شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
العشير
ـ واستغنى العشراء، أصحاباً أو أصدقاء أو حتى المعارف، عن مواصلة اللقاء واستعاضوا عنه بالتلفون فأصبح التلفون عشيراً، مزعجاً إذا تكلم المثير، ومريحاً إذا ما تلفن الأثير.
وهكذا.. يعيش الذي ابتعد عن الناس أو الذي بعد عنه الناس، ويترقب الزيارة تلفنة توقظه من أحلام اليقظة.
فالمثير المزعج تتوتر بحديثه أعصاب الشيخ، لكن يعطي قوة لعضل النفس حين تنهض بالمقاومة - أما إذا تكلم الأثير المبهج فعطاؤه متعة النفس يسترخي بها التوتر العصبي ويشتعل بها الدم في جسد الشيخ.
فهو بين المثير والأثير في مشغلة ما أحسنها حين تقتل الفراغ وتذوب بها أحلام اليقظة.
ومن المصادفة أن تلفن إليّ المثير والأثير في وقت واحد، كلاهما طرح سؤالاً واحداً.
قالا: لقد كنا نسمعك تنشد بيتي المتنبي:
ولما صار ود الناس خبا
جزيت على ابتسام بابتسام
وصرت أشك فيمن أصطفيه
لعلمي أنه بعض الأنام
فمالك تركت ذلك وبدأت تسعى للتسامح، تصفو من جفاك وتبتسم لمن أبكاك؟
هل ترى في ذلك أنه إعلان عن فحولة الرجولة أم هو الخضوع لدواعي الطفولة؟
فالشيخ كما قلت أنت من قبل يصبح الطفل الجديد.
قلت لهما: بعض ذلك فقد كان. فالفحولة عقلاً لم أفقدها، والطفولة عاطفة ما أحلاها.
ولكن الأمر غير ذلك، حين أعلنت التسامح أقصيت التناطح، وشأني في ذلك على صورتين..
فالأولى الاحتفال بالحياة ومعانقة الحياء لأهنأ بالعيش.
أما الصورة الأخرى فهي احترام الموت.
فالشيخ متع نفسه حين لا ينسى الموت، تقارب أمده فهو لا يبخل باحترام هذا المصير.
ويعني كل ذلك أنه لم يعد لدي متسع أملأ فؤادي بالكراهية أو البغضاء، فما أحسن أن أستريح بالحب احتفالاً بالحياة ومعانقة للحياء واحتراماً للموت.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :581  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 473 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج