شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الرهق الأسود
ـ وتلفن إلي قارئ.. أعجبه التعبير عن ((الرهق الأسود)) المارد من الجن وضعته الأسطورة مجنداً تحت إمرة سيف بن ذي يزن.. يحطم صخور الجبل ينساب النيل إلى واديه، أعجبه أن أصف ((الرهق الأسود)) بقولي ((تكنولوجيا العصر القديم)) ذلك أن كلمة تكنولوجيا أصبحت فتنة العصر لأنها التقدم في هذا العصر.. يتفنن فيها احترافاً واغترافاً صانعوها.. ويفتتن بها الذين يجرون وراءها ليصنعوا بها تقدمهم.
ولست بهذه الصفة إلا معبراً عن قوة العلم في العصر القديم.. ولم يكن علماً صانع مدينة فحسب وإنما كانت صناعته الحضارة في كل مجال.. فإرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالوادي.. وفرعون ذي الأوتاد لم يكن كل ذلك إلا من صنع التكنولوجيا القديم.. فحين انبهر كاتب التاريخ وصواغ الأساطير والبكاء على الحقائق والعاجز عن إدراك العلم سخر الجن فجعلهم هم البناة.. وحكاية الجن نؤمن بها ولا نتنكر لها، فإن لم تكن في حياة سيف بن ذي يزن فإنها كانت في تاريخ ومسيرة الرسول النبي سليمان بن داود.. ورد ذكرها حقيقة قرآنية، عفريت من الجن، مردة يبنون القصر الممرد من قوارير فالعفريت من الجن قد منح من القوة أن يأتي بعرش بلقيس من صنعاء إلى بيت المقدس قبل أن يقوم الرسول النبي من مقامه.. ويعني ذلك الوقت القصير جداً.. تلك فعالية القوة الجنية، أما العلم وما أحسن هذا البيان في إثبات العلم في القرآن الكريم فقد نطق الذي عنده علم من الكتاب بهذه الآية القرآنية: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (النمل: 40) فالقصة في سورة النمل وأليس ذلك سواء كانت قوة العفريت أو قوة العلم إلا التكنولوجية إن تقادم عليها العهد فهي بارزة القوة في حجر ثمود، في البتراء، في الأهرامات، وفي شوامخ الآثار في أسوان وفي حدائق بابل والهيكل في بعلبك.
إن هذه التكنولوجية القديمة لم تمح آثارها السنون وإنما الذي ذهب بخل العلماء الذي ذهب بها وبالأسس التي تم البناء لها هو بخل العلماء الذين يكتنزون العلم.. فالميزة التي امتاز بها الغرب الآن هي أن لا يكتموا كشفاً أو اختراعاً ولو عرف العلماء الأقدمون تعميم النفع وبقاء الانتفاع لما بخلوا بما لديهم ولما حبسوا عن وارثيهم ذلك التراث العظيم.
إن أديسون قال كلمة أحسبها تسجيل المؤاخذة على القدامى فقد قال صاحب الألف اختراع.. الذي أهدى المصباح الكهربائي لدنيا الإِنسان قال: ((إن التفكير في الاختراع سهل، وإبراز الاختراع قد يكون من السهل أما تعميم النفع من الاختراع فهو الصعب)) ولعلّكم تعرفون أن حقنة البنسلين التي عولج بها تشرشل في الدار البيضاء قد عولجت بها عجوز بدوية بعد أشهر في الطائف فلم يحجز البنسلين في قصور الأباطرة وإنما عمّ انتشاره أكواخ البادية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1615  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 548 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.