قَدَرٌ أنْ يَموتَ رأْدُ الشَّبابِ |
يا مُصابَ السَّفيرِ أنْتَ مُصابي |
أيُّ جَفْنٍ لم يَبْكِهِ، أيُّ قَلْبٍ |
لَمْ يَغُص مِنْ دمائه في عُبابِ؟ |
غابَ كالشمسِ غَالَهَـا فـي ضُحاهـا |
غائِلٌ مِنْ عَجاجةٍ وضَبابِ |
كيفَ أرثيه وَهْوَ حَيٌ بقلْبي |
رُبَّ ذِكْرى تُقيم مَنْ في التَّرابِ |
جَمَعَتْنا مَوَدّةٌ لَمْ تُمَّوه |
برياء ولَمْ تُشوّه بعابِ |
لَمْ أخُـنْ عَهْـدَه ولا خـانَ عَهْـدي |
حَلَّ قَوْلي وَقوْلُه عَنْ كِذَابِ |
كمْ بَعيدٍ أعلني، وقَريب |
عُدْتُ منه بخادعٍ مِنْ سَرابِ |
ليسَ تُجدِي ابتسامـةُ الوَجْـهِ إنْ لَـمْ |
يَكُن القَلْبُ مُشْرَعَ الأبوابِ |
عضَّني الدَّهْرُ في شَبابي بنابٍ |
ثُمَّ ثنّى بألْف ناب ونابِ |
الردى مَدَّ كفّه لِلباناتي |
فهَلْ أصْبَحَتْ مِنَ الأسْلابِ؟ |
قَدْ غَصَصْنا بالصَّـاب لكِـنْ شَرِبْنـا |
رَغْمَ آنافنا كُؤوسَ الصَّابِ |
غايةُ العَجْزِ أنْ تُباحَ رِقابٌ |
ثُمَّ لا يَسْتشيط غَيظُ الرَّقابِ |
يا أخا النُّكْتة الطَّريفة تَجْري |
بَيْنَ قَوْسَين مِنْ نَدىً وملابِ |
تَتَسامَى عن السّفاهِ، وَتَجْلو |
غُمّة القَلْب مِنْ وَراءِ نِقَابِ |
خُلْوةُ الوَقْعِ في المسامِعِ رَيَّا |
تَتَهادَى في خِفَّة وانسِيابِ |
ليسَ فيها غَمْزٌ يسوءُ وَلمْزٌ |
وانْحدارٌ لهوّةِ الاغتيابِ |
كلما عادَني خيالُك ثارتُ |
عَبَراتي وَعرْبَدَتْ أوصابي |
لَيْتَ لم تَنْعَقِد عُرانا على - |
الودَّ ولم يَنْفتح لُحبَّك بابي |
قطْعَةٌ مِنْ صِباي كلُّ صديقٍ |
كيفَ أنسَـلُّ مِـنْ بقايـا صِحابـي؟ |
آفتي أنَّني وفيٌّ… فزِدْني |
يا إلهي، وإن تَوالَى عَذابي |
إنّما الغَدْرُ مِنْ طِباع الذَّئاب |
فاحْمِني مِنْ ثعَالبٍ وذِئابِ |
* * * |
يا رَوابي يَبْرودَ كيفَ استحالَتْ |
بَسْمةُ العيد زَفْرةً، يا رَوابي
(1)
|
قَصَفَ البَيْـن دَوْحـةً فيـك بشَّـتْ |
لهَزارٍ، ولَمْ تَضِقْ بغُرابِ |
بَسَطتْ ظِلَّها وأدنَتْ جنَهاها |
فهْي مَلْقَى العُيون والألبابِ |
كان عَـفّ اللَّسـان جِـداً ومَزْحـاً |
ناعِماً في سُؤالهِ والجَوابِ |
مَنْ رأى قَبْلَه سَليل صُقورٍ |
أضْحَكَتْه خُرافة الأنْسابِ؟ |
أكرمُ الناس عِنْدَه مَنْ تعَالى |
في إنفجاراتِ غَيْظِه مِنْ سبابِ |
لَمْ يُكابِرْ ولَمْ يُفاخِرْ بأصْلٍ |
كلُّنا في حِسابه مِنْ تُرابِ |
يَرْفَعُ المرءَ فِعْلهُ، لا حُلاه |
قيمةُ السيف لم تَكُنْ في القرابِ |
رُبَّ عَبْدٍ في الناسِ صارَ أميراً |
وأميرٍ يُعَدّ في الأذْنابِ |
عَفْوَكَ اللهُ، هَلْ تُشيد بِكفٍ |
وبأخْرى تَدُكّ دون حِسابِ |
حارَ عَقْلي فافْتَحْ مَغالق عَقْلي |
وأعِدْني إلى طَريق الصَّوابِ |
أنا أوْهى يَداً وأضْعَفُ مِنْ أنْ |
أتَعالى لما وَراء السَّحابِ |
ثَرْثَراتِي وَسَفْسطَاتي قُنوطٌ |
أيَظَلّ القُنُوط في أثْوابي؟ |
أنَا يا رَبُّ ذَرّةٌ مِنْ هُبابٍ |
تاهَ في الأُفْقِ فاغْتفِرْ للهُبابِ |
إنْ تَمادَيْتُ في الشُّكوك، فَصَفْحاً |
إنَّما الشَّكُّ خَطْوةٌ للمتابِ |
* * * |
يا سَفيرَ الآمال هاجَ غَليلي |
فأغِثْني بنَهْلَةٍ مِنْ شرابِ |
لستُ في غَمْرة الدُّموع وحيداً |
كلُّ قَلْبٍ على مُصابك كابي |
لا أواسيك رَهْبةً أو رْجاءً |
يَشْهَدُ الله أنني لا أُحابي |
أنْتَ بَعْضٌ مِمَّن يقيمُ بقَلْبي |
وهْوَ شَطْرٌ مُحَبَّبٌ مِنْ شَبابي |