شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الخطيب الصَّامـت
كان رِفْعت كحالة من ألمع شخصيات الجالية العربيـة في الأرجنتـين، ومِنْ أعلاهم هِمَّة، وأنداهم يَداً. أَخلص الخدمة لجاليته ووطنه، وساهم مادياً وأدبياً في شراء دار السفارة السورية، وبناء جامـع بوانس أيرس وغيرهما من المشاريع القومية والإنسانية. وُلد بدمشق لأسرة معروفـة، وتوفي بالأرجنتين عام 1988. وقد أقام له النادي السوري في بوانس أيرس احتفالاً تأبينياً مهيباً شارك فيه الشاعر بهذه القصيدة:
ذِكْراكَ مِلءُ جَوانحٍ وخَواطرِ
سَخِرَتْ بعادِيَة الزمانِ الساخِر
خَطَرَتْ علـى الأرْواح نَفْحـةَ جَنّـةٍ
وَسَعَتْ إلى الأسماع نَغْمةَ شَاعِرِ
تَحْدو زَغاليلَ النسورِ إلى العُلا
وتُثيرُ غصَّاتِ الرَّعيلِ العابِرِ
واهاً على هذا الرَّعيـلِ! لَكَـمْ بَنَـى
مَجْداً، وكَمْ أعلَـى صُـروحَ مفاخِـرِ
حَمَلَ العُروبةَ رايةً ثمَّ انطَوَتْ
وطَوَى جَناحيْه ككلَّ مُسافرِ
لَمْ يَبْقَ منه غَيْرَ جَذْرٍ نائمٍ
تَحْتَ التُّرابِ، وغَيْـرَ جَـذْعٍ ناخِـرِ
ذَهَبوا، ولكنْ لَمْ تزلْ آثارُهم
تُنْبي عَنِ الماضي بنَبْرةِ حاضرِ
لكأنَّهمْ لَمْ يَنْظِموا أو يَنْثُروا
في الغَرْبِ مَلْحَمَـةَ الكِفـاحِ الصابـر
لكأنَّهمْ لم يَحْمِلوا أفكارَهمْ
للناسِ نورَ بَصائرٍ وبَواصِرِ
لكأنَّهم لم يَزْرَعوا أقدامَهم
أوْ يَغْرِسوها في قُرىً وحَواضِرِ
لكأنَّهم لم يَرْفَعوا أعلامَهم
فَوْقَ الثريّا بَهْجَةً للناظِرِ
لكأنَّهم لم يَنْتَضوا أقلامَهم
للفَتحِ فَتْحِ سرائرٍ وضمائرِ
لكأنَّهم لَمْ يَحْزَنوا لنَوائبٍ
لكأنَّهمْ لَمْ يَفْرَحوا لِبَشائرِ
كانَتْ لهم – ثم اضْمَحلّـتْ – دَوْلـةٌ
زَهْراءُ تَرْفُلُ بالبيانِ النَّاضرِ
يتسابَقُ الشُّعراءُ والكتّابُ في
حَلَباتها تَحْتَ الأريجِ الثائِرِ
لَمْ يَخْلُقـوا أدَبـاً، ولكـنْ جَـدّدوا
شَتّان بَيْنَ مُخَضْرَمٍ ومُعاصِرِ
لَمْ يُنشِئوا لُغَةً، ولكنْ ولّدوا
ما كان فيها مِنْ عَقيمٍ عاقرِ
لم يُبْدِعوا صَرْفاً، ولكنْ صرَّفوا
شَمْسَ المعاني بالكَلامِ الآسِرِ
رَبَطوا بأوتادِ النُّجومِ جَناحَهم
وتَمَسّكوا بعُرَى الزَّمانِ الدائرِ
جَعَلوا صَحائفَهمْ مَنائرَ للهُدَى
والفَنَّ، لا لِمُزايدٍ ومُهاتِرِ
الحَرْفُ نُورٌ، فَلْيَكُنْ مُتَلألئاً
ما حاجـتي للنـورِ تَحْـتَ سَتائـر؟
كَمْ في الصَّحافـة مِـنْ دَعِـيٍّ واغـلٍ
بِاسْمِ العُروبةِ والجهادِ مُتاجِرِ
يَتَلَصّصُ الأخْبارَ ثم يُذيعُها
شَوْهاءَ حافلةً بكِذْبٍ ظاهِرِ
إني بُليتُ ببَعْضِهم، فوَجَدْتُهُ
حَرْبَاءَ، لكنْ في سَماجةِ هاذِرِ
أثْنَى على "خُلُقِـي الكريـم" عَشِيّـةً
واغْتابَني قَبْلَ الصباحِ الباكِرِ
فنَبَذْتُهُ وجَعَلْتُ بابي دونَهُ
كَيْ لا أراهُ، ولا يُلمَّ بخاطِري
وغَسَلْتُ قَلْبي مِنْ رواسِبِ وِدَّهِ
لا عُذْرَ يُقْبَلُ للصَّديقِ الغادِرِ
* * *
يا ثاوياً يَعِظُ الرَّجالَ بصَمْتِهِ
أكْرِمْ بآياتِ الخطيبِ الباهِرِ
الله يَشْهَدُ ما ذَكْرتُك للنَّدَى
إلاّ اخْتَنَقْتُ بدَمْعيَ المتناثِرِ
أيامَ تبـذُرُ لا لنفسِـكَ، بَـلْ لكـي
يَجْني الأُلَـى قَطَعـوا طريـقَ البـاذِرِ
