحامون ورجال القانون - يعني أرباب صناعة الكلام - من أجل البرلمان.. |
الحكاية تقول: إن أقدم برلمان، أو هو أعظم برلمان كان في دنيا اليونان في إحدى الجمهوريات الإغريقية.. صنعوا هذا البرلمان، ومن تقاليده أنه يجب على النائب إذا ما عرض قانوناً، أو مشروعاً لقانون.. يجب أن ينشد أولاً أنشودة، ثم يطرح المشروع على المناقشة، فإذا لم تتم الموافقة عليه يسحب هذا النائب صاحب المشروع على وجهه - يعني يسحل - ويذهبون به فيقتلونه.. ويشنقونه لأنه رجل فاشل.. عرض مشروعاً لم يوافق عليه البرلمان! |
هذا الوضع قد أمد برلمانه بعمر طويل.. مائتي عام، ولكن ليس هذا هو السؤال.. السؤال: كم قانوناً أصدر هذا البرلمان؟! |
الإجابة تقول: في هذه المدة الطويلة لم يوافق البرلمان إلا على قانون واحد (!!).. |
حكاية لها مغازيها، ومراميها.. يطرح سؤال بعد ذلك: |
ـ هل كان الرفض من هذا البرلمان عن اقتناع. ومعرفة، وحجة، ومصلحة؟.. أم أن هناك سلطة فوق البرلمان اتخذت منه صورة للديمقراطية ونفذت عن طريقه الدكتاتورية؟! |
أعتقد أن البرلمانات كلها واجهة للديمقراطية.. تستلب بها ثقة الشعوب ليكون من وراء هذا السلب التنفيذ لآراء معينة، أو مبادئ معينة يخطط لها فريق من الناس المنتمين لحزب ما باسم هؤلاء الناخبين!.. |
حتى البرلمان البريطاني لم يخل من هذه السوآت، وحتى الكونجرس الأمريكي أصبح الآن يتململ لأن كثيراً من الأمور تجري دون علمه.. تستغلها جهات عرفت كيف تخرج من المأزق بتعدد السلطات المربوطة بمرونة! |
إن هذه الحكاية قد لا تصلح دليلاً على الحكم بالسوء لأي برلمان، وإنما واقع هذه الأيام هو الحاكم بالسوء على برلمانات تسكت عن الذبح والقتل للإنسان الذي صعد إلى القمر. |
ـ وأطبق اليأس على كثير من الفرنسيين حينما هبت النازية بالضربة العاصفة للخطوط والجسور والحصون فتقدمت بزحف الحاقدين إلى أبواب ((باريس)) فكانت فجيعة عالمية!! |
ولم تصل سحابة من وراء الأطلسي. صرخ يناديها (بول رينو) كأنما هو يقول: أيها الشاكرون لفرنسي صديق أعان واشنطن في حرب الاستقلال (لافاييت) ردوا إلينا جميلاً صنعه لكم. |
ولم تسرع السحابة. لكن الفدائية في دم الإفرنس. وقائد المقاومة (ديجول) ومن معه ثبتوا أقدامهم على الأرض وأطبقوا على اليأس يزيحونه من نفوس الإفرنسيين فجعلوا السحابة من وراء الأطلسي تجد لها مكان نزول تضع ثقلها فيه. تمطر انتصاراً على النازية ونصراً لفرنسا حققه الفدائي. وجاءت به المقاومة الوطنية حتى عادت فرنسا الدولة الكبرى في مجلس الأمن، والدولة الكبرى يقيم جيش من أبنائها في أرض ألمانيا التي عادت محتلة بعد أن كانت زاحفة تحتل!! |
وأطبق اليأس على كثير من العرب. في أيام يونيه الستة منذ عام حينما زحفت نازية ثانية بضربة عاصفة تحتل الأرض العربية وتقيم على أنقاض هزيمتنا نصراً لها فكانت فجيعة إنسانية!! |
ورجونا سحابة من وراء الأطلسي لا تأتي من دولة واحدة وإنما رجونا وصولها من الدول كلها في هيئة الأمم أو مجلس الأمن. فإذا السحاب جهام لا يمطر ما يغيث. الظلة تعبث بالبائسين. ويعبث بنا بها الظالمون. |
لكن الفدائية في الدم اليعربي قد جعلت السحاب العربي يمطر العدو وابلاً من القتل والخراب. يكون منه الغيث لنا والعبث بالعدو! |
إن المقاومة والفداء هي السحابة المغيثة أمطرت التقاط الأنفاس ورفع الرأس. كأنما هي تطبق اليوم على اليأس تزيله ترمي به وراء خطوط الأعداء. ليكون الأمل في النص قريباً. |
لقد أكسبونا الاعتبار، فأعطوهم العون مقابل العزة، ردوها إليكم مقابل ما يبذلون من نفوس. هم يبذلون دم الشهيد. فابذلوا أنتم العون للشهداء. |
قرشاً.. سلاحاً.. لقمة خبز.. أملاً فيه. |
إن الثقة فيهم تجعل للعطاء قيمة. وإن البذل منكم يجعل للثقة قواماً في نفوسهم. |
كونوا أفراداً بالرفد والعون والعدو من كل ما تقدرون عليه. |
إن اليهود قد تحدوا الفاتحين الأولين. يتحدون الإسلام في أبي بكر الفاتح الأول. في عمر الفاتح الثاني. في خالد. في صلاح الدين. |
أيدوا الفدائية عوناً وتطوعاً وأملاً وحفاظاً تكسبوا اليوم الأبيض رغم السحاب الجهام يأتي من وراء الأطلسي، ألا سحقاً ليهود جنوا من جيشهم.. جيش ((باتستا)) في الشرق ستأكله عاصفة ليست على اليسار وإنما على المتعسفين الظالمين. |
• أسبانيا الدولة نفت ما ادعته ألسنة الصهيونية ودعاة إسرائيل. فقالت أسبانيا بإصرار الرجال الذين يعرفون أقدارهم. ولا يتلاعبون بالقيم الموروثة، ولا بالمسؤولية المورثة.. قالت: لا.. لا.. لم ولن يكون هناك تبادل اعتراف، ولا خطوات تعارف بإسرائيل.. قالت: نحن ما زلنا مع العرب لأنا نحترم قيمتهم في تاريخ الإنسان. وقوامهم في حياة الدنيا فيما سبق. وفيما يلحق.. نرفض الظلم، ولا نتصالح مع الظالمين! |
أسبانيا ما قالت ذلك لأن وارداتها، أو مصانع الأسلحة فيها تود لها سوقاً عند العرب، أو أنها تغاضب السوق الإسرائيلية حتى تسحبها بنوع من التراضي لتشتري الواردات، أو لتقتني السلاح. وما تقول ذلك لأنها تود أن ينصرها عرب في المشرق على عرب في المغرب. فهي قد صفت الكثير، وهي في طريق التصفية لكل ما يضر بعلاقاتها مع العرب في المغرب.. بل إنها بهذا الموقف تيسر للصداقة أن تعمل عملها.. يرسخ بها المجد القديم، وتنمو بها الحياة الجديدة! |
أسبانيا قالت ذلك بقوة جنرال لعلّه الأول قبل ديجول.. رجل ما كان خلقاً تلعب به الرياح.. أثبت للدنيا كذب الظنون التي كانوا يظنون، فلم يصبح لعبة في يد النازية، ولا دمية في يد الفاشية رغم العون المبذول له منهم. وهو الآن - أعني الجنرال فرانكو - يثبت أن مصلحة أسبانيا هي التي تلزمه أن كان محايداً في الحرب العالمية الثانية.. لم تسقه عاطفة نحو موسوليني ولم تأخذه نزوة إلى هتلر.. كل عواطفه لأسبانيا.. كل عقله لها، وحتى ((صومائيل هور)) وزير خارجية بريطانيا سابقاً.. سفيرها في مدريد أيام الحرب (لوردبن) لم يصنع شيئاً ليكون فرانكو المحايد في الحرب.. كان ذلك عمل الجنرال فرانكو نفسه سلمت به إسبانيا خلقاً وسياسة ومستقبلاً.. هكذا الرجل لا يبيع شعبه مخافة أن يتضافر عليه الأعداء، ولا يهدر حق شعبه في سبيل الكسب من مادة قد تجيء برخاء الشعب اليوم لكنها تنتهي برخائه غداً!! |
