شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حكايـة عُمْـر
ولد الشاعر في الأرجنتين، عـام 1916، وبعـد سبعـة أعوام رحل مع والِديَه وإخوته إلى سوريـا. وفـي عـام 1929 عاد مع والده إلى الأرجنتين، حيث تزوَّج وأنجب واستقر. وفي هذه القصيدة يوجـه الشاعـر تحيـة إلـى الأرجنتين – مسقط رأسه – ويتغنَّى بمشاهدهـا الطبيعيـة ويستعيد بعض ذكريات حياته، 1990
رُدّي السلام على فَتَاكِ المُغْرمِ
إني حَمَلْتُكِ في دَمِي وعلى فَمي
هذا الترابُ مُحَـبَّبٌ عِنْـدي، فـإنْ
أكْفُرْ برابِطةِ القَرابة أُجْرمِ
أنا حَفْنةٌ مِنْهُ وإن يكُ والدي
يَرْقَى لبَكْرٍ، أو لِتَغْلبَ يَنْتَمي
سَنواتي الأولى بِظلِّكِ عِشْتُها
أنْعِمْ بِفِرْدَوْس الجَمال وأكْرمِ
ما زِلْتُ أذْكرها بلَهْفةِ والِهٍ
ولسوفَ أذْكُرها بقَلْبِ مُتَيَّمِ
سُقْياً لأيامِ الطُّفولةِ، إنَّها
فَجْرُ الحياةِ بوَجْهِها المتبَسِّم
قَدْ تُسْأمُ الأيامُ رَغْمَ جَمالِها
وتَظَلُّ دانيةَ الجَنَى لَمْ تُسْأمِ
هِيَ والسعادةُ تـوأمٌ، فـإذا انْقَضَـتْ
فقُلِ السـلامُ علـى شَقِيـقِ التَّـوأمِ
هَيْهَاتَ يَذْهَبُ طَيْفُهـا مِـنْ خَاطـري
آلَيْتُ أحْبِسُه ولَمْ أتَنَدَّم
لَمْ تَفْرِضِ الأزْهار في دَرْبي، ولا
جادَتْ عليّ بقَطْرةٍ من بَلْسَمِ
لكنَّها جَعَلَتْ فؤادي جَنَّةً
بَشّتْ لكلِّ مُرَمَّمٍ ومُهَدَّمِ
ألْهَمْتِني الأدب ازْدَهَتْ أعْطافُه
لولاكِ لَمْ أكُ بالأديب المُلْهمِ
أدبٌ يَمُتُّ إلى الجَديد برُوحِهِ
وإلى القديمِ بمستواهُ المُحْكَمِ
أدَبٌ تَفِيء النَّيِّرَاتُ لِظلِّه
وعلى شواطِئِه البَلابِلُ تَرْتَمي
لم يُغْرِه مالٌ ولَمْ يَسْتَهْوِه
جاهٌ، ولم يَمْدحْ لِقَصْدٍ مُبْهَمِ
لانَتْ شَكيمَتُه ولكنْ لَمْ يَهُنْ
واشْتدّ لكنْ قَطُّ لَمْ يَتَهَجَّمِ
خُلِـقَ الأديبُ لكـيْ يَكـون مُعَلِّمـاً
ًفإذا التَوى فالوَيْل لِلْمُتَعَلِّمِ
* * *
يا جَارَة النَّهْـرِ الـذي لَـمْ يَجْتَريء
غازٍ عليه، لأنْتِ جارةُ زَمْزَمِ
لما أتَيْتُك بَعْدَ سَبْعِ مَراحلٍ
آمَنْتُ بالفِرْدَوس، لا بجَهَنَّمِ
ومَحَوْتَ مِـنْ ذِهْـني المَدائـنَ كلَّهـا
إلاَّ دِمَشْقَ، فحَبْلُها لَمْ يُصرَمِ
هذي المفاتِـنُ في الحَواضِـر والقُـرَى
نَزَلَتْ عليـكِ مِـنَ السَّمَـاءِ بِقُمْقُـمِ
ماذا أعدّدُ؟ هَلْ يُعَدّ الرَّمْلَ أو
تُحْصَى ملايينُ النُّجومِ بمَرْقَمِ؟
أَنَّى التَفَتَّ استَقْبَلَتْكَ حَديقةٌ
تَزْهُو بألْفِ مُغَرِّدٍ ومُرَنَّمِ
