شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
انتصار البنوة
ـ وما دمنا كتبنا عن انتحار الأبوة فلنكتب عن بعض أبناء قتلوا الأبوة يوم شاخ أبوهم، واحتضنتهم بنوة الابنة، وقد كاد يئدها حية فكيف كان ذلك؟
كان ذلك حين أخبرني أبي أن أحد أبناء عمي في صعيد مصر يكره البنات ويحب البنين فولدت زوجه بنتاً. ولما بلغت اليوم السابع من ولادتها وتلهت أمها عنها تقف أمام الفرن تخبز الأرغفة فالبداوة وأمهات الفلاحين لا تنام في الفراش تتأوه بل تنهض بعد الولادة كأنها ما حملت وما ولدت.
واحتدمت الكراهية للبنت في وجدان الأب فاختطفها في غفلة من أمها وذهب بها يئدها في اليم أعني النيل ولكن عز عليه أن يلقي بها تركها على الشاطئ سمراء الجبهة كالخمرة في النور المذاب لعلّ أحد الصيادين أو الزارعين يلتقطها كما التقطت السيارة الرسول النبي يوسف الصديق عليه السلام. وذهب إلى السوق وظنت الأم أنه أخذها يستنشق الهواء الندي أمام البيت أو غير بعيد على شاطئ النيل.
ومرّ فلاح كان قد رآه وهو يتركها. انتظر قليلاً لعلّ الأب يأتي وبكت الطفلة فحن الفلاح عليها واحتضنها يحملها إلى بيت أبيها وأمها، فتناولتها الأم منه وهي لا تدري ماذا كان يراد بابنتها؟
لم تعلم بشيء من ذلك فقد استحيى الأب أن يكشف سريرته. ومرت شهور وأيام وسنوات حتى زفت الابنة إلى زوج، وحتى تزوج الأبناء فإذا الأب تعجزه الشيخوخة، ذهب إلى بيت أحد الأبناء فضاقت زوجة الابن به. وعرف ثقل الهم على ابنه فخرج إلى بيت ابنه الثاني ثم إلى بيت الابن الثالث كلهم اجتواه وما احتواه.
وعرفت الابنة حال أبيها فخاطبت زوجها فذهبا إلى الأب يدعوانه إلى بيتهما فإذا حنان البنوة وكرم الزوج يجد منهما كل الراحة. فقال:
الذين احتويتهم هجروني والتي اجتويتها انتصرت البنوة بها.
إن أبوتي قد قتلها الأبناء وأحيتها البنت.. وقص على ابنته القصة فضحكت ولم تبك وأعلمت القرية بما كان فبصقوا على الأبناء وافترت ثغورهم بالثناء على البنت.
وهكذا انتصرت البنوة في هذه البنت التي كادت في عصر يوم يبتلعها النهر موءودة.. وبينما الأب في المسجد سمع قارئ القرآن يتلو قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (التكوير: 8 - 9).
وأضحت القرية ذات يوم تزف البنات تتصرف عن الجفوة لكل بنت، ولا تنبذ الصفوة للأبناء ولكنهم عزموا أمرهم على أن يشعروا أبناءهم بما يستأهلون من التربية. وبالمساواة بين الذكر والأنثى في حدود من شرع الله ليقتلوا قول الشاعر.
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
بنوهن أبناء الرجال الأباعد
حذروا بعضهم ليعطى للذكر مثل حظ الأنثيين. ليحذروا الوقف الجَنَفْ لأولاد الظهور دون أولاد البطون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :671  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 517 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.