إن الجنرال فرانكو، والجنرال ديجول رجلان لا يلعبان اللعبة القذرة من أجل إسرائيل، وإنما هما قد جدا في ذيل الصداقة العربية التي باعها أصدقاء لم يحكموا عقولهم وإنما قد حكموا بعقول مدمرة لشعوبهم.. لا خير في رجال تمتلئ جيوبهم. وتخوي قلوبهم!! |
• بدت طلائع الكومنولث الجديد! |
فهل هي تجربة تخضع للظروف. أم هو مخطط يصنع كل الظروف؟! |
كل المعلقين، وكل الأخباريين يذيعون أن ((تشيكوسلوفاكيا)) قد انتصرت في تحريرها الوطني. ونظامها الداخلي، وحتى قوميتها!.. ولعلّي أبدو شاذاً حينما أزعم أن ما صدر به بيان المؤتمرين في ((بتسلانيا)) لم يكن إلا انتصاراً للإمبراطورية السلافية.. إمبراطورية الكرملين!.. ولم يكن ذلك تصرفاً عاجلاً.. صنعه المؤتمرون في 24 ساعة. وإنما هو تخطيط مدروس.. صنعت من أجل تنفيذه أحداث في مقدمتها وجود الجيش الروسي في تشيكوسلوفاكيا. وليس آخرها خروج الجيش دون أن يحدث أثراً. أو أن يتولى ضغطاً على شعب يبدو في ظاهر العيان أنه يريد الانسلاخ عن الإمبراطورية الروسية! |
قد يكون الدرس الأول ليس هو فيما وقع في تشيكوسلوفاكيا. ولكن فيما صنعته يوغوسلافيا من قبل. أيام سلطان المذهب يفرض فرضاً بالقسر. وفيما صنعته رومانيا!.. إن يوغوسلافيا ورومانيا قد أعطتا للكرملين نهج المؤتمرين في تشيكوسلوفاكيا.. تحقق به الانسلاخ عن الدمج بالقهر. وعن سلطان المركزية إلى قوة التجمع بالحرية الشخصية في إطار العمل الجماعي.. قد يكون في هذا إضعاف للمذهب. روسيا لا تمانع فقد فرغت من ذلك بالكلمة التي قالها خروشوف: ((لقد وصلنا إلى الرفاهية وهذا ما نعنيه أو ما نريده من الشيوعية)). حينما وصلوا إلى ذلك رجع الاتحاد السوفياتي إلى مجد الإمبراطورية ليعمل بأسلوب الأباطرة!! |
إن روسيا الإمبراطورية في احتلالها من قبل الشيوعية لبولندا وفنلندا، وفي عدائها مع ألمانيا وفي غزواتها للدولة العثمانية لم ترد أكثر مما وصلت إليه الآن مؤتمرات تشيكوسلوفاكيا.. لقد حققت بذلك سلطان موسكو على هذه العواصم.. عاصمة للكومنولث الجديد. وفي هذا يبدو الخطر في أكثر من ناحية.. فقد كان هناك المطعن الأول والأخير. والمحذور منه. والمخيف هو: كفران الشيوعي بالوطنية، والقومية مما أصاب الأحزاب الشيوعية في إيطاليا وفرنسا بالعجز إلى درجة التقلص. ولكن بهذا المؤتمر وبالنهج الذي أعلنه قد أزال هذه المخافة.. فكل الشيوعيين الآن في حلف وارسو أصبح لهم الحق بالاحتفاظ بالقومية والوطنية.. لا يغيرهم أن يكونوا الأعضاء في الكومنولث الجديد ليكون غيرهم مثلهم. |
إني أشتم رائحة الخطر من ذلك.. تقف ألمانيا الغربية على حافة المخافة. ولقد كان في تصريح ((كيسنجر)) ما يلقي الضوء على هذه المخافة فقد جاء فيه: أنه بالرغم مما صدر في هذا المؤتمر فإنه حريص أن يكون على علاقة طيبة مع دول أوروبا الشرقية: |
إن هذا العمل - وأجد فيه الخطر، خطر التوسع الروسي بالأسلوب الناعم - لم يكن مصنوعاً في دقائق أو ساعات وإنما هو صنيع الأيام.. صنيع الأحداث.. صنيع الضمانات.. ضمانات القوة أتاحت لروسيا أن ينتشر أسطولها وقواعدها العائمة.. في كل المحيطات.. في أعالي البحار.. في البحار الوسيطة. في الخلجان.. فلماذا لم نسمع تعليقات من الغرب؟!.. ألأنه لا يعرف هذه الأخطاء.. أم لأن كثيراً منهم يرى فيها توازن القوى؟!.. لا أحسبهم يسكتون عن ذلك. ولكني أعزو الصمت إلى الشعور بدقة الموقف. وعظيم الخطر لا يحسن إبداء الرأي فيه عاجلاً! |