تَلْقَى الصباحَ ببَسْمَةٍ وتحِيَّةٍ
وتَبُشُّ حتى للمَساء المُظْلِمِ
حَلَفَ الربيعُ لَيَلْزَمَنَّ جِوَارَها
سِيّان إنْ يُكْرَْم وإنْ لم يُكْرَمِ
حَوَتِ الزُّهورُ تَعَدَّدَتْ ألوانُها
وتضاحَكَتْ لِمُوَدِّعٍ ومُسَلِّمِ
وتشابَكَتْ تَحْـتَ التـرابِ جُذورهـا
فعبيرُها وبهاؤها مِنْ مَنْجَمِ
لا يَعْتَدي شَوْكٌ على وَرْدٍ، ولا
تَغْتَاب زَنْبَقةٌ كرامَة سِمْسِمِ
حُسْنٌ يُقيّد في الفَصيح لِسَانَه
ويَحُلُّ عُقْدَة ذي اللِّسانِ الأبْكَم ِ
ولَرُبَّما اسْتَهْوَاك فيها جَدْولٌ
يَشْكو هَواه بأنّه المُسْتَرْحِمِ
يَجْرِي وَئيداً كالضَّرير تَعَرّجَتْ
خُطُواتُه ووَهى، ولَمْ يَسْتَسْلِمِ
أو كالغريبِ تَلَعْثمتُ كلماتُه
خَجَلاً، ولولا ذاكَ لَمْ يَتَلَعْثَمِ
يَرْوي حكايتَه بأفْصَحِ لَهْجَةٍ
ويُعِيدُها حيناً بلُكْنَةِ أعْجَمي
ويَئِنُّ مَجْروح الضُّلوع، وقَلْبُه
لَمْ يَحْتَرِقْ وَجْداً ولَمْ يَتَألَّمِ
يَبْدُو على بُعْدِ المسافةِ أرْقماً
لكنَّه لَمْ يَحْوِ سُمَّ الأرْقَمِ
* * *
ولَقَدْ تَـرَى خَلْـفَ الحديقـةِ رَبْـوةً
لَبِسَـتْ قميصـاً مِنْ نَسيـجِ العَنْـدَمِ
حَلِمَتْ بأنْ ستكـونُ طَـوْداً شامخـاً
لكنَّها بَقِيَتْ برَبْعِ السُّلَّمِ
تَلْتَفُّ آونةً بجُبّةِ راهِبٍ
وتَلوحُ ثانيةً بِعِمّةَ مُسْلِمِ
خَفَضَتْ لِزَغْلُـول الحَمَـامِ جَناحَهـا
ولَقَدْ تجـورُ علـى جَنـاح القَشْعَـمِ
تَتْلُو الصلاةَ لربِّها في قَلْبِها
اللهُ في قَلْب المُصلّي، لا الفَمِ!
كَمْ في البريّةِ مَنْ يَبيعُ صَلاَتَه
وصِيَامَه بالفِلْسِ أوْ بالدِّرْهَمِ
* * *
ولَرُبَّما اجْتَذَبَتْ خُطاكَ مدينةٌ
أبْراجُها مَوصولةٌ بالأنْجُم
يَجِدُ الغَريبُ بها فِراشاً ناعماً
وتَوَدّ لَوْ جادَتْ عليه بأنْعَمِ
عَقَدَتْ مَداخِنُها بساطاً أرْبَداً
في الجوّ بَيْنَ مُرَقَّطٍ ومُقَلَّمِ
تَلْهُو الرياحُ به فتَنْثُرُه إذا
هَجَمَتْ، وتَعْقِدُه إذا لَمْ تَهْجُمِ
هذي مَفاتيحُ الثَّراء لأمّةٍ
تَمْشي علـى حَـدِّ الصِّـرَاطِ الأقْـومِ
لولا الصناعةُ لَمْ تَقُمْ مَدَنِيّةٌ
كلا، ولا قالوا استَفِدْ وتَعَلَّمِ
إنَّ الشُّعوبَ بَقاؤها برُقِيَّها
فإذا ارتَقَتْ لَمْ تَنْقَرِضْ أو تُرْغَمِ
لا فَرْقَ في الأقدارِ، إنَّ صَغيرَها
ككبيرها، وأرَقّها كالأضْخَمِ
وإذا الزَّعامةُ لم تَكُنْ بنّاءةً
فالوَيْلُ ثُمَّ الوَيْلُ للْمُتَزَعِمِ
لَو واكَبـَتْ رَكْـبَ التطَـورِ جُرْهُـمٌ
لم تَنْدَثِر أبداً قَبيلة جَرْهُمِ!
يا جَـارةَ الفِضِـيّ فَضْـلُكِ غامـري
وإذا جَزَعْتُ ففـي جَناحِـك أحْتَمِـي
عَلَّمْتِني أنَّ الحياةَ جَميلةٌ
مَهْمَا بَدَتْ في صُورةِ الُمتَجَهِّمِ
وجَعَلْتِني أجِدْ القَناعَة ثَرْوةً
عَزَّتْ على الطَّمّاع والمُتَحَكِّم
ونَضَحْتِ قَلـبي بالبَشاشـة والنـدى
فحنَا على جانٍ وبَشّ لمُجْرِمِ
فإذا مَدَحْتُك لم يَظُنّ مكابرٌ
أني مَدَحتُك كي أفوزَ بِمَغْنَمِ
وإذا ارْتَويْتُ فَمِـن غديـرك أسْتَقـي
وإذا شَبْعت فإن حَقْلَك مَطْعَمي
وإذا انْحَنيتُ على تُرابِكَ لاثماً
فلَقَد لثَمْـتُ المِسْـكَ يَمْلأ مبْسَمِـي
وإذا انْتَسَبْتُ فأنتِ مَهْـد طُفـولـتي
وكبيرُ أجْدَادِي خَليفة "بُرْهُمِ"
لولاكِ لم تَسْتَهوني جِنِّيَةٌ
صبَّت حلاوةَ رُوحِها في عَلْقَمِي
سَمْراءُ ليِّنَة القوامِ تَأَلَّقَت
أدَباً وتَرْبيةً ولُطْفَ تَبَسُّمِ
لم أهْوَها إلاّ لِفَرْطَ سَوادها
لَيْسَ السَّوادُ بمَأْخَذٍ أوْ مَأْثَمِ
مِنْ وَحْـي عَيْنَيْهـا مَـلأتُ بَيـادري
فـإذا اغْتَنَيْتُ فـذاكَ فَضْـل المُلْهـمِ
قابَلْتُها عَرَضاً وحَيّتْ فانْتَشَتْ
رُوحي، وكانَتْ قَبْلَها في مَأْتَمِ
ومَضَتْ تَجاذِبُـني الحديـثَ فخِلْتُـني
أُصْغي لَصَوْتِ البُلْبُلِ المُتَرَنِّمِ
طافَتْ على الشعراءِ تَذْكرُهـم علـى
قَدْرِ الإِجادة لَمْ تَزِدْ أوْ تَظْلُمِ
وتناوَلَتْ شِعْري بنَظْرة ناقدٍ
يزِنُ الكلامَ بِفطْنَة وتَفَهُّم
تَهْتَـزّ مِنْ طَـرَبٍ إذا وَقَعـتْ علـى
حُسْنٍ وتَعْبُـسُ إنْ تَغُصْ فـي طَلْسَـمِ
فَعجِبتُ كَيْفَ تُحيط قارئةٌ بما
يَعْيا به باعُ الأديبِ المُعْلَمِ
ووَدِدْتُ لو شِعْـري استـدارَ قِـلادةً
في جِيدِ سَيِّدةِ الجَمال الأسْحَمِ
* * *
قالوا أتَنْسـى الشـامَ؟ قُلْـتُ أُحبُّهـا
حُباً تَمَلّكَني وخالَطَ أعْظُمي
لكِنْ أأرْخصُ تُرْبَة ذَهَبِيَّةً
أغْلَتْ على حَـرَم الكرامـةِ أسْهُمِـي
فَتَحتْ لشاعِرها خَزائِنَ قَلْبِها
فجَنَى وَوَزّعَ باليَدَين وبالفَم
غنَّى فأطْرَبَ زَيْنَباً في مَكةٍ
وتراقَصَتْ في القُـدْس مُهْجَـة مَرْيَـمِ
يَهْوَى الجمالَ، قَريبَه وبَعيدَه
والقُبْحَ إنْ يَصْمُتْ وإنْ يَتكلَّم
أفْنَى على الفُصْحـى سَحابـة عمْـره
ما حيلتي وجُذورها امْتَصّـت دمـي؟
إنْ تَغْفُ إحْدى مُقْلَتيَّ قَريرةً
أغْفَتْ شَقيقتَها على الشـَّوكِ الدَّمـي
قَلْبي تَقَسَّم بَيْنَ تلكَ وهذه
يا وَيْحَ قَلْبٍ في الهَوَى مُتَقَسَّمِ
لي في ثراكِ – تبارَكتْ ذَرّاتُه -
زَغْلولتي الأولى التي لَمْ تُفْطَمِ
جاءت تُنَضِّرُ بالرَّجاء حَديقتي
وَمَضَتْ بعُمْـر الـوَرْدِ لَـمْ تَتَبرْعَـمِ
وثَلاثةٌ مِنْ إخوتي لَمْ أَحْتَملْ
مِنْ حَقْلِهـم غـَيْرَ الشَّـذا والبَلْسَـمِ
ورِفاقُ دَرْبٍ هَلّلوا لقصائدي
ثُمَ انطَوَوا لا يَرْحمونَ تألُّمي
كنْتُ القَوِيَّ بِهـمْ وكانـوا مَفْزعَـي
واليَوْمَ بِتُّ كَهَيْكَلٍ مُتَهَدِّمِ
أبْكي لِفُرْقَتِهمْ، وأحْسَبُ أنني
أبْكي علـى نَفْسـي وأحْضُـر مأتَمي
أشَفَى السِّـراجُ علـى نِهايـة زَيْتِـه
ونَبَا الحُسامُ وكانَ لَمْ يَتَثلَّمِ
شَتّان مَنْ حَيّا بوَجْهٍ ناضرٍ
طَلْقٍ، ومَنْ حَيّا بوَجْهٍ أقْتَمِ
* * *
يا مَنْبَتَ الأحرار أنْتِ خَميلةٌ
ماجَت بآياتِ الجَمالِ الأعْظَمِ
لكنّ طَيْرَك أجْدَلٌ وحَمامةٌ
والفَرْقُ بينهما بَعيدٌ فاعْلَمي
سُنِّي لكلِّ جَريمة قانونَها
وصِلِي الفَضيلة تَشْـفَ نَفْـس المُنْعَـمِ
لا يستوي كُفْرٌ وإيمانٌ ولا
يُجزَى الـبريء بمِثْـلِ ذَنْـبِ المجُْـرم
لا تأخُذَنّكِ في الشقيِّ هَوادةٌ
مَنْ لَيْـسَ يَرْحَـمُ غَيْرَه لَـمْ يُرْحَـمِ
بِئْسَ العَدالـةُ لَـمْ تَجـىءْ في وَقْتِهـا
ما حاجـتي لِلْغَيْـثِ بَعْـدَ المَوْسِـمِ؟
ليس الذي يُعطـي بقَلْـبٍ ضاحـكٍ
مثلَ الذي يُعطي عطاءَ تبرُّم
اقْبِضْ يَدَيك وحَيِّني ببشاشَةٍ
أمْنَحْك أجْرَ المُحْسِن المُتكرّم!
* * *
أنا ذاهـب يـا رَبِّ فاكْـلأْ صِبْيَـتي
واجْعَل خُطاهـم في الطريـق الأسْلَـمِ
أطْعَمْتُهم ذَوْبَ الفؤاد وصُنْتُهم
بالمُقْلَتَيْن والحَشَاشَة والدَّمِ
إملأ بأنْوار الرجَاء قُلوبَهم
إنَّ الرَّجاءَ عُلالةُ القَلْبِ الظَّمِي
لا تَجْعَلَنّ الحِقْدَ مِنْ أخْلاقهم
الحبُّ يَفْتَحُ كلَّ بابٍ مُحْكَمَ
لا يَرْكُضوا خَلْفَ الغِـنَى، ولْيَرْكُضـوا
خلف الفضيلة يَظْفَروا بالأكرم
علِّمْهمُ أدبي وأرْشدْهم إلى
دَرْبي، فإن النَصْرَ للمُتَعَلِّمِ
علِّمْهُم أنّ البَشاشةَ نِعْمَةٌ
مَنْ لم يَبُشَّ لجارِه لم يَنْعَمِ
علِّمْهمُ أنّ التَّعالي آفةٌ
مَوْصومةٌ مَوْصولةٌ بجَهَنَّمِ
علِّمْهُم أنْ يَخْدمُوا أوْطانَهم
لا يَضْحَـكُ البُسْتـانُ ما لَـمْ يُخـدَمِ
إني اعْتَصَمْتُ مِنَ الإله بمَعْقِلٍ
لَمْ يَنْصَدِعْ وبقُوةٍ لَمْ تُهْزَمِ
دَوْري انتهى فلْيَبْدأوا أدْوارهم
شاخَ العُقابُ فجاء دَوْرُ الهَيْثَمِ!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :422  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 572 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.