كَتَمْتُ دَمْعي فخانَتْني أساريري |
يا وَيْحَ قَلْـبيَ مِـنْ جَـوْرِ الأسَاطِـيرِ |
أكُلّما افترَّ ثَغْـرُ الدَّهْـرِ عَـنْ قَبَـسٍ |
مِنَ الرَّجاء تلاشَى في الدَّياجير؟ |
ما إنْ أدافع تكشيراً يؤرقني |
حتى تُفاجئني الدنيا بتكْشيرِ |
في كلِّ يـومٍ تَغـولُ النائِبـاتُ أخـاً |
أخْلاقه الـرَّوْضُ ماجـَتْ بالأزاهـيرِ |
حُلْوُ السريرة عَـفّ الذَّيْـل طاهِـرُهُ |
صافي المَوارِدِ شَفّافُ المصاديرِ |
ما ضَرّ لَوْ كان قَلْـبي جَلْمَـداً خَشِنـاً |
تَخيب في هَزه هُوج الأعاصيرِ |
يَشْقَى أخو الحُسِّ مَهْمـا بَـشّ طالِعُـهُ |
فاعْجَب لأسْيانَ في أثْـواب مَسْـرورِ |
يا مُولَعاً بِصِلاتِ الوُدِّ يُكْثِرُها |
ظَلَمْتَ قَلْبَك ظُلْمـاً غَـيْرَ مَحْصـورِ |
عَرّضْتَه للأسَى في كلِّ سانحةٍ |
فلَيْسَ يَخْفِق إلا خَفْقَ مَذْعورِ |
يخافُ كلَّ صَباحٍ أنْ يُفاجئه |
صَوْتُ النَّذيـرِ بجُـرْحٍ غَـيْرِ مَسْبـورِ |
إذا غَفا فعَلَى الأشواك تَلْدَغُه |
وإنْ صَحَا فَعَلَى مِثْلِ الأظافير |
لا يَسْلَمُ الحيُّ مِـنْ هَـمٍّ ومِـنْ ألَـمٍ |
إلاّ إذا اعْتَزَلَ الأحياءَ في طُورِ |
* * * |
يا راحـلاً وحَميـدَ الذِّكْـرِ يَخْلُفُـه |
لَمْ يُبْقِ يَوْمُك قَلْباً غَيْرَ مَفْطورِ |
نَمْ في ضَريحِك راضـي البـالِ ناعِمَـه |
هَيْهَات تُطفـي المنايـا شُعْلَـة النـورِ |
سَيَذْكُر الدَّهْرُ ما خَلّفْـتَ مِـنْ أثـرٍ |
حَيٍّ، ومِنْ أدَبٍ بالدَّمْعِ مَسْطورُ |
نَفَضْتَ كَفَّـك مـِنْ دُنيـاك مُكْتَفِيـاً |
منها بأيْسَـرِ مِـنْ نَقْـدات عُصْفـورِ |
فعِشْتَ مِنْ زُهْدِك المَيْمون فـي سَعَـةٍ |
ولُذْت مِنْ نَفْسك الشَّمَّاء فـي سُـورِ |
* * * |
قُلْ للمُفاخِر بالأمْوال يَذْخرُها |
فَخْرُ الرجـال بمـالٍ غَـيْرِ مَذْخـورِ |
يَفْنَى الحُطـامُ ويَفْـنى ذِكْـر صاحِبـه |
وثَرْوةُ الفِكْر تَبْقَى للأداهيرِ |
لو كان حُسْني غنيَّ الجَيْب ما ارْتَفَعَتْ |
في يَوْمه غَيْرُ أصْوات الدنانيرِ |
لكنَّه البلبُل الصَّدّاح فارَقَنا |
فهَزَّ مَنْعاه أسْرابَ الشَّحَاريرِ |
وصَوّح الـرَّوْضُ، فالأزْهـار ذاويـةٌ |
والنَّهْرُ يزفُر في آلام مَصْدورِ |
ودَوْلَة الأدَب العالي مُوَلّهةٌ |
تَبْكي الفَضيلة في جِلْباب عِريرِ |
تبكي الـنَّزاهةَ لَمْ تَزْحَفْ إلى غَـرَضٍ |
والعَبْقَريّة لَـمْ تسْكُـتْ عَـنِ الـزُّورِ |
تبكي الـيَراعَ الـذي أعْلَى مَنارتَهـا |
وذادَ عَنْ حَرَمَيْها كُلَّ مَغْرورِ |
تبكي فـتىً لَمْ يَخفْ في الحـقِّ لائمـةً |
ولَمْ يُبَخّرْ ولَمْ يَرْتَحْ لِتَبْخيرِ |
لا خَيْرَ في أدبٍ هانَتْ كَرامَتُه |
وفي أديبٍ ذَليل النَّفسِ مَأجورِ |
* * * |
يا حُسْن كَـمْ غَمَرَتْـنِي مِنْك نافِلـةٌ |
وكَمْ سَهِرتَ علـى فَـنِّي وتَفْكـيري |
فاعْذُرْ إذا هاضَت الأحْـزان أجْنحـتي |
وغُضَّ طَرْفَك عـن عَيِّـي وتَقْصـيري |
لَمْ يَبْقَ في مُقْلَـتي دَمْـعٌ أجـودُ بـه |
فاقْبَلْ وُجوميَ عُنواناً لتَقْديري |