لقد حسب بعضهم أن الجيش الروسي في تشيكوسلوفاكيا سيصنع من براغ سايجون ثانية لتكون بون هانوي أخرى، أو هو العكس.. لكن الروس، وقد أطبقت عليهم الخيبة وكادت تضيق الشباك.. قد انفلتوا منها بقوة الرأي فلم يصنعوا ما تريده حماقة القوة!.. ولعلّ أحداث الشرق الأوسط قد أتاحت لروسيا أن تسلك هذا الطريق.. فهناك سؤال سأله طالب قادم من أمريكا طلب من أستاذه الإجابة عنه.. السؤال: من هو الذي انتصر في حرب الشرق الأوسط؟! |
الإجابة: إسرائيل أولاً، والذين أعانوها ثانياً، والذي خسر الحرب هم العرب! |
وأجابه الطالب: لا.. إن إسرائيل لم تكسب الحرب. والعرب لم يخسروها بعد.. إن الذي كسب هذه الحرب هو الاتحاد السوفياتي. والذي خسرها هم الذين أعانوها وما زالوا يعينونها!.. |
فهي للاتحاد السوفياتي في الأمد القصير، لكن فيها كل التضييق على الغرب في الأمد الطويل!.. |
فهل عرفنا بعد ذلك الخطر!!.. هي آراء أسجلها لا لحساب أحد وإنما لحساب الفهم والفهم وحده لا أكثر ولا أقل! |
ولعلّي أنتظر معكم ما يعلق به رجال يقولون الكلمة الصريحة لقومهم كما ((والترليبمان))! |
• الأمير فهد في الصومال.. وفي الصومال فهد! |
فلو لم يكن في الصومال فهد.. قد استأسد على الاستعمار لما استقل البلد الشقيق.. يرتفع فيه الآذان على المنائر المسلمة! |
الأمير فهد في الصومال يحمل أمانة التبعات.. لا تقود بها الأتباع ولا تسعى بها إلى الابتداع. وإنما لنكون مع الأخوة المسلمين المتبعين لكلمة التوحيد.. المبدعين توحيد الكلمة! |
الأمير فهد في الصومال يمثل الدولة في احتفال الدولة باستقلالها.. رأيته وقد نزل من الطائرة يسير بين تصفيق الجماهير، واستقبال الجمهرة من علية القوم. فنظرت إليه أفتش عن المعاني في إقباله من خلال المعاني في استقباله وجدتني أرى فأل خير.. أرى البشرى في باقة من الزهر يحملها عطراً في وجدانه.. كالرونق في الاحتفاء به.. كالاعتداد والإعزاز في تحيتهم له.. في تحيته لهم! |
باقة من الزهر تحملها الفطرة المسلمة في يد المفطورين على هذا الإسلام.. طفل يقدمها إلى الأمير رمز محبة لتوثيق الفطرة.. عنوان صداقة من رسوخ التعاون.. صلة اليد المؤمنة باليد المؤمنة تصافحها.. تساندها.. تنصرها ليشتد شعبي المسلم في الصومال برد كيد من حوله ممن هم الحول والقوة له.. الحول والقوة من الله.. الله يعطينا هذا الحول والقوة بالكلمة المؤمنة بالصداقة لهذه اللغة الشاعرة.. بالصدق مع كل ما ورثناه من تراث.. السابق فيه بلال، سابق الإفريقيين واللاحق فيه لا ينتهي بأحد المنتسبين في أروقة الجوامع المسلمة من ((جبرت أحمد)) أو ((جبرت إسماعيل)). |
الأمير فهد في الصومال.. ذهب إليها يطل على إفريقيا المسلمة كأنما هو يقول لها: إنا الحريصون على إسلامنا، يعتز بكل المسلمين، ولا يبتز العواطف للأفراد، وإنما هو يكتسي بها كالبز.. يتخذ منها زينة عند كل مسجد!! |