تُغْضي عَنِ الزاري بعِفّةِ قادِرٍ
وتَميلُ عنهُ بابتسامةِ عاذِرِ
شِيَمٌ، فتَحْـتُ بهـا القُلـوبَ وَرِثْتَهـا
مُنْذُ الطُّفولةِ كابراً عَنْ كابِرِ
* * *
يا فَخْرَ سوريا وفَخْر ترابها
لمَّا حَنَوْتَ على ثَراها الطاهِرِ؟
مَدَّتْ إلَيْـك يـداً فَمُـدَّ لهـا يَـداً
عُـرِفَ ابـنُ جُلَّـقَ بالوَفـاءِ النـادِرِ
شَرَفاً دمشـقُ! لَكَـمْ أناخَـتْ فاتحـاً
وَعَنَتْ لها قَهْراً إرادةُ قاهِرِ
طَلَعَتْ على الدنيا بهَيْبةِ عالم
وعلى مَنابرِها بهَيْئة شاعِرِ
شابَتْ على مَرَّ الدُّهـورِ، ولَـمْ تَـزَلْ
تَلِدُ البُطولةَ للزَّمانِ العاقرِ
* * *
يا ابنَ الذين تَبَتّلوا لتُراثِهم
وَجَلَوا محاسِنَهُ بريشةِ ساحِرِ
طوّقتَ عُنْقي بالوَلاءِ فَخِلتُني
في صَفَّ "شَوْقي" أو مَقامِ العامـري (1)
زَعَمَ الذين عَمُوا بصائرَ أنَّني
كرّسْتُ شِعْري للغَزال النافِرِ
كَذَبوا… فأزْهاري تعدَّدَ لَوْنُها
وسُلافتي طابَتْ لكل مُعاقرِ
وطنِيَّتي فَوْقَ الظُّنونِ، ومُهْجَتِي
لعشيرتي، ولحُلْوتي، ولزائري
وزّعْتُ قلبي بالتَّساوي بيْنَهم
وأرَحْتُ – ثم حَمَدْتُ ربي – خاطـري
أشْرِفْ عليهم مِـنْ سَمائِـكَ يَرْعَـووا
إنَّي على ثِقةٍ بأنَّك ناصرِيِ
* * *
يا ابنَ الشآمِ بَكَـى عليـك حَمامُهـا
أفْدِي حماماتِ الشآمِ بناظِرِي
كانت حياتُك دَفْتراً لِمَفاخِرٍ
مِلءَ العُيونِ، ومَجْمَعاً لمآثرِ
لا ثَوْرةٌ لِلحقَّ حاميةُ اللَّظَى
إلا بسطت لها يمينَ مُناصِرِ
لَمْ يُلْهِكَ التَّطْوافُ عَنْ طَلَـبِ العُـلا
بَلْ كـانَ واسطـةً لِشَـدَّ أواصِـرِ (2)
* * *
العُرْبُ كُلُهُمُ برأيِكَ أسْرَةٌ
رَغْم اختلافِ مَواطنِ وعَشائِرِ
الضَّادُ تجْمَعُهم، ويَرْبِطُ بينَهم
هَدَفٌ وحُلْمٌ، واشْتراكُ مَظاهِرِ
آمْنتَ بالإسْلام فاعْلَوْلََى له
حَرَمٌ يَمُدُّ بساطَهُ للناصري
حَرَمٌ تغضُّ له العُيونُ مَهابةً
ويَهُزُّ عاطفةَ الغريبِ العابرِ
لولا التعاوُن ظَلَّ حُلْماً شارِداً
إنّ انقسامَ الرأي صَفْقَةُ خاسِرِ
يا إخْوتي في الدارِ لا تَتَخاذلوا
الدارُ سائبةٌ لَوَحْشٍ كاسِرِ
إنْ لم تُفيقوا مِنْ طويلِ رقادِكمْ
آلَتْ حُقوقُ النائمينَ لِساهِرِ
أطْفالُ غزَّةَ بالحِجارةِ شَرَّدوا
جَيْشاً تَدَجَّجَ بالسَّلاحِ الوافِرِ
فابْنُوا علـى الإيمـانِ يُفْلِـحْ سَعْيُكُـم
لَمْ تَكْـبُ عَزْمَـةُ مُؤمـنٍ ومُصابِـرِ
* * *
رُحْماك يا ابنَ الأكرمـينَ، فمُهْجَـتي
نَهْبٌ لعاديةِ القَضاء الجائِرِ
يَتَخَطّفُ الموتُ الزُّؤامُ عَشيرتي
وَيْحَ الضَّعيـفِ مِـنَ القّـويَّ القـادِرِ
لَمْ يَبْـقَ منهـم غَيْـرَ بَعْضِ خَرائـبٍ
مَنْ ذا تَراه بَعْدَ حينٍ ذاكري؟
نَضِبَتْ بعَيْـنيّ الدُّمـوعُ، فإنْ يَمُـتْ
خِلٌّ، فما دَمْعي عليه بهامِرِ
يا مَعْقِلاً للفَضْلِ زَلْزَلَهُ الرَّدَى
ذَهَـبَ التَّـرابُ إلى التُّـرابِ الدائِـرِ
لكنَّ ذِكْرَك سَوْف يَبْقى رايةً
خَفّاقةً في قَلْبِ كُلَّ مُهاجِرِ!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :382  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 541 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج