شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مشاعر الغربة
ـ واغتربت.. أربعين يوماً..
ولم يكن ذلك هروباً.. وإنما هو الخضوع ((للعلاج)).. وطالت ((الغربة)) حيث لم أجد تلك التي أحالت ((الغربة)) إلى وطن.. والوطن إلى ((علاقة)) كأنما ((التعلق)) أحاله السكن إلى ((نظرة)) تستشف الجمال.. تشرب من رؤيته.. تسمع اللفظة الأعجمية ترتاح لها الأذن.. كأن لها رنيناً جرسه عربي..
فالفهم للفؤاد هو معنى ((اللغة)) فقد يستسيغ الفؤاد لفظة أعجمية يرسلها الجمال.. وقد ينصرف ((الفؤاد)) عن كلمة عربية لا يحس الفؤاد بتأثيرها..
فالعين آلة موصلة.. والأذن آلة كذلك.. أما الفؤاد فهو الذي يتلقى ما يصل إليه.. يزنه فيختزنه..
كنت حريصاً أن أراها ولكنهم منعوها.. لأنها الأنثى يحسبون أن مطلب الرجل وقد نيف على السبعين مطلب لا يحبونه له بينما لم أكن كذلك حين كانت ((العذراء)) كنت ((العاشق)) العذري.. وحين أصبحت الأم كنت الأب ((الفطري)).. ما لمستها يد.. وما لامستها بأيدٍ.. فالقوة تضمحل أمام الجمال.. تستحيل إلى قوة جديدة.. في طهارة ((العفة)) وعفة ((الطاهرة))..
ـ كانت مليحة.. وكانت جميلة.. وكانت ((فقيرة)) فالفقر كما يقول ((علقة المري)) حارس الجمال..
ففي إحدى الزورات التي رحل بها ((علقة)) المري الغطفاني إلى عبد الملك بن مروان.. فقال له عبد الملك وكان يعرف أن ((علقة)) كثير الحفاظ على بناته.. لم يزوج منهن إلا إلى ((العلية)) من الرجال.. لعلّ منهم بعض بني أمية..
قال عبد الملك لعلقة.. ماذا تركت لبنتيك في الصحراء من حارس يحرسهما؟
قال: لقد تركت لهما الحارسين ((العرى والجوع)) فالعارية الجائعة ((لا تتبطر)) ولا ((تتشهى)).. وليس فيها مطمع..
لقد كانت هذه الجميلة التي لم أرها إحدى بنات علقة.. ولو لم تصهرها الصحراء.. وإنما هي من بنات الثلج.. لا تغطيها البرودة.. وإنما الإِنسان فيها.. والجسد منها.. والدم الفوار يحميها من ((الثلج))..
حين أصبحت ((الغربة)) غربة فيها الكثير من الكربة أخذت أنشد:
ما رحمنا للغريب في البلد النا
زح ماذا بنفسه صنعا
فارق أحبابه فما انتفعوا
بالعيش من بعده وما انتفعا
لقد كان المرض بالغيبة عنها وليس بالجفوة منها.. مرضاً جديداً أعفاني من الانشغال بالمرض القديم..
كان مكان ذلك شفاء بينما هو داء على حد قول أبي نواس.. وداوني بالتي كانت هي الداء..
وحين رحلت من تلك القرية.. من تلك الضاحية أنشدت:
لعمرك ما فارقت بغداد عن قلىً
لو أنا وجدنا من فراق لها بدا
كفى حزناً إن رحت لم أستطع لها
وداعاً ولم أحدث بساكنها عهدا
نفثة مصدور.. لا وثبة مغرور.. وإنما هي غناء ينزع إلى الألم وينتزع المسرة بالذكرى والذكرى حلوة.
فقد عرضت وهي تمرضني أن تعطيني صورتها فرفضت.. وعجبت من ((الرفض)) فأتيت بالمترجم أقول لها: حين آخذ الصورة منك تنحصرين فيها.. فلا أراك إلا على وضع واحد.. وأريد أن تكوني الصورة التي تشغلني دائماً.. فأراك في كل الأوضاع التي لم تبد منك.. وإنما خيالي يبديها لي..
إن الصورة حصر أرفضه.. وتصوره تنويع أعيش فيه.. أراك في كل لحظة في أوضاع متعددة فهل أجد في الصورة تلك ((العنود)) التي أمالت عنقها في النفق؟
لكن التصور يريني الكثير والكثير مما أراه لك وفيك.. ومنك.. وبك..
أعيش نعمة هذا الخيال. ولا أريد أن أعيش نعمة الحصر في صورة على ورق.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :640  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 466 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.