إن الإفريقيين لهم أمل كبير.. صهره الألم الكبير فما أحرانا أن نكون معهم نعالج الآلام. ونسقي الآمال.. حينئذٍ لا نخاف أن تتكرر مأساة الصوت المرجح لإنشاء دولة إسرائيل بالإغراء. أو بالتهديد.. من شركة عجلات السيارات ((فايرسون)).. وحينئذٍ يلتزم الدكتور باندا وأمثاله جانب الأدب مع العرب.. مع المسلمين! |
كل هذه المعاني حملها الأمير فهد معه.. ممثل هذا الكيان الكبير.. حكومة وشعباً. ومبادئ.. يعني التمثيل الكامل للدولة كلها!.. |
إن الذين يمثلون بلادهم ينبغي أن يكونوا على المستوى الرفيع حرصاً على مكان.. وثوقاً بأنفسهم، وصوناً لقيمة.. ثقة بشعبهم.. والأمير فهد من هذا الوزن الثقيل.. |
أما الآخرون الذين يمتصون المكان الكبير، والقيمة المقدسة لأغراضهم.. فهؤلاء ينبغي أن يكون غرضنا الوحيد ألا يكونوا في غرض لنا.. فنحن أكبر من استغلال المغرضين. أو الانتهازيين. |
تحياتي للأمير فهد.. تحية المسلم لأخيه.. تحية واحد من السعوديين لسعودي أمير. |
• الحياة.. حلوة جميلة.. يريد الإنسان أن يحياها دون منغصات.. ويتمنى أن يصحو على خبر طيب مريح لينعم بصحوة هادئة، ونوم لا يقظة فيه.. اليقظة منه على الخبر الطيب! |
ولكنه لا يصحو اليوم، ولا ينام إلا على صوت العجيج والضجيج، والهرج والمرج.. كأنما الأرض جنت بأهلها، أو أن أهلها أصبحوا الشياطين فوقها.. لم تعد الأرض جُنة - بضم الجيم - ولا هي جَنة - بفتح الجيم - يمرحون في حدائقها الغنّاء! |
وتحدث إليّ.. أو لعلّها هي تحدثت إليّ.. قالت: |
ـ ما بال أوروبا ترقص اليوم على برميل من البارود!!.. أو يمسك جبابرة صغار في صغار نيرون.. وجبروته يعزفون على قيثارة فوق فوهة بركان.. ليس هو حريق روما، ولكنه الحريق في كل روما.. أعني أي عاصمة هي اليوم أغنى من روما القديمة بالزخرف والفن والحياة والقوة! |
ـ وأجبتها: ليست هي أوروبا وحدها التي ترقص على فوهة بركان. أو تقذف نفسها وسط الهاوية!.. كان ((دلاس)) يلعب.. يخوض التجربة.. يجعل منطقته على حافة هاوية ليتقدم خطوة يوطد نفوذه. أما اليوم، فالدنيا كلها صنعت لنفسها الهاوية!.. لا يستطيع ((دلاس)) ومن إليه أن يتحرروا بالخروج منها.. كل هذا صنعته أوروبا شرقيها وغربيها، وشاركت فيه الولايات المتحدة.. أرادوا لمن حولهم أن يكون في الهرج والمرج ليجلبوا الخبز والزبد والبترول.. فإذا الحريق يمتد إليهم.. في كل مكان من الغرب والشرق زوبعة.. عاصفة.. تأكل القادة.. تخرج القادة.. تشيع الفوضى.. لا هي إلى اليسار المعلوم، ولا إلى اليمين المفهوم.. إنما هي إلى الفوضى التي لا تفهم ولا تتفهم! |
ـ قالت لي: وما السبب؟!. |
ـ قلت لها: ألم تقرئي ((التجربة)) لكولن ويلسون.. دعيني لأشرح لك شيئاً منها، والتي أفهم بعض ما قال.. إن فيها الأزمة يصنعها المثقفون.. هم يعيشون أزمة التفكير فينشرون أزمة الفكر.. كل مثقف أمتحنته الأفكار أصبح فكره محنة عليه وعلى الناس.. لقد ساعدت وسائل النشر على انتشار الأفكار لتتصارع، وهذا الصراع بين الفكرة والفكرة جاء به المثقفون.. رضع منها كل شعب.. فأرادوا التحقيق لفكرهم، بالعمق والعنفوان! |
