شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشيخوخة
ـ وكتب إلي يقول: لقد أصبحت كالناب الشارف تلزم مبركها، ترغي إذا ما رأت أي خيال، ولو كنت أنا التي أحبتني ذلولاً وأحببتها مطية، أوصلتني إلى بعيد، فقربتني إلى قريب. أصبحت كهذه. أرفض الحب، لأني لم أعد أعرفه وأتطلع إلى الإِشفاق الذي كنت أرفضه. فهل الشيخوخة تعاف الحب وتتطلع إلى الإِشفاق؟ أعطني رأيك. لا أتطلب الراحة فأنا الآن في الراحة المتعبة، يلابسني التعب المريح. كل شيء قد أسقطت التعامل معه ((بالأنا)) فقد انمحى كل شيء من الأنانية، كأنما الشيخوخة حينما تعود بي إلى الطفولة لن تكون هي هي، فالطفل يعرف الحب، ويفرق في الأنانية. أما طفولة الشيخوخة فشيء آخر.. لا حب.. لا أنانية: كل عطائها. أو بالأحرى كل ما تأخذه من حياتي هو أنها شيء له طعم مرير، ومن الغريب أن أستعذبه. كأنما الذين تفلسفوا بتعذيب النفس، قد عرفوها حينما أصبحوا مرضى بالشيخوخة.
وقلت له: وضعت الأسئلة والخبر وأعطيت الجواب، فماذا تريد مني؟ وكتبت إليه: أن هذه الناب أصبحت خائفة عازفة تفزع حتى منك، فقد مضى عهدها بقوة مذللة فأصبحت تعيش ذليلة لا قوة لها. أنسيت وأنت تركبها ذلولاً كل من يراها تطالعه بكل عضلة من عضلاتها، تهتلك الناظرين من تراقصها ترفاً ورفاهية وتيهاً وعزة، أما اليوم فكل عضلاتها تتهتك ولو لم تتساقط، أصبحت جلداً على عظم. فأنت لا تكره أن تنحرها فتلك أنانية الإِنسان. تريدها جزوراً تأكل لحمها، وقد أصبحت بغير لحم، فلست إلا العاجز عن نحرها لأنه لا فائدة من ذلك.
إن الشيخوخة تحول إنسانها من ضاحك بالحب أو باكٍٍٍ من الهجران يستعذب ذلك لأنه حياة الحياة. أما الشيخ فلا حب ولا هجران ولا متعة وليس ابتعاده عن أحبابه وأصحابه ممارسة للكراهية، فالكراهية عطاء كالحب، وليست لديه قوة العطاء. فقد افتقدها حين فرغت نفسه من الأخذ. إنه يتطلب الإِشفاق، لأنه عطاء محض ولو كان مراً، يحسبه العون وهو في حاجة. فأول الحسرات من الشيخوخة فقدان الفحولة، والفحولة في الإِنسان هي الحب والكراهية والهجران والوصل ومطالب الترف وقتل القرف، أما الشيخ فلا وقت لديه ولا رغبة عنده. قد تساقطت كل رغباته وهو لا يدري وتعاونت عليه كل أتعابه وهو لا يحس فالشيخوخة عيشة حي أو معيشة حي، وليست حياة معيشة.
وأجابني يقول لي: لقد ذقت المرارة حين فكرت وتذوقتها جرعة جرعة حين أيدت تفكيري، فأنا سعيد أن أجد هذا الإِشفاق منك. قلت له: لقد نفرت من الشيخوخة حين فكرت بما ذكرت أنت وبما ذكرت لك. وأريد أن أذكرك بهذا البيت لشوقي، فقد قطعت به جهيزة القول بيني وبينك. هو بيت من موشحته التي عن صقر قريش ومطلعها هو طالعك وطالعي الآن.
من لنضو يتنزى ألماً
برح الشوق به في الغلس
حن للبان وناجى العلما
أين شرق الأرض من أندلس
ثم البيت الذي فيه العزاء هو من هذا الموشح:
الأماني حلم في يقظة
والمنايا يقظة من حلم
((وتلفن)) إلي في صوته بهجة وفي خبره بكاء اللهجة يقول لي: لقد سقطت علي اليوم دنيا من المال من قيمة أرض نسيتها فماذا أصنع بها، قلت تصنع به أن تقول:
ولما رأتني في السياق تعرضت
إلي وعندي من تعرضها شغل
أتت وحياض الموت بيني وبينها
وجاءت بوصل حين لا ينفع الوصل
وسكت وسكت الجريح على صوت الصريخ إنه قد مات.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :754  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 467 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.