شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أيام في تاريخنا
• في تاريخ أمتنا أيام بيض من صنع المبادئ والإيمان والثقة والقيادة والجهاد.
وفي تاريخنا أيام حالكة من صنع الإهمال والضياع والفساد والفرقة والقعود عن الجهاد.
وتمضي الأيام البيض لا نكاد نذكرها. وتلوح الأيام السود علينا بكربها لتكون لها ذكرى مرة علقمية.
واليوم 5 يونيو انطوى عليه عام وبه تم، ليأتي أول يوم جديد لعام جديد!
هذا اليوم أضفناه إلى أيام مضت ومن أجل فلسطين بالذات ذكرى قائمة مؤلمة!
ولا أدري عن هذه الذكرى شيئاً مما تعنيه! فهل هي الاحتفال بيوم هازم كأنما هي الزفة الحزينة. أو هي كجناز كنسي، كما هي العظة جنت، فغنت في الطريق كما هو في قول خليل مطران. أم أن ذلك يعني إثارة العاطفين حزناً وكمداً ليتجدد ما بهم كلما مرت الذكرى لنغرق في الأحزان، تأكل من عزائمنا، حتى يشمت بنا صانعو الهزيمة لنا!
كل ذلك قد كان من قبل بالنسبة إلى وعد بلفور، ويوم في مايو عام 1948م وكما هو كائن يوم الخامس من يونيو من عام 1967م.
يوم الوعد البلفوري مضت عليه أعوام خمسون، ويوم مايو تأسست فيه الدولة البغي، الدولة الباغية.. مضت عليه الأعوام العشرون.
ما أمر التذكر، فنحن لا نميت ذكرى هذه الأيام، وإنما نحن طائعون نحيي ذكراها. وكل ما نصنعه هو إلقاء المذمة على صانعيها، بلفوريين ترومانيين ومن بعدهم ومن إليهم!
إن يوم مايو عام 1948م تقول السنة عربية: كان يوم الهزيمة بالسلاح الفاسد والمواقف الفاسدة، والرأي المختلف فماذا نقول عن يوم يونيه؟
إن لم تقولوها فسأقولها مستخرجة مما قالوا!
فإن الهزيمة في يوم 5 يونيه كانت بالسلاح الفاسد والغفلة المتعالية. والجنود الذين أصبحوا قادة تحسبهم تمرسوا في عام 1948م فإذا كل المراس أن حسبوا أن يهود عام 1967م هم عام 1948م. أي إن وسيلة الحرب عندهم هي كتلك. فإذا التغير المدمر في خطة أكلت الذكاء والغفلة حسرة مبكية كلفت.
وأمس مضى يوم كئيب على الأرض العربية، فيه تجسدت خيانة وغدر.. تداعت علينا دول كبرى من كل جهة. وحطبت في حبالها دول صغرى خافت أو أغريت، أو هي الحاقدة..
كلهم أعان أن تكون في أرض العرب، في قلب الأرض المباركة دولة إسرائيل.. تفعل فعل النازية.. وتسير بأهداف الصهيونية، وتحلم أحلام اليهود، وتعمل طليعة لاستعمار وطغيان.
في هذا اليوم تم الغدر بالعرب، بل تم فيه جهل العربي لنفسه.. فاستهان بوعد بلفور، ثم استلان لوعود وآمال.. يحسبها صادقة من دول كبرى.. لا تختلف من أجلنا، وإنما من أجل مصالحها، أو من أجل غاياتها.. وتأتلف على الكيد لنا من أجل غاية عند أصحاب المصالح، أو من أجل البداية لتحقيق الغاية عند طلاب الغايات.
في هذا اليوم 15 مايو، انحدرت القيم بفسق اليهود، ونومة العرب..
اليهود، ولا أقول إسرائيل، ولا أقول الصهيونية، ذلك لأن الحلم حلم اليهود، والأساطير أساطير اليهود، والبروتوكولات هي تفنيد لتلمود اليهود، وتنفيذ لها. إهلاك الأمم، ليبقى الشعب المختار.
ثم إسلامي، وديني، وكل تراثي لم يعلن لي أن أكون عدواً إلا لهؤلاء اليهود، فهم أشد الناس بغضاً لديني، لأرضي، لتراثي، لحضارتي، أشد عداوة للذين آمنوا!
فكيف أذهب إلى اسم يحمل أثقال الحقد والنقمة؟..
إن اسم اليهود هو الحقد في قلب المسلم، هو الثقة برصاص العربي..
من معايبنا أننا لا نعرف كيف نكره، كيف نستديم الحقد على الغادرين والطغاة والخونة!!
الضرب فوق الأعناق، والقطع لكل بنان، ما معناهما؟.. معناهما قلب حديد.. وسيف حديد، وعزم حديد، وحقد حديد..
يوم كئيب لم يبتسم فيه إلا زند الفدائي، فجّر الكآبة على قاتله، ناهب أرضه، هاتك عرضه.
الفداء هو الابتسامة في كآبة اليوم الغادر، في وجه الغادرين..
الغادرون هم اليهود، وكل حاطب في حبالهم، سواء كان عدواً أعان، أو عربياً خان..
إن أيام الفرحات لا تصنع شيئاً حتى إنها لم تعد حوافز..
أما أيام الحزن والكآبة فهي التي تصنع الحماسة والدوافع والفداء..
تحيتي ليوم كئيب، كانت فيه نعمة البلوى..
قد ينعم اللَّه بالبلوى وإن عظمت
ويبتلي اللَّه بعض الناس بالنعم
ـ غفلة أن ننسى اليوم الفاتح من نوفمبر!!
لا أريد أن أعتذر من أصحاب هذا اليوم، وإنما أريد أن أعترف بأن ضياع النفس قد أنساني ذلك!
اليوم الفاتح من نوفمبر.. أعني اليوم الأول من تشرين الثاني يأتي على صورتين.. قد حفرتا في التاريخ العربي المذلة، وجاءت صورة ثالثة نقشت صورة الاعتراف..
الصورة المذلة هي وعد بلفور.. والصورة المثل هي زحف الجزائر المسلمة العربية انتصار الأذان ألا يتبربر، وإسماع الأذان باللسان العربي المبين!
اليوم المذلة قد مزق الأرض.. جدع أنف العرب بخيانة من أصدقاء العرب!.. أراد ((لويد جورج)) أن يصنعها، وبين الإقدام والإحجام رضي بلفور أن يكون الوعد باسمه، وتولى كبرها ممزق العرب إلى أشلاء ونستون تشرشل!!
تشرشل تبنى الدفاع عن الصهيونية، ورحب بالاندفاع استجابة للضغط الأمريكي.. من أيام ويلسون الملوح بالسلام في البنود الأربعة عشر.. المطوح بالسلام في ترك الشرق الأوسط قسمة بين كليمنصو، ولويد جورج.. أطعموه الوطن القومي للصهيونية فرجع دون غنيمة السلام، ثم هو لم يغنم حتى السلامة في نفسه!.. إن ((دين المسون)) هو الذي يقول: إن بريطانيا لم تعط وعد بلفور طواعية. وإنما نحن حبذنا لها ذلك، وكلمة ((حبذنا لها ذلك)) لا تعني إلا: أرغمناها على ذلك!!.. وللمبالغة في الستر جعلوا ((ويزمان.. وبلفور)) على واجهة الصفحات من تاريخ هذه المأساة الإنسانية!
أيمضي وعد بلفور في يوم أول نوفمبر، ثم لا أجدني أتذكره، ونحن نعيش محنه، وفي أرزائه؟!.. إن هذا ليس بالتعسف.. إنه ضياع الإنسان في نفسه حتى لينسى أشد الأشياء إيلاماً إلى نفسه.. خطأ كبير لا ينفع معه الاعتذار ولا يشفع معه الاعتراف!!
واليوم الفاتح من نوفمبر.. هو يوم البداية لمليون شهيد عرباً مسلمين زحفوا فوق التراب حفايا. وعرايا يأكلهم السلاح ليعيش التراب.. ليأكل من خيره.. ليصلي في مسجده.. ليتعلم في مدارسه ملايين من هؤلاء الجزائريين.
التحية للجزائر في اليوم المثل.. انتصرنا فيه حينما انتصر الاستعمار، وحينما فشلت الصهيونية المعطلة، وحينما خدعت الحماية الباطلة.. ذلك لأن عبد الحميد بن ياسين، ومحمد البشير الإبراهيمي، وطيب العقبى، والفضيل الورثاني ومن إليهم قد عمروا المساجد بالعقيدة الصحيحة وعمروا المدارس بالقرآن، وعمروا القلوب بالإيمان..
ـ اليوم السادس من شهر حزيران - يونيه.. وهو اليوم الثالث كعام مضى على النكبة والهزيمة.. كان اليوم الخامس وما تلاه من أيام وشهور، وسنة بعد سنة حتى بلغت الثلاث.. يوماً عبوساً ضحكت نوازع الظلم والطغيان فيه.. حتى بلغت الضحكات مدار الصراخ في كل الأرض الحاقدة على العرب..
وساق العدو عجرفته.. وساق المعين له قوته، يأملون في لحظة عاجلة أن يركع العربي تحت مكاتبهم يوقع ورقة بيضاء يرسم الاستسلام.. يضعون فوقها خريطة إسرائيل وإملاء اليهود وأمل الصهيونية..
يحسبون العرب أمة الواحد.. أو تبعاً لسلطان واحد.. إنها أمة الواحد لا إله غيره، ولا سيد سواه..
فالأفراد ينهزمون ويذهبون.. لكن الأمة في هذه الأرض وراءها تاريخ طويل من آلاف السنين.. كأنها ابنة الدهر الأولى..
كان في خيالهم صنع الهزيمة في حرب خاطفة تخلع قلب العربي فيسلم بطلب الرحمة، ويعلن الخضوع..
حتى إذا سألوا أنفسهم أين العربي ألم يجىء مخذولاً وقد هزمناه؟.. أجابتهم أمة العرب في الخرطوم: لا سلام، ولا تسليم، ولكنه الصمود حتى النصر..
وتخيلوا مرة ثانية، أنهم بكيل الضربات على الأردن والقناة ومدن وراء النهر، وقرى حول النهر، أردنا باركه طالوت وداود، ونيلاً مباركاً في ألسنة من هم كطالوت بجيش محمد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.
تخيلوا في المرة الثانية أنهم إذا حرقوا وهدموا وقتلوا بالفانتوم والنابالم يفزعون الشعوب ويرغمونها على التسليم.. ولم يحدث هذا.. فسألوا خيالهم، وجن خبالهم، فجاء الجواب: لا فزع، لا تسليم، إنما هو النصر والشهادة والصمود..
لقد حسبوها أياماً.. فإذا هي سنوات، وسنوات.. أفاق العالم فيها كزمن على أنه صدق الوهم.. وأعان الظالم وسيغرق - إن لم يفق - دنياه في حروب طاحنة، بدأت تأكل صانعي الحروب من الداخل..
إن يوم التضامن من حزيران.. كان يوماً عظيماً في البأساء أعقبت اليقظة، وكشفت الخبيء وأزاحت العماية عن عيون الكثيرين.. فقبله كان العربي يخاف الموت.. أما اليوم فهو صانع الموت لا يخشاه على نفسه.. ولا يتحرز أن يسقيه كأساً مريرة لعدوّه..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1106  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 566 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.