الفكر صناعة الرأس، وكثيراً ما يأتي بهذا الذي نحن فيه.. أما المبادئ حينما ترسخ، والإيمان حينما يتأصل فصناعة القلب.. كل الدنيا تعيش بالفكر لتعبث بالقلب (!).. هذه هي المحبة فكر بلا قلب!! |
فالكون ملحمة كبرى جوانبها |
دم ونار وأنصار وظلماء |
|
ـ بعد ظهر الجمعة أذيعت النتيجة المنتظرة لنجاح المحافظين، وسقوط العمال في الانتخابات التي أجراها حزب العمال الحاكم، فانتصر في ظل حكمه خصمه حزب المحافظين. |
والأمر الذي يعني كاتباً قرأ النبأ، وفهم الخبر، وأحس بالتقييم لذلك كله.. هو هذه الصور البارعة في الشعب البريطاني وتقاليده. |
ولقد اكتوى العربي من سياسة البريطاني، غير أن تقدير الشعوب واحترام سلوكها في ما تعمله لنفسها، وتسير به في حياطة حكمها، شيء آخر يختلف.. |
أعطوني حاكماً في أكثر من مكان قلّد النظام الحزبي والبرلماني في بلاد الإنكليز، وعفّ عن التدخل في الانتخابات تزيفاً وضغطاً إلى غير ذلك من الأساليب الطاغية والفاسدة التي تتنافى مع النظم البرلمانية. |
الخصومة حادة، واللسان ينطلق في الطعن والتجريح والمغماز والمعابة، والمعركة تحتدم.. كل ذلك في الشوارع والنوادي ومجالات الانتخابات.. أما دوائر الحكم والقضاء والفرز فلا مجال لأثر من أبحاث الخصومة. |
لا شكوى، ولا مطاعن بعد الانتخابات تجرى في المحاكم أو في الشوارع، فمجال ذلك أضحى تحت قبة البرلمان.. |
في اللحظة الأولى من ظهور النتيجة، يذهب رئيس الوزراء العمالي إلى القصر يقدم الاستقالة. وفي اللحظة نفسها يذهب رئيس الوزراء لوزارة الظل أمس، والوزارة العاملة غداً إلى القصر يعرض أسماء الوزراء ليتم النطق الملكي بالتعيين بلا ضجة، بلا عقابيل.. |
لقد نشأ عن هذه المواءمة كتقليد رسخ أن أصبح الأمر في النتيجة، وكأنه لا تغيير، ولا فرق بين الأشخاص.. |
فهناك ظاهرة اتضحت وهي في هذه المفارقة المنسقة بين إدوارد هيث وهارولد ولسون. |
إن كل شيء في إدوارد هيث يجعله الرئيس الملائم لحزب العمال بحكم النشأة وما إليها. |
وإن كل شيء هو لولسون يجعله الرئيس لحزب المحافظين بحكم النشأة وما إليها. فكيف تبادلا المقاعد؟ |
تلك ظاهرة الصحة وتقدير الظروف والخضوع لصمامات الأمان. |
إن حزب المحافظين من أصحاب القبعات العالية لم يرفض هيث لأن الواقع يتطلب هذا، ولأن التقرب إلى الشعب ينبغي أن يعطي الشعب ملامح الترغيب كحجر لمزايا العمال. وإن حزب المحافظين الذي قاده السباك والفحام والصائغ قد رضي بأن يصبح هؤلاء لوردات من أصحاب القبعات العالية في الوضع والأنساب وإن لم يلبسوها.. |
فالأمر هو الكفاءة. والأمر هو أن يتقاربوا في الشكل. في المظهر مع التقليد الراسخ والمنهجية، التي تبلغ حد العجرفة.. فلا ينفر الشعب من أحدهما لسبب لا يلائم طبيعة العصر. |
فهل الذين يقلدونهم يطيقون أن يسيروا على نهجهم.. إدوارد هيث من طبقة متواضعة صار رئيس المحافظين، وويلسون من طبقة عالية صار رئيس العمال.. |
تخطيط لم يضعه فلاسفة، وإنما وضعته يقظة الشعوب واحترام الشعوب. |
وأخيراً.. هل سيكون في السياسة البريطانية تغيير مؤثر! لا.. ولا.. كل التغيير وضوحهم في تأييد إسرائيل. |
|