شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
وتشبع النفس والعين
ـ والإِنسان يعيش المتعة حين يرى الجمال في كل شيء، في الجبل وتضاريسه ومساقط الماء كأنه قد انشق جداول، وفي الشجر وفي كل شيء..
في كل شيء له آية تدل على أنه واحد جل جلاله خلق الإِنسان ومتعه، خلقه في أحسن تقويمه، ويتم حسن التقويم في الخلق إذا أتم الله النعمة على الإِنسان بحسن الخلق، ولا تحسبوا أن عشق الجمال في كل شيء ينافي حسن الخلق، بل إن الخلق الكريم ينمو بحسن الذوق، فالذين لا ذوق عندهم يتعثر سلوكهم..
إن الجمال ليس في اتساق النسق وإنما في تنافر الشكل، أنت لا يعجبك جبل أملس كأنه حصاة واحدة وإنك لتعجب من جبل ذي تضاريس، نتوء يبرز به شكل وكهوف وجداول فإن هذا الاختلاف يكسو الجميل جمالاً..
كل هذه المتع يتذوقها الإِنسان.. يعشقها.. يسرح ويمرح بين السفح والقمة.. تحت جذع النخلة أو حين يرقاها يجني رطبها، الجمال في النخلة هو في النسق غير المتسق بين جريدها التي أصبحت كل جريدة ليفاً وكرنافاً، وحتى العراجين تتلوّن شماريخها متعة للنظر وإمتاعاً للذوق..
كل هذا تشبع منه النفس والعين وحتى القلب، لكن شيئاً واحداً قد تفوق في تذوقك له ومتعتك به.. هو الكلمة البيانية شعراً و نثراً، حديثاً مرسلاً أو مذاعاً أو متلفزاً، ذلك لأنه يجمع بين متعة النفس والعين والقلب ويزيد عليها بمتعة العقل ومتعة الاحتفاظ.. كل جميل غير الكلمة البيانية قد ينتهي إلى الذكرى، أما الكلمة البيانية فإنها لا تنتهي بالذكرى لأن متعة العقل بها يجعلها حاضرة ناضرة بالتذكير كأنها وقد امتلأ العقل بها أصبحت تذكرك بنفسها دائماً.. فأصحاب البيان لا تكاد تنساهم، فالبيان لهم عنك بعيد أن يكون لأن الإبانة منهم قرب عقل ونزهة روح!
ويكفي البيان ثناء قول رسول الله صلى الله عليه وسلمكما هو في الحديث الصحيح: ((إن من البيان لسحراً)) ودعني أضرب لك مثلاً بكلمة أو كلمات. قال الإِمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - ((إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره، وإن أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه)).. وكلمة خليل مطران شاعر القطرين يصف جنازة مسيحية يذهبون إلى القبر بين الطبل والزمر، فقال:
عظة جنت
فغنت في الطريق
وكلمة الرافعي مصطفى صادق: ((إذا اتخذت سفيهاً ليسافه عنك فاحذره في اليوم الذي لا يكون فيه سفيهاً إلا عليك!)) وكلمتي: ((الأباطرة كانوا يحتكرون الموبقات فأصبح السماسرة أباطرتها!)).
إن الكلمة البيانية متعة النفس والقلب والعقل والروح!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :583  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 558 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.