يا حِمْصُ جِئْتُكِ بَعْـدَ طُـولِ غِيـاب |
تحدو خُطـايَ إليـكِ لَهْفَـةُ صَـابِ |
مهما نأَيْتُ فإن طَيْفَك ماثِلٌ |
في خاطري، مُلْقىً على أهْدابي |
يا وَيْحَ قَلْبي كَمْ طَبَخْتُ لـه الحَصَـى |
ولكم رَوَيْتُ غَليله بسَرابِ |
عَلَّلْتُه حَوْلَين ثمَّ أتَيْتُكم |
مُتَحرَّقاً للأهْلِ، للأتْرابِ |
ما أطْوَل الأيام في دار النَّوى |
إنَّ الشهورَ تُقاس بالأحْقابِ |
لا تَعْذِلوا مَنْ لم يَعُدْ لبلادِه ِ |
بل فاعْذُروا وسَلـوا عـن الأسبـابِ |
الشَّوقُ أضْناه وَجرَّح قَلْبَه |
لكنَّه سَيْفٌ حبيسٌ قِراب |
أولادُهُ لا يستطيعُ فِراقَهم |
وتُريدُهُ أوطانُه لمآبِ |
فإذا استجـابَ لهـم فَشَرْبَـةُ عَلْقَـمٍ |
وإذا استجاب لها فشَرْبةُ صابِ |
يا حِمْصُ عذَّبني هَواك، وإنَّني |
لأودّ لو طالَتْ حِبالُ عَذابي |
أحْبَبْتُ أهلكِ قَبْلَ أنْ عاشَرْتُهم |
وازدادَ حِينَ عَجَمْتُهم إعجابي |
جَمَعوا إلى البـأسِ الوَدَاعَـةَ والرَّضـا |
فهُمُ الظَّباء وهُم أسودُ الغابِ |
يتسابقونَ إذا دَعاهم للعُلا |
داعٍ بِلا منًّ ولا تَصْخابِ |
مِنْ كلَّ وضَّاحِ الجبينِ تَخالُه |
مُتَحَدّراً مِنْ نَجْمةٍ وشِهابِ |
أحْبَبْتُ رابطة الصداقةِ والنَّدى |
مَنْ لا يُحب صداقة الآدابِ؟
(1)
|
أحْبَبْتُ كُلَّ مليحةٍ وقبيحةٍ |
هَزّتْ يَدي، كُرْمـى لِعَيْـنِ "رَبـابِ" |
أحْبَبْتُ حِمْصَ لم أزَلْ مُتَمسَّكاً |
بالعَهْدِ رَغْمَ تناثُرِ الأحبابِ |
هِيَ في طليعتِهم إذا صَنَّفْتُهم |
في دَفْتَر، ودَرَسْتُهم بكتابِ |
لولا هوى "يَبْـرودَ" كنـتُ جعلتُهـم |
حَرَمـي، وكـان "قُصيرَهـا" محْرابي
(2)
|
يا مَهْدَ "نَصْر" هَـلْ رأيـتَ دموعَـه |
وسمعتَ زَفْرة شَوْقه اللَّهابِ |
دَعْني أخِرُّ على ثَراك مُقَبَّلاً |
باسم الألى نَزَحوا، أعزّ تُرابِ |
أحْبَبْتُ عاصيها وكلَّ ذُريرة |
مِنْ مائه المتعرَّج المُنْسابِ |
نهرٌ يَفيـض علـى الريـاض بشَاشـة |
ويموج بالألوان والأطْيابِ |
يا نَهْرُ حدَّثنا بقصة "لُؤْلُؤٍ" |
ولقائهِ للشاعرِ الجَوَّابِ
(3)
|
أسَدَان… هذا بالخيالِ مُدَجَّج |
شاكٍ، وذلك بمِخْلَبَين ونابِ |
شَغَلا الوَرَى… هـذا بخالـدِ شِعْـره |
وأميرُ حِمْصَ بِرأسِهِ الوثَّاب |
حتى إذا جَمَعتهما ساحُ الوَغَى |
وَتَسرْبلا مِنْ عَثْير بنِقابِ |
ولَّى أمير الشَّعْر مُكْتفياً بما |
في مُلْكه الشَّعْريَّ مِنْ ألقابِ |
وارتدَّ للتغريدِ، شيمةُ بُلبل |
يَدعُ الخَراب لبُومة وغُرابِ |
إنَّ النبوءَة إنْ تكُنْ مَصْنوعةً |
كانت لصاحبها مَطِيّة عابِ |
لا خَيْرَ في مَجْـدٍ، إذا هَـبَّ الهـوى |
لم يَبْقَ مما شادَ غَيْرُ خَرابِ |
* * * |
يا إخْوتـي خَنَـقَ الحَيـاءُ شَجاعـتي |
فإذا كَبَوْتُ، فمـا الشعـورُ بكـابِ |
أنا كَيْفَ أشْكُركُـمْ علـى مَعْروفِكـم |
ردُّوا عَبيرَ قلوبِكمْ عَنْ بابي |
أعْلَيْتُم شَأني بوارفِ ظِلَّكُم |
وغَلَوْتُم في الحبَّ والإطْنابِ |
نَضَّرتُمُ دَرْبي بغَيْثِ عَطائكم |
وأعَدْتُم قَلْبي لعِزَّ شَبابي |
لا فَضْلَ لي إمَّا هَزَزْت نفوسَكم |
بشَرابكم قد طُفْت، لا بِشَرابي |
* * * |
يا إخْوتي أزِفتْ نهاية زَوْرتي |
وَغَداً أغادر جَنَّتي وصِحابي |
لكنَّني مهما تَمادَت غُرْبتي |
سأظَلُّ مَرْبوطاً بعَهْدِ إيابِ |
هَيْهاتَ يُنْسيني البُعادُ شُعورَكم |
أنتم على الصَّبْر الجميل ثوابي |
إنْ لم أعُدْ بالجِسْمِ، سَـوْفَ أزوركـم |
بالروحِ… فانتظروا علـى الأبـوابِ! |