شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حضارة العرب في إسبانيا (2)
تنقل فيما يلي نبذة مما ذكره العلامة سيد أمير علي في كتابه القيّم (مختصر تاريخ العرب) لما اشتمل عليه هذا الكلام من روعة ورقة في إظهار عظمة تلك الحضارة وعبقريتها.. بعد أن تكلم المؤلف على مملكة غرناطة ومدنها وقراها وأنهارها وحيالها وجداولها وحدائقها وسهولها بشيء من التفصيل قال: (وقد خص العرب سهل غرناطة هذا بجهودهم واستنفدوا فيه جميع قدراتهم الزراعية، ووزعوا مياه نهري شينيل والدورو على عدد لا يحصى من القنوات، وتمكنوا بمهارتهم من الحصول على مواسم متتابعة من الفاكهة والغلال طوال أيام السنة، ونجحوا نجاحاً باهراً في زراعة نباتات أكثر المناطق اختلافاً من حيث المناخ. وكانوا يصدرون كميات كبيرة من الحرير والكتان من الميرة ومالقه إلى المدن الإيطالية التي أخذت تنتعش من ذلك الحين. وكانت مصنوعات غرناطة عديدة ومختلفة. وكانت كل مدينة مشتهرة بصناعة خاصة بها. وكانت ثغور (مملكة بني الأحمر) تزخر بالسفن الأوروبية والمشرقية والإفريقية، وأصبحت عاصمتها (مدينة جميع الأمم) وعُرف أهالي غرناطة بالأمانة والاستقامة وصادق المعاملة، وكان الناس يثقون بكلمتهم أكثر من ثقتهم بالصكوك التي كان يوقعها الإسبانيون المسيحيون. وعلاوة على المنسوجات والمعادن الثمينة كان أهالي غرناطة يصدرون كميات كبيرة من المواد الأولية، وبخاصة القنب والحرير، وكانت فلورنسا تستورد أكبر كمية من حاجتها من الحرير من ثغرى الميرة ومالطه.
مدينة غرناطة:
وكانت مدينة غرناطة كالبرج الشامخ وسط الغوطه.. وكان نهر الدورو يسيل عبر المدينة، وبعد أن يزود منازلها وأسواقها وطواحينها وحماماتها بكفايتها من الماء، يعود فينساب في سهلها ويعطيه الحياة والخصب.
وفي زمن بني ناصر كان يحيط بغرناطة سور متين له اثنا عشر باباً ويعلوه ألف وثلاثون برجاً، وكانت القلعة (القصبة) في الوسط. وكان لكل بيت في المدينة حديقته الخاصة المغروسة بأشجار الليمون والبرتقال والطرنج والآس واللوز والخمائل ذات الشذى العطر، كما كان فيه مورده الخاص من المياه الجارية. وكان في كل شارع من شوارع المدينة عدد كبير من نوافير المياه - كما كانت البيوت في غاية الأناقة. وبلغ عدد سكان مدينة غرناطة في منتصف القرن الخامس عشر أربعمائة ألف نسمة.
وعلى قمة إحدى التلال المقابلة لغرناطة بنى ابن الأحمر قلعة المدينة راية المدينة الحمراء، التي كانت تستوعب أربعين ألف رجل.
إن من المستحيل علينا أن نوفي في هذا المجال الضيق حق هذا العمل (الذي سمي بعمل الجن)، من الوصف. فالأبراج والقلاع والقصور، بفنها المعماري الدقيق، وأروقتها وأعمدتها الجميلة.
وقببها وسقوفها بأصباغها اللماعة التي لم تفقد شيئاً من رونقها الأصلي حتى اليوم. وقاعاتها الفسيحة المشيدة بحيث تسمح بدخول شذا الجنائن المحيطة بها، ونوافيرها التي كان لأصحابها سيطرة كاملة عليها. فترتفع مياهها أو تنخفض، وتظهر وتختفي، كما يشاءون، والأبنية المنقوشة بالأصباغ والمزدانة بالفيسفساء الدقيقة الصنع، والمُنارة بظلال مختلفة، منها الذهبي والقرمزي والأزرق والأرجواني، وبهو السباع بأعمدته الجميلة المائة والثمانية والعشرين، وأرصفته البيضاء والزرقاء، وتناسق ألوانها القرمزية واللازوردية والذهبية، وتماثيل السباع التي يجري الماء من أفواهها، والبركة المرمرية، وإيوان الموسيقى الضخم حيث كان رجال البلاط يجلسون ويستمعون إلى الأنغام الموسيقية تنساب من المنصات العالية، وسراي الحريم الفخمة، كل هذا يحتاج إلى قلم بارع يوفيه حقه من الوصف) رحم الله سيد أمير علي، لم يكتف بكل ما أبدعته براعته في وصف بليغ ممتع لتلك الصفحة من صفحات تلك الحضارة الرائعة التي خلدها العرب في إسبانيا فهو يرى أنها بحاجة إلى مزيد من الوصف البارع الذي يجلو ما تشتمل عليه من روعة وعبقرية ثم تكلم المؤلف عن العلوم والفنون والآداب فقال: (وكان ملوك غرناطة يتنافسون وخلفاء قرطبة في رعايتهم للعلوم والفنون وتشييد المباني العامة. وفي ظل حكمهم المتسامح المستنير أصبحت غرناطة موطن الكثيرين من العلماء والأدباء والشعراء الأفذاذ.. ثم قال ولم تكن فتيات قرطبة أقل شهرة في الأدب من فتيانها، وكان منهن زينب وحمدة وصعَصعة والقلابة ومارية اللاتي أكسبن مسقط رؤوسهن شهرة خالدة لا تمحى على الدهر، ولم يرع ملوك غرناطة ويشجعوا الأدب وحده، بل ازدهرت في عهدهم علوم التاريخ والجغرافيا والفلسفة والفلك والعلوم الطبيعية والطب والموسيقى. وكانت إدارة كل جامعة توكل إلى رئيس ينتخب من أشهر رجال العلم والأدب..
ثم يقول: وقد جرت العادة في الجامعات العربية الإسبانية إقامة احتفالات تذكارية سنوية واجتماعات دورية يدعى إليها الجمهور ويلقي فيها أبرز الشخصيات الجامعية القصائد والخطب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :591  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 86 من 112
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة للأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي

[الجزء الخامس - التقطيع العروضي الحرفي للمعلقات العشر: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج